الإلحاد بين إنكار الإله وطلب رحمته!
بقلم أماني مرزوق
ليست صدفة بل تقدير إلهي عجيب ذلك الذي حدث معي بينما أكتب هذا المقال، حيث امرأة بجواري تتحدث العربية المكسرة، تبادلنا الحديث لتشكو مرارة إلحاد اختها بعد هجرتهم من موطنهم العربي لإحدى الدول الأجنبية.
الظواهر جدا مرعبة فبملاحظة تزايد مؤشرات عدد الملحدين والمرتدين عن الإسلام في الآونة الأخيرة وخاصة بالدول العربية المنتهكة، فإن المرء منا يصبح مؤمناً ويخشى أن يمسي كافراً، هذا عنا نحن جيل الثمانينات الذي نشأ على قدر لا بأس به من التدين، فالدعاة كانت في كل مكان والمظاهر الإسلامية حينها دفعت البعض لتسمية هذا الجيل بـ”جيل الصحوة”. إذن فماذا عن جيل أبنائنا الذي نشأ على دعاةٌ فُتنت، وقيمٌ هدمت، ومسلمين يتنازعون ويتقاتلون بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، ارجو أن ينير الله بصائرنا لما يغرس فيهم ديننا بحقيقته كما جاء هدىً وشفاءا.
الإلحاد هو انكار وجود الخالق وكل ما يترتب عليه مما قد يأتي من الخالق للمخلوق فهو منكر بالتبعية، هكذا عرفنا الإلحاد دوماً، أما أن تظهر فئة جديدة تنكر الخالق وشرعته ثم تطالب بعد الموت برحمته والتي من مظاهرها الدعاء لمن مات وظاهره الإلحاد والصلاة عليه فيبدو أن هذا الأمر يحتاج منا إلى وقفه.
إن دعاوى الترحم والصلاة على من مات معلناً للإلحاد ليست مجرد دعاوى إنسانية عابرة ولا ظاهرة يمكن تجاهلها، ومن جهة أخرى إنه لا يحق لأحد أن يسخر من مشاعر الأسى لدى أي فصيل مهما كان الدافع أو المبرر، بل نحترم المشاعر ونصنفها لنتخير منها ببصيرة ثم نحكم العقل لإتخاد القرار الصائب.
نعم نحزن على نفس خرجت من هداية الإسلام إلى حيرة اللادين، وكذلك أيضاً نتوجع على روح ضاعت بين نماذج اسلامية تنفر من الإسلام بمثاليتها الزائفة وسلوكها السيء المضطرب من جهة، ومن جهة أخرى بريق خاطف لبعض القيم المحببة والتي يتصف بها غير المسلمين في ما يظهر لنا، بل وإنه من أرقى مظاهر الرحمه والإنسانية أن ندعو للمسلمين من أهل من مات ملحداً بأن يربط الله على قلوبهم و يصبرهمً. كل هذه مشاعر إنسانية راقيه نتمنى أن تفيض بيننا، أما أن تجرفنا هذه المشاعر للمداهنة في الدين والترحم على مثل هذه الحالات بعد موتها والإعلاء من شأنهم تحت دعاوى أنهم اتصفوا بالشجاعة والصدق والروح الحلوة فهذا مرفوض جملةً وتفصيلاً ففي الشرع حدود إن لم نقف عندها انتهكناها.
إن إعلان الإلحاد بدلاً من اخفائه بسبب بعض الشبهات التي يتعرض لها المرء لم يكن في يوم من الأيام مظهراً من مظاهر الشجاعة، بل إن الشجاعة الحقيقية في البحث عن أهل العلم للرد عن تلك الشبهات، والتضرع قبلها لله أن ينير البصائر ويشرح الصدور ويهدي العقول لما اختلف فيه من الحق بإذنه. كما أن الصدق ليس في اتباع ما أشعر به أو ارتاح إليه بقلب اتبع هواه بغير هدي، بل إن الصدق الحقيقي هو في الإيمان بالله ورسوله وكتابه أولاً، ثم اتباع ما جاء فيه من الحق بإذنه سبحانه. والروح الحلوة ليست ذاك الوجه الضحوك الذي نرتاح إليه حتى وإن كان صاحب تلك الضحكة يضلنا، بل إن الروح الحلوة هي تلك الروح التي تأخذ بأيدينا من الظلمات إلى النور ابتغاء مرضات الله.
أليست هذه الرحمه المطلوبه إنما تُطلب من الإله الذي يحي ويميت؟ بلى، أليس هذا الميت أنكر هذا الإله وشرعته؟ بلى. إذن فكيف نطلب الرحمة لميت من إله، هذا الميت نفسه رفض الاعتراف به وتوحيده! اعلموا أن هناك نواقص للتوحيد ترحموا على من أصيب بها كيفما شئتم، وإن زنا وشرب الخمر، أما من جاء بنواقض التوحيد أو إنكار لوجود الإله من أصله فعليه من الله ما يستحقه. ولا تغفلوا أن الترحم على من مات ملحداً قد تصبح تشجيعاً للشباب المتردد والمقبل على الإلحاد فعفوا بأنفسكم عن الوقوع في مثل هذا الإثم.
نترحم ونصلي على من مات وظاهره مسلماً، وإن أبطن النفاق والكفر، ذلك وإن صلاتنا عليه ودعواتنا تنفعنا ولن تنفعه، ولا نترحم ولا نصلي على من مات معلناً للإلحاد والكفر وإن أبطن الإيمان فإن شاء الله رحمه دون أن نأثم نحن بالدعاء لمن لا يجوز ان ندعوا له، هذا ببساطه ما يتطلب من المسلم فعله تجاه من أفضى لربه.
وختاماً، نخشى على مسلمين، لم يبق لهم إلا بقايا إسلام أصابه الوهن وتراكمت عليه الفتن ولا نخشى على الإسلام، والذي قال عنه الشيخ بكر أبو زيد في كتابه حراسة الفضيلة “اعلم -ثبت الله قلبك- أن الإسلام لا يموت لكنه يمر بفترات تمحيص ينجو فيها أهل الصدق ويسقط فيها مرضى القلوب في أوحال الإنتكاسة، واعلم أن شريعة السماء تسير غير آبهة بأسماء المتخاذلين تسقط أسماء وتعلوا أسماء قال تعالى: “وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم” انتهى. وها نحن نرى بأم أعيننا علمانيين ومشركين ولا دينين يفرون للإسلام ويأخذون الكتاب بقوة وإن كانوا بلسان غير عربي. هذا وأود أيضاً أن أبادلكم شعوري بأني لست عن الفتنة ببعيدة واسأل الله لي ولكم أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يتوفنا مسلمين ويلحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. وهدانا الله وإياكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
(المصدر: مدونات الجزيرة)