مقالاتمقالات مختارة

الإسلام في الصين: صراع وجود لا يزال مستمرًا

بقلم د. ليلى حمدان

لا يزال حال المسلمين في الصين تمامًا كما وصفه الأمير شكيب أرسلان قبل أكثر من نصف قرن حين قال في كتابه الشهير “حاضر العالم الإسلامي”:

مسلمو الصين ليسوا في هذه الدنيا.

بل أضحى حالهم أشد وأنكى مما كان عليه فيما سبق، مع حملة الإبادة العرقية التي سلطتها حكومة بكين على المسلمين في هذه البلاد خاصة في إقليم شينجيانغ، تركستان الشرقية.

ولا شك أن هذه الحملة الإجرامية إنما هي ردة فعل تعكس درجة الخوف والرعب التي نالت من الحكومة الصينية الملحدة لما أظهره الإسلام في الصين من انتشارٍ سريعٍ وإقبالٍ لافتٍ بين الصينيين.

نبذة عن الصين

الإسلام في الصين

تقع الصين في أقصى الشرق من العالم الإسلامي، في قارة آسيا، وتعد أكبر بلدان العالم كثافة سكانية وتحتل المرتبة الثالثة من حيث المساحة بعد روسيا وكندا. اشتهرت قديمًا بتجارة الحرير وطرقها، فقصدتها القوافل العربية برًا وبحرًا قبل أكثر من ألفي عام.

كما تصنف حضارة الصين كأقـدم الحضارات في العالم حيث تعود إلى ما قبل 4000 عام تقريبًا، عرفت خلال مراحل تطورها تعاقب الكثير من الأسر الحاكمة والأباطرة والإقطاعيـات والمنـاطق المقفولـة بالقوميات المستقلة، يمكن تلخيصها في عهدين:

عهد الأسر والأباطرة

وهو العهد القديم ويشمل:

– عهد أسرة تشين (221 قبل الميلاد – 206 قبل الميلاد) وهي أول أسرة حاكمة للصين. بدأ نفوذها يتصاعد عقب قيام شي هوانجدي، حاكم دولة تشين في شمال غربي الصين، بغزو الدول المنافسة الواقعة في شمالي الصين ووسطها. ثم تمكنه من توسيع نطاق حُكمِه إلى جنوب شرقي الصين، فوضع حدًّا للنِّزاعات بين أمراء وحكام الممالك المتحاربة والتي دامت لأكثر من 250 عامًا، وأسّس أول دولة إقطاعية مركزية موحدة متعددة القوميات في تاريخ الصين، واستمرت كذلك إلى وفاة شي هوانجدي في 210 ق.م، فخلفه ابنه الضعيف الذي عجز أمام التمردات التي انتهت بانهيار حكم أسرة تشين واستلام أسرة هان الحكم في الصين.

– عهد أسرة هان الإمبراطورية (206 قبل الميلاد – 220م) بدأت هذه المرحلة بجهود مؤسس أسرة هان كان ليو بانج، الذي وحد البلاد وأنشأ إمبراطورية مركزية قوية بعد فترة حرب أهلية بعد نهاية عصر سلالة تشين وانقسام الصين إلى مملكة هان وتشو، لكن مع مرور الزمن تلاشت قوة البلاد تحت حكم الهان خاصة مع توالي الانتفاضات التي عرفتها تلك الفترة، أبرزها انتفاضة “التوربان الأصفر” في عام 184م. وعرفت هذه الحقبة إنشاء طريق الحرير الشهير وظهور صناعة الورق.

– عهد أُسرة تانغ الإمبراطورية (5 – 294هـ) (618 – 907م) ويُعرف بعصر الازدهار والرخاء في الصين، ويأتي هذا العصر بعد حكم أسرة هان، الذين تمكنوا خلال فترة حكمهم التي امتدت إلى نحو 3 قرون من توسيع نفوذ الصين ومساحتها، كما عاصرت أسرة تانغ البعثة النبوية، وعصر الراشدين، وعصر الخلافة الأُموية والعباسية.

– عهد أُسر سونغ ويوان ومينغ وتشينغ (349 – 658هـ) (960 – 1260م) بدأ هذا العهد بعد سقوط أسرة تانغ، التي أعقبتها حقبة الأسر الخمس والممالك العشر. ثم أسس الجنرال تشاو كوانغ ين لأسرة تشو، أسرة سونغ في عام 349هـ (960م) التي انقسمت إلى سونغ الشمالية وسونغ الجنوبية، وعرف هذا العصر طباعة الحروف المتحركة التي حققت ثورة في تاريخ الطباعة. وخلال هذه الحقبة قصد العديد من المسلمين الصين للتجارة، ومع الوقت أصبحوا يتمتعون بنفوذ وتأثير كبير على اقتصاد البلاد، فسيطروا على التجارة الخارجية وحركة الاستيراد والتصدير في الجنوب والغرب. وفي عام 462هـ (1070م) استنجد شين سونغ -إمبراطور سونغ- بالمسلمين في حملته ضد إمبراطورية لياو في الشمال الشرقي. فاستجابوا لطلبه وأقبل الآلاف إلى الصين فاستقروا في كايفنغ عاصمة سونغ، وينتشينغ (بكين الحالية)، وأقاموا بذلك منطقة عازلة بين الصينيين ولياو. وشهد هذا العصر هجرات من العرب إلى الصين على ظهور الخيل واستقروا في جميع مقاطعات الشمال والشمال الشرقي. واستفاد الصينيون كثيرًا من كتاب ابن سينا “القانون في الطب”.

– عهد أُسرة يوان الإمبراطورية (658 – 769هـ) (1260-1368م) أو “عهد المغول”، فبعد تأسيس جنكيزخان مملكة منغوليا خان عام 602هـ (1206م)، دخل قبلاي خان حفيده في عام 669هـ (1271م) إلى السهول الوسطى وأسس أسرة يوان (669 – 769هـ) (1271 – 1368م)، واختار دادو (بكين اليوم) عاصمة لها. وضمت البلاد منطقة شينجيانغ ومنطقة التبت ومنطقة يونان. وشهدت هذه المرحلة صعود المسلمين وزيادة نفوذهم، حيث تعاملت أسرة قبلاي مع المسلمين الصينيين معاملة احترام وامتنان لما تميّزوا به من الكفاءة والأمانة وحسن الأخلاق وصفات القيادة بصفات القوي الأمين، فكسبوا ثقة الحكام الذين بدورهم ترجموا هذه الثقة باستخدامهم على الولايات العامة وفي المناصب الرفيعة، فحكم القادة المسلمين 8 ولايات من أصل 12 ولاية تتكون منها الصين آنذاك. ومن أشهر أعلام المسلمين آنذاك “شمس الدين عمر” الذي تولى منصب حاكم ولاية يونـان في سنة 673هـ (1274م).

– عهد أسرة مينغ الإمبراطورية (769 – 1054هـ) (1368 – 1644م) أسّس تشو يوان تشانغ (الإمبراطور تاي تسو) في عام 769هـ (1368م) أسرة مينغ في نانجينغ. وفي عصر ابنه تشو لي (761 – 827هـ) (1360 – 1424م) قام ببناء أسوار مدينة بكين وخنادقها وقصورها وجعل منها عاصمة البلاد بشكل رسمي وعرفت هذه المرحلة في فترة (807 – 836هـ) (1405 – 1433م) إطلاق الصينيين لسبع رحلات طويلة على رأس أسطول بحري ضخم، وصل أقصاه إلى الصومال وكينيا على سواحل إفريقيا الشرقية، ومر في طريقه ببلدان جنوب شرقي آسيا والمحيط الهندي والخليج العربي وأرخبيل المالديف، وذلك قبل عصر كولومبوس. وشهدت هذه الحقبة اندماجًا للمسلمين في المجتمع الصيني ولكن بالحفاظ على تقاليدهم الإسلامية، وازداد عدد المسلمين بشكل لافت، في ظل استمرار الحكام المسلمين في مناصب قيادية مما أكسب الإسلام احترامًا كبيرًا وانعكست آثاره على الفن المعماري الصيني بغلبة الفنون الإسلامية عليه.

– عهد أُسرة المانشو الإمبراطورية (1053 – 1329هـ) (1643 – 1911م) تصاعد نفوذ قومية مان (المانشو) في شمال الصين الشرقي، بعد انهيار حكم أسرة مينغ، فأسست أسرة تشينغ في عام 1053هـ (1643م)، واشتهر إمبراطورها كانغ شي الذي حكم الصين خلال الفترة الممتدة بين (1071 – 1134هـ) (1661 – 1722م)، ووحد خلالها تايوان وقاوم عدوان روسيا القيصرية، وأيضًا عزز سيطرته على التبت. وكانت هذه الحقبة مرحلة مظلمة جدًا في تاريخ المسلمين في الصين؛ حيث تغيّرت أوضاعهم للأسوأ تحت مطرقة الظلم وسندان الاستبداد؛ مما ولّد ثورات عديدة في شمال الصين وتركستان الشرقية، وفي ولاية يونان، قمعها الحكام الصينيون بأشرس ما يكون فقتل الآلاف من المسلمين، ومع ذلك بقي الإسلام وظهرت في سنة 1279هـ (1862م) أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية.

العهد القريب، أو العصر الحديث: عهد الجمهورية والدولة الاشتراكية

الإسلام في الصين

– عهد الجمهورية (1256- 1337هـ) (1840-1919م) بعد انهيار سريع عرفته أسرة تشينغ في بداية القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عاشر الميلادي). نقل البريطانيون كميات ضخمة من الأفيون إلى الصين فعمل حكام الصين على مكافحتها، فشنت على إثر ذلك بريطانيا حربًا شرسة ضد الصين في عام 1256هـ (1840م) بهدف حماية تجارة الأفيون، وانتهت هذه الحرب بتوقيع أسرة تشينغ مع بريطانيا “معاهدة نانجينغ” التي نالت بشكل كبير من سيادة الصين، ففتحت شهية بريطانيا وأمريكا وفرنسا وروسيا واليابان وغيرها من الدول لإجبار حكومة تشينغ على توقيع معاهدات غير متكافئة عديدة. فتحولت الصين تدريجيًا بعد ذلك إلى مجتمع شبه مختل وشبه إقطاعي. لكن في عام 1329هـ (1911م) قاد صون يات صن ثورة كبيرة أطاحت بحكم أسرة تشينغ التي دامت نحو 270 عاما، وأسس جمهورية الصين، فوضع بذلك نهاية للنظام الإمبراطوري الذي دام أكثر من 2000 عام، فكان أبرز حدث في تاريخ الصين الحديث. وتميّز عهد الجمهورية بانفراجة استرجع فيها المسلمون أنفاسهم بعد الاضطهاد الشديد الذي عانوا منه في العهد المنشوري، حيث أعلن الحكم الجمهوري أن الأمة الصينية تتكون من خمسة عناصر يشكل المسلمون إحداها، وكان علم الجمهورية يتكون من خمسة ألوان، للمسلمين اللون الأبيض، وتمكن المسلمون من تحصيل حقوقهم بعد نحو 3 قرون من الاضطهاد لكنه اضطهاد أثّر في عقيدتهم فدخلتها بعض البدع.

– عهد الثورة الشيوعية (1256- 1368هـ) (1919-1949م) كانت شرارتها من “حركة 4 مايو” التي اندلعت في الصين عام 1256هـ (1919م) غذّتها بشكل مباشر المعاهدات غير المتكافئة التي فرضت على الصين بعد الحرب العالمية الأولى. وعرفت هذه المرحلة تسلل أفكار غريبة على المجتمع الصيني فانتشرت الماركسية – اللينينية التي تفشت بين الشباب الصيني. إلى أن تأسس الحزب الشيوعي الصيني الذي مر بأربع مراحل خلال قيادته للشعب الصيني:

  • مرحلة حرب الحملة الشمالية (1342 – 1345هـ) (1924 –1927م).
  • مرحلة حرب الثورة الزراعية (1345 – 1355هـ) (1927 – 1937م).
  • مرحلة حرب المقاومة ضد اليابان (1355 – 1363هـ) (1937 – 1945م).
  • مرحلة حرب التحرير الوطني (1363 – 1367هـ) (1945 – 1949م).

وتمكن الحزب الشيوعي الصيني من الإطاحة بحكم حكومة الكومينتانغ في عام 1367هـ (1949م) بعد ما يسمى حرب التحرير الوطنية التي امتدت لـ 3 سنوات.

وتأسست جمهورية الصين الشعبية في عام 1367هـ (1949م) التي أعلن عنها ماو تسي تونغ رئيس الحكومة الشعبية المركزية بشكل رسمي في حفل ضخم.

الصين بعد ذلك

الإسلام في الصين

دنغ شياو بنغ سياسي ومنظّر وقائد صيني، في عهد رئاسته للبلاد، قاد الصين نحو تبني اقتصاد السوق.

شهدت الفترة ما بين 1386 و1396هـ (1966 و1976م) السنوات العشر لـ “الثورة الثقافية الكبرى” التي دخلت بعدها الصين مرحلة جديدة في التاريخ. حيث قاد دنغ شياو بينغ الأمين العام السابق للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني سياسة “الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي” التي بدأت في عام 1399هـ (1979م) فشهدت المرحلة تحديثات اشتراكية ذات خصائص صينية. فكانت هذه المرحلة أفضل فترة سياسية واقتصادية عرفتها الصين منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية لكنها استمرت قمعية استبدادية.

وتولى خلفاء دنغ شياو بينغ مهمة الحفاظ على سياسات الدولة حول الإصلاح والانفتاح التي دعا إليها، فكان ذلك عاملًا أساسيا لازدهار البلاد وصعودها سلم القوى العالمية.

ومما عرفته هذه المرحلة بداية، استغلال المسلمين لتوطيد الحكم الشيوعي ثم ما أن استقر لهم الأمر حتى انطلقت حقبة التضييق الشديد والقمع والاضطهاد لمنع صعود المسلمين مرة أخرى. ولا تزال سياسة “تصيين الإسلام” جارية إلى اللحظة.

ملامح الدولة الصينية

اشتهرت البلاد بسور الصين العظيم والابتكارات المدهشة في كافة المجالات، كالطب والهندسة والتقنية كما احتلت مكانة مرموقة في الاقتصاد العالمي، وأصبحت اليوم قطبًا من أقطاب النظام العالمي التي تتنافس رأسًا برأس مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ويعيش في الصين مجموعات عرقية مختلفة منها صينيون “هان” بنسبة 94 % كما يعيش في الصين المنغول والكوريون والمانشو والهوى وغيرهم، واللغة السائدة لغة المانـدارين الرسـمية [1].

يحد الصين من الشرق بحر الصين الشرقي وخليج كوريا والبحر الأصفر وبحر بوهاي، ومضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، ولها حدود برية مع 14 دولة في الشمال والغرب والجنوب.

ففي الجنوب تشترك الصين في الحدود مع فيتنام، الهند، نيبال، ميانمار، بوتان، لاوس، باكستان وتحدها من الجهة الغربية دول أفغانستان، طاجيكستان، كازاخستان، وقيرغيزستان وفي الشمال تحدها منغوليا، كوريا الشمالية وروسيا.

وكذلك تطل الصين على بحار عديدة منها: البحر الأصفر، بحر الصين الشرقي، بحر الصين الجنوبي، وبحر بوهاي، كما يتبع لها عدد هائل من الجزر يصل لأكثر من 5400 جزيرة وأكبر هذه الجزر جزيرة تايوان التي تصر الصين على انتزاعها.

وشكلت التضاريس الجغرافية وطبيعة الأرض والمناخ عاملًا أساسيًا في توزيع السكان وازدهار الحضارة الصينية.

تاريخ العلاقات العربية الصينية

يرجع تاريخ العلاقات بين الصين والعرب إلى ما قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بزمن طويل، لارتباط الطرفين بالتجارة عبر طريق الحرير، حيث كان ينطلق طريق الحرير البري من دمشق (سوريا) إلى بغداد (العراق) ثم يتجه إلى همدان وطهران (إيران) ثم بلاد ما وراء النهر إلى بخارى وسمرقند ثم إلى أول بقاع الصين في مدينة كاشغر ثم إلى سائر الصين. أو عبر الهند مارًا بكشمير ويسمى طريق التوابل.

أما الطريق البحري فينطلق من ميناء البصرة إلى الهند ثم سيلان وأندونيسيا حتى الـصين. وقد تختلف بعض محطاته. وقد أسهم كل من الصينيين والعرب في فتح خطوط المواصلات البحرية بين الشرق والغرب، وكانوا سبب نموها وازدهارها، واشتهر العرب بخبراتهم في الملاحة في وقت مبكر من العصور التاريخية، وهيمنوا على خطوط التجارة في المحيط الهندي، وترجع الهيمنة العربية على البحار منذ القرن الرابع قبل الميلاد.

بينما اشتهرت الصين بالنشاطات البحرية على امتداد شواطئها، وخبرتها بالرياح الموسمية منذ القرن الثالث قبل الميلاد فضلا عن درايتها بالخبرات الملاحية.

وخلاصة القول لعب العرب دور الوسيط بين الروم ومصر والأندلس والسفارات الرسمية المبتعثة من البلاط الصيني أو من قبل جزيرة العرب أو الفرس في وقت مبكر جدًا من التاريخ.[2]

عدد المسلمين في الصين

الإسلام في الصين

الإسلام في الصين.

من الصعب جدًا تحديد عدد المسلمين في الصين لعدم توفر إحصائيات رسمية حيث تتوجس الحكومة الصينية من أن تؤدي هذه الإحصائيات إلى التشجيع على انتشار الإسلام، فيتحول لديانة الأغلبية، يعمّق هذه المخاوف سرعة انتشار الإسلام في الصين والعالم حيث صنّف كأسرع الأديان انتشارًا.

أما المصادر الغربية، فتعمد دائمًا إلى تقليل عدد المسلمين بشكل صارخ كما هو الحال مع بقية الأماكن في العالم.

ومما تم رصده من إحصاءات لعدد المسلمين في الصين ما ذكرته مجلة نيوزويك في عدها 26 لسنة 1399هـ (1979م)، أن عدد المسلمين الصينيين سنة 1368هـ (1949م) كان حوالي 48.66 مليون نسمة من جملة السكان بما يعادل 12 % من مجموع السكان الإجمالي.

كما ذكر العقاد أن الصحف الأوروبية تلقت برقية من الجماعة الإسلامية بالصين إبّان حرب اليابان والصين تشير إلى أن هذه الجماعة تتكلم باسم 50 مليون مـسلم.[3]

وذكر بدر الدين الصيني – في كتابه تاريخ المسلمين في الصين – عددًا قريبًا من هذا حيث أشار إلى أن تعـداد المسلمين في الصين كان 48 مليون نسمة يوم كانت الصين 460 مليون نسمة كما جاء في الإحصائيات الرسمية للسكان عام 1367هـ (1948م)[4].

هذه الأرقام التي أحصيت بتاريخ قديم تقدم تفسيرًا صريحًا لحقيقة الحرب التي شنتها الصين على المسلمين في العقود الأخيرة وهي حرب إبادة عرقية أعيت تفاصيلها الوصف.

وإذا نظرنا في التقديرات الصينية الرسمية في التعداد السكاني للصين عام 1354هـ (1935م) ورد في حوليات الصين والإحصاء الذي تم عام 1367هـ (1948م)، والإحصاء الذي تم عام 1402هـ (1982م) أن نسبة المسلمين تقارب 10% من جملة السكان، فإن كان عدد السكان اليوم في الصين يقترب من مليار وأربعمائة مليون نسمة، بحسب إحصاء 1440هـ (2019م)، فإن عدد المسلمين يصل إلى 140 مليون نسمة وذلك بمختلف قومياتهم ولغاتهم وأجناسهم.

تاريخ دخول الإسلام إلى الصين

الإسلام في الصين

رغم بعد المسافة بين مكة والديار الصينية إلا أن الإسلام طرق باب الصين بعد ثلاثين عامًا فقط من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

حيث وصلتها جيوش الفاتحين في منتصف القرن الهجري الأول. كما سجل التاريخ وصولًا مبكرًا لقوافل العرب المسلمين عبر طريق الحرير البري والبحري، واستقبل الصينيون دعوة الإسلام بترحيب كبير، ودخلوا في دين الله أفواجًا.

وذُكرت الصين في بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: (اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم. إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يطلب). [5] وفي ذلك دلالة على معرفة العرب بهذه البلاد قديمًا ودلالة على مدى بعدها عن ديارهم.

وقد سهّلت الاتصالات التجارية القديمة بين العرب والصينيين وصول الإسلام إلى الصين، إضافة إلى معرفة البلاط الصيني بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال تقصى أخباره صلى الله عليه وسلم وأخبار أصحابه رضي الله عنهم، يُذكر في ذلك ما اتفق عليه السيرافي والمسعودي من خروج قرشي من ولد هبار بن الأسود رضي الله عنه[6] من سيراف إلى بلاد الهند ثم إلى الصين ونزوله بباب الملك الصيني تايتسونغ  في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) ليخبره بأنه من بيت النبوة وأقام مدة طويل يبعث رسائله للملك ينتظر أن يأذن له، فأمر الملك بعد ذلك بإنزاله في بعض المساكن وتقديم الخدمات له إلى حين يتحقق من معلوماته التي أخبره بها عن نفسه، فلما وجدها صحيحة سمح له بالوصول إليه وأكرمه بالمال ثم أعاده إلى العراق، وتذكر الروايات التاريخية ما دار بين الملك والقرشي والترجمان، ما يؤكد درجة متابعة الصينيين لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم وأيضا درايتهم بقصص الأنبياء كنوح وموسى وعيسى عليهم السلام.

ويروي المسعودي أن أبو زيد السيرافي سأل سنة 303هـ ابن هبار القرشي عن مدينة همدان التي بها الملك وصفتها فقال :”نذكر سعتها وكثرة أهلها وإنها مقسومة على قسمين يفصل بينهما شارع عظيم طويل عريض، فالملك ووزيره وقاضي القضاة وجنوده وخصيانه وجميع أسبابه في الشقّ الأيمن منه بها يلي المشرق لا يخالطهم أحد من العامة وليس فيه شيء من الأسواق بل أنهار في سككهم مطرّدة وأشجار تليها منتظمة ومنازل فسيحة، وفي الشقّ الأيسر مما يلي المغرب الرعيّة والتجار والميرة والأسواق، فإذا وضح النهار رأيت فيها قهارمة الملوك وغلمانه وغلمان وزرائه ووكلائهم ما بين راكب وراجل”[7].

وتتفق الدراسات التاريخية على أن الإسلام وصل إلى الصين عبر التجـارة والبعثات والرسل وكذلك عبر الفتوحات وعـن طريـق الدعاة والرحالة المسلمين منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى القرن الخامس عشر الهجري.

ويحمل التراث الشعبي الصيني الكثير من القصص التي تتحدث عن دخول الإسلام لهذه البلاد، لكنها تبقى في حيز الأساطير الشعبية.

عن طريق التجارة

أما التجارة فقد كانت الحجر الأساس في بناء الوصال العربي الصيني ثم السبيل لوصول رسالة الإسلام إلى الأرض الصينية، حيث ساهم التجار المسلمون بشكل فعّال في الدعوة إلى الله، خاصة في المناطق الساحلية والمراكز الكبـرى، منها كانتون وشنغهاي.

كذلك نقل المسلمون من وسـط آسـيا الإسلام إلى الصين. ولا شك أن أول مفتاح سهل مهمتهم هو درجة التزامهم بالإسلام سلوكًا ومنهجًا فانعكس على أخلاقهم وتعاملاتهم الطيبة التي طرقت قلوب الصينيين.

عن طريق الهجرات

أما عن طريق الهجرات فقد وصل إلى الصين العديد من المهاجرين المسلمين خاصة من ممالك أنام وكمبوديا وغيرها. فأسّسوا لهم مجتمعات بإذن إمبراطور الصين وكانوا يعرفون بـ “الهوي هوي” وكان لهم أميرهم الخاص الذي يحكمهم.

وتوالت الهجرات الإسلامية على فترات مختلفة من تاريخ الصين.

عن طريق الرسل والبعثات

أما الرسل والبعثات والوفود فقد كانت معلمًا بارزًا في فترة أسرة تانغ الإمبراطورية وكانت المبادرة الأشهر بإرسال الرسل من قبل الإمبراطور الصيني كاو تسنغ بعد هزيمة يزدجرد حيث أرسل مبعوثه إلى خليفة المسلمين آنذاك، عثمان بن عفان رضي الله عنه. وهنالك من اعتبر هذا الاتصال بين الصين والعالم الإسلامي هو الأول في تاريخ العلاقات بين الطرفين.

ومما يذكره الطبري في ذلك أن يزدجرد ملك الفرس استنجد بعد هزيمته في معركة نهاوند بملك الصين، فأرس له رسولًا لأجل ذلك، فقال عند عودته محدثًا عما جرى بينهما: “لما قدمت على ملك الصين بالكتاب والهدايا كافأنا بما ترونه (هدايا مماثلة) ثم قال لي: قد عرفت أن حقًا على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم، فصف لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم فإنِي أراك تذكر قلّة منهم وكثرة منكم، ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم ولا بخير عندهم وشر فيكم! فقلت: سلني عما أحببت، فقال: أيوفون بالعهد؟ قلت: نعم، قال: ما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم؟ قلت: يدعوننا إلى واحدة من ثلاث: إما دينهم فإن أجبناهم أجرونا مجراهم أو الجزية والمنعة أو المناجذة، قال: فكيف طاعتهم لأمرائهم؟ قلت: أطوع قوم لمرشدهم. فقال: أيحرمون ما حلل لهم أم يحلون ما حرم عليهم؟ قلت: لا، قال: فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبدًا حتى يحلّوا حرامهم ويحرّموا حلالهم ثم قال: أخبرني عن لباسهم فأخبرته، وعن مطاياهم، فقلت الخيل العراب (الأصيلة) فقال: نعم الحصون، ووصفت له الإبل وبروكها وأبعاثها محملها فقال: هذه صفة دواب طوال الأعناق [8].

فكان رد إمبراطور الصين على يزدجرد:

إنه لم يمنعن أن أبعث إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق عليّ، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك صفتهم لو يطاولون الجبال لهدوها، ولو خُليّ سربهم أزالوني ما داموا على ما وصف، فسالمهم، وارض منهم بالمساكنة، ولا تهيّجهم ما لم يهيّجوك.[9]

وتجددت هذه الاستغاثة مرة أخرى بعد الهزيمة النهائية للفرس ومقتل الملك الفارسي يزدجرد على أيدي المسلمين في عام 32هـ (653م) وذلك عن طريق ابنه في عصر الإمبراطور كاو نسونج، فاعتذر إليه الأخير بحجة بعد المسافة، لكنه أرسل سفيرًا يدافع عنه لدى خليفة المسلمين آنذاك، عثمان بن عفان رضي الله عنه.

فأرسل عثمان بدوره وفدًا يرافق السفير الصيني في عودته سنة (30هـ -651م)، للتحية والتبليغ برسالة الإسلام وأحسن استقبالهم الصينيون نظرًا لما وقع في قلبهم بعد انتصارهم على أكبر إمبراطوريات ذلك الزمان، فارس والروم، فاستوجب ذلك الاحترام والمهابة.

وتشير الدراسات التاريخية إلى أن بلاد المسلمين العرب أرسلت إلى الصين في عهد أسرة تانغ الإمبراطورية سبعًا وثلاثين بعثة بدءًا من عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ومرورًا بعهد الدولة الأموية (40 – 132هـ) (661 -750م) التي كانت تطلق عليها الصين اسم “التازيان البيض” للباسهم العمائم غالبًا باللون الأبيض على عكس عهد الدولة العباسية التي أطلقت عليها الصين اسم “التازيان السود” لغلبة اللون الأسود.

وبلغت مرحلة تبادل السفراء والوفود أوج ذروتها عندما قويت علاقة ملوك الصين بأمراء المسلمين الذين كانوا يقيمون على حدود الصين الغربية، كما كان الحال السفراء مع الأمراء التيموريين.

واستمر المد الإسلامي متصاعدًا بعد انتصار دولة الإسلام على فارس والروم، وذلك بانطلاق الجيوش الفاتحة تسبقها الدعوة الإسلامية برًا وبحرًا حتى بلغت شمال إفريقيا وبلاد خراسان وما وراء النهر.

عن طريق الفتوحات

الإسلام في الصين

كان للفتوحات الإسلامية نصيبًا كبيرًا في نشر الإسلام في الصين حيث خرجت جيوش الدولة الأموية إلى بلاد ما وراء النهر، ووصلت فتوحاتها إلى حدود الصين في عهد خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان بقيادة القائد المسلم الفذّ قتيبة بن مسلم الباهليّ حيث أرسل إلى ملك الصين يدعوه، فخاف الأخير منه وأرسل له الهدايا والأموال الكثيرة ليستعطفه.

ووصلت جيوش المسلمين الفاتحين بقيادة قتيبة بن مسلم إلى تركستان الشرقية، ففتحها، ودخل عاصمتها كاشغر، وتعرّف أهل البلاد -وهم من الإيغور الأتراك- على الإسلام عن قرب، فسارعوا في الدخول إلى دين الله؛ وتحولت بإقبالهم تركستان الشرقية إلى إقليم إسلاميّ خالص، وكان هذا الفتح العظيم في سنة 96هـ (714م) في أواخر أيام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.

ثم توفي الوليد بن عبد الملك وخلفه أخوه سليمان بن عبد الملك فأرسل قتيبة وكان بفرغانة إثني عشر رجلًا إلى ملك الصين استجابة لطلبهم بإرسال من يثقه إليه، وأعدّهم تمام الإعداد وأمّر عليهم هبيرة بن المشمرج الكلابي، وقال لهم قتيبة:

سيروا على بركة الله وبالله التوفيق، ولا تضعوا العمائم عنكم حتى تقدموا البلاد، فإذا دخلتم عليه فاعلموا أني قد حلفت أن لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم[10].

فكان مشهد عزة يهتز له إجلالًا إمبراطور الصين. ومما يذكر في ذلك أن إمبراطور الصين حين انبهر بالمسلمين كيف دخلوا عليه فقال لهم قولوا لقائدكم: “لينصرف فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه”، فـرد عليـه هبيرة بن المشمرج الكلابي: “كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون؟ وكيف يكون حريصًا من خلف الدنيا قادرًا عليها وغزاك؟ وأما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا آجالًا إذا حضرت فأكرمها القتل فلسنا نكرهه ولا نخافه” فقال ملك الصين: “فما الذي يرضي صاحبكم” فقال: ” إنه حلـف أن لا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويعطى الجزية ” فقال: “إنا نخرجه مـن يمينه، نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه، ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها”. فكان كما قال وقبل قتيبة الجزية.

ولم تقف طموحات الفاتحين عند ذلك الحد فقد ذكر ابن كثير عن خلافة سليمان بن عبد الملك، تمكن يزيد بن المهلب من قهستان من أرض الصين بعد قتال شديد.

وشكل إقليم تركستان الشرقية المسلم قاعدة جديدة تنطلق منها قوافل الدعاة في المنطقة، فدخلت جنوبًا إلى إقليم التبت، وبدأ أهل التبت يتعرفون على الإسلام ويعتنقونه، بل أرسلوا إلى والي خراسان الجرَّاح بن عبد الله في زمن الخليفة الأمويّ العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله، يطلبون منه إمدادهم بالفقهاء في بلاد التبت لتعليمهم الإسلام.

وانطلاقًا من إقليم تركستان الشرقية المسلم انتقلت أيضا وفود الدعاة إلى الصين؛ فتزايد عدد المسلمين في الصين بفضل هذه الوفود الدعوية فضلًا عن البعثات الدعوية التي أرسلتها الخلافة العباسية للتعريف بالإسلام؛ مما أدى إلى إقبال الناس على الإسلام بشكل أكبر.

ولم تواجه المسلمين عداءات من الفئات المختلفة في المجتمع الصيني أو في التبت آنذاك سواء من البوذيين أو من الديانات الأخرى مما ساهم في سهولة انتشار رسالة الإسلام.

ومما ساهم في انتشار الإسلام في الصين، معركة الطلاس حيث بقي جزء كبير من الجيش المنتصر في كاشغر وربما توغل في المدن الحدودية الصينية مما جعله يتواصل مع الصينيين ويبلّغ الدعوة الإسلامية.

معركة الطلاس

سبق معركة الطلاس عدد من المعارك الصغيرة بين المسلمين والصينيين في بلاد ما وراء النهر وغالبًا ما كان النصر حليف الصين لكنه لم يؤثر على جغرافيا المنطقة.

ثم انتهز الصينيون فرصة اندلاع الثورة العباسية ضد الأمويين فأرسلوا جيوشهم لتتوغل في آسيا الوسطى.

وعندما حاصر الجيش الصيني مدينة طشقند في عام 132هـ (750م) لدعم حلفائهم في فرغانة التي كانت في صراع شديد مع طشقند (عاصمة أوزبكستان الحالية). استنجد أميرها بالمسلمين ووصلت رسالة استغاثته إلى سمرقند القريبة، وكان آنذاك واليها العباسي زياد بن صالح، فلبّى النداء وأعدّ الجيش وانطلق يحدوه الشوق لتأديب الصين.

لكن القائد الصيني جاو شيان تسي عندما بلغه خبر خروج جيش المسلمين سحب قواته شرقًا إلى أراضي الصين، بحثًا عن منطقة أكثر مواءمة للقتال فلحق به جيش زياد بن صالح على ضفاف نهر طلاس القريب من حدود كازاخستان وقيرغيزستان (اليوم)، في شهر يوليو (تموز) عام 751م/ 132هـ.

وتواجه الجيشان الصيني والإسلامي فأما الأول فكان يبلغ عدد جنوده نحو 30 ألف مقاتل، من بينهم الرماة الماهرين، والعتاد المتطور نسبيًا وحلفاؤهم الأتراك من فرغانة.

وكان تعداد جيش المسلمين بنحو 40 ألفًا، يضم الكثير من الفرسان، والكثير من خصوم الصينيين من إمبراطورية التبت، وبعض القبائل التركية الموالية للمسلمين.

وطالت فصول المواجهة واشتدت بين الجيشين لمدة ثلاثة أيام لكن في اليوم الرابع، حسم فرسان الكارلوك الأتراك المعركة، حيث أطبقوا على الجيش الصيني وأوقعوه تحت رحمة جيش المسلمين، فأصبح النصر حليفهم.

واختلفت الروايات التاريخية في تحديد قصة فرسان الكارلوك لكن النتيجة أنهم تسببوا في هزيمة الجيش الصيني. وفشل القائد الصيني في الانسحاب بجيشه ولم يتمكن إلا من الفرار بنفسه وأقل من ألفيّ مقاتل.

وكان من بركات النصر في معركة الطلاس رضوخ الصين لدولة المسلمين وقبولها بدفع الجزية، وتحسن نفوذ المسلمين في الصين من العرب والفرس والأتراك من حيث الحريات والامتيازات والقوة، ثم استفادة الدولة الأموية من الصناعات الصينية والحـرف، كصناعة الورق. فصبّ ذلك في صالح ازدهار الحضارة الإسلامية. كما ساهمت بدور كبير في عمليـة التـأليف والنسخ وانتشار المخطوطات والمؤلفات والمطبوعات.

وفي الجهة المقابلة استفاد الصينيون من المسلمين من الطب والصيدلة وميادين أخرى كثيرة.

كما ساهم الاتصال المستمر بالصين والاحتكاكات العسكرية في نقل تقنية نترات البوتاسيوم أو ما كان يعرف بثلج البارود الذي كان يستخدمه الصينيون للمفرقعات للمرة الأُولى في عام 732هـ (1332م).

واختلط العدد الهائل من الأسرى الصينيين في معركة الطلاس بالمسلمين وانبهروا بإحسان المجتمع الإسلامي واهتمامه بحقوق الأسرى وأهل الذمة فأسلم الكثير منهم. من بينهم أبناء أكابر الشخصيات من البلاط الإمبراطوري، مثل دون خوان والذي ألّف بعد إطلاق سراحه وعودته إلى بلاده كتابًا شهيرًا وصف فيه للصينيين الشريعة الإسلامية وأحوال المسلمين في الجزيرة العربية.[11] وهو ابـن أخ المؤرخ الصيني المعروف دوا يو، وأمثاله كثير.

واستمر الحال في الدولة العباسية حيث توطدت العلاقات بين الصين والمسلمين، وفي هذا العهد نشطت حركة الرحالة والمؤرخين من الصين والعرب؛ وزار بلاد العرب الأسير المحرر دون خوان بينما زار الصين الرحالة العماني أبو عبيدة عبد االله القاسم.

العباسيون يلبون نداء إمبراطور الصين

الإسلام في الصين

وفي عهد الدولة العباسية تحديدًا في سنة 139هـ (756م) استجاب الخليفة أبو جعفر المنصور لاستغاثة الإمبراطور “سو تشونج” لإخماد ثورة “آن لوشان” فأرسل له المنصور جيشًا قوامه عشرون ألفًا، حيث انضم إليه الكثير من المسلمين في الطريق وعند كاشغر، وما تبقـى مـن جيش قتيبة بن مسلم الذين طاب لهم المقام في الحدود اليمنية المتاخمة لتلك البلاد الإسلامية.

ونجحوا في مهمتهم بشكل مبهر، ثم استقروا في البلاد تلبية دعوة الإمبراطور الصيني وتزوجوا من صينيات فاستمر نسلهم.

وقد كانت سير هؤلاء المسلمين الحسنة وأخلاقهم الكريمة أكثر ما شجع الصينيين لاعتناق الإسلام.

واستقر المسلمون يمارسون شعائرهم وأسّسوا دار القضاء الإسلامي لخدمتهم، وعمّت المساجد كافة أنحاء الصين، وانتعشت الدعوة بشكل لافت في عصر أسرة يوان الصينية.

وحسبما ذكر العقاد فقد كانت الصين تمنح الأسر الإسلامية المقيمة في سيانفو العاصمة خمسمائة ألف أُوقية من الفضة كل سنة مكافأة لهم على نجدتهم للعاهل “سو تسنغ”.

وازدادت على إثر ذلك أعداد المسلمين بالصين وازدهرت حياتهم ويسجل المؤرخون انعطاف العلاقة بين الصين والمسلمين من مرحلة المصادمة في معركة الطلاس إلى مرحلـة الموادعة والتعاون في العصر العباسي.

وزار الرحالة المسلم ابن بطوطة بلاد الصين وأرّخ لأحوال المسلمين هنالك حيث أشار إلى وجود حي خاص بالمسلمين في كل مدينة صينية. ينفردون فيه بمساجدهم ولهم مكانة جليلة في البلاد.

الصينيون في عصر التيمورين والعثمانيين

ذكر تاريخ أسرة لياو الإمبراطورية (303 – 519هـ) (916 – 1125م) والتي حكمت في شمال الصين بينما كانت أسرة سونغ الإمبراطورية (349 – 678هـ) (960 – 1279م) تحكم الجزء الجنوبي من الصين، أنه فـي العـام التاسـع مـن فتـرة الإمبراطور كاي تاي في عام 411هـ (1020م) أوفد أحد سلاطين العرب بعثه إلى إمبراطورية لياو بالهدايا التي تشمل الفيلة لطلب الزواج من أميرة لولي عهده هي ابنة الأمير هوسلى، ويعتقد أنه سلطان مسلم من بلاد ما وراء النهر أو من جهات خوارزم أو غيرها. وفي القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) بدأت مرحلة من الاتصالات التيمورية بإمبراطورية مينـغ.

وأما في عصر الدولة العثمانية فقد تزامن مع فترة حكم أسرة مانشو الإمبراطورية التي كانت تضطهد المسلمين وتضيّق عليهم خلال الفترة من 1171 إلى 1290هـ (1758م إلى 1873م) كما أسلفنا، رد عليها المسلمون بخمس ثورات كبرى، وقد انشغل الأتـراك العثمـانيون عـن مسلمي الصين بتثبيت سلطانهم في البلاد العربية والأوربية.

وفي عصر السلطان عبد الحميد رأى فكرة نجدة مسلمي الصين باسم الخلافة الإسلامية فأرسل إلى الصين سنة 1318هـ (1900م) أحد القواد وهو أنور باشا لهـذه الغاية فأخفق في مهمته بسبب ما وجده من مضايقات من الحكومة الصينية، وخلال هذه الفترة قام إمام مسجد بكين الشيخ إلياس عبد الرحمن بزيارة للسلطان عبد الحميد، واقترح عليه إرسال بعثة إسلامية إلى الصين فأرسل السلطان عبد الحميد بعثةً من إستانبول إلى بكين وقد أسسوا مدرسة في نيوكيه وانتظم فيها مائة وعشرون طالبًا.

وكانت حكومة المانشو تواجـه صراعًا عنيفًا ضد المسلمين والقوى الوطنية الصينية التي نجحت في إعلان الجمهوريـة في عام 1329 هـ (1911م)، وبذلك بدأت صفحة جديدة في تاريخ الصين.

مسلمو الصين في العصر الحديث

منذ مطلع القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) وخاصة بعد انكسار شوكة الدولة العثمانية وتشتت المسلمين بين قوى الاحتلال الغربي، وجدت الأسرة تشينغ الحاكمة آنذاك في الصين فرصة لاضطهاد المسلمين. (1053- 1329هـ) (1643 – 1911م) تزامنًا مع تصاعد نزعة الكونفوشية [12] وعبادة الأباطرة. وقابل هذا الظلم والقمع ثورات قوية قادها المسلمون ضد الحكام الصينيين في العهد المنشوري أخمدتها الأسرة الحاكمة بوحشية كبيرة.

واستمر حال المسلمين في انتفاضة ومقاومة إلى أن أيّدوا قيام الجمهورية الوطنية عام 1329هـ (1911م)، وانتهت بذلك مرحلة الحكم الإمبراطوري الذي استمر لأكثر من ألفي عام.

المسلمون في عهد المانشوريين

لم تستمر مرحلة الازدهار التي عرفها المسلمون قبل عهد المانشوريين بعد استلام عائلة تشينغ الحكم في الصين، ففي سنة 1052هـ (1642م) سقطت دولة مانغ وحلّت محلها دولة أسرة مانشو أو الأسرة المانشورية تشينغ، فقررت أن تضع حدًّا لنفوذ المسلمين، وأطلقت حملة اضطهاد وقمع شرسة ضدهم، وحاولت أسرة مانشو عدة مرات أن تحتل إقليم تركستان الشرقية، فتعثرت محاولاتها إلى أن نجحت في ذلك سنة 1172هـ  (1759م)، واستمر احتلال المنشوريين للمنطقة عشرات من السنين، ولكن تحرر لفترة قصيرة ليقيم الإيغور حكمًا إسلاميًّا هناك لمدة 13 سنة، ما لبث أن سقط مجددًا تحت الاحتلال الصيني، بمساعدة الإنجليز، في سنة 1292هـ (1876م).

وخلال تلك الفترة غيّرت الأسرة المنشورية اسم تركستان الشرقية إلى إقليم شينجيانغ وتعني المقاطعة الجديدة.

ولم تقف خطوات المنشوريين على محو الأسماء العتيقة التي على علاقة بالإسلام، بل سلّطت إجراءات قمعية وقادت مجازر أدت إلى مقتل آلاف المسلمين، كما انتهجت سياسة الحكم بالوكالة حيث عيَّنت حاكمًا مسلمًا عميلاً لها في تركستان الشرقية فكان أشد على المسلمين وأقبح من الصينيين أنفسهم، وبالمقارنة كانت الضغوطات الصينية على تركستان الشرقية مضاعفة بالمقارنة مع باقي مناطق المسلمين في داخل الصين.

واستمرت هذه المعاناة إلى أن سقطت الدولة المانشورية في سنة 1329هـ (1911م)، ولابد أن نشدد على دور المسلمين الفعال في إسقاط هذه الدولة ومساعدتهم في قيام الحكم الجمهوري.

المسلمون إبان الحكم الجمهوري

وبعد استلام الجمهورية الوطنية الحكم اعتبرت المسلمين أحد العناصر الخمسة الذين تتكون منهم الأمة الصينية وهي الصيني والمنشوري والمنغولي والتبتي والمسلم الهوى، ومن ثم كان العلم الصيني مؤلفًا من خمسة ألوان هي الأحمر، الأصفر، الأزرق، الأسود، والأبيض الذي يشير إلى العناصر المذكورة.

وكانت الفترة الممتدة بين 1329- 1368هـ (1911– 1949م) مرحلة إعادة بناء بالنسبة للمسلمين فعادت الحياة للمدارس والمعاهد الإسلامية وعرفت الصين مرحلة انتشار قوية للإسلام، فارتفعت أعداد المسلمين وتنوعت مناصبهم القيادية وعمّرت قراهم ومدنهم وانتشروا في كافة أنحاء البلاد، وهم من شكّل في عهد أسرة يوان قومية هوى التي شكلت جزءًا مهما من المجتمع الصيني وازدهر بعد ذلك الإسلام ازدهارًا كبيرًا.

كما استفاد المسلمون من نشاطهم في الأعمال التجارية والزكاة والصدقات في سد حاجات الفقراء والمحتاجين، وشراء أبناء الوثنيين لتربيتهم على الإسلام.

وتمكن المسلمون في هذه الفترة أيضًا من إنشاء بعض المؤسسات الخاصة بهم كجمعية مسلمي الصين، التي تأسست في عام 1330هـ (1912م) في بكين ووصل عدد فروعها إلى أكثر من ثلاثمائة فرع موزعة في أنحاء الـصين إضافة إلى جمعية الأدب الإسلامي التي تأسست في عام 1344هـ (1926م) ومقرها مدينة شـنغهاي. وتأسست أيضًا الجمعيـة الاتحادية الإسلامية لكل الصين في عام 1357هـ (1938م) في مدينة هانيكو.

كما شهدت هذه المرحلة إرسال الطلاب الصينيين للدراسة في البلاد الإسلامية مثل مصر والسعودية، وباكستان، وسوريا، وغيرها. وصدرت عدة مجلات إسلامية صينية منها مجلة جمعية التقدم الإسلامي مجلة “المنبه الإسلامي” ومجلات جمعيات أخرى منها مجلة ” نضارة الهلال ” في بكين، ومجلة “نور الإسلام ” في تينجان، ومجلة “العلوم الإسلامية” في كانتون.

ومما يجدر الإشارة إليه أن المسلمين في هذه المرحلة عرفوا الاستقرار والازدهار باستثناء تركستان الشرقية التي استمرت معاناتها من الاضطهاد الذي مارستها الحكومة الصينية خشية أن تعلن الانفصال عن الصين، فحصل المسلمون “الهوي” أو المهاجرين، على حقوقهم على عكس المسلمين الإيغور الذين كانت تنظر لهم الصين بعين السخط.

مسلمو الصين غداة الهجمة الإمبريالية

رصدت بعثات الأوروبيين في النصف الثاني من القرن 19م ازدياد وتيرة انتشار الإسلام بالصين، فتصاعدت المخاوف من أن يغلب الإسلام على الصين كلها فتتحول إلى بلاد إسلامية. من ذلك ما كتبه الرحالة الروسي فاسيليف في عام 1284هـ (1867م) بأن الإسلام مهيَّأ لأن يصبح الدين الرسمي للصين، وأن ذلك إن حدث فسيقلب العالم. أعقب تلك التربصات الغارة الغربية على الصين، وكان من ضمن أهدافها -بعد نهب موارد البلاد- منع انتشار الإسلام فيها، ومحاصرته، وتحريض الصينيين البوذيين ضده، والتبشير.[13]

وخرجت الصين من الحرب العالمية الأولى (1332 – 1336هـ) (1914 – 1918م) لتواجه سلسلة جديدة من الأحداث، حيث انضمت اليابان إلى الدول المتحالفة، واندلعت معركتها الوحيدة ضد ألمانيا في إقليم شانتونغ في منشوريا في الصين، وازدادت أطماع اليابان فاتجهت لاحتلال كل البلاد الصينية، وفي 18 كانون الثاني 1915م/ 1333هـ قدمت اليابان إلى الصين ما يعرف بـالمطالب الواحد والعشرين، التي نالت من السيادة الصينية.

الحرب مع اليابان

مشهد من الحرب الصينية اليابانية.

دخلت الصين في حرب شرسة مع اليابان حيث دخلت القوات اليابانية إلى بكين العاصمة في عام 1325هـ (1933م)، وفي الوقت الذي سطر فيه اليابانيون المذابح ضد الصينيين، أرخوا قبضة القمع على المسلمين؛ لإحداث شيء من التوازن في المنطقة. ولقد استغل الإيغور الفرصة ونجحوا في التحرر من سطوة الصين بحركة تحررية ناجحة، فأعلنوا دولة تركستان الشرقية المسلمة في سنة 1352هـ (1933م)، ولكن بعد عام واحد اتحدت الحكومة الجمهورية في الصين مع روسيا لاحتلال تركستان الشرقية فعادت إلى سلطة الصين في سنة 1353هـ (1934م)، والغريب أنه احتلال صيني تم بوجود الاحتلال الياباني في الصين.

ونتيجة ذلك أعدمت الصين رئيس دولة تركستان آنذاك “خوجانياز”، ورئيس وزرائه “داملا”، إضافةً إلى عشرة آلاف مسلم آخرين. [14] وسطرت المجازر الدامية.

ومنذ استولى الشيعيون على الحكم في الصين وأعلنوا الجمهورية الشعبية عام 1368هـ (1949م) بعد الحرب العالمية الثانية التي هزمت فيها اليابان (1364– 1368هـ) (1945-1949م) بدأت فصول الاضطهاد والقمع والمطاردة والسجن والاعتقال، وكانت شديدة جدًا على المسلمين، حيث انتزعت المصاحف والكتب وأُحرقت علانية في الشوارع وفقد المسلمون مخطوطات نادرة، وأُغلقت الكثير من المساجد وحولت إلى ورش ومخازن وألغيت العطلات الرسمية الإسلامية ومُنع المسلمون من ارتداء ثيابهم القومية وأُلغيت التصاريح التي كانت تصرف بها الأكفان للموتى، وبدأت الهجمة على المساجد فهدم منها الكثير وأغلق الكثير وكذلك المعاهد والمدارس الإسلامية، وتم تهجير المسلمين لمناطق بعيدة، ونال العلماء بالمئات نصيبهم من الأذى والإهانة والسجن، حيث تعرضوا للتعذيب الشديد، وتمت مطاردة كل القيادات الإسلامية المؤثرة ومن اعتقل منها غيّب في السجون لتعيش أبشع أصناف القهر واللّا إنسانية، وأُغلقت المطاعم الإسـلامية، ومُنـع اسـتخدام الحروف العربية، ووصل الأمر إلى أن منعت أقمشة الأكفان للموتى، ففرّ من فرّ إلى الخارج لينجو بدينه، وللفرار مما لا يحصى من أساليب القمع والاضطهاد والعدوان والظلم الذي سلطته الحكومة الصينية على المسلمين، لقد كانت هذه المرحلة مرحلة إبادة للإسلام وخصائصه المتفردة على يد النظام الشيوعي بقوة الحديد والنار.

ولم يشفع للمسلمين وقوفهم في مرحلة الثورة الشيوعية الحمراء في عام 1368هـ (1949م) بجانب القوى الشيوعية بعد انخداعهم بشعاراتها الزائفة ووعودها الكاذبة. فقد انقلبت الآلة الشيوعية القمعية على المسلمين. ولابد أن نشير إلى مقاومة المسلمين لهذا العدوان العظيم فقد سجل التاريخ شجاعة المسلمين في الصين في ولايات جانصو، وتسنغاي، وتركستان الشرقية، والتبت، أين دارت فصول مقاومة شديدة للعدوان الصيني على المسلمين، لم تنهزم أمام اشتداد الوحشية الصينية لإخمادها، ومما يذكر من مواقف الشجاعة للمسلمين أنهم ما أن سمعوا عن خبر نية الحكومة حرق جثث موتى المسلمين، كما يفعل باقي الصينيين، بحجة التخلص من مقابر المسلمين اجتمع هؤلاء المسلمون لحمايـة مقابر موتاهم وأعدوا أنفسهم لمواجهة الحرس الأحمر بلا أدنى خوف.

واستمرت الأيام في عسر ومدافعة حتى وصلت الفترة من عام 1396 – 1398هـ) (1976 – 1978م) فكانت مرحلة صراع على السلطة بامتياز حيث شغلتها الخصومات حتى انتهت بمرحلة جديدة عام 1398ه (1978م) حيث عرف المسلمون ارتخاء القبضة العدوانية فتغيّرت معها حياتهم وتنفسوا الصعداء.

ما بعد مرحلة الصراع على السلطة

استمرت مرحلة الصراع على السلطة لمدة عامين ثم بدأت مرحلة جديدة مع عام 1389 هـ (1978م)، بسن قانون ينص على عدم انتهاك أعراف وعادات أبناء الأقليات القومية فكانت بداية الانفراجة التي انتظرها المسلمون طويلًا وكافحوا لأجلها كثيًرا، وقد أعيد فتح ثلاثة وعشرين ألف مسجد من أصل اثنين وأربعين ألف مسجد في الصين كما تم افتتاح عدد من المدارس والمعاهد الملحقة بالمساجد، وبدأ العمل في نـشر سلـسلة من الكتب لتفسير القرآن الكريم باللغة المحلية، وإعادة العطل الإسلامية وإصدار المنشورات الإسلامية كمجلة المسلمين، واستئناف بعثات الحج، وعادت حركة الوفود الإسلامية والبعثات وأرسلت الجمعية الإسلامية الصينية مندوبين عنها لحضور المؤتمر الإسلامي في باكستان، كما عقد مؤتمر إسلامي في تركستان الشرقية وأعلن عن مشروع لطبع القرآن الكريم والكتب الدينية.

القوميات المسلمة في الصين

قومية الهوى أو الخوى

من كبرى القوميات الصينية قومية الهوى وهي قومية مسلمة تعود أصولها للعرب والفرس. وترجع تسمية هذه القومية بحسب العقاد إلى جيش قتيبة بن مسلم بعد أن أذن لهم الإمبراطور الصيني بالبقاء في بلاده، فتسمّوا باسم القبيلة التي كانت بجوارهم فأسلمت الأخيرة مقتدية بهم وهي قبيلة هوى شوى، فأصبح المسلمون يُعرفون باسم هوى هوى في كل الصين.[15] وهوى هوى تعني العائدون، ولا يزال أئمة المساجد يستخدمون اللغة العربية في الشئون الدينية إلى اليوم. ويحافظ الهوى على شعائر الإسلام فلا يأكلون الخنزير ولا طعام الكافرين، لذلك لهم نشاط كبير في المطاعم الإسلامية.

ويدفنون موتاهم في مقابر إسلامية ويحتفلون بالعيدين الفطر والأضحى، ويتسمون بأسماء إسلامية. لكنها مختصرة فمحمد يتحول إلى مو ومحمود إلى ما.

اعتنق الهوى الإسلام قبل القرن السابع الهجري (13 ميلادي) ويتحدثون بلغة الماندرين، وينتشرون في كل مدن الصين وقراها.

قومية الإيغور

من أبرز القوميات المسلم في الصين قومية الإيغور وتعني (التضامن أو الاتحاد) باللغة الإيغورية، ظهرت منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وتتمركز في إقليم تركستان الشرقية، المعروفة باسم شينجيانغ. كما تتوزع أعداد قليلة منهم على أوزبكستان وقرغيزي. وترجع أصول الإيغور للقبائل التركية، اعتنقت الإسلام في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) خاصة في عهد أسرة ياوان المغولية.[16] وتتحدث باللغة الإيغورية التي تنحدر من فرع اللغة التركية، عاش أبناؤها في شمالي الصين وشمالها الغربي منذ القرن الثالث قبل الميلاد.

وقد عرف تاريخهم تأسيس مملكة خاصة بهم في القرن السادس الميلادي، ولأسباب القحط والهجمات الخارجية هاجر الإيغور نحو الغرب حتى وصلوا منطقة تركـستان الشرقية، فأسسوا لأنفسهم مملكة عرفت عبر التاريخ بمملكة الخانـات (أو الخواقين) [17] وإقليم شينجيانغ يشمل خمـس مـدن كبرى ورئيسة منها أرومتشى العاصمة وكاشغر المدينة التاريخية المعروفة، كما يعيش فيها قوميات مسلمة أخرى، كالقازاك والأوزبك، والتاجيك والتتار والهان أكبر شعوب الصين.

واستهدفت الحكومة الصينية هذا الإقليم بحرب إبادة عرقية لا تزال فصولها تدور إلى اللحظة. في مسلسل اضطهاد يمتد للثورة الشيوعية الصينية حيث انتهجت حكومة بكين خطوات الشيوعية في روسيا فمنعـت استخدام الأبجدية العربية وعلى غرار كمال أتاتورك في تركيا تم مسح التراث العربي من المنطقة.

قومية القازاك

تأتي قومية القازاك في المرتبة الثالثة في سلم الأعراق من حيث عدد المسلمين في الصين بعد الهوي والإيغور يعيش أغلبهم في تركستان الشرقية. لغتهم متفرعة عن اللغة التركية ويستخدمون الحروف العربية.[18] وأغلبية القازاك في جمهورية قازاخستان الشعبية في وسـط آسـيا عرفوا الإسلام مبكرًا وانتشر على نطـاق واسـع بعـد القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي). كانوا يحكمون بالشريعة الإسلامية في قانون نوكـه القازاكي وخرج منهم أعلام بارزون في اللغة والعلوم الإسلامية.

قومية التتار

يختلف معنى اسم التتار لاختلاف استعمالاته فقد أُطلق هذا الاسم قبل الإسلام على الشعوب التركيـة وغير التركية، بينما أطلقه الروس على المسلمين ومنهم تتار شبه جزيرة القرم الذين أجبرهم الروس على الهجرة لسيبيريا ووسط آسيا. كما ارتبط بالجيش المنغولي.

اعتنق التتار الإسلام في أواخر القـرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، وتمكنوا من إقامة دولة لهم خلال القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) لكن الـروس احتلوا القرم وضموها إليهم، إلى أن أخذها الأتراك العثمانيون لغاية مطلـع القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) ليخرجهم الروس منها بعد ذلك مرة أخرى.

وأفرغ الشيوعيون أحقادهم بعد الثورة وانتقموا مـن أهلها وهدموا مساجدهم ومدارسهم وأطلقوا فيهم آلة القتل.

ويعيش من التتار في الصين بشكل كبير في تركستان الشرقية كأقلية عرقية. كما يتوزعون على باقي المناطق المحيطة بالصين. ولغة التتار هي اللغة التترية التي تنتمي إلى فرع اللغة التركية من أسرة اللغات الآرتية، ولها لغتها المكتوبة بالحروف العربيـة.  لكنهم يستعملون حاليًا اللغة الإيغورية والقازاقية نظرا لمشاركتهم العيش في تركستان الشرقية.

قومية الدونغشيانغ

شباب من قومية الدونغشيانغ.

يتواجدون غالبًا في منطقة دونغشيانغ التابعة لولاية لينيشيا بمقاطعة قانسو ويتحدثون بلغة منغولية، كانوا يكتبونها بحروف عربيـة والآن يستخدمون الحروف اللاتينية، وانتشر الإسلام بينهم في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي).

اشتهروا بالكرم حتى عند فقرائهم ولديهم مقولة شهيرة: “إن الضيف لا يرتاح إلا إذا صعد الدخان من مدخنة الموقد”.

ومـن عاداتهم أن يجلس الضيوف على المأدبة حتى النهاية دون أن يغادروا المائدة إلا أنهم لا يأكلون مع الضيوف، ويحبون أن يكرموا ضيوفهم بالدجاج المطبوخ المقـسّم إلى ثلاث عشرة قطعة ويعدون ذيل الدجاجة أفضل قطعة فيها، ويقدمونها عـادة لأعز الضيوف وأكبرهم سنًا.

قومية القرغيز

قومية قديمة، دخلت في الإسلام في مطلع القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) ويعيش أغلب شعب القرغيز حاليًا في جمهورية قرغيزيا، وكذلك عدد كبير في جمهوريـة أوزبكـستان والباقي في جمهوريتي الطاجيك وقازخستان بينما في الصين يعيش القرغيز فـي ولايـة قيزلـسو وعاصمتها (أتوش).

وأجبر القرغيز تحت ضغط مطرقة الاضطهاد إلى هجر اللغة العربية.

قومية الأوزبك

يتواجد المسلمون الأوزبك في تركستان الشرقية ينحدرون من أصول تركية ويتحدثون بلغة تنتمي إلى مجموعة اللغات التركية الشرقية. وكانت لغة الأوزبك تكتب بحروف عربية ولا تزال في أفغانستان والصين كذلك، بينما تغيرت إلى اللاتينية في المناطق الأخرى.

قومية باوآن أو (البونان)

تسمى أيضا باوآن هوى، يعيشون في منطقة جبل جيـشى بلينيـشيا في مقاطعة قانسو وفي ولاية تشنغهاى وكذلك جـزء من الباوآن في محافظة تونجرين.

جاء الباوآن إلى منطقة دونغشيانغ على أثر خلاف بينهم والبوذيين في سنة 1382هـ (1962م)، وكان أسلافهم جنوداً في جيش جنكيـز خـان وبعـد سـقوط دولـة المغول سنة 788 (1386م) رحل المغول وبقي الباوآن.

ويستخدم أبناء هذه القومية في تحدثهم لغة الباوآن التي تنتمي إلـى فـرع اللغـة المغولية من أسرة اللغات الآرتية، ولغة الهان هي لغتهم المكتوبـة.

ولهـا لغـة جينغ تانغ أي لغة المسجد يستخدمونها في حياتهم اليومية والدينية، وهي عبارة عن خلـيط من مفردات اللغات الصينية، والفارسية، والعربية والصينية.

قومية الطاجيك

وتطلق كلمة طاجيك على المزارعين في الجبال في شرقي أفغانستان وشمالها، ويضم ذلك الاسم مجموعة كبيرة من القبائـل، ويطلـق الـروس اسـم الطاجيك على الشعوب الإيرانية وشعوب تركستان.

يعيشون في أفغانستان، ودول آسيا الوسطى والصين.

وفي القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) أعتنق أسلافهم مذهب الطائفة الإسماعيلية، وحتى اليوم يحافظون على هذا المذهب.

وقد أثرت الخلفيات التاريخية في معتقد الطاجيك، حيث بقي أغلب مسلمي أهل الصين من السنة، بينما اعتنق الطاجيك مذهب الرافضة، تأثرًا بدولة الصفويين في إيران.

المساجد في الصين

شكلت المساجد معلمًا بارزًا من حضارة الإسلام في الصين، حيث أنشأ المسلمون منذ دخل الإسلام هذه البلاد عددًا كبيرًا من المساجد الكبيرة والصغيرة، وليست المساجد في الصين مراكز دينية واجتماعية للمسلمين فحسب، بل هي أيضا من الآثار التاريخية النفيسة لقدمها.

واستمر الفن المعماري الإسلامي مثار الإعجاب وسط الصينيين. وتشتهر مساجد الصين إما بالتاريخ العريق، وإما بالفن المعمـاري الفريد.

ولقد ذكر الرحالة ابن بطوطة خلال زيارته إلى الصين المساجد لإقامة الجماعـات في الصين والآذان والوضوء عندهم يكون بالمـاء الساخن، ولكنه أشار إلى أن مآذنهم غير مرتفعة لتفادي إثـارة تعصب الصينيين ولتتفق مع المعمار الصيني كما تحايل المسلمون على القـانون الذي يفرض على كل مسجد رفع لوح للإمبراطور منقوش عليه (عاش الإمبراطور الخالد إلى الأبـد) ليسجدوا أمامه.

ومن أشهر الآثار الإسلامية مسجد هوايشينغ أي الحنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويوجد المسجد بمقاطعة قوانغتشو جنوبي الصين، بني في عهد أسرة تانغ، ومسجد نيوجيه ببكين، وهو أقدم مسجد بقي في شمال الصين، بني سنة 386هـ (996م)، ومسجد عيد كاه بكاشغر في تركستان الشرقية، بني في أواسط القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، ويعني اسمه “مكان اجتماع الأعياد” وهو أحد أكبر المساجد في الصين. ومسجد تشنجياو ويعني “الدين الحق” يقع بمدينة هانتشو، مقاطعة جيجيانغ، ويسمي أيضًا مسجد العنقاء لأن بناءه يشبه العنقاء الناشر جناحيها، بُني المسجد في عهد أسرة تانغ وأُعيد بناؤه في عهد يوان. ومسجد شيانخه أي “طائر الكركي” يقع في يانغتشو بمقاطعة جيانغسو الساحلية شرقي الصين، وقيل إنه بني بين عامي 663 و672هـ (1265 و1274م). ومسجد توتغشين في مقاطعة نينغشيا، شمال وسط الصين، يُعتقد بأنه يرجع إلى عهد أسرة تشينغ، وقد تعرض لعمليات حرق متعمدة على أيدي الحكومة سنة 1282هـ (1865م)، لكن المسلمين سارعوا لترميمه بالتبرعات التي جُمعت لأجل ذلك.

وقد هدّمت وأغلقت مؤخرًا حكومة الصين المساجد في تركستان الشرقية ضمن حملة الإبادة العرقية الجارية هناك على قدم وساق.

المذاهب الإسلامية في الصين

أغلبية المسلمين في الصين من أهل السنة وهم من الأحناف وتنتمي قلـة قليلـة مـن المـسلمين الصينيين إلى الشيعة، ومن بينهم أبناء قومية الطاجيك في كاشغر الذين ينتمون إلى الـشيعة الإسماعيلية وكذلك من أبناء الإيغور نسبة قليلة تتمسك بالشيعة الاثني عشرية الإمامية.

ودخل على مسلمي الصين طرق التصوف التي ظهرت نتيجة لأفكار غريبة سادت مدينة قانصو في أوائل القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي).

وكانت لتأثير المذاهب الإسلامية عند العرب والفرس ووسط آسيا انعكاسًا على المسلمين في الصين، ما عدا مذهب شيداوتانغ الذي يُعد طائفة صينية خاصة، وهم يعلنون أنهم من السنة ويلتزمون بالمذهب الحنفي.

وتعيش جميع هذه المذاهب في تعايش لم يظهر لهم خلافات أو تنازع.

من أعلام الصين المسلمين

العالم البحري تشنغ خه.

كما كل أمة مسلمة قدم المسلمون في الصين تضحيات وإسهامات كبيرة وجليلة في تاريخ بلادهم، وفي مسيرة الإسلام في الـصين وعبر مراحله المختلفة منذ أكثر من 1300 سنة.

منهم أمهر بحار في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) العالم البحري تشنغ خه الذي مخر عباب المحيط الهادي الغربي والمحيط الهندي بأضخم أسطول صيني بحري عرفه العالم وقتذاك.[19]

المهندس البارع اختيار الدين

ومن أشهر أعلام الصين المسلمين، المهندس اختيار الدين الذي ألبس مدينة بكين بعد أن أُحرقـت بنيـران المغول؛ فنًّا معماريًا متميزًا، استجابة لطلب إمبراطور أسرة يوان، وعاش اختيار الدين في أوائل أسرة يوان وكان أجداده من بلاد العرب، وقد كان موهوبًا فـي الهندسة المعمارية، مما جعل قوبلاى إمبراطور أسرة يوان يتولى منـصب وزيـر البناء والإسكان عام 664هـ (1266م).

وقد وصف الأستاذ المعماري الصيني المعاصر “ليانغ سى تشنغ” مدينـة بكـين التي تفنن في بنائها هذا المهندس المسلم قائلاً: “إن بكين عملٌ رائعٌ تركه لنا التاريخ وأنها خلاصة المجتمع الإقطاعي التي تعكس بشكل كامل أحواله السياسية والاقتصادية والثقافية والأيديولوجية لذلك تعد هـذه المدينة متحفًا عظيمًا لنا”.[20]

وبالفعل فقد بذل اختيار الدين كل ما لديه من الحكمة والقوة في تعمير هذه المدينة؛ مما أضعف صحته تدريجيًا، فمات بعد فترة قصيرة من ذلك، وقد أراد العمال والحرفيون إقامة تمثال له أمام مقبرته، تخليدًا لمآثره بيد أنهم عدلوا عـن ذلـك احترامـًا للإسلام.[21]

أستاذ الأساتذة هو

ومن أشهر علماء الصين المسلمين هودنغ تشو 928 – 1005هـ (1522 – 1597م) الذي يلقب بأستاذ الأساتذة لأنه أول عالم مسلم في الصين حـوّل المساجد إلى مدارس في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وأدخل التعليم ضمن مسؤولية الإمـام ورسالة المسجد. وقد سجلت مآثره حيث كتب عنه:

“بعد دخول ديننا إلى الصين الواقعـة في شرق العالم ازدادت أصوله غموضًا بسبب نقصان الكتب الدينية علـى نحـو مرعـب وتضاءل عدد العلماء إلى أبعد حد، ومع دوران عجلة التاريخ إلى الأمام بـرز لنـا أسـتاذ الأساتذة (هو) في سنة 1522م، وقد تعلم الكونفوشية منذ طفولته وبعد أن أصـبح شـابًا عدل عنها إلى دراسة الشريعة الإسلامية على يد الشيخ الموقر (قاو) أحد أبناء ويبين، وقطع شوطًا كبيرًا في هذا المضمار، وأصبح متعمقًا في معاني القرآن الكريم وعلم التوحيـد وأخذ على عاتقه نشر الدين الحنيف، وكان من عاداته أن يطعم جميع الوافدين لتحصيل العلم، ويعلمهم بكل حماسة، وعلى هذا النحو اضطلع الشيخ (هو) بمهمة نشر الدين فـي الصين وأنقذه من الزوال بعد أن اضطرب فيها مئات السنين وجاء من بعده تلاميذه النجباء الأمر الذي يجعل ديننا في الصين يزدهر”.[22]

الشيخ ما وآن فو

شهد القرن العشرين في الصين ظهور جماعة من المسلمين تحمل اسم الإخوان لكنها ليس على علاقة مع جماعة الإخوان المعروفة في العالم الإسلامي.

وأسس الجماعة في الصين الشيخ ما وآن فو  ويعرف بالحاج البستاني وهو من قومية دونغشيانغ ولد عام 1265هـ (1849م) وبعد مسيرة من الاجتهاد في بلاده عزم على تصحيح الإسـلام مـن البدع والعادات التي دخلت عليه، فسافر إلى مكة حيث بقي فيها أربع سنوات، فتأثر بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بالجزيرة العربية، فحملها معه ثم عاد إلى الصين في عام 1309هـ (1892م)، وانشغل في العمل الدعوي بينما قام تلاميذه بتبسيط وترجمة كتبه للغة المحلية، لكن الحكومة الصينية أحرقت هذه الكتب وعارضت بشدة وعنف مشروعه في توحيد المذاهب والطوائف الدينية الصينية على أساس مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب، ورغم مضايقات الحكومة الشديدة لنشاطه والمطاردة الحثيثة لتحركاته، ترك مذهبه أثرًا إيجابيَا في تطهير عادات المسلمين وتنقية الـدين من البدع فكان لجهوده أهمية عظيمة في تاريخ الإسلام في الصين .[23]

محمد مكين

العالم محمد مكين (1324 – 1398هـ) (1906 – 1978م) من قومية الهوى المسلمة، اسمه بالصينية مايوى شو تـسى شى، من قرية شاديان بمنطقة منقتسى من مقاطعة يونان، وهو عضو في أول بعثة درست الإسلام في خارج الصين، حيث أنهى دراسته بالأزهر الشريف ودار العلوم، وعمل بعد عودته في الصين أسـتاذًا فـي جامعـة بكين. كما عمل مديرًا عامًا لمجلة التوعية الإسلامية، ثم بعد عام توجـه إلـى شنغهاي حيث شارك في ترجمة القرآن الكريم تحت إشراف جمعية الدراسات الإسـلامية. وألّـف العديد من الكتب والمؤلفات وكانت له مساهمات واضحة في الترجمة، من كتبه: موجز أحوال الإسلام في الصين، ونظرة جامعة إلى تاريخ الإسلام في الصين وأحوال المسلمين فيها.

ومن ترجماته رسالة التوحيد حيث ترجمها من اللغة العربية إلى الصينية والأساطير الصينية القديمة من اللغة الصينية إلى العربية، وموجز تاريخ العرب من اللغة الانجليزية إلى اللغة الصينية، من بين عشرات المؤلفات والترجمات، كما عكف على تأليف معجم اللغة العربية الصينية وترجمة معاني القرآن الكريم، وتوفي سنة 1398هـ (1978م) بعد أن ضعف بصره وانهارت صحته في العمل.[24]

خلاصة الرحلة في تاريخ الإسلام في الصين

الصين التي أضحت اليوم قطبًا رئيسيًا من أقطاع النظام العالمي، وإحدى أكبر القوى الاقتصادية في العالم. لا تزال تعاني التخلف في التعامل مع الأقليات المسلمة التي تعيش تحت سلطانها، فأطبقت حربًا على الإسلام بشتى الوسائل البشعة التي بلغت مرحلة مفزعة في تركستان الشرقية، وانتهجت سياسة غسل الأدمغة والقضاء على كل الملامح الإسلامية وشعائر هذا الدين حتى مجرد لباس أو لحية، كما أجبرت المسلمين على الإفطار في شهر رمضان وعلى أكل لحم الخنزير وشرب الخمر قسرًا وإحداث العقم القسري لدى النساء المسلمات إلى جانب قائمة من الفظائع التي سنتناولها في حلقة خاصة بتركستان الشرقية بإذن الله.

وكان متوقعًا مع ما نال المسلمين من أذى ومكائد أن يظهر الانحراف في الممارسات الإسلامية في الصين، لذلك نشاهد دخول العديد من البدع والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام في ممارسات المسلمين الصينيين، مع ذلك يبقى قسمٌ كبيرٌ منهم متمسكًا بعقيدته بشكل جاد ومخلص، بعيدًا عن أنظار الحكومة الطاغية.

ومما يجدر تسجيله في هذا التاريخ الطويل والمتشعب الذي اختصرناه اختصارًا كبيرًا، أن المسلمين في الصين تميّزوا بالقوة والشجاعة فلم يقبلوا الظلم أبدًا وقاوموه بكل ما يملكون من جهد وأسباب، رغم ما دفعوه من ثمن مقابل ذلك، وهذا ما يفسر تصنيف الحكومات الصينية الطاغية لهم كفئة مناضلة تستوجب الحذر، سمتهم الشجاعة والإقدام، كما شاهدنا ذلك في ثورات المسلمين ضد حكام الصين، في رفض صارخ لعدوانهم وظلمهم خاصة في فترة القرون 17 و18 و19، وحكم أسرة المانشو. وكذلك في فصول الجهاد التركستاني الذي نجح في فترات بإقامة دولته الإسلامية المتميّزة.

ويبقى واجب دعم ونصرة المسلمين في الصين أولوية في هذا الزمان، فربط جسور الدعوة والعلم والأخوة في الله وتقوية الوصال بين العالم الإسلامي والمسلمين الصينيين أضحى أمرًا حاسمًا لتخفيف ثقل الاضطهاد الذي يعانون منه تحت حكم الحكومة الصينية الطاغية. وعلى العاملين في ثغور الإعلام والدعوة العناية باستراتيجية متينة خاصة بالصين، تجعل من المسلمين في هذه البلاد عنوانًا دائمًا لصناعة الوعي وتقديم النصرة واستنهاض الهمم للتعاون على البر والتقوى.

يدخل في ذلك نشر الدراسات الأكاديمية التي تعتني بالمسلمين في الصين والعناية بنتاج المسلمين الصينيين الثقافي والعلمي وتوفيره في المكتبات الإسلامية بترجمة للغة العربية والإنجليزية.

هذا دون أن ننسى ضرورة الضغط المتواصل على الحكومة الصينية حتى تكفّ عدوانها على المسلمين وتعيد لهم حقوقهم المسلوبة كاملة.

فلا يجبّ أن يُغّيب هذا الجزء من العالم الإسلامي ولا يجب أن يعيش الخذلان والتقصير، وهو من أقدم المناطق في العالم ارتباطًا بالإسلام، قال تعالى -التوبة 71-:

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

المصادر

(المصدر: موقع تبيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى