بقلم فضيلة د. مهران ماهر عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الإلحاد ووجود الله
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد؛
فالمتأمِّل في القرآن الكريم يجد أنَّ الحديث عن وجود الله لم يشغل فيه حيزا كبيرا؛ وما ذاك إلا للفطرة التي فطر الله الناس عليها، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
وفي صحيح مسلم يقول ربنا سبحانه في الحديث القدسي: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا».
ولهذه الفطرة تجد المشرك الذي يعبد غير الله إذا نابه خطب أو حل به كرب يذر ما كان يعبد من دون الله ويلجأ إليه دون من سواه.
ولو أن طفلا لم يتعرض لتأثير شياطين الإنس والجن لنشأ على الإسلام وتوحيد الله، وفي ذلك يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» ولم يشر إلى الإسلام؛ لأنه الفطرة التي خلق الناس عليها.
إن مما ينبغي إدراكه: أن الإلحاد ليس ظاهرةً –كما قال بعضُ الأفاضل-، وإنما أراد له أهله أن يكون كذلك، فهو فكر شاذ لا يقبله عقل ولا يسنده علم، فالملحد أشد جرما من عابد الصنم؛ لأن عابد الصنم مقر بوجود الله، وبأنه خالق لكل شيء، بل يتوجه إليه بكثير من العبادات، وإنما خلّده في نار جهنم شركُه، فقد كان يعبد الله ويعبد معه غيره {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97، 98]. فأين هذا ممن يجحد وجود ربه؟
ولستُ أصدق من ينكر وجود الله! ولست أشك في أنه مكابر كاذب {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } [النمل: 14]. ولما قال الكليم عليه السلام لفرعون {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102]، لم يقل: لم أعلم.
أحد المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 35، 36] فقَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. فأسلم بعدها، وهو جبير بن مطعم رضي الله عنه.
فهذه حجة قرآنية تفحم كل مكابر من أهل الإلحاد؛ فإما أن هذا الملحد -الذي ينكر أن الله خلقه- خُلق بدون خالق! ووُجد بدون موجِد، أو أنه خلق نفسه! كان عدما فوُجد ليُوجد نفسه!! وهذا كلام لا يقبله عقل أبدا!
فتعين القول بأنَّ له خالقا، ومن يكون سوى الله؟!
ما أعقل ذاك الأعرابي الذي سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: “الأثر يدل على المسير، والبعر يدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، أفلا تدل على اللطيف الخبير”؟
وما أذكى إمامَنا أبا حنيفة رحمه الله! فلقد قال لجماعةٍ من الملاحدة: أفكِّر في سفينة كانت تشق عُباب البحر ولا قائد لها، وأرفأت على شاطئ فأفرغت فيه حمولتها بدون أن يكون على ظهرها من أحد! فأنكروا هذا، واتهموه في عقله، فعلموا أنهم أولى بالذم منه لما قال لهم: تنكرون أن سفينة تسير بلا قائد وتثبتون كونا بلا رب ولا خالق!؟
إن ما في الكون من الآيات الكونية ناطق بوجود الله، وما سُمِّي العالم عالماً إلا لأنه علامة دالة على ربنا سبحانه، فالسماوات والأرض والجبال والبحار والأنهار والأشجار والوديان والمطر الذي ينهمر على أرض قيعان لا نبت فيها فتصبح بعده خضراء ناضرة، كل هذه آيات شاهدة بـ : لا إله إلا الله.
وما لي أذهب بعيدًا؟! {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]؟
هلا أخبرنا من ينكر وجود الله عن سر عجز جماعة من علماء الملاحدة أرادوا صنع خلية؟ لماذا أعلنوا عجزهم عن إيجاد هذا الكائن المتناهي في الصغر؟ والخلية هي اللبنة الأساسية في جسم الإنسان.
يا معشر الملاحدة:
حدثونا عما يلي:
6500 لتر من الدم يضخها القلب إلى الجسم يوميا..
في حالة الحمل يضخ القلب يومياً 15 ألف لتر من الدم..
في دم الإنسان الواحد 25 مليون كرية حمراء ويستهلك الإنسان في الثانية 2 مليون كرية حمراء.
دقات القلب إلى ألفي مليون دقة في متوسط العمر دون توقف ودون أن يحصل القلب على قسط من الراحة
400 مليار خلية في الكبد وتقوم بأكثر من 50 وظيفة..
استهلاك الجسم 7500 مليون خلية في الدقيقة
يوجد بالمعدة 35 مليون غدة لإفراز ما يهضم لنا الطعام
في الرئة 750 مليون حويصلة رئوية و يتنفس الإنسان في اليوم الواحد 23 ألف مرة بمعدل يصل علي مدي العمر قرابة 2040 مليون مرة.
في جسم الإنسان من 3-4 مليون جهاز يشعره بالألم.
وفي كل ثانية تتم 660 مليون إشارة من الأعضاء الحسية يتلقفها الجهاز العصبي.
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [لقمان: 11].
أكل هذا جاء صدفة؟!!
الملحدون متهمون لنبينا صلى الله عليه وسلم بالكذب، مجمعون على ما نعتقده فيه: أنه رجل أمي، ولكنهم يقولون عنه: أميٌّ يكذب! تعالى الله أن يكون نبيه كذلك! ونحن نسألهم: إذا لم يكن مرسلا فمن أين له بهذه الغيبيات التي أخبرنا بها وشاهدها الناس بأعينهم؟
إن أدلة الإعجاز العلمي في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ناطقة بصدقه، شاهدة بإرسال الله له.
نبينا صلى الله عليه وسلم علَّمنا إذا جاءنا شيطانٌ إنسي أو جني فقال: من خلق الله؟ أن ننتهي ونقلع عن التفكير في هذا. وهذا إعجاز طبي في السنة النبوية، فكثير من الوسوسة لا علاج لها لدى أطباء النفس إلا بقطع التفكير فيها والانتهاء عن التمادي والاسترسال معها. ونحن نوجه إليكم السؤال نفسه: تقولون: الطبيعة خَلقت، فمن خلقها؟
كثير من الملاحدة إذا أراد أن يقيم دليلا على صحة مذهبه عمد إلى خرافات لا نؤمن بها في الأديان السماوية المحرفة وخلص إلى القول بعدها بأن الأديان خرافات وليست من عند الله! ونحن قد نتفق معهم في أن بعض ما ينسب إلى الإنجيل والتوراة ليس من عند الله، فهذه الكتب طرأ عليها التحريف، والقرآن الكريم غرس هذه العقيدة في قلوبنا:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75]
{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78].
فمن الاستخفاف بعقول الناس أن يأتي الملحد بكذب في التوراة أو الإنجيل ليدلل به على كذب القرآن! والقرآن مقر بوجود التحريف فيهما، منكر على من قام بذلك من أهل الديانتين.
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)