البابا فرانسيس.. هل جئت تطلب نارا أم تشعل البيت نارا!!
بقلم د. وليد عبد الحي
التغطية الإعلامية التي حفلت بها زيارة البابا فرانسيس إلى العراق اليوم بخاصة من قناة تقدم نفسها على أنها قناة «المقاومة» تكشف عن «سذاجة» مفرطة، ومحاولة لتقديم الزيارة على أنها «فتح إنساني وأخلاقي» لبيئة شرق أوسطية غارقة في الدم والدموع والجهل والفقر.
وبعيدا عن المماحكات الدينية، وبعيدا عن التأويل للمواقف من الأديان، أود أن أتوقف عند الملاحظات التالية
أولا: من هو البابا فرانسيس:
لا أريد الدخول في حياته اليومية وكاثوليكيته التي برأت اليهود من دم المسيح في بيان حمل اسم «في زماننا» عام 1965، رغم أنف الروايات التاريخية المتواترة حول هذه الواقعة، ولن أطيل أمام نص الرسالة التي دسها البابا يوحنا بولس الثاني الكاثوليكي بين حجارة حائط المبكى وكتب فيها: نشعر بالحزن الشديد لسلوك أولئك الذين سببوا المعاناة لأولادك (أي اليهود)، ونحن ملتزمين بإظهار الأخوة الحقيقية نحو «شعب العهد القديم».
لكني سأتوقف عند الفترة التي تولى فيها البابا فرانسيس منصبه الحالي عام 2013، فكانت «إسرائيل» في مقدمة زياراته في مايو 2014 ، ويومها صلى عند المبكى، والتقى بحاخامات «إسرائيل»، ووضع إكليل على قبر هرتزل، وزار مؤسسة «باد فاشيم» لتخليد ذكرى ما يسمى الهولوكوست، ولا يجوز أن ننسى أنه خلال كارديناليته في الأرجنتين كان من أكثر الشخصيات قربا بالجالية اليهودية هناك.
ويكفي أن نعود لمقال الإطراء الكبير على البابا فرانسيس الذي كتبه «عاكيفا تور» رئيس مكتب الشؤون اليهودية والأديان العالمية بوزارة الخارجية الإسرائيلية (في 12 مايو 2014).
ثانيا: خطابة في العراق:
ورد في خطابه عدد من المفاهيم التي لا بد من سوء النية لقراءتها، فقد ركز على المحاور التالية:
1- حوار الأديان (الأديان جمع وليس مثنى..أي ليس بين المسيحيين الكاثوليك الذين يمثلهم وبين المسلمين بل ومعهم اليهود)، والمشكلة ليس في الحوار الثقافي بل في تمويه الهدف السياسي من حوار الأديان.. وزيارته لمدينة أور(مسقط رأس إبراهيم) لا يمكن تأويلها خارج الإيحاء السياسي نظرا لاعتبار إبراهيم «جذر أديان التوحيد».
2- دعوته في خطابه إلى الاعتراف بالطوائف وتحقيق العدالة وضمان الحقوق الأساسية: وكأني به يقول لقد أعطيتم الأكراد رئاسة الجمهورية، والشيعة رئاسة الوزراء، والسنة السلطة التشريعية، فأين نصيب المسيحيين؟ ثم لا بد من الإقرار بهم كهوية فرعية، وقد يكون ذلك مقدمة للمساهمة في إخلال التوازنات السياسية بخاصة إذا شجعت أمريكا وإسرائيل على تحالفات داخلية عراقية تخفي في داخلها مشروعا أوسع من الدعوات الأخلاقية للمحبة والسلام.، ان الدعوة للاعتراف بالهوية المسيحية كهوية سياسية ستتمدد للدول العربية الأخرى، وستتحول المنطقة لموزاييك إثني تصبح معه الدولة اليهودية التي يبشر بها نيتنياهو منسجمة مع بنية الإقليم الشرق أوسطي.
3- المفهوم الثالث في خطاب فرانسيس هو قوله حرفيا، انتشار السلاح في كل مكان (ولاحظ كل مكان) ثم يقول: اسم الله لا يجوز أن يستخدم للقتل، لماذا لم يقل اسم الرب وليس اسم الله، فالتنظيمات المسلحة المسيحية تستخدم لفظ الرب في تسمياتها (مثل جيش الرب في أوغندا).. أن استخدام مصطلح «الله» في هذه المنطقة واعتباره ذريعة للقتل وانتشار السلاح يطلقه البابا في عراق فيه «حزب الله»، وهو حليف لحزب الله في لبنان..
4- تحدث البابا فرانسيس عن «المهاجرين» واللاجئين، لكنه لم يشر إلى اللاجئ الفلسطيني الذي مضى عليه مشردا 73 سنة، لقد غيبه وغيب قضيته في الخطاب، مع أن كل خبراء السياسة يعلمون أن القضية الفلسطينية هي أم وأب أكثر المشكلات حدة في المنطقة.
إن الزيارة في رأيي هي خرق أنجزه محور التطبيع، وهي مقدمة لتطبيع عراقي قادم لا يعرقله إلا انتشار السلاح-، وهنا أتساءل عن خطاب الرئيس العراقي أمام البابا اليوم، فهل يعقل أن يتحدث رئيس عراقي عن السلام والتعاون في المنطقة دون أي إشارة للقضية الفلسطينية لا من قريب أو بعيد، وهذا ليس منفصلا عن توجه عراقي حالي، فالرئيس العراقي (وبالإحصاء) هو اقل رئيس عربي ذكر فلسطين في أي موقف، فقد ذكرها في كل فترة رئاسته مرة واحدة أثناء زيارة رئيس سلطة التنسيق الأمني له.
إن التغير في سياسات الكنيسة الكاثوليكية منذ 1965، وخلفية مواقف البابا فرانسيس السياسية تجاه إسرائيل، ومضمون خطابه اليوم، وتنامي تيار التطبيع، يشير إلى أن «الغرب» يريد أن يجعل من العراق درة محور التطبيع، فزيارة البابا خلفها أسباب ملفقة كما قال شوقي في مسرحية «قيس وليلى» على لسان والد ليلى مخاطبا قيس: جئت تطلب نارا أم جئت تشعل البيت نارا.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)