مقالاتمقالات مختارة

الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على العالم

الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على العالم

بقلم أ. محمد الحسن أكيلال

نهاية الصلاحية

في الخامس و العشرين من فيفري عام 1971 التقى الثلاثة الكبار في عطلتهم في فندق في “تايلاند” بالصدفة. يشترك الثلاثة في شرفة للأجنحة الثلاثة بالفندق، هؤلاء الثلاثة من كبار جهابذة الفكر السياسي والاستشرافي والاستراتيجي الأمريكي، إنهم: “هنري كيسنجر” و”روكفلر” و “بريزنسكي”.

لقد كانت الدردشة حول معاناة النظام الرأسمالي العالمي في كل بلدان الغرب الامبريالي، في فرنسا أين مضت أحداث 1968 التي أطاحت بالجنرال “ديغول” وفي بريطانيا أين ظهرت صرخات “الهيبي” و”البيتلز”، وفي الولايات المتحدة الأمريكية حيث يصدح صوت القس “جاكسون” و”إنجيلا دينيز” محاربا للعنصرية.

لقد توصل الثلاثة إلى خلاصة مفادها ضرورة الإسراع لتشكيل لجنة من ثلاثتهم اسموها

“اللجنة الثلاثية الثلاثية La Trilatérale ” وانكبابها على وضع استراتيجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا النظام المتهاوي قبل فوات الأوان وقيامهم بعملية جراحية له لتشبيبه والزيادة من عمره ما بين خمسين سنة وقرن من الزمن وقد وضعوا لذلك مخططا وبرامج تحدد بدقة الدول و البلدان التي تتطلب التدخل إما للتفكيك أو للتدمير أو لكليهما، فكانت البداية من الاتحاد السوفييتي باعتباره العدو الأول الذي يسيطر على أكبر مساحة من أوراسيا (أوروبا وآسيا) ولأنه حسب المعطيات التي وفرتها لهم المخابرات هو الأسهل للعملية الأولى، ثم تليه أهم البلدان و الدول التي نالت استقلالها بكفاح مسلح و حركة تحرير، فكانت الجزائر تليها الصومال و العراق و أفغانستان.

المؤكد أن استعمال الزمن والانتكاسات التي عرفتها الأوضاع الاقتصادية و المالية من حين لآخر أربكت العملية و عجلت بعودة الروح للاتحاد الروسي، قد يكون ذلك بسبب التناقضات التي أحدثتها الفوضى الخلاقة لــــ “هنري كيسنجر” والشرق الأوسط الجديد لــ ” بريزنسكي” وعدم الانتباه للفارق الجوهري بين خصوصية شعوب الشرق وغيرها لدى شعوب الغرب، فشعوب الشرق تنظر إلى السماء أما الشعوب الغربية فنظرها منصب على الأرض، هذا هو الفرق بيننا و بينهم.

جوهر الصراع. بين الماديين و الروحانيين

هذا الفرق يجهله استراتيجيو الغرب والمخططون للغزو والاحتلال فهم يفتخرون بكونهم عقلانيين، عكسنا نحن الوجدانيين، إنهم لا يعرفون أننا عقلانيون أكثر منهم، ولكن العقل عند المسلمين يرتبط ويتكامل مع الوجدان والروح. في حين أنهم هم يركزون على المادة، وهذا سر اندفاع الشعوب العربية والإسلامية للاستماتة في الدفاع عن أوطانهم ودينهم

وهويتهم، وهذا من الأسباب الجوهرية التي عجلت بهزيمة القوات الفرنسية في الجزائر والقوات الأمريكية في أفغانستان والعراق ثم في سوريا عن قريب إن شاء الله. هذا هو السبب الكامن وراء الإخفاق الأمريكي الأطلسي في رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة وصفقة العصر والانسحاب الأمريكي الغربي من كل المنطقة وأفول نجم الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى والقطب الأوحد لحكم العالم. يعني هذا نهاية الصلاحية لهذا القطب وهذه القوة؛ ومن خلالها نهاية صلاحية اللّوبي الصهيوني الذي كان وراء كل الكوارث التي أصابت البشرية منذ الحرب العالمية الأولى إلى اليوم.

لقد تأسست “اللجنة الثلاثية الثلاثية La Trilatérale” عام 1973، وانكبت على وضع الاستراتيجية الجديدة للسيطرة على العالم، وقد اكتملت هذه الاستراتيجية في ربيع عام 1977، وبالضبط في 27 جوان عام 1977 ألقى الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر” خطابا أمام اتحاد الناشرين الأمريكيين في جلسة مغلقة في البيت الأبيض ليعلن فيه أمام هؤلاء عن هذه الاستراتيجية والشروع في تنفيذها، ومن ثم تتحول الثلاثية الثلاثية إلى نواة صلبة للمحافظين الجدد الذين شكلوا النخبة الحقيقية للدولة العميقة في أمريكا.

لقد تضمنت هذه الاستراتيجية فيما تضمنته للسيطرة على هذا العالم البدء بالبحر الأبيض المتوسط، الدول المطلة عليه شمالا وجنوبا، بحيث لم يرق له ما أعلن عن إنشاء الاتحاد الأوروبي، كما لم يكونوا راضين عن تجمع إقليم المغرب العربي باسم اتحاد المغرب العربي، وبالتالي ورد في فقرة من الخطاب ما ترجمته : و هنا تقتضي الضرورة استعمال القوة لضرب كل من الصومال والعراق والجزائر ولم يلفظ اسم ليبيا رغم وجوده في النص لأن الرئيس “محمد أنور السادات” وعد “كارتر” بالهجوم عليها بعد شهر من الخطاب (27 جويلية 1977).

الأكيد الآن أن كثيرا من الأهداف تحققت مثل الصومال الذي يشرف على مضيق باب المندب ويحدث الآن تدمير اليمن وتمت السيطرة الكاملة على قناة السويس باستسلام مصر، ودمرت ليبيا وبقيت الجزائر صامدة رغم إحاطتها بمجموعة من بؤر التوتر كالصحراء الغربية ومالي و النيجر و ليبيا و تونس.

لكن الهدف الحقيقي استعصى تحقيقه وبدأت قوى أمريكا و الحلف الأطلسي تخور وتتضعضع أمام جمود الشعوب، وبقيت القضية الفلسطينية رغم الضربات المتتالية التي تلقت حية و مرعبة للعدو الصهيوني، كما بقيت كل المناطق التي كانت تحلم بالاستيلاء عليها كآسيا الصغرى و منطقة “بحر قزوين” لبقاء إيران صامدة في وجه أمريكا والغرب بل و تتحداهم بمشروعها النهضوي الذي أوصلها فعلا إلى امتلاك التكنولوجيا النووية والصواريخ الباليستية و هي أصبحت تشكل خطرًا حقيقيا عليهم في مضيق هرمز.

لقد أصبحت كل المؤشرات تدل على بداية النهاية للإمبراطورية الأعظم في تاريخ البشرية وهي إذ تعيش أيامها الأخيرة برئاسة المتهور “ترمب”.

فإنها بارتباكها الذي أصبح ظاهرًا للعيان فهو يترجم ما يعانيه اللوبي الصهيوني في أمريكا وفي كل الدول الغربية الحليفة لها ولدولة إسرائيل من انقسام وتصدع ما انفك يزداد منذرًا إياه بزواله عن قريب و ستكون الضربة القاضية عليه مما ينتظر من تهور رئيس حكومة “تل أبيب” لتجريب لهجوم على المقاومة في جنوب لبنان وقطاع غزة ليعلم أي منقلب ينقلبون.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى