مقالات مختارة

الإسلام ليس بحاجة إلى إصلاح

بقلم سعد سعيد الديو

طالعت في إحدى المجلات الإسلامية عنواناً أقل ما يقال عنه: إنه غريب ولا يمت للبحث العلمي أو التاريخي بصلة لأحد الإخوة، ويقوم أساساً على وجود الاختلاف بين التيارات الإسلامية على مدار التاريخ، ليخلص إلى نظرية جديدة بأن “الإسلام بحاجة إلى إصلاح”، والله تعالى يقول: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (آل عمران:19)، والذي تعهد بحفظه أساساً من خلال حفظ القرآن الكريم؛ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9}) (الحجر)؛ وعليه فالدين محفوظ من قبل الله ولا يمكن أن تعتريه الزيادة أو النقصان، ولذلك فاختيار كلمة إصلاح كان اختياراً غير موفق لما يتعلق بمفهوم الإسلام، والله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة:3)، فهل نصلح ما رضيه الله لنا؟

وهذه الأفكار تنطلق من زاوية ضيقة جداً؛ وهي كثرة الاختلافات السياسية والفكرية بين المسلمين في أيامنا هذه، ووقوع المسلمين تحت الضغط النفسي والفكري للجماعات المتطرفة والتي تدعي أنها تمثل الإسلام، وتأخذ من التكفير وإشاعة الخلاف منهجاً! والاختلاف أمر مشروع ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، وهو غير الخلاف والخصومة والتقاتل، والذي أرجو أن يدركه الجميع بشكل جيد، فالله تعالى يقول: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود)، إذاً فالاختلاف أمر مشروع عبر عنه د. طه جابر بقوله: إن الاختلاف في وجهات النظر والحكم عليها أمر فطري طبيعي، وله علاقة بالفروق الفردية بين البشر إلى حد كبير, وعلى ذلك فالناس مختلفون، والمؤمنون درجات، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد.

إن الديمقراطية التي نتغنى بها صباحاً ومساءً ما كانت لتقوم لولا وجود الاختلافات في وجهات النظر في كل الأمور, ولا يخلو تيار فكري واحد أكان دينياً أم دنيوياً من تشعبات وتيارات ثانوية بمرور الزمن؛ نظراً لاختلاف مشارب الناس وأفكارهم ومصالحهم وتغير المفاهيم حسب الزمان والمكان, وعموماً فالاختلاف الذي لا يمس الأصول ولا يكون مدفوعاً بآراء تعصبية أو أحقاد مبنية على مؤامرات مرسومة بدقة لا يمكن اعتباره إلا ظاهرة صحية لا بل ومطلوبة بإلحاح.

إن السقوط في هاوية التعصب الأعمى الذي يكون انعكاساً لنفسية مظلمة تتخذ من الاختلاف منهجاً للانتقام وتصفية الحسابات يجب ألا يدفعنا للتطاول على الإسلام ونقول عنه: إنه بحاجة إلى إصلاح، والذي دفع علي شريعتي للتطاول أكثر بقوله: إن الإسلام قد بلغ درجة الانحطاط!

إن الذين يحتاجون للإصلاح هم فئات من المسلمين فهموا الدين الإسلامي فهماً معوجاً عن قصد وغير قصد, وخصوصاً أولئك الذين اتخذوا من بعض الحوادث التاريخية منطلقاً لعقائدهم وأفكارهم, وتقوقعوا حول أفكار مبتدعة ونسبوها للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم اعتبروها صماء لا تقبل النقاش بحجة العصمة أو التواتر مما لا مجال للخوض فيه.

إن تاريخنا الفكري مملوء بمواقف التسامح والتفاهم والانفتاح على الآخر, وليس من الحكمة أن ندمغ تاريخنا بسطر واحد بدءاً من الخلافات بين علي، ومعاوية رضي الله عنهما، ونفتح المجال للقاعدة وأخواتها المجال لتضليل الشباب, فذلك استخفاف بالتاريخ وبالدين معاً.

إن سبيلنا لإصلاح الفكر الديني هو أمر واجب وحيوي وليس إصلاح الإسلام كما وقع في هذا الفخ زميلنا, وفي هذا الصدد يقول الإمام المالك: “لا يؤخذ هذا العلم (علم الدين) من أربعة, ويؤخذ ممن سواهم: لا يؤخذ من سفيه، ولا يؤخذ من صاحب هوى يدعو إلى بدعته، ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس، وإن كان لا يتهم على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحمل ويحدث به, وهذه الأسس هي أهم الأسس لإصلاح الفكر الديني الذي ركب سفينته السفهاء والكذابون وأصحاب الهوى، ولا تكفي التقوى مع غياب العقل.

إن حالات التسامح وتقبل الآخر بين فقهاء الأمة كانت السمة الأعم في تاريخنا، والتي يذكر منها د. طه جابر في كتابه “أدب الاختلاف في الإسلام الشيء الكثير”, منها أن الليث بن سعد لقي مالكاً في المدينة فقال له: إني أراك تمسح العرق عن جبينك, قال له: عرقت مع أبي حنيفة, إنه لفقيه يا مصري, ثم لقي أبا حنيفة, وقال له: ما أحسن قول هذا الرجل فيك (يشير إلى مالك) فقال أبو حنيفة: ما رأيت أسرع منه بجواب صادق ونقد تام!

وأخيراً؛ إن التعميم الذي يصل إليه البعض من أن الإسلام بحاجة إلى إصلاح حاله حال جميع المناهج الفكرية والتربوية التي تتعامل مع الإنسان، وتوجه مساره في الحياة, لهو أمر عجيب وغريب، عندما نضع الدين وما يتصل به من معارف على رف واحد مع مناهج الفيزياء والكيمياء والرياضيات.. ولله في خلقه شؤون!

المصدر: مجلة المجتمع.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى