مقالاتمقالات مختارة

الإسلام دين كامل لا ينقصه شيء في أي حال ومكان

الإسلام دين كامل لا ينقصه شيء في أي حال ومكان

 

بقلم د. سعيد الأعظمي الندوي

 

في الأوضاع المتجددة الحديثة التي يعاني من أجلها المجتمع البشري على المستوى العالمي تَقلل عدد القاصدين إلى بيت الله تعالى لأداء مناسك الحج والعمرة ، وإن كان هذا الواقع مبعث حزن وأسف ولكن مراعاة الظروف والأوضاع التي تجددت من خلال توافر الجراثيم المعدية في جميع أنحاء العالم ، كانت هي السبب المانع عن تجمعات القاصدين إلى بيت الله تعالى في الأراضي المقدسة ، ذاك أن ازدحام الناس من كل نوع قد يسبب شيوع هذا المرض ويحول دون النشاطات الفردية والاجتماعية مما يسبب خسارةً دينيةً وصحيةً رغم أن المسلمين في أي بقعة من الأرض لا يرضون بمثل هذه الخسائر في أي زمان ومكان ، ومن ثم كان قد جاء تحديد عدد الحجاج والمعتمرين إلى ستين ألف نفر فحسب ، تفادياً من تزايد أسباب العدوى ، وصيانة الجو المقدس من أي حادث مفاجئ يبعث الخوف والقلق بين جماعات الزائرين لأداء الحج والاعتمار .

أفادت الأنباء أن المملكة العربية المقدسة لم تسمح لأكثر من العدد المقرر لأداء هذه العبادة المقدسة في هذا العام ، وانصرمت أيام العبادة والتوجه إلى الله تعالى بالذكر والدعاء وأداء الصلوات في ضوء تعاليم هذا الركن العظيم ، بغاية من الخير المطلوب وفي ظروف مرضية عند الله تعالى ، وقد تمت الأركان وانتهت الأيام المباركة في جو من الخير والصلاح والتقى، وعسى أن تنال القبول عند الله تعالى .

من لا يدري أن هذه الأيام المباركة تذكر الأمة الإسلامية بكاملها قصة خنوع سيدنا إبراهيم عليه السلام لأوامر الله تعالى يوم اختبره في حبه لله تعالى وحبه لابنه العزيز إسماعيل عليه السلام ، فأمره بأسلوبه المعجز البليغ أن يذبح فلذة كبده فقال :

( يٰبُنَىَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ ، فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ، قَالَ : يا أَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ ، إِنَّا كَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ) ، ومن ثم كان الاستسلام الكامل لما أراده الله تعالى في المنام وأراد أن يمتحن الوالد والولد ( رضي الله عنهما ) في وقت واحد ، فكانا ناجحين للغاية في هذه المحنة السماوية ، وكأن الله سبحانه يشير بهذه الآية إلى تيسير عمل العبودية التي يختص بها عباد الله المخلصون الخاضعون أمام كل أمر ، وله علاقة خالصة بين الخالق والمخلوق ، وبين الوالد والولد ، فالواقع أن ذاك إشارة واضحة إلى ترخيص النفس والمال في سبيل الله تعالى بصفة دائمة من غير تقيد بالظروف وبدون تأخير في الخضوع .

إن الوضع الحالي يشير إلى الاستسلام والخشوع لأداء المناسك والعبادات بأسلوب سليم يشهد بالعبودية الكاملة ، دون أن تتوافر صعوبات أو مشكلات في سبيل التعظيم لشعائر الله تعالى ، وتنفيذ شريعته التي أنزلها بواسطة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم للإنسانية جمعاء ، ومن هنا كان الدين الإسلامي دين يسر وسعادة ،  وكان العمل بجميع تعاليمه وشرائعه سهلاً رغم كل الظروف والأوضاع المادية التي تتغير بتغير الأجواء ، ذاك أن الدين الأخير يدعو إلى الاستسلام والعمل بجميع توجيهاته وشرائعه من غير تمييز بين هذا وذاك .

وبذلك كانت الحياة الإسلامية حاجة المجتمعات والجماعات والشعوب والقبائل كلها ، في سائر الأحوال والشئون المرضية التي لا غناء عنها ، ( يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .

فالعالم البشري يرتبط بروح التقوى ويتصل بالتسابق في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولذلك كانت السعادة العالمية ذات صلة وطيدة بقوله تعالى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، فإذا كان الناس يتعبون في تحسين الوضع الاقتصادي ورفع شأن الحياة والأسر بالانتماء إلى قبائل وشعوب ، فليس ذلك هو المقياس المطلوب للشرف والعلو وللعظمة والفخار عند الله تعالى ، إنما هي الروح الإيمانية الخالصة التي تُثبت الأقدام وتتكفل ببناء روح العبودية والتواضع في الحياة الدنيا والإعداد للآخرة بصالح الأعمال وخالص القربات وباليقين الكامل للوقوف أمام الله تعالى لحساب الحياة التي قضاها في لذائذ الدنيا وبحبوحة العيش فيها ، وكل ذلك مسجل في سجل الأعمال بواسطة كرام كاتبين .

إن هذه الحقيقة الصارخة تنادينا إلى تزويد الحياة بالإيمان الكامل والعمل الصالح ( إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً . خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ) ، إذن ليست العبرة بكثرة الأموال والأولاد ، ولا بكثرة الأتباع وزيادة عدد السالكين وراء الشخصيات ، إنما العبرة بالإخلاص لله تعالى في كل عمل ، صغيراً كان أو عظيماً ، والعبرة بالحب الخالص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالاستقامة في كل ذلك في ضوء الشريعة السمحاء التي أنزلها الله سبحانه كدين مستقل قائم لصالح الكون والحياة والإنسان ، وهي الشريعة الإسلامية العظيمة التي تنعى كل طريق أو عمل لا علاقة له بدين الله تعالى وكتابه الكريم ، وبسنة رسوله الأخير خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم .

ومن هنا كانت أمة المسلمين خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله ، وهي الأمة المتبعة لهذا العالم ولجميع ما يحتوي عليه من الكائنات ذات الأرواح أو القائمة بأداء واجبها والخضوع أمام قدرة القادر الذي خلق السماوات  والأرض ، وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش .

والإنسان في هذا الكون إنما خلقه الله تعالى لأداء ضريبة العبودية وحق الإنسانية ، فإن ذلك هو الطريق الواضح الطبيعي نحو الحصول على الأمن والاستقامة وبشارة الجنة التي وعد الله سبحانه بها لعباده الصالحين الذين لا يتلكأون في أداء ضريبة العبودية وحقوق الإنسان في أي حال وزمان ، فكان المسلمون هم أولى بذلك وبدعوة غيرهم إلى هذا الدين والخنوع أمام رب العالمين ، فلنقرأ ما يقول الله تعالى :

( إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) .

فما أحوجنا إلى توجيه هذه الدعوة المخلصة إلى العالم البشري كله، في جميع الأزمان والأحوال.

فإن الله تعالى شهيد على عباده في كل حين وآن.

 

المصدر: البعث الإسلامي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى