الاحتلال الإنجليزي للهند وعوامل نبوغ الداعية أحمد ديدات رحمه الله ( 1 )
بقلم القرني
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً وبعد .
فإن المستمع لبارع زمانه في المناظرات الداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، الشيخ أحمد ديدات رحمه الله ، ليتعجب من تلك البراعة في محاجة الخصوم وإفحامهم ، – ولا شك أنه فضل الله يؤتيه من يشاء – ولكن يتساءل المرء من أين له هذا الترتيب المنطقي في الحِجَاجِ والمناظرة ؟ مع أنه يقول عن نفسه رحمه الله :
” عندما كنت أشتغل مساعد بائع عام 1939م بجانب معهد لتخريج الوعاظ – النصارى – ، كنت و أصدقائي هدفاً دائماً لخريجي هذا المعهد ، فلم يكن يمر يوم لا يضايقنا فيه هؤلاء بإهانتهم للإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن . وكنت شاباً حساساً في العشرين من عمري فكنت أقضي ليالي عديدة ساهراً أبكي لضعفي وعدم قدرتي على الدفاع عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي أرسل رحمةً للعالمين ” اهـ .
وقبل الكشف عن أصل استمداد الشيخ لهذه الموهبة نرجع إلى الوراء خصوصاً مطلع القرن الـ19عشر الميلادي حين احتل الإنجليز ( بريطانيا ) الهند وأخذوا شيئاً فشيئاً يتوغلون في البلاد حتى أنشأوا أول هيئة تنصيرية بروستانتية سنة 1792م ، ثم أسسوا جمعية لندن التبشيرية عام 1795م ، ثم أسسوا جمعية التبشير للكنيسة الإنجليزية عام 1799م ، وفي هذه الظروف قويَ المنصِّرون بقوة الاستعمار ( الاستخراب ) فاستولوا على أوقاف المساجد وحرموا منها أهلها وفتحوا بها المدارس للتعليم وجعلوه وسيلة للتنصير الجماعي حتى كان لهم ألف مدرسة في الهند ، يدرس فيها 65 ألف طالب ، ووضعت الكنيسة معاهد وكليات وأشهرها هي كلية : إسكندروف الإسكتلندية لتخريج المنصّريين.
وفي عام 1839م قدم إلى الهند رجل يدعى: كارل غوتليب فاندر المشهور بـــ( فندر ) ، فشرع في مساجلات مع المسلمين ، وألف كتباً عدةً في الطعن في الإسلام ونبيه وكتابه والدفاع عن عقائد النصارى وتشويه الإسلام ومن أعظمها خطراً كتابه المسمى “ميزان الحق” الذي اعتنى به المنصِّرون طباعةً ونشراً وترجمة ، فقد طبع سنة 1833م بالإنجليزية، وترجم سنة 1849م إلى اللغة الفارسية، وترجم إلى الأردية سنة 1850م ، وترجم فيما بعد إلى التركية والعربية .
وسبب عناية واحتفاء المنصِّرين والقُسُس بهذا الكتاب شموله جميع الشبه والافتراءات على دين الإسلام، كما أنه يعد جامعاً لأوجه الرد والدفاع عن العقائد النصرانية ؛ فأصبح هذا الكتاب المرجع الرئيسي للكتاب الذين يطعنون في الإسلام .
وقد تصدى علماء المسلمين في الهند لمواجهة التنصير آنذاك ؛ فكان من تلك الجهود الرد على كتاب ” ميزان الحق ” وتفنيد شبهه، وكشف افتراءاته ، حيث ألفت عدة كتب منها : “ميزان الميزان”، و”الاستفسار”، و”لسان الصدق”، و”أدلة اليقين”، “إزالة الأوهام”، و”معدِّل اعوجاج الميزان” .
ونتيجة لهذه الردود قام فندر بإخراج نسخة جديدة منقحة، غيَّر فيها أشياء كثيرة زيادة ونقصاً وتبديلاً، ثم أخذ الكتاب يصدر في الأزمنة اللاحقة بنسخٍ يتضح فيها الحذف والإضافة والتغيير والتبديل .
لذلك كله طلب منه العلامة الشيخ رحمت الله الهندي مناظرة عامة أمام ، فتم الاتفاق بينهما على أن تكون المناظرة في خمسة مواضيع هي : ( النسخ ، والتحريف ، ألوهية المسيح و التثليث ، وإعجاز القرآن ، و نبوة محمد صلى الله عليه وسلم و أنه رسولٌ للعالمين ) وجرت المناظرة في مدينة أكبر آباد بالهند ، سنة 1270هـ ، 1854م ، وهي التي تسمى بالمناظرة الكبرى …
ونكمل بإن الله في اللقاء المقبل النقطتين التاليتين :
1. نتائج المناظرة .
2. سبب نبوغ الشيخ ديدات .
(المصدر: منتديات الشروق)