مقالاتمقالات مختارة

الإسلام السياسي ليس توظيف الإسلام في السياسة

الإسلام السياسي ليس توظيف الإسلام في السياسة

بقلم البروفيسور أبو يعرب المرزوقي

لو كان الإسلام السياسي هو توظيف الإسلام في السياسة لكانت كل الانظمة العربية عسكريها وقبليها وكل الأنظمة الشيعية عربيها وفارسيها أي كل الفاشيات العربية والفارسية ممثلة للإسلام السياسي وليس الاخوان ومن شابههم وحدهم.

الإسلام السياسي الذي يمثل مستقبل الإنسانية وليس المسلمين وحدهم هو الذي حدده القرآن في تعريف الإنسان بوظيفتين كلتاهما مفقودة عند هذه الأنظمة

وخاصة عند نسخها التي تسمى اخوان ومن شابههم لأنهم بمنطق رد الفعل يقلدون الفاعل في هذه الانظمة وليس لهم من الإسلام مثلهم إلى توظيفه السياسي بمنطق فولتار.

وهنا سأضرب مثال تجربتي الشخصية في محاولة العمل المستقل في النهضة باعتبارها -كما ظننتها اسلاما سياسيا-فوجدت أنها لا علاقة لها به بل هي مثل ما وصفت تستخدم الإسلام ولا تخدمه.

فما حضرت اجتماعا للحسم في امر إلا وقدموا حجة نحن لا نقبل إلا من ترشحه الجماعة لا من يرشج نفسه. فتظن أنهم سيسعمون للجماعة الحاضرة للحسم الحضوري في انتخاب ما أو اختيار ما.

لكنك تكتشف أن الامر حسم سابقا وما تشهده هو مسرحية كلها كذب ونفاق. وقد حدث ذلك في تعيين من يكتب الدستور وفي تعيين من يكون وزيرا في ماذا

ولما طلب مني رأيي في ما أريد اجبت بأني لا أريد شيئا: فلست ممن يمكن أن يكون دمية وقد أعلنت ذلك يوم قبول المشاركة بشرطين هما عدم الانتساب للحزب والمغادرة إذا تعارض فعلها مع ما أراه صوابا.

فبهده الطريقة فقد تم خيار الحلفاء مع يقيني من البداية أن ذلك سيخرب المشروع بصورة حتمية لأن كون القائدين مناضلين لا ينبغي أن يخفي أن جل من جمعوهم في الانتخابات سيكونوا أهم عقبة في التجربة وهو ما أكدته التجربة حتى قبل انفراط الحزيبين.

وبنفس الطريقة تمت التعيينات بمنطق إلى الآن لم أفهمه لكأن الجماعة تتآمر على نفسها لأن من ناضل من حيث هو طالب مثلا ليس بالضرورة قادرا على إدارة وزارة ولم يدر حتى بلدية,.

لما تقارن ما حدث في تعيينات ابي بكر الصديق -مع حفظ المقامات-وخياراته التي اقرها من بعده الفاروق تقول إن الرجلين كان ينتقما لمن كانوا اعداء الإسلام.

ولم يقع في فخ “اليسار” الذي دعا إلى الانتقام من الماضي بل تم العمل بمنطق العفو عند المقدرة تماما كما فعل الرسول بل حتى كما فعلت طالبان رغم أن من عفت عنهم قاتولها عقدين كاملين: لأن القصد هو البناء وليس التهديم.

صحيح أن النهضة تخلت في الاخير عن مشروع العزل لكن شتان بين فعله عند المقدرة واللجوء الله بعد الهزيمة. فالاول فضل والثاني ضعف. ومن يلغي الاعتماد على كفاءات الوطن لأنهم شاركوا سابقا لا يمكن أن يكون له ذرة من عقل

خاصة أن منهم من هم أكثر اخلاصا لتونس (إذ هم من بدأ معركة الديموقراطية بمحاولة اصلاح النظام البورقيبي ونكل بهم ابن علي لاحقا) مما يظنون ثوارا وخاصة من اليسار والقوميين وكل من تبين أنهم مندسون في حزب المرزوق وابن جعفر من اعداء الوطن.

لم يختر بمعيار مجازاة “المناضلين” بالالتفات إلى الماضي بل باختيار الاقدر على أداء المهمة التي تحقق المشروع وتضمن المستقبل:

بذلك فمن قاد الفتح كان قبل اسلامه قد كاد يقتل الرسول -خالد- وامثاله ممن قضوا على الفتنة وفتحوا العراق واسقطوا امبراطورية فارس

ومن فتح مصر والشام وشرعوا في اسقاط امبراكورية بيزنطة جلهم من لم يكونوا من المناضلين بالمعنى المتقدم على الفتح.

كان المعيار هو دعاء الرسول: “اللهم اعز الإسلام باحد العمرين”. لم يكن المعيار إلا معيار اختيار الرجال اي من سماهم الغزالي في فضائح الباطنية لبناء الدول “معتبري الزمان”

فهم من يحتاج إليهم من له مشروع بناء دولة وليس طلب الحكم للحكم دون هدف يحقق وظيفتي الاستعمار والاستخلاف. فشروط قيام الدولة بما يعرفه القرآن مشروعا للإسلام السياسي أي تحقيق شرطي قيامها وهما:

الشرعية التي تستمد من الكفاءة المعرفية والتقنية المشروطة في تحقيق مهمة الإنسان الأولى التي تستجيب لحاجات الجماعة العضوية أي الاستعمار في الارض حتى تكون سيدة على شروط بقائها وعنفوانها.

والشوكة التي تستمد من الكفاءة القيمية والخلقيةالمشروطة في تحقيق
مهمة الإنسان الثانية التي تستجيب لحاجات الحماية الروحية أي الاستخلاف في الأرض حتى سيدة على شروط حربتها وكرامتها.

الإسلام السياسي الذي يظنه الكثير قد انتهى هو الذي وصفت في عرض ما حصل بعكس ما كان ينبغي أن يحصل وما نصحت به وليس لعبقرية مني بل لأن ذلك هو منطق الثورات التي يلتفت أصحابها إلى المستقبل.

ولان عكس ذلك يحول دون أي استقرار في تاريخ الأمم: فمن دون البدء بالمصالحة لعزل المجرمين يصبح الجميع خائفا لأن تخويفه من المجرمين بأن دوره سيأتي في مشروع الانتقام يحول دون التقدم والاصلاح.

ذلك أن الثورة إذا كانت ستنتقم ممن تقدم فهي تكون قد تبنت منطقه فتكون مثله فتصبح هي بدروها موضوع ثورة عليها بنفس المنطق مع الانتقام المضاد

ومن يقول إن الإسلام الموظف سياسيا لم يعمد لذلك إلا بالاقوال ينسى أنه لم يتمكن وإلا لانتقل إلى الأفعال. ومع ذلك فلا يمكن الاكتفاء بهذا التفسير لتعليل ما يسمى فشلا للحركت الإسلامية: فالمهمة التي وقعت على عاتقهم لم تكن يسيرة لأنها تجمع بين امرين يعسر الجمع بينهما:

فهي حركة احياء ودفاع عن تراث يكاد يقضى عليه من قبل الاستعمار وورثته من عملائه وهو ما يفسر الطابع الدفاع المتشنج الذي كان مآله رمي الطفل مع ماء الحمام: مقاومة التحديث الضروري بحجة رفض المستعمر.

صارت حركة بناء دول بعد الثورة تكاد خالية الوطاب من شروط الكفاءتين اللتين ذكرت لأن المقاومة الأولى كانت بالاساس عقدية وليست تقنية ولا علمية ولا خاصة استراتيجية سياسية بمنطق السياسة الحديثة.

ولهذه العلة كان تحليلي لما حدث في المغرب -والحزب الإسلامي المغربي مختلف تماما عن النهضة والاخوان لأنه أقرب في الرؤية إلى حزب اردوغان-أن ما حدث نكسة وليس هزيمة وأن الذي هزم هو المخزن.

وذلك ما لم يفهمه ثالوث البارحة في حصة سيناريوهات حول مستقبل الاسلام السياسي. لم يتكلموا عن الإسلام السياسي بل تكلموا على توظيف الإسلام في السياسة.

فبعد فشل العسكر في الجزائر خلال العشرية السوداء في استئصال الاسلاميين -رغم انه كان في البداية وفي مصر وسوريا خاصة-نموذج نصح به دجال عبد الناصر وفيلسوفه

اصبحت الخطة توظيفه لخدمة الفاشيات العربية حتى يغطي على عوراتها ثم الاطاحة به على أن ذلك ثمرة التداول الديموقراطي: كل التعليل الذي سمعته البارحة ينطلق من هذه الكذبة.

لو كان المغرب (المخزن) وإيران (الملالي) وتونس (المافيا) ومصر (الجيش) والجزائر (الجيش) إلخ… ليس فيها ما يشبه ما كان موجودا في تركيا أي الجيش الوصي على الشعب والذي يولي ويعزل لصح الكلام على التداول الديموقراطي ولكان ما حصل عقابا نتخابيا.

ولا يوجد عقاب انتخابي ينزل باي حزب حاكم إلى عشر قاعدته خاصة وهو قد نجح فعلا في تحقيق الإصلاحات البنيوية التي يعسر القيام بها من دون شجاعة سياسية لا نظير لها -وقد وصف لي الاستاذ ابن كيران ما فعل-ونرى ثمراتها التي جعلت المخزن يستغني عنهم

لكن الأخطر في التحاليل التي سمعتها امران:

الاول هو توهم المعركة محلية بين الأحزاب التابعة للفاشية والإسلام السياسي وليس مرتبطة بما بين الفاشية المحلية ومستعمر الأمس الذي ما يزال مستعمر اليوم.
الثاني هو تصور المعركة المقبلة ستبقى كذلك لأنهم يتغافلون عما يجري في نظام العالم الذي بدأ يميل إلى معركة سيكون للإسلام السياسي الذي يخدم الإسلام ولا يستخدمه دور مركزي.

فلا يمكن لأمريكا أن تخوض معركة مع الصين ما لم تفهم أمرين: علة خسرانها كل معاركها مع الاسلام على الاقل منذ ان تصورت أنها استعملته ضد السوفيات ولم تعد بحاجة إليه.

وهذه خدعة ذاتية عند الامريكان: لم تكن الانظمة العربية قادرة على تحريك الشباب للجهاد لو لم يكن الإسلام هو الذي لا يقبل الإلحاد السوفياتي وإذن فالذي استعمل الآخر هم المجاهدون وليس الامريكان.

واليوم قد تتوهم أمريكا أنها يمكن أن تستعمل الدول الإسلامية الناهضة كما توهمت أنها استعملت المجاهدين( ظنا أنهم مثل مرتزقة داعش التي اسستها مخابراتهم فلم تحارب إلى السنة وتركيا ورغاهم حزب الله وإيران في سوريا بمضلة أمريكية وروسية).

وهذه الخدعة الذاتية الثانية يمكن أن تجربها أمريكا مرة أخرى. ولا بأس منها: لأنها هي التي ستكون الفرصة لكي يتحقق بناء شروط الاستئناف. فمن حق تركيا وباكستان واندونيسيا وماليزيا وقطر الايهام بأنهم مستعدون للتعاون مع امريكا.

لكن ذلك مناورة لا غير لأن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين خاصة إذا كان ليخدم الإسلام لا ليستخدمه. وما كنت لأكتب حرفا لو كان الإسلام السياسي هو الذي يستخدم الإسلام أي كما تفهمه كل الفاشيات العربية وليس الاخوان وحدهم وكل الفاشيات الفارسية برؤية فولتارية.

الاسلام السياسي الذي اتكلم عليه والذي يمثل مشتقبل الإنسانية هو ثورتا القرآن الكريم اللتين غيبهما تحريف علوم الملة وتاريخها وهما المرضان اللذان حاولت تشخيصهما بيان عللهما استكمالا لما شرع فيه رجال المدرسة النقدية العربية,.

الاسلام السياسي هو تحقيق شروط توحيد الإنسانية بقيم القرآن الكريم التي هي جعل سياسة عالم الشهادة خاضعة لقيم سياسة عالم الغيب كما تتحلى في نظام العالم الطبيعي والتاريخي إذا قرئا بمبدأي الآية الأولى من النساء والآية الثلثة عشرة من الحجرات.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى