البابا مسيحيو الشرق الأوسط ومخطط جديد
إعداد أ. د. زينب عبد العزيز
في السابع من شهر يوليو 2018 تم اللقاء المسكوني التاريخي في مدينة باري، جنوب شرق إيطاليا، الذي جمع كنائس الشرق والغرب تحت عنوان استفزازي هو “إنقاذ مسيحيو الشرق الأوسط”. فهو لقاء جمع بين رؤساء بطريركات تلك البلدان المسكينة التي يتآمرون عليها منذ تاريخ التاسع من سبتمبر 2001 اللعين. فالبابا يحاول نسج مخططا جديدا ضد هذه البلدان، ذات الأغلبية المسلمة، والتي تضم تلك الأقليات المسيحية. وليس من المبالغ فيه قول إنه أهم لقاء تم منذ الانقسام الذي باعد تماما بين كنائس الشرق وكنائس الغرب سنة 1054 لاختلافهم عقائديا. وهو التاريخ الذي استبعد فيه الفاتيكان كل الكنائس الشرقية بشراسة ومحاها من الذاكرة المسيحية الأوروبية والفاتيكانية، الى أن احتاج إليهم لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وتنصيره، فتذكر وجودهم على سطح الأرض!!
وهو بلا شك أهم اللقاءات، لأن كل هؤلاء المسؤولون الأرثوذكس والكاثوليك واللوثريين لم يلتقوا أبدا للصلاة معا خارج بلدانهم منذ ذلك الانفصال التام الذي وقع سنة 1054. وهذا اللقاء يشبه الى حد كبير ذلك اليوم في سبتمبر 2013، حين نجح البابا في جمع آلاف الأشخاص في صلاة جماعية كبرى بميدان القديس بطرس، في محاولة منه لمنع الغرب من ضرب سوريا حماية لمسيحييها، بينما أنه هو وأذنابه ورؤسائه ورفاقه من قادة النظام العالمي الجديد هم الذين رتبوا لذلك العدوان الغاشم على سوريا. ومدينة ميناء باري هذه هي المكان الذي يبجلّون فيه القديس نيكولا، أحد القديسين المهمين في إعادة الوحدة بين كنائس الشرق والغرب.
وهو بذلك يعد حدثا متفردا بالنسبة لهذه المنطقة حيث “يدفع فيها المسيحيون ثمنا باهظا وسط مختلف الصراعات التي تتهددهم بالإبدة” على حد قول ذلك البابا. بينما يزايد عليه الكاردينال كورت كوخ، رئيس المجلس البابوي لتفعيل الوحدة بين الكنائس قائلا: “قبل الحرب العالمية الأولى كان المسيحيون يمثلون 20 % من التعداد في الشرق الأوسط، بينما هم الآن ليسوا سوى 4 %. والمسيحيون ليسوا مضطهدون لأنهم أرثوذكس أو لوثريين وكاثوليك أو معمدانيين، ولكن لمجرد أنهم مسيحيون”.. ويا له من دهاء وقح.
وترجع أهمية هذا اللقاء الى ان كل هذه الكنائس تشهد وتؤكد “وحدة الدم والاستشهاد”، وهي عبارة ابتدعها البابا فرنسيس، مشعل الحرائق بلا منازع. فكل هذه الكنائس المجتمعة تؤكد أنها بصورة أو بأخرى مستعدة للعمل معا، أيا كانت الخلافات العقائدية القائمة بينهم، والتعاون معا لتدعيم وجود قطيعهم ومساعدته على تنصير الشرق الأوسط بأغلبيته المسلمة. ونفس ذلك الهدف كان معنى زيارة البابا لمجلس الكنائس العالمي في مدينة جنيف بسويسرا قبل ذلك بأسبوعين.
وقد حضر كل ممثلو هذه الجماعات المسيحية من بطاركة كاثوليك الشرق، ـ أقباط وسريان ومارون وأرمن ـ باستثناء البطريرك الملكيان، الذي مثله رئيس حلب. كما ساهم أيضا بعض الأرثوذكس مثال بارتولومي، البطريرك المسكوني للقسطنطينية، وتواضرس الثاني بطريرك الأقباط في مصر، و آرام الأول رئيس سيليسيا والكنيسة الأرمنية. وكذلك الرئيس هيلار يون الذي مثّل البطريركية الأرثوذكسية في موسكو.
وكان اختيار مدينة باري يمثل بوضوح باباً مفتوحا على الشرق: فهو ميناء سفر الحجاج القادمين من الشرق منذ القرن الحادي عشر، لتبجيل بقايا القديس نيقولا، كما أنها تمثل أيضا وخاصة ميناء سفر الفرق الصليبية في القرون الثانية عشر والرابعة عشر تجاه الشرق للأراضي المقدسة لاقتلاع المسلمين. وكان الصليبيون يغوصون في دماء المسلمين لتي كانت تعلو كعوب ارجلهم، على حد قول المؤرخين. ومن نفس المدينة أيضا أطلق الإمبراطور هنري السادس، ابن باربروسا، صيحته لمواصلة الحرب الصليبية الثالثة سنة 1195.
وكانت اللحظة الحاسمة في لقاء باري، بخلاف الشكليات الكنسية اللافتة، من صلوات وصور تذكارية وإطلاق حمام وغيرها، هي ذلك اللقاء المغلق بين البابا فرنسيس وثلاثة بطاركة من بينها تواضرس الثاني، ممثل أقباط مصر. ومن يقول “لقاء مغلق” يقول قطعا أن هناك مؤامرة جديدة تحاك، والتي لن تتكشف إلا حين تنفيذ خططها. وقد استغرق ذلك اللقاء المغلق أكثر من ساعتين، وينبئ عن شيء مأساوي في الطريق..
وتقول جريدة “لا كروا” الفاتيكانية: “ان ذلك اليوم الذي طالب البابا فرنسيس بإقامته، سيعاونه على إعلان قربه من كل الذين يعانون في الشرق الأوسط، وخاصة المسيحيون: فهم مطرودون من منازلهم بسبب الحركات الإسلامية المتعصبة من قبيل داعش أو القاعدة، ومطاردون في بلدانهم أو حتى مضطرون للهرب الى الخارج، حيث أنهم ضحايا التفرقة العنصرية مثلما في مصر او في الأراضي المقدسة”. وهو استشهاد يدل الى أي مدي ذلك اللقاء المنعقد في مدينة باري يعد العُدة لمؤامرة جديدة ضد الإسلام والمسلمين.
وهل من ضرورة ان نذكّر تلك الجريدة الفاتيكانية، وكل المتآمرون المجتمعون في باري، أن داعش والقاعدة وإيزيس أو غيرها من المنظمات الإرهابية هي من اختراع وترتيب الغرب الصليبي عديم الأمانة، الذي ظل يعدّهم لسنوات بعد المسرحية الشيطانية المصنعة محليا المسماة 9/11 ؟ فكل الإعداد لها والمعدات والتمويل التخطيط والإخراج والتنفيذ قد تم تنفيذه كلية بمعرفة تلك الجماعة المتحكمة والتي تقود العالم الي الضياع، وليس الإسلام او المسلمون. أم نسينا صيحة بوش الابن حين اعلن “انها ستكون حرب صليبية طويلة المدى” ؟
وهل لنا ان نذّكر هؤلاء الكذبة المتآمرون ان المسيحيين لا يُطردون من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، حيث كانوا يعيشون في سلام حتى عام 1965، ذلك التاريخ الشؤم لمجمع فاتيكان الثاني، وإنما هم الذين يفرون كالفئران بأموالهم ليقبعوا تحت عباءة أسيادهم؟ ألا يعرف هؤلاء المتآمرون ان هذه الأقلية المسيحية أو القبطية هي من أغنى مليارديرات تلك البلدان ومن كبار مستثمريها؟ وما أسهل مراجعة حساباتهم في البنوك لديكم.
مثال لأعلى درجات الغش والنفاق:
بعد ذلك الاجتماع السري المغلق، الذي امتد أكثر من ساعتين، أطلق البابا فرنسيس نداء للسلام في الشرق الأوسط. وأمام تلك البطاركة المسيحيون القادمين من سوريا ولبنان الى باري طالبين العون الدولي واستجداء الغرب لعودة اللاجئين السوريين المسيحيين الى بلدانهم. أي انه اجتماع ذو صبغة سياسية بحتة ذلك الذي أعده ودعي اليه البابا فرنسيس، وما خفي كان أعظم.
وقد أعلن في الخطاب الذي القاه “ان اللقاء والوحدة يجب ان يكون دوما ما يتم البحث عنه”. فالسلام “تتم تنميته” بما في ذلك “في الأراضي الضحلة للمعارضة” (…)”ان الهدنة التي تفرضها الجدران او محن العنف لن تجدي شيئا، ولا حتى تجار الموت وبائعو السلاح”! ويا لها من عبارة غريبة على لسان أحد هؤلاء التجار!
“كفي لمكاسب البعض على حساب الأعداد الغفيرة. كفي لاحتلال الأراضي التي تقسّم الشعوب! كفي للسيطرة على الحقائق من جهة على آمال الشعوب! كفي استخدام الشرق الأوسط لمصالح غريبة عن الشرق الأوسط! (…) كفي للمعارضات العنيدة! كفي لعطش المصالح الذي لا يراعي أى انسان، بحثا فقط عن الاستيلاء على موارد الغاز والوقود” (…) لا يمكن رفع صوتنا للحديث عن السلام بينما في الخفاء تتواصل اتصالات محمومة لشراء السلاح”.
ترى هل يكن للمرء ان يكون أكثر دهاء ؟ ان من امضي أكثر من ساعتين لنسج مؤامرات جديدة في لقاء مغلق، يتحدث بصوت مرتفع عن السلام ويطعن فيمن يرفضون الوحدة المسكونية!!
لقد أعرب البابا فرنسيس عن خشيته “محو” وجود المسيحيين من الشرق الأوسط، وهو ما سوف “يشوه وجه ومعالم المنطقة”، وأنها عملية محو تتم “في صمت الكثيرين وبتواطؤ الكثيرين”.. “نود ان نكون صوتا يصارع ضد قتل الإنسان وعدم اللامبالاة” متحدثا عن منطقة هي “ملتقى الحضارات ومهد الديانات الإبراهيمية الثلاثة” التي “تضم جذور أرواحنا”..
وأخيرا أفلتت العبارة! “جذور أرواحنا”، ولا يقصد بها المسلمون الذين يعمل على تنصيرهم بكل جُبن ودعاء، وإنما الصهاينة الذين لا يجرؤ حتى على تكذيبهم أو اتهامهم مباشرة، خاصة منذ بدأ الفاتيكان يقدم لهم التنازلات المتواصلة منذ برأهم من مقتل يسوع..
ويا للعار !..
(المصدر: صيد الفوائد)