مقالاتمقالات مختارة

البعد الاستراتيجي في فكر عمر بن الخطاب

البعد الاستراتيجي في فكر عمر بن الخطاب

بقلم صهيب المقداد

عمر بن الخطاب الغني عن التعريف الفاروق، العادل، مُعز الإسلام والمسلمين، ثاني الخلفاء الراشدين والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليهم وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فجك”. تميز الخليفة عمر بن الخطاب بالنظرة الاستراتيجية البعيدة الأفق فكان يحكم لعهده ويفكر في من سيأتي من بعده من أمير للمؤمنين ومن شعوب إسلامية وقد تجلى هذا البعد لدى عمر بن الخطاب في عدة مواقف، منها اختلاف الصحابة على أرض سواد العراق التي فتحت حرباً في زمن الخليفة عمر.

كانت رؤيا عمر بن الخطاب أن هذه الأرض الشاسعة والكبيرة المساحة إن قسمت على الجند ومن حظر في العراق لم يكن لمن جاء من بعدهم شيء وخاصة أبناء الفلاحين والعمال القائمين على الأرض، فقد عد الخليفة هذه الأرض حقاً لكل المسلمين إلى يوم يبعثون وليس فقط لمن عاش في عهد عمر، وقد تبين ذلك في رسالته إلى سعد بن أبي وقاص: “أما بعد، فقد بلغني كتابك، تذكر أن الناس سألوك أن تقسم بينهم مغانمهم، وما أفاء الله عليهم، فإذا أتاك كتابي هذا فأنظر، ما أجلبَ الناس عليك من كراع أو مال، فأقسمه بين من حضر من المسلمين، وأترك الأرضين والأنهار لعمالها، ليكون ذلك أعطيات المسلمين، فإنك إن قسمتها فيمن حضر لم يكن لم يجيء بعدهم شيء”.

كما قطع عمر بن الخطاب الشجرة التي تجمع الناس حولها ظنن منهم أنها شجرة التي تمت تحتها بيعة الرضوان التي بايع الناس تحتها، يقول ابن تيمية رحمه الله: أمر عمر رضي الله عنه بقطع الشّجرة الّتي توهّموا أنّها الشّجرة الّتي بايع الصّحابة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تحتها بيعة الرّضوان لمّا رأى النّاس ينتابونها ويصلّون عندها كأنها المسجد الحرام أو مسجد المدينة. لو رجعنا إلى أصل عبادة الأصنام وقوم سيدنا نوح عليه السلام لرأينا أن الأمر بدأ بصنع تمثال ثم إعتباره شيء عظيم ثم تقديسه ومع مرور الزمان قاموا بعبادة هذه الأصنام. عمر بن الخطاب كان يعي تماماً أن تركهم على هذه الحال وتقديسهم لشجرة سيجعل الأمر يتطور مع مرور الزمان ويعود الناس إلى أمور الشرك والإستغاثة بغير الله وإعتبار الشجرة وسيط بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، غير أن الخليفة كان ذو فهم واسع ونظر ثاقب فقطع عليهم باب من أبواب الشيطان حتى لا تسول لهم نفوسهم بالتمادي واعتبار الشجرة أعظم من مجرد شجرة.

نهى ابن الخطاب في زمانه التزوج من كتابية وليس تحريماً منه لأمر أحله الله فالإجماع قائمٌ بين العلماء على جواز نكاح الكتابية، غير أن عمر أراد قطع دابر الفتنة وظن أن زيادة الأمر عن حده قد يفتن نساء المسلمين وشباب الإسلام، فمنع ذلك. روي عن حذيفة (رضي الله عنه) أنه حين أراد أن يتزوج بيهودية كتب إليه عمر أن خلِ سبيلها، فكتب إليه أحرام يا أمير المؤمنين؟ فكتب إليه عمر: “أعزم عليك ألا تضع كتابي هذا حتى تخلي سبيلها؛ فإني أخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن، وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين”. وكانت آخر مواقف بن الخطاب قبل وفاته وهو في فراشه حاملاً هم المسلمين من بعده وخوفه من أن يسأله الله عن من ولى عليهم من بعد وفاته، فأختار نهجاً هو الأفضل في تاريخ البشر ولم يفعل مثله أحد من قبل ولا من بعد بن الخطاب رضي الله عنه وجعل ذلك على النحو التالي:

1- تحديد الخليفة على المسلمين وحصر الأمر في أفضل الصحابة رضوان الله عليهم ومن بقي من 10 المبشرين في الجنة، فقد إختار من هو الأولى والأحق من غيره، وجعل الأمر شورى بينهم. توفي أبو بكر وعمر بن الخطاب ثانيهم وتوفي أبو عبيدة بن الجراح في زمن خلافة عمر واستثنى الخليفة عمر، الصحابي سعيد بن زيد لقرابته منه؛ فبقي “عثمان بن عفان – عبد الرحمن بن عوف – علي بن أبي طالب – الزبير بن العوام – سعد بن أبي وقاص- طلحة بن عبيدالله” وعند قول أحدهم للخليفة: إستخلف إبنك عبدالله، نهاه عن قول مثل هذا وأغلظ عليه.

2- تحديد الرأي الغالب في حال تساوي الأصوات بين إثنين، وهو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف، جاعلاً رأيه كرأي شخصين، فمن فيهم عبد الرحمن بن عوف، هم الأرجح، وقال فيه: ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف، مسدد رشيد، له من الله حافظ، فأسمعوا منه.

3- أمر صهيب بن سنان أن يصلي بالمسلمين مدة ثلاث أيام حتى تنقضي الشورى. إنما أمر صهيب وهو غير أهل الشورى، لأنه لو تقدم أحدهم وأم بالناس في الصلاة، لظنوا أنه الإمام وأنقضى الأمر إليه، فمن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبو بكر الصديق أن يصلي بالناس عند مرضه، وأستدل المسلمون على هذا بأنه الخليفة بعد رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

4- تحديد زمن لمدة الشورى، وهو 3 أيام لا أكثر، كي لا يبقى المسلمون دون إمام أكثر من ذلك ويختلفوا مع طول المدة وتضطرب أحوالهم.

لم يدع عمر بن الخطاب باب للفتنة في زمانه إلا وأغلقه ولم يدع باب للفتنة في زمن من جاء بعده واستطاع أن يغلقه إلا وفعل، وكان ينظر إلى الأمر على أنه ليس فقط لعهده بل لكل المسلمين إلى يوم القيامة، وهذا التخطيط الاستراتيجي، جعل بن الخطاب سداً منيعاً من سدود الإسلام، وقائداً ذو فكر بارع ونظرة مستقبلية ورمزً من رموز الأمة، لن يتكرر مثله في الزمان، فما ذكرته ليس إلا جزءاً بسيطاً من فكر الفاروق الذي قدم الكثير لهذه الأمة وأبهر العالم كله في عبقرية تفكيره، ووضع ضمن قائمة أفضل 100 شخصية في التاريخ، وذلك في الكتاب الذي ألفه “مايكل هارت” بإسم: “The 100 Ranking of the Most Influential Persons in History”.
————————————————————————————————————–
المصادر:
1-روى البخاري (3294)، ومسلم (2396) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ.
2-ابن تيمية، اقتضاء الصّراط المستقيم (1/306).
3-موسوعة آثار الصحابة 3-1 ج1 تأليف: (أبوعبدالله) سيد بن كسروي بن حسن، صفحة 184
4- خرجه محمد بن الحسن الشيباني: الآثار (74)
5-ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر. البداية والنهاية، الجزء السابع، صفحة: 137، 138، 144.
6-تاريخ الطبري، ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين، رقم الحديث: 1359
7-الفاروق، عمر، محمد حسين هيكل، الفصل: وفاة عمر.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى