الاهتمام بأمر المسلمين والنوازل من الواجبات الشرعية
بقلم الشيخ عارف بن أحمد الصبري (خاص بالمنتدى)
ومدار هذا الواجب مبنيٌ على تكييف النازلة بدقة
ومعرفة الوسع والقدرة للفرد والجماعة
ومعرفة الحكم الشرعي وتنزيله على الواقعة وفق الوسع والطاقة
وذلك شرط التكليف.
فمن علم الحكم الشرعي وعمل به في أي واقعة بقدر الوسع فقد قام بالمطلوب الشرعي كما يجب.
التغيير نسبي إضافي:
والواجب على كل مسلمٍ في أي نازلة
يتفاوت من شخصٍ إلى آخر بحسب المعرفة والقدرة.
فما يجب في حق شخص قد لا يجب على شخص آخر.
ولا يصح أن يكون فعل شخصٍ مقياساً لفعل غيره.
ومن الظلم محاسبة الفرد أو الجماعة عما ليس في مقدورها أو تحميلها تبعات ما ليس من إنتاجها.
كما أنه من الظلم مطالبتها بمعالجة أوضاعٍ ليست من إنتاجها وقد حِيل بينها وبين تطبيق رؤيتها في الحل في واقعٍ وضعت فيه العراقيل أمامها ولم يُمكَّن لها فيه.
ولا بد هنا من استحضار الواقع الذي نعيشه لمعرفة ما يجب فعله، وللحكم على تصرفات الأفراد والجماعات والدول.
إننا اليوم نعيش في مرحلة الاستضعاف وهو وضع عارضٌ على خلاف الأصل.
والأصل المطلوب شرعاً هو التمكين لدين الله في الأرض حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
ولوضع الاستضعاف تأثيرٌ في الفتوى والحكم على الوقائع والأحداث.
وللاستضعاف أحكامٌ كلية نجملها فيما يلي:
أولاً:
حرمة القبول بوضع الاستضعاف؛ لأنه على خلاف الأصل وهو التمكين لدين الله.
ثانياً:
وجوب التعامل مع وضع الاستضعاف وفق الوسع والقدرة.
ثالثاً:
وجوب العمل على تغيير وضع الاستضعاف ودفعه.
وللقيام بهذه الأحكام فالواجب الشرعي بصورة إجمالية كما يلي:
أولاً:
بيان ما يجب على الأصل كما هو في حكم الله، كبيان لا كفتوى في واقعة معينة.
ثانياً:
فعل ما يمكن وفق الوسع والقدرة.
ثالثاً:
الإعداد للوصول إلى ما يجب أن يكون أي إلى المطلوب الشرعي على الأصل.
وبناءً على ذلك فإنه لا بد من الجمع بين بيان ما يجب وفعل ما يمكن والإعداد للوصول إلى ما يجب أن يكون.
لأن الاقتصار على بيان ما يجب دون فعل ما يمكن لا يجوز فالميسور لا يسقط بالمعسور، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم).
وكذلك لا يجوز فعل ما يمكن بدون بيان ما يجب؛ لكيلا يصبح الاستثناء أصلاً، وحتى لا يتصور الناس أن ما يمكن هو ما يجب، وهو الغاية التي نهدف للوصول إليها.
كما أنه لا يجوز الاقتصار على بيان ما يجب وفعل ما يمكن بمعزلٍ عن الإعداد للوصول إلى ما يجب أن يكون؛ لأن الوصول إلى ما يجب أن يكون هو غاية التكليف، وهو الأمر الاستراتيجي بمقابل الفعل المرحلي الذي تقتضيه الحاجة والضرورة.
ومن هنا نعلم أن شرطا التكليف هما العلم والقدرة.
فالواجب في كل مطلوب شرعي معرفة حكم الله والقيام به وفق القدرة والوسع، فمن قام بالمطلوب الشرعي وفق طاقته فقد عبد الله كما ينبغي.
ومن هنا فإن من الظلم مطالبة الأفراد والجماعات بما ليس في مقدورهم فعله، أو تحميلهم تبعات ما ليس من فعلهم، أو مطالبتهم بمعالجة المشكلات التي ليست من إنتاجهم، أو مطالبتهم بإصلاح الأوضاع في بيئةٍ لا يتحكمون بها ولا يتاح لهم معالجتها بمنهجهم ووسائلهم، فضلاً عن العراقيل والمعوقات التي توضع أمامهم وتحول بينهم وبين ما يهدفون إليه من الخير للناس.
فيبقى الواجب على كل واحدٍ تَحمُّل مسؤوليته بحسبه.
والواجب يبدأ في حقِّ كل شخصٍ بما في مقدوره هو مما لا يتعلق بتعاونٍ مع غيره.
وأول واجبٍ في حق الجميع التوبة الظاهرة والباطنة من الذنوب ولزوم الأمر واجتناب النهي.
ثانياً:
الاستعانة بالله واللجوء إليه
بالدعاء والضراعة والاستعانة به على العدو.
ونصرة وحفظ وتمكين كل مقاومٍ ومجاهدٍ عن الأمة ودينها بلسانه أو قلمه أو ماله أو نفسه.
ثالثاً:
المصابرة ودعوة الناس لذلك وبث الأمل، وكبت الإرجاف والتعويق في معركتنا مع العدو.
التفريق بين النصح حال وجود خطأٍ حال المعركة وطريقته، وبين الإرجاف به وتقديمه مادةً تعين العدو وتفرق الصف وتوهن العزائم.
رابعاً:
التحشيد العام للمعركة بالقلم واللسان والمال وبكل ممكن، وبيان ضعف العدو، وتشجيع الناس وتثبيتهم.
خامساً:
بيان سبل المجرمين والرد على أباطيلهم وفضح خططهم بتحذير الناس منها وتعريتها وقايةً للأمة والسذج من الوقوع في حبائلها.
سادساً:
ما يمكن أن يقدم ويفعل للمعركة
من تخطيطٍ أو تقويمٍ أو تفعيلٍ أو مشاركةٍ عمليةٍ
تستدعي التعاون عليها فهذه تحتاج ممن عنده رؤية
إعطاءها حقها من التفكير والنصح والإتقان بعيداً عن الخواطر في وسائل التواصل.
وتحويلها إلى مشاريع عملية ينتفع بها الناس.
ويجب أن يكون أي مشروع يُقدَّم واقعياً ممكنَ التنفيذ متاح الإمكانات مستوفياً ركائز التخطيط الصحيح.
وأخيراً وأولاً:
إخلاص العمل لله وتنقيته من حظوظ النفس والجماعات والمناطق والفئات والتجرد للحق
وتطهير القلب من كل غلٍ وحقدٍ أو بغضٍ على مسلم من المسلمين.
وأسأل الله القبول َوالعون والتوفيق والسداد والنفع للعباد والبلاد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.