إعداد مصطفى حسين
إن النشاط الإيراني الطائفي يتعاظم في أفغانستان، واستمرار الوضع على ما هو عليه سيلعب دوراً خطيراً في التوسع الإيراني العقائدي على حساب دول المنطقة بعامة، وخطراً مضاعفاً على مستقبل أفغانستان بخاصة، في ظل التطورات السياسية والعسكرية التي تجري الآن على قدم وساق فيما يسمى الشرق الأوسط.
وإذا وُضع في الحسبان ما يجري من تدخل واحتلال إيراني في لبنان وسورية والعراق والأحواز واليمن، وظهور تيارات وكيانات إرهابية في دول الخليج العربي، فمن هنا ينبغي التنبه إلى هذا تمدد النفوذ في أنحاء العالم الإسلامي، لأن العمل على مواجهته ضرورة ملحة تقع على عاتق دول المنطقة.
تتبنى هذه المادة دراسة لفهم المشروع التوسعي الخميني وعواقبه الخطيرة في الجارة الشرقية، وليس فيها دعوة للتصادم والتحارب المذهبي، حيث إن الإستراتيجية الخمينية الخمسينية ما زالت قيد التنفيذ، وتتبنى الاستيلاء على جميع العواصم العربية والإسلامية، وبِحدّ آراء الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية: (من حق الفقهاء -بل من واجبهم ومن المفروض عليهم- أن يسعوا إلى أن يكونوا خلفاء لإمام آخر الزمان، الإمام الغائب، وأن يمتلكوا زمام الحكم كممثلين للإمام وكمندوبين عنه، ومن هنا تصبح طاعته واجبة، ليس فقط كإمام، بل كنبي ورسول).
وتحت هذه المقولة، وبهدف تصدير الثورة واستيلاء ولاية الفقيه على زمام الأمور دعمت إيران آلاف الشيعة في أفغانستان، وأصبحت بعد ذلك هذه الفئة صدى للصوت الصفوي الفارسي.
ذلك هو واقع الحال في أفغانستان، ففي أعقاب الحرب الأمريكية على أفغانستان، والتغيرات التي طرأت على الخريطة السياسية والفكرية فيها، تشهد كابل تدخلاً واسعاً وملموساً للدور الإيراني في مختلف المجالات، يسير بخطى مدروسة وبشكل منظم وبدعم رسمي واضح من المرشد الإيراني خامنئي.
سيطرت إيران على محيط الجارة الشرقية أفغانستان من خلال حضورها الناعم وتدخلها غير المرئي عبر مؤسسات تعليمية وإعلامية وسياسية. وفيما يخص علاقات الشيعة الأفغان وفاعلياتهم، فإنها أصبحت علاقات قوية توثقها حكومة ومؤسسات وشخصيات دينية؛ حيث اعترف رحمت الله مرتضوي، وهو رجل دين أفغاني بارز وممثل لخامنئي في أفغانستان، بأن (عدد طلاب الأفغان في قم وطهران لم يكن يتجاوز 40 طالباً في الحوزات قبيل الثورة، وكان الطالب يعيش في الفقر المدقع والمطلق، ولكن يوجد اليوم في الحوزات الإيرانية في قم وطهران أكثر من 15 ألف طالباً حوزوياً يعيشون في رفاه وأمان، دون أن يخضع الطلبة إلى أي مساءلة أو استنطاق من فرد أو جهة، وإذا أراد أحد الطلاب أن يسافر إلى أفغانستان لتبليغ التشيع في أوساط الناس يتم دعمه مباشرة من خامنئي).
وكشف موقع (شيعة أونلاين) التابع للحوزة الخمينية في قم، أن إيران بدأت العمل على تأسيس عشرات الحوزات والجامعات الطائفية في العاصمة كابل والمدن الأخرى، منها حوزة (فاطمة الزهراء)، مؤكداً أنها سوف تكون أكبر مركز شيعي في أفغانستان، وأن هذه الخطوة تأتي بعد الكشف عن تجنيد (رجال دين شيعة موالين للولي الفقيه) يصل عددهم إلى الآلاف من الطلبة الأفغان الشيعة، للمشاركة في الحرب الإيرانية الدائرة في سورية ضد ما تسميه هذه القنوات الطائفية الحرب ضد (أحفاد الأمويين)، كما شاركوا في قمع الاحتجاجات الأخيرة في إيران في بعض المدن الإيرانية.
