بقلم د. محمد علي الهرفي
إن الذي يفهم أبسط قواعد الإسلام يدرك أن مصطلح (الإسلام السياسي) دخيل على ديننا وإسلامنا، فالإسلام كل لا يتجزأ، فهو يضم في جنباته السياسة والاقتصاد وكافة العلوم الشرعية وغير الشرعية، كما أن رسولنا الكريم، وخلفاءه من بعده، كانوا هم قادة السياسة، فهم الحكام وهم أيضا من يدير شؤون البلاد ومصالح العباد، واستمر الحال على ذلك طيلة مئات السنوات التي كانت الدولة الإسلامية تتبنى الإسلام منهجا لها وطريقا لإدارة شعوبها.
ولم يعرف المسلمون مصطلح (الإسلام السياسي) بمفهومه السلبي للإسلام إلا في السنوات المتأخرة وبسبب ظروف سياسية اقتضتها مصالح الغرب وقد اتفقت مصالح الليبراليين العرب مع مصالح الغرب وأعداء الإسلام عامة، فاجتمع هؤلاء على فكرة تشويه الإسلام وتشويه من يطالب أو يعمل على تمكينه من حياة المسلمين في بلادهم، بادعاء أن هؤلاء هم من دعاة الإسلام السياسي وكأن هذا النوع من الإسلام – بزعمهم – لا يمت للإسلام بصلة وأن من الواجب محاربته والوقوف مع الغرب في حربه وحرب من ينادي به.
الحرب على ما يعرف بـ(الإسلام السياسي) بدأه الغربيون، لأنهم يعرفون أن هذا النوع من الإسلام هو الذي ينازعهم الرئاسة في بلاد المسلمين، وهو الذي يقاوم مشاريعهم الاستعمارية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، ولأنهم يريدون استغلال بلاد المسلمين بكل ما فيها، فقد وجدوا أن المسلمين الذين يفقهون دينهم هم الذين يقاومونهم، فلم يجدوا طريقا لمقاومة ذلك إلا بمحاولة تشويه الإسلام أمام أبنائه ليخلو لهم الجو الاستبدادي الاستعماري الذي يريدونه.
ومنذ احتلال العراق وأفغانستان ومن ثم ما عرف بالربيع العربي برز مصطلح (الإسلام السياسي) بقوة، استخدمه الأمريكان والغرب لتبرير جرائمهم ثم تبعهم بعد ذلك كثير من الليبراليين العرب الذي هاجموا – وما زالوا – المسلمين الذين قاوموا المحتل أو الذين أرادوا إيجاد نوع من الحكم يتفق مع دينهم – ولا يتفق طبعا مع مصالح الغرب – فاتهموهم بممارسة (الإسلام السياسي) على اعتبار أن هذه الممارسة تخالف الإسلام، وفي جزئية كراهية الإسلام اتفق الليبراليون العرب مع الغربيين، فعملوا جميعا على تشويه الإسلام ومن يعمل من أجله.
هذا النوع من دعاة الليبرالية خالفوا منهجهم الفكري الذي يدعون الإيمان به، وأصبحوا يمارسون العبودية المطلقة للغرب وأعوانه، وأصبحت أهواؤهم ومصالحهم وكراهيتهم للإسلام كله هي التي تقودهم لحرب الإسلام واختراع الأكاذيب لتبرير ذلك الهجوم القذر على الإسلام.
وقد رأينا كيف أن الليبراليين وقفوا مع المشروع الأمريكي في قضايا تغيير المناهج الدراسية بحسب المفهوم الأمريكي وليس بحسب مصالح المسلمين، كما اتفقوا معهم على منهج تغيير الأنظمة بالقوة العسكرية وليس بالديمقراطية التي طالما طنطنوا بالدعاية لها، فأصبحت القوة هي الطريق إلى الديمقراطية أما صناديق الاقتراع التي لا تحقق أهواءهم فهم من أشد دعاة الحرب عليها حتى لو قتل من أجل ذلك آلاف البشر.
الديمقراطية عند الغربيين مجرد لعبة يحققون بواسطتها أهدافهم السياسية، وهذا المفهوم الأعرج للديمقراطية تحدثت عنه (كيركيا تريك) مستشارة البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي السابق (ريجان)، وكانت أيضا ممثلة أمريكا في الأمم المتحدة، قالت: (إن الديمقراطية مجرد لعبة لتحقيق مصالح الغرب وأن قيم الغرب وسياساته خاضعة للعبة المعايير المزدوجة)، والمفكر الغربي (روبرت كانمان) قال في كتابه (الديمقراطية والمعايير المزدوجة): (إن الجميع في الغرب يتفق على أنه من الخطر دعم الديمقراطية بجميع صورها في العالم الإسلامي، والسبب أنهم يقولون: إن التعامل مع الحكومات الفاشية أسهل بكثير من التعامل مع الحكومات الإسلامية)، وقريب من هذا القول ذكره الفرنسي (أوليفيه روا) الخبير بشؤون الإسلام السياسي، قال: (عندما يكون على الغرب الاختيار بين العلمانية والديمقراطية فهو يختار العلمانية دائما، وعندما تكون العلمانية في كفة والديمقراطية في كفة أخرى كما في الجزائر وتركيا، فالغرب يختار دائما العلمانية لا الديمقراطية، الغرب يفضل النظام التسلطي الدكتاتوري على وصول الإسلاميين للسلطة).
إن الذي يزعج الغرب ليس هو الإسلام السياسي كما يقولون وإنما هو الإسلام بحد ذاته، وهذا الواقع أكده الخبير الأمريكي المعروف (صومائيل هنتنغتون) الذي قال: (إن المشكلة بالنسبة للغرب ليست الإسلاميين المتطرفين وإنما الإسلام ككل)، ونحن نفهم من الواقع الذي نراه أنهم يعادون الإسلام الصحيح الكامل الذي يقبل على الآخرة كما يقبل على الدنيا، ولكنهم يتعايشون ويشجعون الإسلام الخامل الذي يدعي الإقبال على العبادة فقط، ولهذا فهم يشجعون على التصوف وبكل طرقه، فهم لا يهمهم كثرة المصلين أو كثرة قارئي القرآن ومن في حكمهم، خاصة إذا كان هؤلاء يقتصرون على العبادة فقط ويتركون قيادة بلادهم واقتصادها في أيدي الغربيين والأمريكان وهكذا ثقافتها وسائر قضاياها الأخرى.
الليبراليون العرب ومن منطلق كراهيتهم للإسلام كله، يرددون كالببغاوات أن الإسلاميين يريدون الوصول إلى الحكم، وأن الإسلام السياسي هو الذي يسيء إلى المسلمين!! وأعجب من هذا المنطق الغبي الذي خجل الغرب منه – ظاهريا على الأقل – فما المانع في أن يصل الإسلاميون إلى الحكم إذا كان وصولهم إليه بحسب المعايير التي وضعتها بلادهم؟! لماذا يحق لكل حزب ولكل مذهب أو دين الوصول إلى الحكم ويحرم ذلك على المسلمين؟!! .
لقد أثبت الواقع أن معظم الليبراليين عروا أنفسهم وأثبتوا أنهم لا يؤمنون بما يقولون، فصفقوا لكل من وصل إلى الحكم من غير الإسلاميين وأيضا لكل من انقلب على الديمقراطية وصادر حرية الشعوب واختيارها، ولكن مبادئهم الزائفة ضاقت عن قبول الإسلاميين بأي صورة كانت، فآثروا الاصطفاف إلى جانب الغرب في عدائه للإسلام وللمسلمين، وإذا كان الغربيون ينظرون إلى مصالحهم بعيدا عن مصالح المسلمين أو دينهم وإذا كان فعلهم هذا يشكل جزءا من مساوئهم، فإن فريقا من الليبراليين العرب أكثر منهم سوءا، لأنهم نصبوا العداء لدينهم وأمتهم وقبلوا أن يكونوا مطايا للغرب وأهدافه.
الشيء المطمئن أن أكاذيب الغرب ومعهم الأمريكان وأبواقهم الليبراليون العرب أصبحوا مكشوفين وهذا سيجعل العرب يتعاملون معهم بصورة مغايرة، حتى وإن كانت بطيئة!!.
المصدر: الدرر السنية.