الاستعمار .. وتشويه تاريخ الأحرار
بقلم أ. سيف الهاجري
هناك عامل مشترك وراء تشويه تاريخ الحركات والدعوات الإصلاحية كدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب في جزيرة العرب ودعوة الإمام السنوسي في المغرب العربي وحركة الإمام المهدي في السودان وهو جهادها للقوى الاستعمارية التي تسعى لاحتلال العالم العربي وإسقاط الخلافة.
فهذه الحركات الإصلاحية ظهرت في القرنين 18 و 19 في الوقت الذي وصلت فيه الدولة العثمانية إلى مرحلة من الضعف والعجز في مواجهة تغلغل القوى الاستعمارية إلى العالم العربي، فالحركة الوهابية واجهت بريطانيا في أواخر القرن 18 عندما بدأت بريطانيا بدخول الخليج العربي فواجههم القواسم الوهابيين وبدعم من الحركة الوهابية من الدرعية لسنوات حتى أسقطت بريطانيا القواسم واحتلت سواحل الخليج بضفتيه بعد قضاء محمد علي باشا والي مصر على الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، والحركة المهدية في السودان واجهت بريطانيا في وادي النيل ودارت حرب انتصرت بريطانيا فيها بالنهاية وأخضعت وادي النيل لسيطرتها، والحركة السنوسية واجهت الاستعمار الإيطالي في ليبيا، وفي النهاية سقط الجميع تحت النفوذ الاستعماري مع سقوط الخلافة بعد الحرب العالمية الأولى.
وهنا ظهر لنا السر الخفي وراء تشويه تاريخ وحقيقة جهاد الحركات الإصلاحية ومقاومتها، فالقوى الاستعمارية التي حكمت المنطقة لم تنشئ أنظمة سياسية حاكمة فقط وإنما أنشأت منظومة فكرية وثقافية تعزز من نفوذها وهيمنتها برجال من بني جلدتنا ممن صنعتهم القوى الاستعمارية وتربوا في جامعاتها ومراكزها الاستشراقية كأبناء المستشرق دنلوب البريطاني الذي تولى التعليم والثقافة في مصر ليتولوا بعد ذلك إعادة صياغة تاريخ وثقافة شعوب المنطقة بما يخدم الأهداف الاستعمارية، وأهمها تشويه تاريخ الحركات الإصلاحية التي قاومتها وهذه هي طريقة القوى الاستعمارية مع كل من قاومها من حركات وجماعات، وحتى الأفراد لم يسلموا من سياسة التشويه هذه كالشيخ جمال الدين الأفغاني رحمه الله الذي أشاعت عنه بريطانيا بأنه رجل الاستعمار في كل الأقطار في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماما فهو أينما حل سعى لإحياء روح الجهاد في نفوس الشعوب الإسلامية الخاضعة للاستعمار كما في الهند ومصر والتي طردته منها بريطانيا باسم حكامها الصوريين.
فهذه حقيقة الحرب الإعلامية على كل من يقاوم القوى الاستعمارية من حركات وجماعات وأفراد بتشويه التاريخي وتزييف تاريخنا المعاصر فكما يقال فالتاريخ يكتبه المنتصر كما يريد.
لذا علينا الحذر من هذه الحرب الخفية الخطيرة والتي تهدف بالأساس إلي تدمير سمعة من يقاوم القوى الاستعمارية حتى لا يصبح لدى شعوبنا رموزا مجاهدة ولا ثقافة مقاومة فهي أشد على نفوذ وهيمنة المستعمر من ضرب الرصاص وهدير المدافع، فالتشويه سنة فرعونية لكل محتل وطاغية.
﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾
(المصدر: موقع أ. سيف الهاجري)