البوطي.. توصيفُه الثّائرينَ في الثّمانينيات ضدّ حافظ الأسد
بقلم محمد خير موسى
إنّ معرفة موقف الدّكتور البوطي من الثّائرين على حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي ضروريّةٌ لفهم جذور موقفه من ثورة عام 2011م.
ومن الجدير ذكره أنّ الدّكتور البوطي فرّع موقفه آنذاك من موقفه الشرعيّ من الخروج على الحاكم.
• موقف البوطي من الخروج على الحاكم
يحصر الدّكتور البوطي موجبات الخروج على الحاكم بقضيّة واحدةٍ لا غير، وهي أن يتلبّس الحاكم بكفرٍ بواحٍ علنيّ لا يحتملُ التّأويل على الإطلاق.
وتجبُ عنده طاعة الحاكم الشرعيّ ويحرمُ الخروج عليه، والحاكم الشرعيّ كما يقرّره البوطي هو الذي استلم الحكم عن طريق البيعة المباشرة من أهل الحلّ والعقد، أو الذي استلم الحكم عن طريق التّوريث أو الاستخلاف من الحاكم الذي قبله، أو الذي استلم الحكم بالقهر والاستيلاء والغلبة بعد موت الحاكم أو انقلب على حاكمٍ استلم الحكم بالاستيلاء هو الآخر.. فكلّ هؤلاء عند البوطي حكّامٌ شرعيّون يحرمُ الخروج عليهم.
كما أنّه يحرم عنده الخروج على الحاكم الظّالم، فلا تجوز الثّورة على الحاكم بسبب ظلمه وطغيانه واستبداده، وكذلك يحرم عنده الخروج على الحاكم الفاسق؛ بل تجب طاعة الحاكم ولو كان ظالماً غاشماً أو فاسقاً متهتّكاً ما لم يأمر بمعصية.
وأمّا الكفر الصّريح البواح الذي يجيز الخروج على الحاكم عنده فهو ما يكون بإعلانٍ صريحٍ لا مرية فيه من الحاكم بردّته عن الإسلام، بالقول أو الفعل أو السخرية والاستهزاء.
أمّا ما يستوجب الرّدّة من الأقوال فهو أن يعلن الحاكم بشكلٍ واضح إنكارَه لركنٍ من أركان الإسلام أو الإيمان، أو إنكار حكمٍ من أحكام الإسلام المعلومة بالضّرورة.
وأمّا ما يستوجب الرّدّة من الأفعال فهو عند البوطي أو يقوم الحاكم بفعلٍ صريحٍ في دلالته على الكفر، كالسّجود لصنم.
وأمّا ما يستوجب الرّدّة من السّخرية والازدراء والاحتقار، فهو أن يسخر الحاكم بطريقة قاطعة الدّلالة على السّخرية والتّحقير والازدراء من ركن من أركان الإسلام كالصّلاة والحجّ والجنّة والنّار.
فإن لم يصدر من الحاكم شيءٌ من ذلك بشكلٍ قاطع الدّلالة، فلا يجوز الحكم بردّته أو كفره أو الخروج عليه بناء على ذلك.
ومن خلال ما يؤكّده الدّكتور البوطي من موقفه الشرعيّ من الخروج على الحاكم في أكثر من كتاب من كتبه ودرسٍ من دروسِه، نجد أنّه يتّفق في موقفه هذا مع السّلفيّة الجاميّة المدخليّة التي تُعلي من شأن الحاكم حدّ التّقديس وتحرّم الخروج عليه بل تحرّم نصحه أو انتقادَه العلنيّ.
وقد كان لقناعات البوطي هذه أثرٌ كبيرٌ في موقفه من الحكّام عموماً، ومن حكّام آل الأسد على وجه الخصوص.
• الخارجون على حافظ الأسد بغاةٌ أم قطّاع طرق؟!
يرى الدّكتور البوطي أنّ الذين خرجوا على حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي ليسوا بغاةً؛ لأنّ البغي وصفٌ فقهيّ لا ينطبق عليهم.
فالبغاة هم فئةٌ خرجت على إمام المسلمين بمقاتلته، أو بمنعه حقّاً من الحقوق التي يجبُ أداؤُها إليه، معتمدين على رأي اجتهاديّ في تبريرِ عملِهم، وقد توفّرت لهم شوكةٌ ومنعة، وفيهم زعيمٌ مطاع.
وهو يؤكّد أنّ الخارجين على الحاكم إن كانوا بغاةً فعلى الدّولة أن تعاملهم بالآداب الشرعيّة المتعلّقة بالتّعامل مع البغاة، فيقول في كتابه “الجهاد في الإسلام؛ كيف نفهمه وكيف نمارسه؟”:
“ومن الآداب والقيود أنّه لا يجوز للدّولة تعقّب المنهزمين منهم بالقتل، إلّا أن يكون انهزامهم صوريّاً للتحيّز إلى فئةٍ لهم، وأنّه لا يجوز الإجهاز على الجريح منهم ولا مصادرة أموالهم، وإن أخِذوا لا يجوز أن يعاقبوا بالقتل، كما لا يجوز قتل أسراهم، بل يؤدّبون بالسّجن ونحوه إلى أن يتوبوا، ولا يقام عليهم القصاص في قتل الأنفس، كما لا يغرمون بدفع الدّيات ونحوها”.
ولكنّ الدّكتور البوطي يرى أنّ الخارجين على حافظ الأسد في الثمانينيات لا ينطبق عليهم وصف البغي أصلاً، فهو يقول في كتابه “الجهاد في الإسلام؛ كيف نفهمه وكيف نمارسُه؟”:
“ولذا فلن تجدَ في القواعد الفقهيّة وأحكامها، ما يدلّ على انطباق تعريف البغاة عليهم، وإنّما الذي ينطبق عليهم تعريف أهل الحرابة، أي الصّيال، والصّائل يدفع بالأسهل فالأشدّ، فالأشدّ، حتّى يستدفع خطره، كما هو معلوم في كتب الفقه”.
والمقصود بأهل الحرابة والصّيال هم قطّاع الطرق، فهو يرى أنّ الذين خرجوا على حافظ الأسد توصيفهم أنّهم قطّاع طرق وتنطبق عليهم أحكام قطّاع الطّرق.
وقد سمعته في جامع الإيمان وهو يشرح كتابه “الجهاد في الإسلام؛ كيف نفهمه وكيف نمارسُه؟” يقول:
“إنّ وصف البغي وصفٌ محترمٌ لا ينطبق على هؤلاء – يقصد الذين خرجوا على حافظ الأسد – وإنّما الوصف الشرعيّ الذي ينطبق عليهم هو أنّهم أهل حرابة أي قطّاع طرق”.
وبناءً على هذا التّوصيف، فإنّ الدّكتور البوطي يقرّر بأنّ الدّولة لا يجب عليها أن تلتزم تجاههم بشيءٍ من الآداب التي تلتزم بها تجاه البغاة؛ فيقول في كتابه “الجهاد في الإسلام؛ كيف نفهمه وكيف نمارسُه؟”:
“فأمّا لو خرجوا على إمام المسلمين، دون الاعتماد على رأي اجتهاديّ له وجهٌ يمكن قبوله، ولو بوجه ضعيف، أو دون أن تكون لهم شوكة وزعيم مطاع فيهم، فليس على الدّولة أن تتقيّد في مقاومتهم بشيءٍ من تلك الضّوابط والآداب، بل يعدّون عندئذٍ من أهل الحرابة، وبوسع الدّولة أن تعاملهم كمعاملتهم”.
وهكذا نرى أنّ الدّكتور البوطي استكثر على الخارجين على حافظ الأسد في ثمانينات القرن الماضي وصف البغاة، ولم يرَهم أكثر من قطّاع طرق يحقّ للدّولة أن تطلق يدها فلا تتقيّد بأيّة قيود أو ضوابط في التّعامل معهم.
وكم كنتُ أشعر بالاستغراب من توقّع البعض من الدّكتور البوطي عام 2011م موقفاً مخالفاً لموقفه من الخارجين على حافظ الأسد في الثّمانينيات، لكنّ استغرابي هذا كان يخفت عندما أعلم أنّ الغالبيّة من المنتظرين موقفاً مخالفاً لم يطّلعوا أصلاً على مواقفه هذه ولم يستذكروها أو يستصحبوها، وهم يترقّبون ويأملون موقفاً مغايراً.
وبعدَ موقف الدّكتور البوطي من الخارجين على حافظ الأسد؛ ما هي أهمّ المواقف التي مرّت في مسيرة الدّكتور البوطي مع بداية التّسعينيات من القرن الماضي؟
هذا ما سنقف معه – بإذن الله تعالى – في المقالات القادمة.
(المصدر: عربي21)