في هذا السياق، شيدت إيران بدعم مباشر من خامنئي (جامعة خاتم النبيين) في كابل، يشرف على هذا المركز العملاق ذي الأهداف المتعددة الزعيم الشيعي آصف محسني، وقد تولت أعمال بناء هذا المجمع شركة إنشاء إيرانية، ويتكون من عشرات المباني التي تتضمن مئات الغرف والقاعات الدراسية، إضافةً إلى صالات كبرى للندوات والمؤتمرات والمعارض والمكتبات والمباني السكنية للطلبة، تضاهي حوزتي قم والنجف في إيران والعراق. وارتفعت نسبة الطلاب الشيعة في الجامعات الأفغانية الممولة من إيران في السنوات الأخيرة إلى أكثر من 70%، بحسب المصادر الرسمية.
من خلال هذا الدعم الإيراني للطلاب الشيعة ورجال الأعمال في أفغانستان سيطرت الجهات المدعومة والممولة من ولاية الفقيه على قطاعات مهمة من اقتصاد أفغانستان، كقطاع الاتصالات، وأصبح عملاء إيران يوفرون الدعم للشركات الإيرانية، التي تشكل صادراتها نسبة كبيرة من البضائع، تستخدمها لغسيل الأموال، ولدعم التحرك في المجتمع الأفغاني.
من جهة أخرى برز الدعم الإيراني بشكل أكثر فاعلية في القطاع الإعلامي؛ فعلى سبيل المثال: توجد أربع من القنوات التلفازية التسع في أفغانستان يملكها الشيعة الموالون لإيران، وتتلقى الدعم مباشرة من خامنئي، وأما القناة الخامسة الحديثة الإنشاء فيشرف عليها المرجع الشيعي آصف محسني، إضافة إلى أن عملاء إيران يملكون ما يقارب نصف الصحف والمجلات الأفغانية، وهي تصدر بأموال إيرانية بحتة.
لقد عملت إيران على توسيع رقعة وسائلها التوسعية، وهي عديدة، منها المنح الدراسية، وحرصت على استقطاب آلاف الشيعة في أفغانستان للدراسة في الحوزات العلمية، إضافة إلى الدعم المالي، ودفع نفقة الحياة والعيش، والعمل على تزوجيهم بدعم مباشر من خامنئي، إضافة إلى: بناء حسينيات، وجامعات، ودعم الطقسنة، وشراء الذمم، وتحريك أطماع الكثير واجتذابهم إلى المذهب الشيعي. أما الهدف من هذه المنح وهذا الدعم فهو إخضاعهم ولاية الفقيه في الدرجة الأولى، لكي يعودوا دعاة لنشر التشيع الخميني. وأما الغاية من ذلك كما قال رئيس البرلمان الإيراني فهي: (أن القوة المعنوية لإيران في الدول الإسلامية تخدم المصالح الوطنية للبلاد). فهذا اعتراف من أحد الساسة بأن إيران تسعى وراء مصالحها على حساب إضعاف الموقف العربي والإسلامي في العالم الإسلامي وتفكيك المجتمعات التي تستهدفها من الداخل.
وفي هذا السياق يتجلى الدعم الإيراني الطائفي الممنهج في أفغانستان في سيطرة عملاء إيران على المحافظات المركزية بأوامر إيرانية، فحولوا بعض المساجد إلى حسينيات، وغيروا أسماء المدارس والمكاتب الحكومية، وأطلقوا عليها أسماء طائفية ورموزاً إيرانية، وخير دليل على ذلك أنهم سموا مطار ولاية باميان باسم (مطار الخميني)!
إن الحوزات الشيعية الإيرانية في أفغانستان سرعان ما تجاوزت دورها التعليمي، وتبدلت إلى مكاتب تمثيل إيرانية، وضربت على الوتر الطائفي لمصلحة إيران، وجهدت في تمويل المليشيات الشيعية، وتجنيد المقاتلين الولائيين في بؤر الصراع، واشتد نشاطها في تشييع سكان المناطق السنية، أيرنة عقلية المواطن الأفغاني. ولعل الإهمال الدول الإسلامية والعربية وتساهلها هذا الأمر هما ما أدى إلى تفاقم الدور الإيراني في أفغانستان، إذ لم يكن الشيعة يمثلون نسبة 3% من سكان أفغانستان، أما الآن فيُنتظر أن تصل نسبتهم إلى 20%، معظمهم تغلب عليهم نزعة الموالاة للولي الفقيه في إيران.
(المصدر: موقع المثقف الجديد)