مقالاتمقالات مختارة

الإمام أبو حنيفة وجهوده في مواجهة الظلم ومواجهته للملوك المتغلبين

بقلم مدحت القصراوي

كثر الكلام في أيامنا الشديدة هذه عن إمرة المتغلب والسمع والطاعة لمن خرج على الأمة بسيفه وسلاحه فقهرها وأذلها وصادر حريتها. واحتج المتكلمون بهذا بما ورد عن إقرار المتغلب، رغم أنه قول قيل في وقت معين، وفي أئمة قاموا بأمر الله تعالى وأمر الدين، وأقاموا الشريعة ونصبوا الجهاد ورفعوا أعلامه، ورغم أن العلماء نصوا على أن هذا في من هو قائم بأمر الدين، وفي حال كانت المفاسد من الخروج عليه أعظم من بقائه، وبشرط عدم وجود قوة تعيد الشورى للمسلمين. فأنزل هؤلاء الضلال هذه الاجتهادات في وضع: 1- علماني معادٍ للدين شريعةً وهويةً، يريد استئصال الحركة الإسلامية واجتثاثها. 2- وضع يستظهر بالإباحيين والملاحدة والشيوعيين ليمكّنهم، ويعتبرُهم أنهم هم الشعب دون غيرهم، وهم المواطنون دون غيرهم، وأنهم الشرفاء دون غيرهم. 3- وضع جاء باستظهار ظهير طائفي مسيحي يعمل منذ أربعين سنة على مشروع انفصالي وانعزالي تقسيمي للأمة. 4- وضع جاء بمطلب فئوي لفئة هي العسكر والأمن الفاسد، ليعيدوا الاستبداد من جانب والمكاسب المادية الرهيبة من جانب آخر، على حساب هذا الشعب وثرواته ومقدراته. 5- وضع جاء بتمويل رجال أعمال فاسدين ولصوص سرقوا الأمة ومقدراتها مع خونة العسكر، ثم امتلكوا الإعلام ليغيبوا عقول الناس عما يصلحهم ويشكلوا وعيهم بما يخدم أهداف هؤلاء اللصوص. 6- وضع جاء بتنسيق وتمويل ودعوة من قوى استبداد وفساد إقليمي. 7- وضع جاء بتنسيق كامل وأخذ جواز مرور دولي من الصهاينة والتحالف معهم وموالاتهم؛ لاستئصال جزء من الأمة في غزة وسيناء وتركيعهم ومحو من يشاؤون منهم خدمة للعدو، ليشفع لهم عند الأمريكيين الذين عادوا حرية هذه البلاد وهذه الأمة وشعوبها في كل بقعة. 8- وضع جاء بتنسيق مخابراتي كامل مع الغرب، وتحت إشرافه ليخدم أهدافه في المنطقة. 9- وضع جاء بحقد شديد على الإسلام وأهله، بل ونصوصه وكتبه ومقدساته، وكل يوم يظهر العداء سافرًا شيئًا فشيئًا. فلما تلاقت تلك الأهداف قاموا بهذا الانقلاب العسكري، الذي يشكل وجوده خطرًا شديدًا بل ماحقًا على الإسلام والبلاد والمقدرات، ووضع الأمة والتمكين للعدو بأعمال يصعب محوها، إلا أن يشاء الله، فلا توجد أدنى مصلحة في بقائه. وأعلن المنقلبون أنهم جاؤوا يعادون الفكرة الإسلامية، وتقدموا للعالم بالتخويف من الإسلام ونظامه وهويته، كمهج حاكم ونظام يمثل الإسلام، قلما عادوا الدين وعادوا البلاد وعادوا الشعوب وحريتها ومصالحها، ضللت فئة بإعلام فاسد وأحقاد شخصية وطائفية دينية وسياسية.. لكن في المقابل قامت فئة أخرى ذات وعي وإيمان وتحمل من نبل القيم ونبل التضحيات، والشجاعة والبسالة ما قدمت به نفسها لله تعالى ثم لأمتها وبلادها رخيصة من أجل وعي الأمة، والتصدي لهذا الباطل والوقوف أمام هذا الخطر وعدم استفحاله، وهنا جاء دور من مثَلُهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، أولئك دعاة النار من شيوخ السلطان وعلماء الضلالة وأفراخ المخابرات وأصحاب الملفات.. وتحجج هؤلاء بجواز إمرة المتغلب، ليقرروا هذا الباطل الشديد، بل والأشد خطورة من التتار الذين وقف أمامهم ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم من علماء الأمة لرفضهم التزام الشريعة، فوضعوا النصوص والعلم في غير موضعه ولبّسوا على الناس أمر دينهم، وكانوا ألعوبة في يد إبليس يقرر بهم الباطل ويهلك بهم الخلق، ويمحو بهم آثار الإسلام وأعلامه، ومن هؤلاء من هم علماء أزهريون وصفوا حراك الأمة الصامدة والرافضة للعلمانية، والفساد والاستبداد ومعاداة الهوية الإسلامية، وصفوا هؤلاء بأنهم خوارج.. فلما بحثنا في أئمة الهدى وجدنا لأئمة الأمة الذين لهم قدم صدق في الدين، من الأعمال والمواقف التي تقدموا بها، فكانت أثرًا صالحًا للتأسي بهم، وقد واجهوا بها أناسًا قام بهم من الظلم والاستبداد ما هو أقل بمئات، بل آلاف المرات مما قام بالمعاصرين من ظلم وفساد وصيال على الدين، وخطورة شديدة على الإسلام وأهله.. فأردنا أن نقدم ما قام به هؤلاء الكرام -ومنهم من ينتحل مذاهبهم ممن ينسبون للأزهر الشريف ليعرف الناس حقيقة المواقف، وحقيقة ما قام به علماء الأمة في مواجهة الظلم، ورفض مصادرة حرية الناس وكرامتهم فضلًا عن دينهم. وقد كتب الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتابه (الخلافة والملك)، فصلاً مهمًا عن الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله ورضي عنه، في كلامه عن النظام السياسي الإسلامي وملامحه وأسسه، وجهده فيما واجه به ظلم خلفاء بني العباس في عهده، وهم قوم قاموا بحماية الإسلام ونشره وأقاموا الشريعة، لكن كانت لهم مظالم واستئثار بالسلطة ما نقمه عليهم رحمه الله، وكانت له جهوده في هذا بل ومساندة حركات أمل فيها ورجا أن تقوم برد الأمر إلى شورى المسلمين، فلم يركن رحمه الله إلى التغلب ويدافع عنه كأنه منزل من السماء رغم أنه مخالف للنصوص، ولم يقره العلماء إلا على أنه حال ضرورة فسحب. فها نحن ذا نقدم لكم هذا الفصل في جهد أبي حنيفة رحمه الله، راجين من ربنا تعالى أن يزيل الغشاوة بهذا الجهد وبغيره عن عيون أهلنا وأمتنا، وأن ننطلق خطوات في سبيل نصر هذه الثورة سعيًا لاكتساب الحريات، وفتح الطريق أمام التمكين لهذا الدين العظيم والرسالة الخاتمة، والله تعالى من وراء القصد. تنويه: نتحفظ فقط على ما ذكره الأستاذ المودوي عن الإمام مالك وموقفه وكلامه مع أبي جعفر المنصور، ذلك أن للإمام مالك مواقفه المشهورة في عدم إقراره ببيعته وأنها تمت تحت الإكراه، وقد أوذي رحمه الله في هذا، فلأئمة الهدى -والحمد لله- مواقفهم المشهودة مع علمهم، فإمامتهم في العلم والعمل، والحمد لله رب العالمين.

(المصدر: طريق الاسلام)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى