مقالاتمقالات مختارة

الإسلام .. من يحاربه ويحول دون استئناف دوره؟

الإسلام .. من يحاربه ويحول دون استئناف دوره؟

بقلم أبو يعرب المرزوقي

الإرهاب الذي تخفيه “الحرب على الإرهاب” في دار الإسلام ذلك هو المشكل الذي أريد فهمه. فالحرب على الإرهاب في دار الإسلام تبدو قضية ذاتية للإسلام والمسلمين. لكنها في الحقيقة دليل على أن الإسلام والمسلمين هم الذين اختارهم الله ليكونوا شهودا على العالمين في التحريف الثاني.
اختارنا الله أول مرة شهودا على التحريف الاول فأمدنا بالرسالة التي خصص القرآن نصفها لعلاجه: تحريف الديني وأثره في التاريخ الإنساني. ومن هذه الشاهدة الأولى نرى اليوم أن الشهادة الثانية بدأت تتبين لكل ذي بصيرة: نحن اليوم شهود على تحريف الفلسفي وأثره التاريخ الإنساني.
ومن حسن الصدف أو من مكر الله الخير أن ذراعي الارهاب الذي يراد التغطية عنه باسم الحرب على الإرهاب في دار الإسلام والسني منه على وجه الخصوص يوجدان في الإقليم ولهما مع الإسلام تاريخ يصل الشهادة الأولى بداية بالشهادة الثانية غاية: بنو صهيون وبنو صفيون.
وقد راوح دورهما من الاندساس في الفتنة الكبرى (غاية تحريف الاديان أو الباطنية) إلى الاندساس في الفتنة الصغرى (غاية تحريف الفلسفات أو المادية) ودورهما في الحلف مع كل أعداء الإسلام سواء كانوا من مغول الشرق أو من مغول الغرب للحرب على الإصلاح القرآني للتحريف دينيا كان أو فلسفيا.
والجامع بينهما هو وجها الثيوقراطيا (الحكم باسم الله) والانثروبوقراطيا (الحكم باسم الإنسان) تنكرين للأبيسيوقراطيا (الحكم باسم العجل). والحكم باسم العجل هو سلطان المال (معدن العجل) والايديولوجيا (خوار العجل). ولا يكون ذلك من دون وساطة في التربية ووصاية في الحكم.
شرحنا هذه المعاني في غير موضع. مشكلنا الآن هو تحديد الإرهاب الذي تخفيه الحرب على الإرهاب المقتصر على دار الإسلام ودلالة هذا الاقتصار بوصفه رمزا لمنزلة وجودية تجلت مرتين أولاهما كانت بداية الرسالة والحروب مع امبراطوريتي الشر الكسروية والقيصرية وحلف بقاياهما مع الشرق والغرب.
والتجلي الثاني أصبح مع بقايا امبراطوريات أوروبا-وخاصة البريطانية والفرنسية والروسية-ووريثتها جميعا أي مغول الغرب أو الولايات المتحدة التي صارت قائدة الذراعين في الإقليم (إيران وإسرائيل) والسندين الثانويين (روسيا وأوروبا العتيقة) ومعهم الأنظمة العميلة ومليشيات السيف والقلم.
فكل هؤلاء يمثلون جوهر الإرهاب الذي يتدثر بالحرب على الارهاب وحصرها في دار الإسلام مع العلم أن ما فيها من إرهاب حقيقي هو ما اصطنعته مخابراتهم حتى يحققوا هدفين بينين لكل ذي عقل:
1. توطيد ما فعلوه في جغرافية السلام وزرعوه من عملاء
2. تشويه تاريخ الإسلام وكونيته القيمية والخلقية
وفي ذلك -بخلاف رأي المتشائمين-سبب للتفاؤل: فلولم يكونوا في قرارة أنفسهم متأكدين من أن الاستئناف قد بدأ وأن عودة الإسلام لدوره التاريخي الكوني لم تعد مسألة هل هي ممكنة بل بعد التأكد من أنها صارت واجبة هو متى ستتحقق. وإذن فهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا أكثر من تأجيلها أما وقوعها فحتم.
موضوع هذه المحاولة مضاعف:
1. تحديد الإرهاب الذي يريدون إخفاءه بما يسمونه الحرب على الإرهاب في بلاد الإسلام وضد المسلمين.
2. لماذا صارت عودة الإسلام حتمية ليس لأن المسلمين وحدهم يسعون إليها بل لأنها أصبحت حاجة كونية مثل النشأة الاولى: تحرير الإنسانية من التحريفين الديني والفلسفي.
ولكل من وجهي الموضوع ضميمة: فالإرهاب المخفي حقيقته هي أن يستعمل استراتيجية الإرهاب المستهدف للتغطية على ذاته ومن ثم فهو عين الحرب على ما يخشاه مما يتهمه بالإرهاب لضربه أي الفرع الثاني من الموضوع الذي يشوه بالإرهاب المصنوع من مخابرات الإرهابيين الحقيقيين.
والحاجة الكونية لما يحاربونه هي الأمر المخفي من الوجه الثاني من موضوعنا أي كل هم الاستراتيجية التي تصنع الإرهاب في دار الإسلام هو محاولة التعمية على ما يمكن للإسلام أن يسده من حاجات الإنسانية التي أصبحت أمام طرق مسدودة في كل شؤونها المادية والروحية مع الطبيعة ومع التاريخ.
وما أريد بيانه من توضيح وجهي كلا الفرعين من الاستراتيجية التي جعلت الإرهاب العالمي في كل مستوياته المحلية والإقليمية والدولية يتوجه إلى الإسلام والمسلمين حصرا ليس في الحقيقة حصريا بذاته بل بكون أصحابه يعتقدون أن الإسلام هو الذي يمكن أن يقضي على إرهابهم العالمي ضد الجميع.
وإذا الطابع الحصري هو الغالب على اللحظة فلذلك علتان: الأولى أن الإسلام والمسلمين هو بالفعل الحلقة الاضعف لكنهم بالقوة الحلقة الاقوى ومن ثم فالحصر علته استسناح الفرصة قبل أن ينتقل الإسلام من حال القدرة بالقوة إلى حال القدرة بالفعل. والثانية لأن القوى الأخرى تعمل بفلسفة “سون تسو”.
لكن العرب خاصة والمسلمين عامة يعملون بعكسها: فهم في حرب أهلية دائمة ولا يحاربون إلا في أرضهم بدلا من الحرب في أرض العدو. ولذلك فحتى إذا انتصروا تكون الكلفة تهديم أوطانهم فيخرج العدو سالما لأن أوطانه بقيت خارج الحرب. والحرب ليست القتال فحسب بل هي عنيفة ولطيفة.
وكلتا الحربين تجري في أرض الإسلام التي فتتت والتي صار من يحتل فتاتها من عملاء الاستعمار يسعون لتفتيت تاريخها بعد تفتيت جغرافيتها حتى يضاف إلى الضعف المادي الضعف الروحي. ونحن اليوم في حرب ليس على الجغرافيا وثمرتها ولا على التاريخ وثمرته فحسب بل على المرجعية نفسها.
والحرب اللطيفة تكفلت بها مليشيات القلم من النخبتين التي تدعي الأصالة والتي تدعي الحداثة لأنهما ليستا نخبتين إلا بالاسم فكلاهم لا يمثل إلى قشور ما يدعيه. ولذلك فكلاهما يوظف في أدنى ما أعده الاستشراق منذ القرون الوسطي الذي كان كنسيا وصار تابعا لمخابرات الدول الغربية لتوظيف العملاء.
والحرب العنيفة تكفلت بها مليشيات السيف والأنظمة العميلة التي باتت تعتبر المحميات التي نصبها عليها العدو دولا وأوطانا وهي في الحقيقة مزارع لعبيد الاستعمار لا يختلفون في شيء عن عبيد أمريكا من الأفارقة في القرون الأربعة السابقة إلا بشعارات الدول مع فقدان السيادة والكرامة والعزة.
لكن التركيز على الإسلام والمسلمين فيه وجهان أحدهما كما ذكرت علته منع ما لدى المسلمين في حال الوجود القوة إلى حال الوجود بالفعل والثاني هو السعي للاستحواذ على ما لديهم ليكون قوة بيد المستحوذ عليه في صراعه الدولي مع القوى الصاعدة ومن ثم فنحن موضوع صراع مضاعف.
الأول يستهدفنا لذواتنا لمنع عودتنا التاريخية والثاني يستهدفنا لغيرها لمنعه من المنافسة المقبلة بين أقطاب العلم من خلال السيطرة على ما لدينا من قوة بالقوة هي ثروات أرضية وبحرية وطاقة وموقعها الاستراتيجي بوصفها سيدة الجو والبحار العالم ومضايقها من إندونيسيا إلى المغرب الأقصى.
فمن يسيطر على دار الإسلام يسيطر على العالم لأن ما حصل بعد القرن الخامس عشر من الاستدارة حول دار الإسلام لم يعد ممكنا بسبب انتشار الإسلام واستعادة بعض قوته ولا يمكن لأي قوة في العالم أن تسيطر على أي قطعة منها من دون خيانة داخلية والمثال على ذلك المقاومة الأفغانية.
كل من يحارب أي قطر إسلامي أنا واثق من أنه سينهك ولن يربح أي حرب حتى لو كان عملاقا مثل أمريكا. يمكن للحرب في افغانستان أن تبقى اضعاف ما بقيت إلى حد الآن. وإذا واصلت أمريكا هذه السياسة فستقط قبل المسلمين. وفهم هذا السر هو أمل الصين وروسيا والذراعان في الاقليم.
وهم لا يكتفون بدار الإسلام. فالصين مثلا تحارب أمريكا بمنطق فيلسوفها في كوريا الشمالية لأنها تضطرها لأن تنفق ما لا يقدر خوفا من خسران كل ما بنته بعد الحرب الثانية في اليابان والفليبين وكوريا الجنوبية ومع ذلك كل المحيط الهادي. وروسيا تحاربها في الهلال وحتى في بقاء أوروبا العجوز.
لكن القيادات العربية والنخب التابعة لها تتميز بكونها في غيبوبة تاريخية لأنها نكصت إلى ما كانت عليه قبائلها في الجاهلة قبل أن يمن الله عليهم بالرسالة الكونية التي صاروا هم أعدى أعدائها بأن ساهموا في الحرب عليها بنوعيها اللطيف والعنيف كما أسلفت: يمولون الأعداء لمنع الاستئناف.

 

 

(المصدر: موقع “أبو يعرب المرزوقي”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى