تشهد جمهورية الكونغو على مدار السنوات الأخيرة وتيرة إقبال كبير على الإسلام، فبعد تعافي البلاد من الحرب الأهلية التي اندلعت قبل عقدين من الزمن أصبح الإسلام رقما أساسيا في الحياة العامة للبلاد بفعل تنامي أتباعه و انتشار مساجده و مؤسساته الأهلية.
لقد لعبت الجاليات القادمة من غرب إفريقيا دورا كبيرا في نشر الإسلام بالبلاد و تعريف أهلها به، فهذه الجاليات التي تنشط في مجال التجارة بشكل أساسي ساهم احتكاكها بالكونغوليين بالتأثير فيهم كما كان لها الفضل في تشييد المساجد و نشر مظاهر الإسلام بالمجتمع الكونغولي.
إسلام بنكهة كونغولية
لقد تغيرت الصورة النمطية التي كان الكونغوليون ينظرون بها إلى الإسلام كدين وافد، فلم يعد مؤشر إحصائيات المسلمين الكونغوليين أقل صعودا من المسلمين الوافدين و لم يعد أغلب أئمة البلاد من المسلمين الوافدين كما كان عليه الحال من قبل، هذه الصورة تعكس تغلغل الإسلام في المجتمع الكونغولي و اختراقه لقومياته المختلفة.
و ساعد اعتناق الكونغوليين للإسلام في ميلاد أجيال من الكونغوليين تتولي حمل عبء نشر الإسلام و تخاطب قومياتها باللسان المناسب، كما أن إقبال الشباب الكونغولي حديث العهد بالإسلام على تعليم اللغة العربية و العلوم الإسلامية في دول كالمغرب و السعودية و السودان ساعد في إيجاد جيل من الكونغوليين متشبع بالمعارف و الثقافة الإسلاميتين، و يمتلك رصيدا شرعيا يسمح له بنشر أفكاره بوضوح و يدعم حجته أمام افتراءات الكنيسة.
و قد أثارت أساليب الدعوة التي انتهجها مسلمو الكونغو في السنوات الأخيرة حنق الكنيسة التي رأت في الإسلام منافسا قويا باعتماده على دعاة أكفاء متسلحين بإتقان اللهجات المحلية و معرفة العلوم الشرعية والاطلاع على تناقضات الإنجيل و تحريفاته و ثقافة شعوب المنطقة و عاداتها.
مظاهر وأرقام
و تنعكس مظاهر انتشار الإسلام في البلاد في حركة بناء المساجد التي يعتبر مسجد برازافيل الذي بناه القطريون أحد أبرزها و أكبرها، كما كانت ظاهرة النقاب منتشرة بشكل كبير في صفوف المسلمات الكونغوليات قبل أن تتخذ السلطات سنة 2015 قرارا بتجريم النقاب في الأماكن العمومية خوفا من استغلاله لغرض تنفيذ هجمات إرهابية.
ازدادت أعداد المسلمين لتصل إلى حوالي ثمان مائة ألف مسلم أي ما يقارب 30% من السكان منهم 10% من أصول كونغولية.
وقد تأسس بالبلاد قبل أعوام المجلس الإسلامي الأعلى بالكونغو و هو هيئة تُعني بتنظيم شؤون المسلمين ويتبع لها حوالي 200 مسجد منتشر على الأراضي الكونغولية.
ومع أن السلطات تبدي تسامحا في بعض الأحيان تجاه حرية التدين، فإن بعض مظاهر التضييق تجاه المسلمين لا تخطئها العين كاعتراض اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان على بناء مسجد بالعاصمة برازافيل بحجة تنازع ملكية القطعة الممنوحة للمسجد وقد شنت اللجنة ساعتها حملة على الإسلام معتبرة أن تنامي المد الإسلامي بالبلاد أصبح يشكل مؤشر قلق بالنسبة لسكان البلاد.
قصة القس الذي تحول إلي داعية
أمام موجة صعود الإسلام بدأت الكنيسة تفقد نفوذها التقليدي ومصداقيتها أمام الرأي العام وزاد من هجران الكنائس والنفور منها دخول بعض القساوسة للدين الإسلامي واللذين تحولوا إلي دعاة جابوا أرجاء البلاد لنشر الإسلام، كحالة الداعية عبد المالك ماني بركو الذي اعتنق الإسلام قبل حوالي ثلاث عقود من الزمن بعد أن كان من أبرز قساوسة البلاد وأركان الكنسية.
نشأ بركو في مدينة بونت نوار العاصمة الاقتصادية للبلاد، وترقى في عمل الكنسية حتى أصبح مستشارا قانونيا للكنسية الكاثوليكية على المستوي الوطني و أحد كبار أساقفتها، إلا أن استجابته لنداء الفطرة جعلته يودع ترف الامتيازات وعالم الدعة والشهرة التي كان يحظى بها مقابل الاستجابة لدعوة الحق.
قصة تحول هذا الرجل من المسيحية إلى الإسلام تعتبر قصة من القصص التي ساهمت في ضعضعة كيان الكنيسة، فبركو الخطيب المفوه وصاحب الكلمة المسموعة بالمجتمع الكونغولي يرجع له الفضل في إفحام قساوسة الكنيسة وإسكات دعواتهم التي تمس بالإسلام كما ساهم في رفد جهود حركة دخول المجتمع الكونغولي بشكل كبير نتيجة خلفيته كقس و الكاريزما التي يتمتع بها.
(المصدر: الاسلام أونلاين)