البوطي؛ تناقضات المواقف بين الصوفيّة والسلفيّة
بقلم محمد خير موسى
على الرّغم من المشرب الصّوفيّ الذي لا يخفى على أحدٍ للدّكتور البوطي إلّا أنّه لم يكن يدَّخر جهدًا في انتقاد انحرافات الصّوفيّة أو ما يقعون به من مخالفاتٍ شرعيّة، وعلى الرّغم ممّا كانت تتسّمُ به عباراتُه من شدّة في انتقادهم إلّا أن سلوكه معهم كان يختلفُ تمامًا وكليًّا عن سلوكه من السلفيّة “الوهّابيّة” الذين لم تهدأ المعارك بينَه وبينهم.
وإنّ الوقوفَ على تفاصيلِ هذا الاتّفاق في منهجيّة التّعامل العلميّ ثمّ الاختلاف والتّناقضُ في الموقف السلوكي من تيارين الأصل فيهما أنّهما في دائرة الانتماء الإسلامي يوضّح خلفيّات مواقف الدّكتور البوطي من مختلف المواقف والأحداث
في السنة الأولى في كليّة الشّريعة وفي محاضرة مادّة فقه السّيرة وكانت عن صلح الحديبية؛ ساق الدكتور البوطي موقف الصّحب الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين أمام عروة بن مسعود وهم يتسابقون إلى ما يتساقط من الماء من فضل وضوئه صلّى الله عليه وسلّم ليأخذوه متبرّكين به، وبعد أن ساق الدّكتور البوطي هذا المثال وأصّلَ من خلاله لمشروعيّة التبرّك بآثار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم بدع الأمر يمرّ دون هجوم على السلفيّة والصّوفيّة معًا لكن بطريقتين مختلفتين.
أمّا السّلفيّة فقد استفاض في نقاشهم العلميّ وأثبت ذلك النّقاش في كتابه ثم قال مهاجمًا:
“ومع ذلكَ فقد ضلَّ أقوامٌ لم تشعر أفئدتُهم بمحبّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراحوا يستنكرون التّوسَّل بذاتِه صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته بحجّة أنَّ تأثير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد انقطع بوفاته، فالتّوسّل به إنّما هو توسُّلٌ بشيءٍ لا تأثير له ألبتّة، وهذه حجّةٌ تدلُّ ـ كما ترى ـ على جهلٍ عجيب جدًّا”
وبعيدًا عن قضيّة التّوسّل ونقاشها العلميّ، لكنّ الدّكتور البوطي كانَ كثيرًا ما يكرّرُ اتّهام السلفيّة بعد نقاشهم علميًّا بأنّهم “لا يحبّون رسول الله صلى الله عليه وسلّم” وهو يتّحدُ في هذا الاتّهام مع ما يقولُه عموم مشايخ الطّرق الصّوفيّة في اتّهام السلفيّة بأنّهم لا يحبّون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا اتّهامٌ للنيّات والمشاعر يتناقضُ وبدهيّات المنهج العلميّ.
وأذكر تمامًا يومها حين انتقل إلى الحديث عن معنىً آخر مستفادٍ من الحادثةِ لكنّه متعلّقٌ هذه المرّة بالصّوفيّة قائلًا يخاطبنُا نحن طلّابَ السّنة الأولى:
“وستجدون من المشايخ من يقول لكم مستشهدين بهذه الحادثة: تعالوا قبّلوا أيدينا وتبرّكوا بنا فنحن أحفادُ وورثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأنا أقول لكم إيّاكم أن تقبّلوا يد شيخٍ من المشايخ، فهؤلاء الذين يتبرّك بهم مريدوهم ثلاثة أرباعهم دجّالون، نعم ثلاثة أرباعهم كذّابون، يقولون نحن ورثة رسول الله من أجل أن يتبرّك بهم النّاس ورسول الله منهم براء”
هنا يقفُ الدّكتور البوطي من مشايخ الطرق الصّوفيّة الذين يردّدون هذه العبارات ويتبرّك بهم مريدوهم موقفًا عنيفًا.
وقد كان يلزم نفسه بما قالَه في هذا فكان يرفضُ بشدّةٍ أن يقبّلَ أحدٌ يده مهما حاول سواءٌ في ذلك طلّابه وعامّة النّاس.
لكنّه كان على الدّوام يصفُ هؤلاء المشايخ بأنّ قلوبهم تفيضُ بحبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحبّ الله تعالى رغم ارتكابهم لهذا الذي وصفه “بالدّجل والكذب”
في حديثه عن الدّروس المستفادة من غزوة تبوك في فقه السّيرة يذكر الدكتور البوطي أنّ بعض الطّرق الصوفيّة اختلقت زيادة على حديث أبي بكرٍ رضي الله عنه عندما تبرّع بكلّ ماله في غزوة تبوك.
فيقول في فقه السّيرة تحت عنوان “كلمةٌ عن حديث أبي بكرٍ وما اختلقه البعضُ من زيادةٍ فيه ليسوّغوا به بدعةً من أهمّ البدع المحرّمة”:
“ذكرنا الحديث الذي رواه التّرمذي وأبو داود عن تقديم أبي بكرٍ مالَه كلّه للرّسول صلى الله عليه وسلم، وأنّه أجابه عليه الصّلاة والسّلام حينما سأله: ما أبقيتَ لأهلك: أبقيتُ لهم الله ورسوله
وقد اختلقَ بعضهم زيادةً على الحديث: أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: يا أبا بكر إنّ الله راضٍ عنك فهل أنتَ راضٍ عن الله؟ فاستفزّه السّرور والوجد، وقام يرقص أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: كيف لا أرضى عن الله؟!
ثم ذهبوا يجعلون من هذه الزيادة المختلقة دليلًا على مشروعية الرقص والدّوران في حلق الذكر على نحو ما يفعل (المولوية) وطوائف أخرى من المتصوفة.
فأما الدّليل الذي يستندون إليه، فهو دليلٌ مختَلق كما ذكرت، ولم يثبت في حديثٍ صحيحٍ ولا ضعيفٍ أنّ أبا بكرٍ قامَ بفعل ذلك بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كلّ ما ورد في الأمر هو ما ذكرته من نصّ حديث التّرمذي والحاكم وأبى داود، على ما فيه من احتمالات الضعف التي بينتها في تخريج الحديث.
وأما المدلول فلا نقول: إنّه لم يثبت دليلًا عليه، بل الحقّ الذي ينبغي أن يقال: إنّ الدّليل قد ثبت على حرمته. وإليك بيان ذلك”
ثمّ يشرعُ في بيان الأدلّة على حرمة هذا الفعل وهو الرّقص والقفز في الحضرات كما يفعل أتباع الطرق الصّوفيّة، ولا ينسى الدّكتور البوطي أن يجيب عن التساؤل الذي سيتبادر إلى أذهان القرّاء عن انتصاره للسلفيّة على الصّوفيّة في هذا الموقف، فيقول:
” قد يعجبُ البعض من أنّي أنكر على الوهّابية الكثير من آرائهم، مع ما أفعله هنا من الانحياز إليهم، لاستنكار ما يراه الآخرون.
ولا ريبَ أن هذا العجب إنّما هو نتيجة تصوّر خاطئٍ لما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم، فليس من الإسلام في شيءٍ أن يتحوّل لدينا البحثُ العلميّ في العقل إلى عصبيّة مستحكمةٍ في النّفس، وهيهاتَ أن يكون من الإسلام في شيء ما يفعله بعضهم من الانتصار لما عرف به من مذهبٍ ورأي، مصطنعًا بذلك الانتصار للإسلام، وهو يعلم في قرارة نفسه أنه إنما ينتصر للرأي الذي أصبح جزءًا من شخصيتّه وكيانه بين الناس.
لا ينبغي للمسلم لدى البحث العلمي؛ أن يضع أيّ شيءٍ نصب عينيه إلّا كتاب الله وسنة رسوله، ولا يجوز له أن يدع أي سلطان من دون سلطانهما يتسلل بالتأثير على نفسه وفكره”
ثمّ يعودُ ليؤكّد على أنّ انتقاده للصّوفيّة لا يعني بحالٍ من الأحوال التّشكيك بحبّهم لله تعالى ولرسوله أو التشكيك بصدق نيّاتهم وصفاء قلوبهم؛ قائلًا:
“وإذا كنتُ أبحثُ الآن في مسألة انتهيتُ فيها إلى موافقة أولئك البعض ومخالفة كثير من عوام المسلمين أو المتصوفة فيهم، فليس ذلك أيضًا حبًّا بمخالفتهم أو شهوة لنقدهم، ولكن رغبة خالصةً في أن لا أحيد عن كتاب الله وسنة رسوله، مع تقديري لكثيرٍ من هؤلاء السّادة ويقيني بصلاحهم وصفاء نياتهم، وعذري أن هذا التقدير لا يسوغ تجاوز النّصوص أو القواعد أو التأويل لها”
وهذا البيان العلميّ الرّصين كان يصاحبه تنافضٌ في المخرجات السلوكيّة في الموقف من مرتكبي هذه المخالفات التي يعدّها الدّكتور البوطي من أكبر البدع المحرّمة
ففي الوقت الذي يتجاوز فيه الدّكتور البوطي النقاش العلمي إلى الحكم على النيّات والمشاعر مع السلفيّة ونفي حبّهم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ فإننا نرى موقفه من مولانا جلال الدّين الرّومي على سبيل المثال موقفًا مختلفًا بالكليّة وهو الذي أوجد رقصة المولوية التي بنكرها الدّكتور البوطي أشدّ الإنكار.
فيقول عنه في كتابه “شخصيّات استوقفتني”:
“استوقفتني من سيرة جلال الدّين الرّومي الظّاهرة التّالية:
أخضعَ الأدب للتّصوّف، وأخضعَ صوفيّته الأدبيّة أو أدبه المتصوّف لما كان قد تشبّع به من علومه ومعارفه الإسلاميّة، لا سيما الفقه؛ فقد كان فقيهًا حنفيًّا متضلِّعًا، ثمَّ أخضعَ الفلسفةَ الإسلاميّة لنصرة الشّريعة والدّفاع عن عقيدة السّلف”
ثمّ يقرّر الدّكتور البوطي حقيقة ما كان يعيشُه مولانا جلال الدّين الرّومي من لواعج الحبّ وهو يصفُ حديثه عن طفل الأخدود:
“ولو لم يكن جلال الدّين قد ارتشفَ ثمَّ ارتشفَ من خمرة الحبّ الذي يتجاوز صاحبه رسوم القواعد والحجج والكلمات إلى صعيد اللّوعة والشّهود؛ لما وجد سبيلًا إلى ترجمة مشاعر هذا الطّفل التي ألهبت مشاعر أمّه ثمّ ألهبت مشاعر كلّ تلك الجموع التي كانت حولَها”
فلم ينفِ الدّكتور البوطي عن المولويّة رغم إنكاره العلميّ الشديد عليهم حبَّهم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وكذلك كان هو الموقف من الشّيخ أحمد الحبّال شيخ الطريقة الرّفاعيّة، وقد كان يتوسّط الحضرات الرّفاعيّة في الجامع الأمويّ ويحثّ مريديه على القفز على أنغام الإنشاد ووجد الذّكر، في حالةٍ طالما اكّد الدّكتور البوطي على حرمتها ورفضها في ميزان الشّريعة.
وهذا لم يجعل الدّكتور البوطي يتّهم الشّيخ الحبّال في حبّه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بل كان يقرّر على الدّوام أنّه من كبارِ أولياء الله الصّالحين، وكان دائم الزّيارة له والتماس بركته والدّعاء منه، وقد قدّمه للدّعاء في صلاة الاستسقاء الشّهيرة في جامع بني أميّة كونه من أولياء الله الصّالحين الذين تتدفّق قلوبهم وأرواحهم بحبّ رسول الله صلّى الله عيه وسلّم.
يقول الدّكتور البوطي في كتاب “هذا والدي”:
“معنى الرّابطة فيما يقرِّره ويحرص عليه كثيرٌ من مشايخ الطّريقة النّقشبنديّة؛ هو أن يبدأ المريد في أوّل توجّهه إلى ذكر الله عزّ وجلّ فيتصوّر شيخه ويجعل من تصوّره هذا فاتحة ذكره لله عزّوجلّ، ويوصي هؤلاء الشّيوخ مريديهم بهذا العمل على أنّه ضرورة لا بدّ منها، ووجه ضرورته في نظرهم أنّ المريد لا يستطيع أن يستلهم ذكر الله عزّ وجلّ إلّا إذا تصوّر الشّيخ أولًا، إذ إنّه هو الذي يمكِّنه من دخول الحضرة الإلهيّة ذاكرًا ومراقبًا”
والدّكتور البوطي يرى حرمة الرّابطة، بل إنّه قد شنّع على ما يكرّره مشايخ الطّريقة النّقشبنديّة من قولهم: “إنّ حبّ الشّيخ مقدّم على حبّ الله تعالى”
وقد ردّ عليهم الدّكتور البوطي ردًّا علميًّا رصينًا دون أن يشكّك في حبّهم لله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، لكنّه على الإطلاق لم يتعرّض في كلمةٍ لصدق مشاعرهم وحبّهم للّه تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم.
لا بدّ أن أؤكّد ابتداءً أنني شخصيًّا أتبنّى كلّ المواقف العلميّة المذكورة في هذا المقال والتي انتصر لها الدّكتور البوطي، فأنا مع قوله العلميّ بجواز التبرّك بآثار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومع كل ما قاله في قضايا المولوية والقفز والرّابطة، ولا أشكّك بحبّ أحدٍ من هؤلاء للّه تعالى ولرسوله صلوات ربّي وسلامه عليه بل أعتقد بصدقِ وعظيم حبّهم، ولعلّ هذا الاحتراز ضروريّ حتّى لا يقفز هواة التّصنيفِ متّهمين المقال بمحاولة الانتصار لتيار ضد آخر، أو الانتصار للسلفيّة ضدّ الصّوفيّة أو العكس.
تكمن المشكلة في أنّ الدّكتور البوطي لا يبني مواقفه السّلوكيّة من خصومه والمخالفين له من أبناء الانتماء الإسلاميّ من خارج دائرة التصوّف على المنهجيّة العلميّة التي يكرّر أنّه يلزم نفسه بها؛ بل يستندُ في اتّخاذ مواقفه السّلوكيّة منهم إلى جانب الموقف العلميّ على أمرين اثنين هما:
الأوّل: اتّهام النيّات والتّشكيك في المقاصد والحكم على المشاعر القلبيّة
فالذين يرفضون القول بجواز التبرّك بآثار النبيّ صلى الله عليه وسلّم أو يقولون بعدم جواز التوسّل به صلوات ربّي وسلامه عليه هم أناس لا يحبّون رسول الله بينما الذين يقولون: إنّ حبّ الشّيخ مقدّم على حبّ الله فهم مخطئون لكنّ قلوبهم تفيض بحب الله، والذين يرتكبون البدع المحرّمة معتمدين على أحاديث مختلقة مخطئون لكنهم يمكن أن يكونوا من أولياء الله الصّالحين.
وقد يرى البعض الأمر بسيطًا ولكنَّنا نعلم فداحة الأمر حين نعلم أنّ وعيًا مجتمعيًّا كاملًا تشكّل في الحكم على عموم السلفيّة بسبب هذا الخطاب بأنّهم قومٌ لا يحبّون رسول الله وأنّ أقوالهم دافعها هو عدم حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهذا وحده كفيلٌ ببناء سدودٍ عاليةٍ يصعبُ ثقبُ كوّةٍ فيها بين أبنا الامّة الواحدة.
وهل سيكون هذا هو الأثر فيما لو اكتفى الدّكتور البوطي بنقض قولهم علميًا دون التشكيك في نواياهم ومشاعرهم وعاملهم معاملة المخطئين والمرتكبين للمحرّمات من أصحاب الطرق الصّوفيّة؟!
الثّاني: الاتّهام بالعمالة أو الخضوع للأجندات والتبعيّة للأعداء
وهذا منهج لصيقٌ بعموم من يتحدّث عنهم الدكتور البوطي من خصومه المخالفين له من خارج دائرة التّصوّف، بأنّهم إمّا صنيعة العدوّ أو أنّهم يتبعون أجندات العدوّ أو ينفّذون خططه ومراميه
فهو يقول على سبيل المثال في إحدى خطب الجمعة:
“أنا مضطرّ أن أضعكم في هذا الموقف أمام بعض الأسماء؛ من قرأ كتاب أعمدة الحكمة السبعة للورانس يعلم كثيرًا ممّا أقول ويقف على كثير من الوثائق.
إنَّ بريطانيا هي التي خطّطت قبل غيرها للعمل على تفتيت المسلمين وغرست لذلك ثلاثة أسافين :
الإسفين الأوّل: القاديانية وهو إسفين غرسته بريطانيا في الهند وما حولها .
الإسفين الثاني: البابيّة والبهائية وقد غرسته بريطانيا في مصر وفى جهات من شرق أسيا
والإسفين الثالث: الوهابية وإنّما غرسته بريطانيا في الجزيرة العربية”
وهؤلاء الوهابيّة عنده يتكوّنون من قسمين كما في الخطبة نفسها: ” قلّة قليلةٌ جدًّا من المرتزقة والرؤوس العميلة المفكرة التي تتقاضى أموالًا لا تأكلها النّيران؛ هي التي تخطّط وهي التي ترسم، ومِن كثرة كاثرةٍ من الرّؤوس ذوي العقول الفجّة الجاهلة التي سمعت بالدين ولم تدرك منه شيئًا؛ استثارت عواطفها الإسلامية ولم تفسّر أمام عاطفتها حقائق الدين بواسطة العلم أبدًا فجعلوا من أنفسهم جنودًا لتلك القلّة العميلة التي تعلم ماذا تصنع ومن الذي تخدم”
فالسلفيّة عنده فريقان فريق عميل من المرتزقة يحرّكون فريقًا شاسعًا من الجهلة والحمقى مستغلّين عاطفتهم الدّينيّة.
على أنّ هذا الاتّهام بالعمالة والارتزاق واتّباع الأجندات لا يقتصر على السلفيّة بل هو ينطبق على عموم الخصوم المسلمين والإسلاميّين من خارج دائرة التصوّف.
إنّ هذا التّناقض المنهجيّ بين النّقاش العلميّ ومخرجاته من المواقف السّلوكيّة وخلفيّات هذا التّناقض يفسّر الكثير من المواقف الحادّة التي تصل درجة العدائيّة بينه وبين تيّاراتٍ إسلاميّة عريضة في الأمّة، فالقضيّة لا تكمن فقط في موقفٍ علميٍّ أو فكريّ من هذه التيّارات بل يتعدّى ذلك إلى انطباعاتٍ رغائبيّةٍ تشكّك بالنيّات وتحكم على البواطن واتّهاماتٍ قاسيةٍ بالعمالة والتبعيّة يغدو من الصّعب معها صفو الوداد أو قبول الالتقاء.
(المصدر: الجزيرة)