مقالاتمقالات مختارة

الانتخابات الفلسطينية الدوافع والعقبات والمآلات

الانتخابات الفلسطينية الدوافع والعقبات والمآلات

بقلم إياد القطراوي

ينتظر الفلسطينيون بفارغ الصبر الثاني والعشرون من شهر أيار / مايو 2021، وهو اليوم الذي ستجرى فيه انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، يتبعه انتخابات رئاسية في الحادي والثلاثين من تموز / يوليو، ثم انتخابات مجلس وطني في الحادي والثلاثين من أب / أغسطس، أملا منهم في أن تجدد هذه الانتخابات الأمل في استعادة الشرعية والوحدة الفلسطينية، بعد انقسام دام لأكثر من 15 عاما وما زال، وسط ترحيب دولي وفيتو أمريكي لإجرائها وحث دولة الاحتلال على تسهيل سيرها بسلاسة.

يبدو أن طرفي الانقسام الفلسطيني لديهما رغبة كبيرة  هذه المرة للمصالحة وإنهاء الانقسام عبر هذه الانتخابات فالرئيس عباس الذي راهن طويلاً على مسار المفاوضات والحلول السلمية، يشعر أن التطبيع مع دولة الاحتلال يهدد شرعيته، بعد أن أدار العرب ظهرهم للقضية الفلسطينية؛ لذلك سارع إلى التقارب مع جميع الفصائل الفلسطينية للتأكيد على وجود إجماع فلسطيني على شرعيته، تمثل في اجتماع الأمناء العامين للفصائل، تلته اجتماعات ثنائية القطبية بين فتح وحماس في تركيا وقطر اللّتين أكدتا استعدادهما المطلق لتبني المصالحة مالياً وسياسياً إضافة إلى جديته الواضحة من خلال تعيين جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح والذي يتمتع بقوة وحضور لدى عباس وحماس والرجل الراغب في تحقيق المصالحة خلافاً لسلفه عزام الأحمد الذي لم يكن سوى عقبة في طريق أي اتفاق، وحماس من جانبها في وضع لا تحسد عليه؛ فالحصار الذي أنهكها طال واشتد وامتد، وحروب الاستنزاف مع دولة الاحتلال أنهكتها، وما عادت تستطيع حمل أعباء قطاع غزة وحدها كونها السلطة الحاكمة، لذا جاء التفاهم الأخير مع فتح والتوافق على الانتخابات للخروج من عنق الزجاجة.

بينما يرى مراقبون أن التوافق الفلسطيني على تحديد مواعيد الانتخابات نتج عن التطورات التي تشهدها المنطقة، وخصوصاً بعد التوصل إلى اتفاقات التطبيع بين دول عربية عدة ودولة الاحتلال، وتراجع الاهتمام الرسمي العربي بالملف الفلسطيني، وكذلك عقب وصول إدارة ديمقراطية جديدة إلى البيت الأبيض أوحت باستعدادها لتنشيط عملية السلام على قاعدة حل الدولتين؛  فبغية الانفتاح على إدارة جو بايدن واستئناف العلاقات الفلسطينية-الأميركية، التي انقطعت كلياً في عهد إدارة دونالد ترامب، قدّرت القيادة الفلسطينية أن الانتخابات ستكون خطوة مهمة على طريق إطلاق عملية تجديد ديمقراطي، خصوصاً وأن إجراء انتخابات فلسطينية هي مطلب دولي وأوروبي.

على الجانب الأخر فثمة دوافع قلق وتخوف من قبل دولة الاحتلال من إجراء الانتخابات الفلسطينية أهمها:

–        أن الانتخابات الفلسطينية قد تكون خطوة في الطريق الصحيح لإنهاء الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الأمر الذي لا يتماشى مع مصالح دولة الاحتلال التي ترى في الانقسام الفلسطيني حالةً تُكرس احتلالها للأراضي الفلسطينية.

–        أن الانتخابات الفلسطينية ستعزز من قوة حركة فتح في الشارع الفلسطيني؛ فمن خلال تعزيز شرعيات قياداتها وضخ الوجوه الشابة الجديدة في صفوفها، فإن حركة فتح باعتبارها صاحبة المشروع الوطني، ستكون أكثر قدرة على مقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين.

–        أن الانتخابات الفلسطينية ستعزز مكانة وحضور السلطة الوطنية الفلسطينية وطنياً وإقليمياً ودولياً، وخاصةً أن هذه السلطة عند إجرائها للانتخابات ستكون أكثر قرباً من المعايير الدولية للحوكمة والديمقراطية، وهو الأمر الذي سيجعلها أكثر قدرة على التحرك الدبلوماسي والقانوني الإقليمي والدولي ضد استمرار الاحتلال، كما أن هذه الانتخابات ستعزز من قبول الدول الغربية والمنظمات الدولية للمطالب الفلسطينية المتضمنة في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة انسجاما مع قرارات الشرعية الدولية.

–        إن إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية، ومشاركة المقدسيين فيها، سيكون بمثابة رسالة واضحة للعالم أجمع، تؤكد على رمزية القدس ومكانتها الدينية والسياسية بالنسبة للفلسطينيين، باعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية، وباعتبار أن المقدسيين يؤكدون في تصويتهم، على هويتهم العربية الفلسطينية ويرفضون كل إجراءات التهويد والضم لمدينتهم.

–       أن الانتخابات الفلسطينية العامة ستسمح للفلسطينيين بتجاوز اتفاق أوسلو رغماً عن دولة الاحتلال، لأن هذه الانتخابات ستتضمن إعادة إنتاج مجلس وطني فلسطيني يضم مختلف التيارات الفلسطينية بما فيها تلك الرافضة لاتفاق أوسلو أو تلك الداعية إلى القضاء على دولة الاحتلال وعدم الاعتراف فيها. وبالضرورة، فإن تعزيز حضور المجلس الوطني في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وفق صيغ بعيدة عن أوسلو سوف يكون حتماً تهديداً صريحاً لدولة الاحتلال ولأمنها، لاسيما أن المرسوم بقانون الذي أصدره عباس وحوارات القاهرة التي تلت هذا المرسوم أكدت جميعها على عدم اشتراط الالتزام باتفاق أوسلو في عضوية المجلس الوطني، وهو الأمر الذي أثار حفيظة دولة الاحتلال التي اعتبرت أن القيادة الفلسطينية قصدت من وراء هذا التعديل تجاوز أوسلو، لاسيما أن الرئيس عباس قد أشار في أكثر من خطاب له بأن أوسلو قد انتهت بفعل التنكر الصهيوني لاشتراطات هذا الاتفاق، وبفعل إصرار الفلسطينيين على استقلال دولتهم وعاصمتها القدس.

–       أن الانتخابات الفلسطينية ستخفف العبء عن كاهل حماس التي ستضمن فوزا محققا في الانتخابات التشريعية وتمكنها من اكتساب شرعية دولية لحكمها أو تشكيل معارضة قوية تمكنها من تقاسم السلطة مع فتح والرقابة عليها والالتفات لملفاتها الخاصة المتعلقة بالمقاومة والتكتيك الحربي وفق السياسة الجديدة.

من المرجح أن يعترض إجراء الانتخابات عدد من العقبات، أولها أن ترفض دولة الاحتلال مشاركة الفلسطينيين في القدس في انتخابات المجلس التشريعي، وأن تمنع مشاركتهم بالقوة إذا لزم الأمر. كما أن دولة الاحتلال قد تعارض إجراء الانتخابات الرئاسية بذريعة أنها ستجري لانتخاب رئيس لدولة فلسطين، التي لا تعترف بها، وليس للسلطة الفلسطينية.

ومن جهة ثانية، قد تعترض الانتخابات، في حال تذليل هاتين العقبتين، عودة دولة الاحتلال والإدارة الأميركية إلى إحياء شروط اللجنة الرباعية القديمة التي تقضي بعدم الاعتراف بأي حكومة فلسطينية تشارك فيها حركة حماس، إلا في حال اعتراف الحركة  بدولة الاحتلال وبالاتفاقيات الفلسطينية – الصهيونية الموقعة ونبذها الإرهاب. ومن جهة ثالثة، وعلى الصعيد الفلسطيني، قد تكون نسبة المشاركة في الانتخابات متدنية، مع بروز احتمال أن تستنكف قطاعات واسعة من الشباب عن المشاركة فيها، وعدم النجاح بالتالي في تشكيل قوائم انتخابية قادرة فعلاً على تجديد بنية النظام السياسي تجديداً ديمقراطيا.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى