الإسلاميون.. وجدل النجاحات والإخفاقات
بقلم د. عبد العزيز كامل
(الفَشَل)..كلمةٌ بغيضة الوقْع.. ثقيلة الظِل.. تُهَيِّج في النفوس روح التملْمُل والتراجع والكسل.. إلا إذا استُعملت في سياق الاستدراك والترشيد، أو المراجعة والتسديد. وهذه الكلمة وإن كانت تفيد في الاستعمال اللغوي والقرآني معاني الجُبن والخَوَر وانحطاط القوة وفتور العزيمة.. فإن من قبيل جلد الذات وظلم النفس أن يتهم البعض مجموع الحالة الإسلامية التي تواجه منذ ثلاثة عقود حروبًا كونية – سياسية واقتصادية وإعلامية و أمنية وعسكرية.. يتهمونها بأنها خارت أو جبُنت أو انهارت أو وصلت إلى طريق مسدود، أمام قضايا التصدي والدفاع.. في الوقت الذي يتهمها عالم الطغاة بالتهور والتسرع والاندفاع!
العالم -كلُ العالم- يواجه الإسلاميين (كلَ الإسلاميين) رغم قلتهم وذهاب شوكتهم وغياب قيادتهم، خوفًا وحرصا -ويا للْعجب- على تماسك النظام الدولي، المحكوم بدفة التوازنات الإقليمية ودقة الحسابات الداخلية.. التي أثبتت الثورات العربية أنه كان بمقدور الإسلاميين (لو كان لهم مشروع مسبَّق مدروس) أن يغيِّروا أو يؤثروا من خلال تلك الحسابات في المعادلات الإقليمية، ومِنْ ثَمَّ العالمية التي تُرَتَب دائما على حساب المسلمين.
ولاستشعار طغاة العالم حقيقة الخطر الجاد والحاد على نظامهم الدولي من هؤلاء “المستضعفين الأقوياء” من جيل الغرباء.. شكَّل أركان هذا النظام ثلاثة تحالفات دولية -خلال عقدين فقط- لخوض حروب شبه عالمية على تلك الحالة الإسلامية، لإقصائها سياسيًا.. وقتلها إعلاميًا.. وخنقها اقتصاديًا..وعزلها شعبيًا.. تمهيدًا لحرقها ميدانيًا..أمنيًا وعسكريًا..
كان طبيعيًا أن توجد تحت ضربات هذا البطش الأكاديمي المُوَجَّه.. حالات إخفاق وكبوات ونكسات وفشل، وقعت فيها قطاعات من العاملين للدين، باجتهاد أو تحت وقع الارتباك والعَنت والإجهاد، وغير ذلك من عوارض الضعف البشري والتقلب الإنساني، فحدثت حادثات فشل كالتي نعاها القرآن على بعض الأولين من خير القرون ، في قول الله عز وجل : (حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران /152) و من هذا الفضل ..نبهنا الله في كتابه وحذرنا، كما نبه خير الأجيال وحذرهم من تلك المقدمات التي توصل لذات النتائج ، فبعد أن شخص القرآن الداء وصف الدواء (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين َ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط)ٌ (آل عمران /47).. ولهذا صار تجديد عهد الطاعة.. والعمل على فض النزاع لرص الصفوف، مع استدامة “الصبر الاستراتيجي” المخطط والمدروس، و دوام التواضع لله والحرص على صلاح عباد الله.. من أكبر واجبات الوقت، التي من شأنها تحويل كثير من الإخفاقات إلى نجاحات بإذن الله..
لن استغرق الآن في “حديث الفشل” وأسبابه ومقدماته ونتائجه، وغير ذلك مما انشغل فيه أو اشتغل به الكثيرون ، فلهذا وقته وظروفه الزمانية والمكانية.. ولكني أريد هنا التذكير بكثير من النجاحات والإنجازات النوعية المنسية، التي صدقت الأخبار النبوية عن تجديد الدين على رأس كل مئة من السنين ، والتي نحتاج لاستحضارها واستعراض أبرز ما تحقق منها على يد جيل الصحوة الإسلامية خلال الأربعين سنة الماضية ، فهي لو استمرت على وتيرتها السريعة بحسب عمر الزمان – وهذا غير مستحيل – لغيرت – بفضل الله – مسار هذا الزمان.
لا أريد – لضيق المجال – أن احتكر وحدي حديث النجاحات والإنجازات للعاملين والعاملات من كل الاتجاهات (وهي كثيرة وغزيرة).. ولعلي أشارككم بما شهدته وعايشته من خلال المشاركة في التعليقات والمداخلات.. حتى ندخل بعدها -متفائلين منشرحين- في حديث مقترحات الحلول ومواجهة التحديات وإرساء الأصول..
وعلى الله قصد السبيل.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)