مقالاتمقالات مختارة

الإسلام منهج حياة

بقلم أ. محمد علواني سليمان – رابط العلماء السوريين

“إنهم يريدون إسلاماً أمريكانياً يستفتي في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتي في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية”.

كلمات بسيطة لخص بها الشهيد سيد قطب سبب ذعر الغرب من هذا الإسلام الذي يبشر به أولئك الثائرون، وهو ذلك الإسلام الذي أنفقوا في سبيل تغييبه عن واقع المسلمين المليارات، حماية لمصالحهم، وتحقيقا لمطامعهم في منطقتنا العربية والإسلامية، ذلك الإسلام الذي يستثير الأمة لتجمع شتاتها، وتوحد كلمتها، وتنتبه لما يحاك لها، فتحمي مقدراتها، وتستفيد من خيراتها، فجيشوا آلاف المستشرقين ليملؤوا ساحة الثقافة الإسلامية بغبار الشبهات، وليلقوا علي تاريخنا ظلم الاتهامات، وليوجهوا سهامهم المسمومة تجاه عقائد المسلمين وثوابتهم، واستخدموا كل وسيلة لعولمة ثقافتهم وفرضها فرضاً علي عالمنا العربي والإسلامي، واستقطبوا الكثيرين من أبناء المسلمين من خلال نواديهم ومعاهدهم، وإسباغ المنافع المادية عليهم، واستطاعوا أن يجعلوهم يتكلمون بلسانهم ويبشرون بثقافتهم ويتنكرون لدينهم وتاريخهم وحضارتهم، ودعموا الحكومات والأنظمة التي تساعدهم علي تحقيق أهدافهم وتعمل علي تغييب منهج الإسلام بشموله وعمومه عن واقع الأمة وتحرس علمانية الدولة، وتغيب الشريعة، حتي نشأ جيل فهم الإسلام كما أرادوه أن يفهمه، فلم يدركه إلا عقيدة مفرغة من مضامينها وعبادة منقوصة مفرغة من أسرارها، ولا علاقة له بالحياة.

وإذا بهم يتفاجؤون بهذا البعث الجديد من الثائرين، الذين فهموا الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فأعادوا للعقيدة مضامينها، وللعبادة روحها ومعانيها وأسرارها، فراحوا ينادون به نظاماً شاملاً يتناول مظاهر الحياة جميعاً، وأنه يحتوي علي القواعد الكلية التي تنتظم كل شأن من شئون الحياة “ما فرطنا في الكتاب من شيء”، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، فهو لا يقر الفوضى، ويحرص على النظام العام، ويحرص على توجيه الأمة لما يحقق أمنها واستقرارها ورخاءها وحياتها ولما يمكنها من تحقيق الرسالة التي خلقت من أجلها، ولن يكون ذلك إلا بالإصلاح السياسي فهو رأس كل إصلاح.

والدولة هي أرقى النظم السياسية التي تنظم حياة الأمم، وأركانها أمة ووطن وحكومة، ولقد حقق الإسلام بتشريعاته وممارساته أرقي شكل للدولة يمكن أن تطمح له أمة، فشيد أرقى حضارة وأعظمها أثراً بين الأمم، ففرض على الأمة نصب الإمام “الحكومة”، وجعل الحكم من العقائد والأصول وليس من الفقهيات والفروع، وترك للأمة حق اختيارها ومراقبتها ومحاسبتها، وأوجب على هذه الحكومة حراسة الدين ونشره وإدارة شؤون الأمة، وأوجب عليهم جميعاً حكومة وأمة العمل الجاد المثمر بما يحقق الرخاء والأمن والاستقرار للوطن الذي يعيشون فيه، وجعل هذا الوطن يتعدى حدوده الجغرافيا لتكون العقيدة حدوده، فلا ينعزل عن هموم أمته، فيهتم بأمور إخوانه أينما كانوا.

وإن تقدم الأمم ليقاس من خلال تقدمها في مسارين، التقدم المادي، والتقدم المعنوي، ولا يغني أحدهما عن الآخر، والتقدم المعنوي هو حصانة التقدم المادي، ولذا كان الإسلام كذلك خلقاً وقوة، أو رحمة وعدالة، خلق راسخ في النفس يبعث على فعل الفضائل حباً فيها ورغبة فيما عند الله، لا تغيره الظروف ولا تلونه الحوادث، خلق من أعظم مظاهره الرحمة التي تحقق سعادة وأمن وترابط الأمة، ومع ذلك فالقوة حاضرة، تقوم المعوج، وتخوف المنحرف، وتضرب على يد الظالم، ومن أعظم مظاهر القوة العدالة التي لا تحابي أحداً على أحد، ولا تميز بين شريف وضعيف.

ومن التقدم المعنوي أيضاً أن الإسلام ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، فعندما تصبح تصورات الناس واحدة، والمعروف بينهم واحداً، والمنكر عندهم واحداً، فثمة هوية الأمة وثقافتها، وهي ثقافة قائمة على علم بكتاب الله وسُنة نبيه، نظم الإسلام لها القوانين التي يقضي بها بين الناس، فلا هوى، ولا زيغ.

ثم يأتي التقدم المادي الذي لم يهمله الإسلام كذلك، فنادى هؤلاء الثائرون أن الإسلام كذلك مادة وثروة أو كسب وغنى، فهو يحث أبناءه على أن يحوزوا كل أسباب القوة؛ “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”، ومن أسباب القوة التقدم الاقتصادي، الذي به تتحرر الأمة من التبعية للغير، فلن تفكر برأسك إلا حيث يضرب فأسك، ونعم المال الصالح للعبد الصالح، “وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”.

ومن التقدم المادي أيضاً أن الإسلام جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، فهذه الفكرة الشاملة الكاملة التي وضعها الله الكامل العادل العليم بمن خلق، والتي لا غني للبشرية عنها، والتي تستحق من حملتها أن يضحوا في سبيل إعلانها والتبشير بها وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال وكل رخيص وغال لتحتاج إلى قوة تحميها، فلا يمكن أبداً أن تقوم على أكتاف الحالمين، ولا الكسالى النائمين، وإنما تقوم على أكتاف المجاهدين الذين لا يبخلون عليها بأموالهم وأنفسهم، فهم في حركة دائبة في سبيل تحقيق فكرتهم وإقامة منهج ربهم حتى يظفروا بإحدى الحسنيين؛ نصر أو شهادة.

فهذا هو الإسلام الذي يعرفه هؤلاء الثائرون ولا يعرفون غيره، لا يعدلون به نظاماً، ولا يطيعون لغيره أحكاماً، الله غايتهم، ورضاه مقصدهم، والرسول قدوتهم، وصحابته مثلهم العليا، فهم حافظوا قرآنه كما حفظوه، ورافعوا لواءه كما رفعوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا، ورحمة الله للعالمين “ولتعلمن نبأه بعد حين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى