بقلم د. حمزة آل فتحي
تفجّرت التقنية الحديثة بما يُطرب ويبهر، وباتت أداة للدعوة والاستفادة والنشر والتأثير والبلاغ، ونفع الله بها في أشخاص بل أمم، وفي مواطن كثيرة، ولكنها لا تنفك عن محظوراتها وسلبياتها، وغثائياتها…!
ومن أمرِّ سلبياتها : استلابها للعقول، واختراقها للأفهام، بحيث غصّت بها الأوقات، وتراجع معها الإنتاج، وباتت الشغل الشاغل، عن عمل جاد، او قراءة معمقة، أو مشروع مكين..!
وللنتِ أضرارٌ وفيها نفائسٌ// ولكنّ أضراراً لها تتعمقُ
فإلفٌ وأحلام وتلك سعادةٌ// ولكنّ أوقاتا لنا تتمزقُ
ولهذا الاستلاب صور مشهورة، ومستنتجات منها، :
١/ المتابعة الدقيقة للأحداث اليومية ونشرات الأخبار والماجَريات السياسية على الخصوص .
٢/ التغريد اللحظي، ومتابعة الردود، وقال فلان، وعلّق فلتان..! وقد نبه على هذا الاستلاب الشيخ الباحث إبراهيم السكران وفقه الله في كتابه الماتع النفيس ( الماجَرَيات ) .
وزاد على ذاك تلخيص المقالات والكتب الذاتية، وإنتاج الداعية الفكري، والالتصاق للساعات الطوال…!
٣/ الانشغال بالتغريد عن جادة الأمور من بحث أو علم أو تأليف متين .
٤/ تقليب الأجهزة أثناء العمل وفي المساجد، وعند إشارات المرور، حتى بات أكثرنا مأسورا بفتنها، لا يكاد يسلو بغيرها..! مما مما نتج عنه غفلة ذهنية، وأورثت حوادث قاتلة …! وفي دراسة أمريكية : أن إدمان الإنترنت والتعلق به يحرك خلايا في الدماغ لا يحركها إلا المخدرات ..!
٥/ الانهماك فيها أكثر من الانهماك العلمي والمطالعة الكتبية، والتي تنبئ بالتدقيق وحسن البحث والتمحيص .
٦/ الدفق الالكتروني، بدلا عن الدفق أو التحرك الميداني المثمر، ويعتقد بَعضُنَا أن ذاك كاف في رفع الحجة، ودفع التبعة الدعوية والإصلاحية، والله تعالى يقول(( وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى )) سورة القصص .
٧/ صناعة حميمية جديدة وصداقات بعيدة، ونسيان العلائق الأصلية في حياة المرء، فشحت الزيارات وقل التواصل، واكتفى الناس بعالم افتراضي مثير وماتع .
٨/ التقاعس الشرعي عن واجبات الصلاة والتلاوة والدعوة والوقت ،وبر الوالدين ، ونسيانها في خضم المشاهدة الدقيقة، حتى يخرج الوقت ، وتتراكم قساوة القلب وعفلته .
٩/ التراجع المهني، وظيفيا وإداريا وإنتاجيا، وظل أكثرنا مهتما بالجهاز وتطلعاته واطلاعاته، وتكدست المعاملات، وحُرم الناس من حقوقهم الخدمية في موعدها، والله المستعان .
١٠/ الخلط المعرفي بسبب سعة المعلومات وكثرة المجموعات لا سيما خدمة (الواتس أب) المذهلة، وانجراف الناس إليها بلا روية، وأضحت القراءة بالريحة، وعدم التدقيق والتثبت والاستيعاب، فلا يدري أحدنا مصدر الفائدة وموضعها في عالم من المعارف المتدفقة .
١١/ الاستغراق الجدلي : غير المثمر، والدخول في معارك فارغة أو خاسرة، مع أضداد ومخالفين، غاية ما تحمل الإشغال الذهني، وتشتيت الجهود،(( ما ضربوه لك إلا جدلا، بل هم قوم خصمون )) سورة الزخرف .
واذا تنبهت النفس، وآلمها خلودها التقني، سلّت نفسها بأنه باب دعوي، ونافذة إصلاحية، ولا يسوغ تباعد أهل الفضل عنها، فيتم التغليف الشرعي والعقلي لها، لتكتمل عملية الاستلاب بنجاح، فيغدو المرء بعد مدة، وقد قصّر تقصيرا روحيا ومعرفيا، وأوقفت مشاريعه، وأُهملت دروسه، ونُسيت أسرته، وبات بين فكي أزرار الجهاز يقلبها كيف يشاء، أو تقلبه هي حيث شاءت، علاوة على ما فيها، من ذهاب عقلي واسترخاء عاطفي، مندفع وراء المتعة والإثارة والاستطلاع والاستكناه، والذي غالبا ما يُغلف باسم خدمة الإسلام والدعوة والتفاعل الاجتماعي المنتج…!
وأما آثاره على الدعاة وطلبة العلم، فلا يقل سوءا عما مضى :
– تراجع الأداء الدعوي الميداني .
– ضعف الإنتاج الذهني والعلمي والتأليفي .
– الإدمان الروحي الملاصق لمنائر السعادة .
– الاغترار الآلافي أو المليوني، واعتقاد التغيير السريع .
– الانجرار لمتاهات الأنباء السياسية والصارخة عن عيون المعرفة .
– جناية الكسل السلوكي ولا يبعد الكسل العقلي، من جراء الخلود التام، وعدم تحريك الأعضاء ، واللصوق الواصب،،، والله المستعان ….
ومضة// النت استمتاع وإدمان غير منظم ، قد ينتهي للإفلاس ..!
المصدر: الاسلام اليوم.