بقلم د. أشرف دوابة
حملت الحضارة الإسلامية شعلة النور والهداية والعدل للعالمين، فما عرفت عنصرية أو ظلماً أو إقصاء، بل كانت راية للعدل وميزاناً للقسط؛ (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد: 25)، وتحت راية العدل برز الاقتصاد في تلك الحضارة لعمران الأرض؛ (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: 61)، وانطلاقاً من عهد الرسالة والخلافة الراشدة والدولة الأموية الممتدة في ربوع الأرض، سوف نركز على البناء الاقتصادي في الحضارة الإسلامية في تلك المراحل من حياة الأمة الإسلامية.
إن البناء الاقتصادي في الحضارة الإسلامية قوامه الإنسان باعتباره خليفة الله في أرض الله؛ (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة: 30)، لتحقيق الرسالة السامية وهي العبادة لله عز وجل؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56}) (الذاريات)، باعتبار العبادة اسماً جامعاً لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، لذا فالسلوك الاقتصادي من إنتاج وتوزيع واستهلاك وتدبير لا يقتصر في الحضارة الإسلامية على الجوانب المادية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى التوجيه نحو السلوك الإنساني الرشيد الذي يحقق التوازن بين الجانب النفسي والجانب المادي؛ (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ {1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4}) (قريش)، بميزان قوامه البناء والتعمير والإصلاح لا الهدم والتخريب والتدمير، قوامه العدل والإحسان والرحمة، لا الفحشاء والمنكر والبغي؛ (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89} إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {90}) (النحل).
المنطلقات الاقتصادية للرسول:
لقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليحمل للدنيا قيمة التكريم للإنسان بغض النظر عن جنسه ونوعه ولونه؛ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}) (الإسراء)، ولم يكن الاقتصاد يوماً من الأيام بعيداً عن منطلقاته، بل كان منبعاً رئيساً لتلك المنطلقات، فحينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة اتخذ بناء اقتصادياً حضارياً للأمة من خلال قرارته الثلاثة ممثلة في بناء المسجد الذي كان تعليم الاقتصاد جزءاً منه، وكذلك المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار التي كانت مؤاخاة اقتصادية امتدت إلى الميراث، فضلاً عن قرار إقامة سوق المدينة، فقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم سوق المدينة في بني قينقاع -أحد أحياء اليهود- وكان هؤلاء اليهود أصحاب السيطرة والنفوذ لما عرف عنهم من الأثرة والظلم، وأكل المال بالباطل، وتعاطي الربا، والاحتكار وغير ذلك، فما كان منه إلا أن اختار موضعاً آخر يناسب عمليات البيع والشراء، وإجراء المبادلات والمعاملات بين الناس، وجعله فسيحاً منظماً، وقال: «هَذَا سُوقُكُمْ فَلاَ يُنْتَقَصَنَّ وَلا يُضْرَبَنَّ عَلَيْهِ خَرَاجٌ» (رواه ابن ماجه).
وحينما امتدت ربوع دولة الإسلام وفتح الله على المسلمين مكة المكرمة لم ينفصم الاقتصاد عن واقع حياة الناس، فظهرت حقيقة قيمة البعد العقدي والأخلاقي في الاقتصاد وبناء الحضارة الإسلامية، فحينما نزل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {28}) (التوبة)، رأي بعض مسلمي مكة الذين يعيشون على التجارة في موسم الحج أن منع المشركين من الحج إلى بيت الله الحرام سوف يؤدي إلى كساد تجارتهم وانهيارها، وجاء الوعد من الله تعالى ليريح بالهم ويبين لهم أن أمر الرزق بيد الله تعالى، وإن كانوا يخافون الفقر فسوف يغنيهم الرزاق من فضله.
لقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم بناء حضارياً اقتصادياً لا يعرف للغش والغبن والاحتكار والربا وأكل المال بالباطل سبيلاً، بناء حرص على جمع الزكاة لتحقيق التوازن الاجتماعي وإقطاع الأرض لمن يريد أن يحييها بالاستصلاح لتوسيع العمران، واحترام الملكية الفردية بصورة لا ضرر فيها ولا ضرار.
البعد الاقتصادي عند أبي بكر وعمر:
ولما جاء الخلفاء الراشدون من بعده، كان أهم ما تميز به عصر الصديق إبراز قيمة البعد الاقتصادي الحضاري في المحافظة على حقوق الفقراء والذود عنها بالسيف، ففي الوقت الذي كرست فيه النظم الوضعية الانحياز للأغنياء على حساب الفقراء حتى يومنا هذا، قال أبو بكر رضي الله عنه كلمته المشهورة: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه».
كما ضرب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أروع الأمثلة في البناء الحضاري الاقتصادي، وفي مقدمة ذلك سياسته الاقتصادية التي اتسع مجال التكافل الاجتماعي فيها ليشمل المسلمين وغيرهم، فقد مرَّ عمر بن الخطاب بباب قوم، وعليه سائل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: مِنْ أيّ أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسألُ الجزيةَ والحاجةَ والسنَّ، فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منـزله فرضخ له بشيء من المنـزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءَه، فواللهِ ما أنصفناه أنْ أكلْنا شبيبته ثم نخذلُه عند الهَرَمِ!
كما راعى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه التوازن الاجتماعي في تقسيم الأرض التي افتتحت عنوة بين المسلمين حينما قال له معاذ رضي الله عنه: والله إذن ليكوننَّ ما تكره، إنك إن قسمتها صار الرَّيْع العظيم في أيدي القوم، ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قومٌ يسدُّون من الإسلام مسداً، وهم لا يجدون شيئاً، فانظر أمراً يسع أوَّلهم وآخِرَهُمْ، فصار عمر إلى قول معاذ.
النموذج الأندلسي الحضاري والاقتصادي:
وحينما أخذت الدولة الإسلامية في الاتساع في ظل حكم الأمويين أبقت كذلك أهل الأرض على أرضهم مع دفعهم الخراج من الإنتاج الزراعي للأرض، ويعد النموذج الأندلسي نموذجاً فريداً في البناء الحضاري الاقتصادي، ففي العام 822م كانت نصف المساحة المزروعة في الأندلس من أراضي العشر، وبدا دور الدولة واضحاً في دفع عملية الإنتاج الزراعي، وتشجيع استصلاح الأراضي وتحسين قواعد الزراعة لصالح أهل البلاد أنفسهم وليس كما عمل المستعمر في ديار المسلمين من استغلال الأراضي في الدول التي استعمرها لصالح بلده الأم.
كما شهدت الفترة ما بين 822 – 950م توجهاً كبيراً نحو التوطن في المدن التي أنشأها المسلمون بالأندلس، حتى تضاعف على سبيل المثال عدد القرى ثلاث مرات في ولاية قرطبة وحدها، كما كانت مدن الأندلس لا سيما المرية وإشبيلية ومالقة مراكز ضخمة ومهمة للتجارة الدولية من جميع مناطق البحر الأبيض المتوسط دون تمييز بين تاجر مسلم وغيره من أصحاب الديانات الأخرى من اليهود والمسيحيين.
وقد تغيرت الحال بعد تحول الأندلس للحكم المسيحي، فباتت التجارة الدولية للمسلمين نسياً منسياً، ويذكر «أوليفا ريمي كونستبل»، أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا، أن القوة النسبية والشهرة التي تمتعت بها جماعات التجار في الأندلس عانت تغيراً ملموساً بين القرنين الرابع والسابع الهجريين (العاشر والثالث عشر الميلاديين)، حيث سيطر التجار المسيحيون على التجارة الدولية.
وقد كان ذلك التضييق على التجار المسلمين عاملاً رئيساً لنمو سريع في موانئ أوروبا الجنوبية ولجماعات التجار فيها، وفقدت ثغور الأندلس نقاط توزيع البضائع القادمة من شرق العالم الإسلامي إلى غربه؛ ومن ثم فقدت أهميتها التجارية التي كانت تتمتع بها فيما قبل القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) من إنتاج البضائع واستهلاكها وإعادة توزيعها، وغدت الأسواق الإسبانية مجرد تابع لفلك التجارة الأوربية، واقتصرت على استهلاك البضائع المستوردة، وغدت بشكل متزايد مصدراً للمواد الخام للأسواق الأوروبية، ولكنها لم تعد مركز توزيع دولياً للبضائع، وحل محل ثغورها بصورة ملحوظة مدينة جنوة الإيطالية التي أصبحت مركزاً لتخزين وتوزيع البضائع الدولية، واستفادت من البناء الاقتصادي للحضارة الإسلامية في الأندلس الذي كان منطلقاً للبناء الاقتصادي في الحضارة الغربية.
لقد كانت الأندلس في ظل حكم المسلمين دولة إنتاج وتوزيع، ويكفي أن نذكر هنا ما سطره ابن حوقل عن انطباعات المسافرين وأوصاف الجغرافيين عن الأندلس بقوله: «وتتباهى هذه المدن بمواقعها ومبالغ خراجها ومداخيلها، ولا توجد مدينة منها لا تعرف الاكتظاظ، أو ليست محاطة بالأرياض القروية الواسعة أو بولاية كاملة، مع وجود القرى والفلاحين الذين يتمتعون بالنعمة ويمتلكون المواشي الصغيرة والكبيرة والمعدات الجيدة وحيوانات الحمل والحقل.. وتقارب أثمان السلع فيها أثمان المناطق المشهورة برخصها، الغنية بمواردها، المنعمة حيث تطيب الحياة».
كما يكفي هنا أن نشير إلى ما ذكره الباحث الإسباني «بدرو شلميطا» من توصيف لحضارة المسلمين في الأندلس مقارنة بالحضارة الغربية بقوله: «لقد كان الأندلس بالنسبة إلى سكان الممالك النصرانية الشمالية من شبه الجزيرة الأيبيرية قطعة من الجنة وأرض المعاد، لم يطل الزمن بهذا الشعور حتى تحول إلى الطمع والنهب والخطف، وأدى انتشار هذه المشاعر إلى ظهور سياسة عدوانية مخططة من أجل غايات اقتصادية، فكان احتلال الأندلس واستثماره فيما بعد الهدف المعلن عنه في صفوف الطبقات العليا من المجتمع الإسباني النصراني.
هذا المجتمع الذي فضل سياسة ابتزاز الجار على سياسة تنمية الموارد الداخلية، لأنها موجهة قبل كل شيء إلى الحصول على الغنائم وفرض الإذلال، وإذا أردنا فعلاً معرفة درجة غنى الأندلس وأهميتها، فيجب أن نتذكر أنها قامت على الاكتفاء الذاتي، وأن نموها دام ثلاثة قرون.
لقد كانت الأندلس قادرة في سنة 400هـ/ 1009م وحتى 75 سنة إضافية على أن تدعم وتمول -دون إرادة منها- نمو مجموعة اجتماعية أخرى، طفيلية وأجنبية؛ هي الدول النصرانية الشمالية، ومن الصعب تقديم دليل أفضل من ذلك لحقيقة الاقتصاد الأندلسي وأهميته منذ نشأته وحتى تولي المرابطين السلطة».
حضارة فقدت إنسانيتها!
إن الحضارة الغربية إذا كان نبتها جاء من التقليد والمحاكاة للحضارة الإسلامية في دولة الأندلس، إلا أنها فقدت إنسانيتها يوم أن قدمت التعصب الطائفي على الكرامة الإنسانية، وهدمت الإنسان المسلم بمحاكم التفتيش قبل أن تهدم إنتاجه وتوزيعه وتستولي على موارده، وهذا ديدن تلك الحضارة التي قامت على جماجم المسلمين في الأندلس، وجماجم الهنود الحمر في أمريكا، ولم تترك بلداً استولت عليه إلا نهبت مقوماته وخيراته.
والمتتبع للمدارس الاقتصادية التي تبنتها الحضارة الغربية يجد أنها مدارس قامت على استعباد الآخر واستغلال ثرواته لصالح الدول الغربية، فإسبانيا التي قامت على جماجم المسلمين في الأندلس كانت منبتاً لظهور مدرسة التجاريين، تلك المدرسة التي عرفت طريقها للظهور في القرن السادس عشر الميلادي، وكانت منطلقاً للأطماع الاستعمارية من خلال دعوتها لتدخل الدولة لمنع تسرب الذهب والفضة إلى خارج البلد، وتشجيع الصادرات لجلب أكبر قدر منهما، وهو ما فتح المجال أمام الغرب لاستعمار البلدان النامية -وفي القلب منها البلدان الإسلامية- لتدعيم أرصدتها من الذهب والفضة.
وظهرت بعدها مدرسة الطبيعيين في فرنسا في القرن الثامن عشر الميلادي، التي كانت ترى أن كل شيء له قانونه الطبيعي، وأن المجتمع الإنساني يجب ألا يتدخل أبداً في القوانين الطبيعية وإلا فسدت حياته، وحيث إن النشاط الاقتصادي مثل أي شيء له قانونه الطبيعي، فيجب أن يترك حراً تماماً دون تدخل من جانب الدولة، واعتبرت تلك المدرسة أن الطبيعة وحدها هي التي تعطي ناتجاً صافياً للناس، ولذلك ركزت كل اهتمامها على النشاط الزراعي باعتباره المصدر الأساسي للدخل، وكانت أيضاً مدخلاً لاستعمار البلدان الإسلامية والاستيلاء على أراضيها.
استعباد أرباب الأعمال:
وحينما ظهرت المدرسة التقليدية وانتشرت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، كان اهتمامها منصباً على الثروة وكيفية نموها، في حين لم تلق بالاً لصانع هذه الثروة، واستعبد أرباب الأموال أرباب الأعمال، وباتت المرأة فريسة للرأسمالية الصناعية واستغلالها، وكان ذلك مدعاة لظهور المدرسة الاشتراكية في منتصف القرن التاسع عشر التي كانت رد فعل للمدرسة التقليدية والنظام الاقتصادي الرأسمالي، تلك المدرسة التي طالبت بإرساء نظام الملكية الجماعية بدلاً من الملكية الخاصة، وحاربت الدين ووصفته بأفيون الشعوب، وكان من نتيجة ذلك أن انتكست الاشتراكية بمخالفتها للفطرة الإنسانية، ولم تعرف شعوبها سوى الاشتراكية في الفقر بالوقت الذي تحول حكامها ورجال الحزب إلى مرتع للترف والثراء، وهو ما عجل بانهيارها في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
إن الماضي والحاضر يكشفان أن المدارس الاقتصادية الغربية لم تهتم إلا بذاتها، واستخدمت غيرها لتحقيق مآربها، وحالت بين دول العالم الثالث واللحاق بركاب التقدم، مستخدمة في ذلك قدرتها العسكرية، أو قوتها الناعمة من خلال مندوبيها في تلك الدول الذين وصلوا لأعلى المناصب بدعمهم، أو من خلال المؤسسات المالية الدولية التي تجيد استعباد تلك الدول بالديون، وهذا بعكس الحال في الحضارة الإسلامية التي حملت التنمية والرحمة والعدل للعالمين.
إنه رغم ما وصلت له الحضارة الغربية من تقدم مادي، فإنها فشلت في بناء إنسان صالح سوي، فأخفقت في تحقيق الأمن النفسي والروحي جنباً إلى جنب مع الأمن المادي للإنسان، حيث نظرت النظريات الاقتصادية لتلك الحضارة إلى الإنسان على أنه كائن عضوي جل همه إشباع غرائزه وشهواته وحاجته المادية، دون أي اعتبارات أخلاقية أو روحية، وكان من نتيجة ذلك أن تفاقمت المشكلات سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي من بطالة وتضخم وانحلال أسري وتفلت أخلاقي وشذوذ وذوبان للهوية.
وكل هذا يبرز مدى حاجة العالم ليستظل بظلال الحضارة الإسلامية ونظامها الاقتصادي الذي يراعي الفطرة الإنسانية، ويوازن بين الأمن الروحي والمادي، ويرسخ مفاهيم الأخلاق الفاضلة، وسد حاجات المجتمع، وتحقيق الحياة الطيبة لأفراده.
(المصدر: مجلة المجتمع)