البداية والنهاية.. كتاب تاريخ ليس كباقي الكتب
بقلم محمد مرقة
البداية والنهاية كتاب قيم ممتع ماتع من أجلِّ وأفضل الكتب المتحدثة عن التاريخ الإسلامي، ألّفه الإمام الحافظ العلم أبو الفداء إسماعيل بن عمرو بن ضوء بن كثير القرشي الدمشقي البُصرويّ الشافعيّ المتوفّى سنة 774 للهجرة، المشهور بابن كثير. شرع رحمه الله في بداية كتابه بذكر بدء الخليقة وخلق أول الأشياء كالعرش والكرسي والقلم واللوح والسماوات والأرض، وساق قصة إبليس مع آدم عليه السلام، ثم تابع ذكر قصة آدم عليه السلام والأنبياء من بعده وصولاً إلى سرد سيرة خاتم الأنبياء والمرسلين سيد الثقلين محمد صلى الله عليه وعلى إخوانه الأنبياء وسلمّ، فذكر أشياء من التي كانت قبل البعثة من توقع أهل الكتب ومن عنده من علم الأولين بعثته، وذكر أخبار بعض من كان يدين بدين إبراهيم عليه السلام، ثم ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها، وغزواته وجهاده وكل ما يتعلق بسيرته الشريفة صلى الله عليه، ثم اختتمها بذكر وفاته عليه الصلاة والسلام، فتحدث عن مرضه الذي تُوفي فيه، وكيفية تغسيله ودفنه بأبي هو وأمّي، ثم خصّصَّ جزءًا من الكتاب تحدث فيه عن مواليه وأزواجه وأبنائه، ثم تطرق لذكر شمائله ومعجزاته عليه الصلاة والسلام.
ثم شرع في ذكر كيفية مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة، وخلافته وخلافة الثلاثة المرضيين من بعده عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وما كان في خلافتهم من فتوحات ومعارك ومواقف وغرائب مرتبةً على السنين، كحروب الردة زمن الصديق رضي الله عنه، وفتوحات فارس والروم وإفريقية زمن الفاروق وذي النورين رضي الله عنهما، واستفاض في تحليل الخلاف الذي وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، كالقتال يوم صفّين والتحكيم، ومن ثم خروج الخوارج على علي رضي الله عنه، وقتاله لهم في النهروان، ومن ثم اغتياله على يد عبد الرحمن بن ملجم الخارجي، وكيف انتقلت الخلافة من بعده إلى ابنه الحسن رضي الله عنه، ومن ثم كيف تنازل الحسن عنها لمعاوية حقناً للدماء وتجميعاً لكلمة المسلمين، وتابع في ذكر خلفاء بني أمية من بعد معاوية وانتهاءً بمروان بن محمد.
ثم سرد ما كان بين الأمويين والعباسيين، من ابتداء الدعوة العباسية في المشرق واقتتال جيوش الأمويين والعباسيين في معركة الزاب وانتهائها بهزيمة الأمويين ومقتل آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد، وكيف انتقلت الخلافة للعباسيين، وحكى قصة الخلافة العباسية مبتدأ بأبي العباس السفاح وأخيه أبا جعفر المنصور ومنتهيًا بالمستعصم وحريق بغداد وغزو المغول، وتخلل هذا كله ذكر المعارك والفتوحات الإسلامية في عصر الدولتين الأموية والعباسية. وتحدث عن الدول التي نشأت في الخلافة العباسية كالأيوبيين والموحدين والسامانيين والزنكيين والسلاجقة والبويهيين والفاطميين… الخ، وتحدث عن كيفية انتقال الخلافة العباسية من بغداد عقب خرابها على يد المغول، إلى القاهرة وابتداء حكم المماليك الذي عاصره هو، وختم الكتاب بجزء تحدث فيه عن الفتن والملاحم وأشراط الساعة وانتهاء الخليقة. كتاب البداية والنهاية ليس كتاب تاريخٍ عادي، فقد اشتمل على ما لم يشتمل عليه غيره، إذ حوى ما يلي:
1 – سرد التاريخ الإسلامي بشكل مفصل مع إزالة ما لحق به من أكاذيب شوهت صورته.
2 – تضمن السيرة النبوية المطهّرة مفصّلة.
3 – تضمن قصص الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام.
4 – تضمن شمائل محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزاته.
5 – تضمن تراجم الصحابة والتابعين وتابعيهم.
6 – تضمن تراجم العلماء والفقهاء والملوك والخلفاء والقضاة والأعيان والأمراء والولاة.
7 – تضمن تمحيص الأحاديث والروايات والأخبار وبيان ضعيفها من صحيحها، فهو لم يكن يكتفي بذكر الخبر، بل يذكر مدى صحته من ضعفه، فهو ضليع في هذا الفن، ألا وهو علم الرجال ومصطلح الحديث.
8 – تضمن بعض المسائل الفقهية والمسائل الخلافية بين الفقهاء.
9- تضمن ردوداً كثيرة على الفرق المبتدعة.
وغير ذلك الكثير الكثير.
البداية والنهاية بحق موسوعة إسلامية ضخمة يستفيد منها المسلم كيفما فتح صفحات الكتاب، وكل فنٍ تضمنه هذا الكتاب أفرد له كثير من العلماء مألّفات خاصّة، كالتي تحدثت عن السيرة النبوية الشريفة، والشمائل المحمدية، وقصص الأنبياء وتراجم الرجال، وكل ذلك جمعه لنا الإمام الحافظ ابن كثير في هذا الكتاب على أبهى حُلّة وأجمل صورة.
(المصدر: مدونات الجزيرة)