مقالاتمقالات مختارة

الإمارات.. ماذا يفعل “صليب البابا” في قلب الإسلام؟؟

الإمارات.. ماذا يفعل “صليب البابا” في قلب الإسلام؟؟

بقلم د. إبراهيم الطالب

الاحتفاء المتزايد ببابا النصارى في بلاد الإمارات العربية، وإعلان حاكم دبي محمد بن زايد نائب رئيس البلاد عن تأسيس بيت العائلة الإبراهيمية، وكذا التسويق الإعلامي للحدث عالميا وإقليميا، هو فعلا كما وصفه قادة الإمارات يعتبر حدثا “تاريخيا” مهما.
وهو كذلك:
1- لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بألا يساكن اليهود والنصارى المسلمين في جزيرة العرب، وظل الأمر وفق ما أمر به نبي الإسلام طيلة 14 قرنا، واليوم يساكنونهم بل في بلاد الإمارات أصبحوا أغلبية، وهيمنوا على أغلب رئاسات الإدارات المحلية واستولوا على الأسواق المالية والتجارية من خلال الشركات العابرة للقارات، هذه القوة جعلت حكام البلاد يأتمرون بتوجيهاتهم؛ فكيف لا يحضوا ببناء الكنائس لأتباعهم.
2- هو تاريخي لأنه بعد قرون عديدة من توالي حملات الحروب الصليبية، تلتها قرون من الاحتلال لبلدان المسلمين، لم يتمكن الغزاة من بناء الكنائس في جزيرة المسلمين، والآن بعد أن أسسوا فيها القواعد العسكرية، أصبحت لهم الكنائس، وأمسى الفقه الإسلامي وأحكام أهل الذمة جزءا من الماضي بل أصبح أخس مسؤول وأحط متكلم يجرؤ على نعت أحكام الإسلام وتاريخه بالتطرف والانغلاق.
فهذا الحدث العظيم الخطير يجب أن تفهم دلالاته بعمق، ولن يتأتّى ذلك إلى بقراءته في إطاره التاريخي، ضمن سيرورة الصراع بين الإسلام والصليبية والذي من حلقاته الحروب الصليبية التي كان يقودها بابا النصارى سلف هذا الذي احتفت به الإمارات، ثم بعد ذلك سقوط الأندلس على يد الصليبيين وما تلاه من طرد وتقتيل للمسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية على يد فرناندو وإزابيلا نصرة للصليب وبدعم كبير من الكنيسة الكاثوليكية، ثم الحملات التوسعية التي احتلت خلالها الدول الغربية النصرانية كل بلدان الإسلام، بعد إسقاط دولة الخلافة وتقسيم أقاليمها بين دول النصارى.
وخلال قرون الاحتلال الأخيرة كانت الكنيسة الكاثوليكية حاضرة بقوة مع الجيوش الغازية، فنشرت النصرانية في إفريقيا بعد دخولها فوق الدبابات العسكرية.
عندما امتطى نابوليون متن سفينته مبحرا نحو الإسكندرية لغزوها في سنة 1798م جعل من بين أفراد جنوده قساوسة ورهبانا وتجارا ورسامين وبارودا ومطبعة.
فالجنود لقتل الممانعة الجهادية والقساوسة لزعزعة الإيمان الراسخ ولتبديل عقيدة التوحيد بعقيدة التثليث، والتجار للاستحواذ على الثروات، والرسامون والمطبعة لتبديل الثقافة وإلحاق الشعوب المسلمة حضاريا بالشعوب الغربية.
هؤلاء هم الغزاة الغربيون، لا فرق بين باباهم وجنيرالهم، لا فرق بين الصليب والسيف، ولا بين البندقية والقلم، ولا بين القرطاس والرصاص، كلها أدوات تستوي عندهم في التوظيف الإمبريالي التوسعي للاستحواذ على ثروات المسلمين، وتيسير ضبطهم في دويلات وظيفية في عالم يراد له أن يحكم من طرف الصهيونية الإنجيلية وما جاورها، والذي يدار من مكاتب الشركات العابرة للقارات ومعامل الأسلحة.
البابا ليس راهبا في دير، ليس عابدا متنسكا يدعو للمحبة والسلام، كما يشيعه الإعلام الغربي وذنبه العربي، وكما يحلو لابن زايد وجوقته “المؤمنون” بلا حدود ومن يعزف عزفهم من العلمانيين الكارهين للإسلام وعقائده أن يسموه.
البابا يدير دولة هي دولة الفاتيكان معترف بها من طرف الأمم المتحدة كدولة كاملة السيادة، صحيح ليس لها جيش عسكري لكن البابا يتبعه إداريا وعقديا جيش يتألف (حسب مجلة البيان عدد جمادى الأول 1421هـ) من أكثر من مائتين وثلاثة وسبعين ألفا وسبعمائة وسبعين منصرا، يشتغلون موظفين لدى منظمات بلغت أربعة وعشرين ألفا وخمسمائة وثمانين (24580) منظمة تنصيرية موزعة على بلدان العالم، ولهذه المؤسسات 1900 محطة تنصيرية تبث برامجها إلى أكثر من من مائة دولة بلغاتها المحلية، وتتلقى هذه الحركة التنصيرية تبرعات تبلغ 150 مليار دولار سنويا.
ينصّ دستور “الراعي الأزلي” (1) على أولية السلطة البابوية على الكنيسة برمتها لكنه يشير أيضًا إلى أن هذه السلطة “لا تعيق البتة سلطة الولاية الأسقفية العادية والمباشرة التي بفضلها يرعى ويسوس كراع حقيقي كل الأساقفة الذين أقامهم الروح القدس خلفاءً للرسل القطيع الموكول إليهم”.(2)
ويصف دستور “نور الأمم”(3)البابا بأنه: “يتمتع في كنيسة المسيح بالسلطة العليا والكاملة والمباشرة والشاملة للعناية بالأنفس”، كما يعتبره “راعي جميع المؤمنين” وبطبيعة الحال يدخل فيهم من تنصر وارتد عن الإسلام من رعايا الدول الإسلامية، بحيث يصبحون رعايا دولة الفاتيكان وأقلية دينية في بلدانهم.(4).
فعندما نتحدث عن زيارة البابا إلى شبه جزيرة المسلمين مهد الإسلام ومركزه حيث قبلتهم ومسجد نبيهم صلى الله عليه وسلم، فإننا ينبغي أن نعطيها حجمها انطلاقا من حجم البابا سياسيا وعقديا وما يشكله من خطر على مستقبل الإسلام والمسلمين؛ خصوصا في ظل حكام يؤمنون بمنهج “مؤمنون بلا حدود”، الذي تنمحي الفروق والحدود فيه بين الكفر والإيمان بين الفسوق والتقوى، بين الطاعة والعصيان.
فبالأمس القريب، باسم تمديننا أسقطوا نظام الخلافة واحتلوا كل أراضي المسلمين، واليوم باسم الحب والسلام ينَصِّرون أبناءنا، ويحاربون عقيدة التوحيد التي يدين بها مليار وستمائة مسلم، إنهم يفتِّتون الوحدة العقدية للمسلمين، إنهم يخلقون أقليات دينية سرعان ما ستزيد في تمزق الأوطان وإضعاف الشعوب.
إننا أمام إعادة بناء لعقيدة دولة أنشئت في سنة 1971 فقط، لا تاريخ لها كانت تسمى شاطئ عمان، تتواجد في قلب شبه الجزيرة الإسلامية على الحدود مع السعودية قبلة المسلمين ومثوى نبيهم الكريم حيث الحرمين، والتي تعرف هي أيضا تحولا دينيا وعقديا وثقافيا واجتماعياً كبيرا، وقطعا واضحا مع المرجعية الحنبلية السنية، التي تتآكل يوميا وبوتيرة سريعة جدا، الأمر الذي يجعل من زيارة بابا النصارى وبناء الكنائس ودور العبادة للهندوس واليهود والنصارى حدثا خطيرا سيكون له ما بعده، وما أدراك ما بعده، فاللهم سلم سلم.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

————————
(*) الأرقام حسب مجلة البيان عدد جمادى الأول 1421
(1) دستور “الراعي الأزلي” هو دستور الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان تم إعداده من طرف يسوعيي روما.
(2) أسقف روما، ج.تيار، ترجمة الأب جورج خوّام البولسي، المكتبة البولسية، حريصا 1980، ص.48.
(3) صدر دستور نور الأمم عن المجمع الفاتيكاني الثاني ويعتبر الوثيقة المنظمة لسلطة البابا في الكنيسة وعلاقته مع الأساقفة.
(4) أسقف روما، المرجع نفسه، ص56.

(المصدر:  هوية بريس)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى