بقلم فضيلة د. محمد عبدالكريم الشيخ (عضو الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين)
توطئة: موقف الصحوة من الجهاد
الجهاد في فكر الصحوة ذروة سنام الإسلام، و”التربية الجهاديّة” مطلب وضرورة من ضرورات قيام الدين. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه « عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (انْتَدبَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ خَرَج في سَبِيلِه ـ لا يُخْرجُه إِلاّ إِيمانٌ بي وَتَصْدِيقٌ برُسُلي ـ أَنْ أُرْجِعهُ بما نال مِنْ أَجْر أو غَنِيمة، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّة. وَلَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتي ما قَعَدْتُ خَلْفَ سِريَّةٍ، ولَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ في سَبِيلِ اللّهِ ثمَّ أُحْيا، ثمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيا، ثم أُقتَل) »(1)
ولا أحد من دعاة الصحوة وعلمائها يتخلى عن هذا المبدأ، وهم لا يستعيبون ذكره أو تربية الناشئة عليه، بل يفاخرون بالانتساب إليه ويتشرفون غاية الشرف بمذاكرة أحاديثه، ويتشوقون إلى طلبه والاستشهاد في ساحات المعارك.
لكنهم يفرّقون بين الجهاد كمبدأ وقيمة، وما يجري باسم الجهاد على أرض الواقع في الجزائر أو مصر أو بلاد الحرمين على وجه الخصوص، تماماً كما يفرّقون بين مصطلح السلفية كقيمة معرفية ومرجعية لأهل السنة، وبين تطبيقاتها العبثية التي جعلت من السلفية مسبة على أصحابها والمنتسبين إليها.
تهمة الصحوة:
بسبب إيمان دعاة الصحوة بقيمة الجهاد ومبدئيّته في الشريعة، صارت محلاً للتهمة؛ رغم وضوح مواقفها من الأحداث التي جرت على أرض الحرمين، ورغم بيان الجبهة الداخلية الذي سبق التفجيرات، ورغم حسم الموقف فكرياً وميدانياً، ومع كل ذلك تجري محاولات التوريط والاستعداء بأقوى ما يمكن.
فالصحوة اليوم متهمة بأنها تمثل الجناح السياسي لحركات العنف والجهاد المسلح، وقد اعتمد اتهامها على تفسيرات كثيرة لم تكن تخضع للبحث أو الدراسة والتتبّع والربط والاستبيان والفهم السليم؛ بل كان عماد البحث عند أكثر جماعات “الإسلام الحكومي” والتيار الليبرالي بوجه عام: إما تجارب سابقة خاضها بعض “المتلبرلين” (2)، أو بعث لأقوال سيد قطب ومحمد قطب وأبو الحسن الندوي، أو مقاطع من رسالة العلمانية والإرجاء للشيخ سفر الحوالي، أو مكالمة له في قناة الجزيرة (3)، أو شريط للشيخ سلمان في “رسالته لرجل الأمن”، أو تخيّلات وأوهام بأن هناك مراحل وأقبية وسراديب، أو قياسات تُستدعى من واقع وتُستجلب لواقع مغاير، أو تحميل للعبارات أضعاف ما تحتمل …الخ. وكل تلك التصدّيات والمماحكات لم تصمد أمام أقل تمحيص علمي؛ بل كانت في كثير من الأحيان محل استهجان، وكشف عن تخلّف عقلي ونقص في المروءة وفجور في الخصومة.
فمحاولات الربط الدائمة بين تيار الصحوة والجهاديين” بصورتهم الحالية ” لم تخلُ من تكلّف، ولم تنته إلى نتيجة يمكن قبولها حتى على المستوى الرسمي أو الشعبي.
وكل ما هنالك “شخبطة” صحفية، وحوارات متلفزة مدفوعة الأجر، ولقاءات فضائية حاولت ولم تنجح ولكنها ما زالت تحاول.
وإذا انتقلنا إلى أحداث العام الماضي والمواجهات الأمنية التي انتهت لصالح الدولة، سنجد أنه نشأ عن تلك الأزمة أزمة كبرى في تفسير الحدث نتج عنها خلط صارخ بين الأوراق آلَ إلى اعتبار تيار الصحوة بكل ميادينها وأنشطتها ومخيماتها وحلقاتها ودروسها ومحاضراتها وقنواتها الفضائية ستاراً عن مقاصدها الحقيقية، وعبّر عن ذلك في أدبيات الطرح الليبرالي بـ” الإسلام السياسي” أي: الذي يسعى من خلال التستر بالدين إلى مآرب سياسية.
هذه بإيجاز تهمة الصحوة، والتي يسعى فيها تيار “الإسلام الحكومي” بدور التعبئة والاستعداء والتواطؤ.
وماذا بعد!
لقد أدلى الكثيرون بدلوهم، وكان من المجمع عليه بين التيارات الليبرالية والإسلامية “الحكومية” أن الصحوة بدعاتها ورموزها يشكلون عبئاً كبيراً يجب تصفيته والخلاص منه، وقد قُدّمت المقترحات بهذا الصدد؛ بل قُدّمت الأسماء التي يجب الأخذ برأيها في مراقبة التعليم وتقريبها إلى أماكن نفوذ القرار حتى تؤدي دورها في التجفيف والتصفية بقدر أكبر. ولم يتورع رموز ودعاة الإسلام “الحكومي” عن إعلان تواطئهم مع كل من يقف في وجه الصحوة متوقعين أنهم قد أثبتوا – بما لا يدع مجالاً للشك – أن هناك مخططاً رهيباً يقوده سيد قطب من تحت قبره يأمر فيه أتباعه بتكوين قاعدة صلبة حتى تحين المرحلة الثانية لإقامة الخلافة الإسلامية.
أين الحقيقة؟
رغم بساطة الحقيقة ووضوحها إلا أن الاستعراض الذي قام به “تيار الإسلام الحكومي” أطال الوقت في اللجاجة والخصومة.
إن تلك التهمة التي اتهمت بها الصحوة تستدعي لوازم، وتطرح أسئلة كثيرة عن سبب خروج الخوارج في أطهر وأنقى قرن عرفه التاريخ، فهل كان لسيد قطب أثر في بروز تيار الخوارج؟!
ألا يمكن أن يكون فهم النص وطريقة التعامل معه بغض النظر عن التيارات والمذاهب والأشخاص دوراً في تشكيل إسلام متشدد وإسلام معتدل؟ أليس من الممكن استيعاب أزمة التكفير وحلها من خلال حلحلة المفاهيم الخاطئة؟
ألم يكن رجوع أكثر من ثلث الخوارج على يد ابن عباس – رضي الله عنه – بسبب تركيزه على تصحيح مشكلة ذهنية، وليس التعمق في شرح المذهب ومن أين أتى وما هي أهدافه؟
أليس رجوع بعض “الفئة الضالة” اليوم على يد بعض الإصلاحيين كان من خلال تصحيح فكرة خاطئة تعاملوا معها من دون ذكر خلفيات الفكرة؟!
—————————————————
الهوامش:
(1) صحيح البخاري 1/22 . كتاب الإيمان . باب الجهاد من الإيمان .رقم ( 36 )
(2) يسمى كثير منهم بخبراء في الحركات الإسلامية.
(3) أطلق بعضهم على الشيخ “إمام المفسدين” رداً على من دعا له بالشفاء من مرضه! اللهم قنا شر أنفسنا.
(المصدر: موقع رابطة علماء المسلمين)