الإسلاميون وانتخابات الجزائر.. نصف انتصار ونصف هزيمة (تحليل)
حقق الإسلاميون في الجزائر نصف انتصار وفي نصف هزيمة في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في 12 يونيو/حزيران الجاري، بعد مضاعفتهم لحصتهم من المقاعد البرلمانية، لكنهم ضيعوا فرصة الفوز بالمرتبة الأولى، وتشكيل الحكومة.
وشاركت 6 أحزاب إسلامية، من عائلتين سياسيتين مختلفتين، الأولى تتمثل في التيار المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين ممثلا في حركة مجتمع السلم، وحركة البناء الوطني المنشقة عنها.
أما العائلة السياسية الثانية فتتمثل في التيار النهضوي، الذي أسسه عبد الله جاب الله، ويضم كلا من جبهة العدالة والتنمية، وحركة النهضة وحركة الإصلاح، وجبهة الجزائر الجديدة المنشقة عن الأخيرة بقيادة الصحفي والنائب السابق جمال بن عبد السلام.
** ضاعفت مقاعدها وخسرت الحكومة
تمكنت حركة مجتمع السلم، من مضاعفة عدد مقاعدها في انتخابات 12 يونيو الجاري، بعدما حصلت على 64 مقعدا مقارنة بانتخابات 2017، التي حصلت فيها بالتحالف مع حركة التغيير (اندمجت فيها) على 34 مقعدا، وثبّتت زعامتها على التيار الإسلامي برمته.
وهذه النتيجة الأفضل بالنسبة للحركة بعد برلمانيات 1997، حينما حلت ثانية بعد التجمع الوطني الديمقراطي (موالاة) بـ65 مقعدا، وقالت حينها إن التزوير حرمها من المرتبة الأولى.
وكانت حركة مجتمع السلم، تأمل في أن يؤدي ضعف حزبي الموالاة (جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي) في تصدرها لنتائج الانتخابات البرلمانية، وأعلن رئيسها عبد الرزاق مقري، استعداده لتشكيل الحكومة إن فازت حركته في الانتخابات.
وبعد يوم من الانتخابات، أعلنت الحركة تصدرها للانتخابات قبل ظهور النتائج الرسمية، وحذرت من “محاولات واسعة لتغيير النتائج وفق السلوكيات السابقة”، لكن الرد القوى من السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، على هذه التهم ووصفها ذلك بـ”الافتراء”، دفع الحركة للتراجع قليلا.
وقال مقري، في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، إن “هناك دلائل قوية تؤكد وجود تلاعب في نتائج الانتخابات التشريعية”.
وأشار إلى أنه “خلال الساعات الأولى لعمليات فرز الأصوات كانت الحركة في مقدمة الأحزاب الفائزة، لكن حدث بعد ذلك تلاعب في المحاضر وعدم تسليم بعضها”.
ورغم حلول حركة مجتمع السلم، في المرتبة الثالثة خلف كل من جبهة التحرير الوطني (105 مقاعد) والأحرار (78 مقعدا)، إلى أن مقري، يرى أنهم حصلوا على المرتبة الثانية (بين الأحزاب) مستبعدا كتلة الأحرار.
والمفاجأة التي حققتها حركة مجتمع السلم، تتمثل في حصولها على 3 مقاعد من إجمالي 8 مقاعد المخصصة للجالية في الخارج.
وهذه المرة الأولى التي تفوز فيها الحركة بمقاعد في المهجر، خاصة بالدوائر الانتخابية لشمال وجنوب فرنسا والولايات المتحدة وبقية أوروبا، بينما لم تحصل على أي مقعد في منطقة العالم العربي وإفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا.
** حركة البناء.. صعود صاروخي
لم تكن حركة البناء ينظر لها سوى ضمن الحركات المنشقة عن حركة مجتمع السلم، والتي تفتقد لشخصية كارزمية، وكان من المتوقع أن تلقى مصير حركة التغيير، بالاندماج في الحركة الأم، أو الاندثار مثلما يحدث لحركتي النهضة والإصلاح.
وحاولت حركة البناء، التي تأسست في 2014، تفادي هذا السيناريو، فتحالفت مع جبهة العدالة والتنمية بقيادة جاب الله، وحركة النهضة، وحصل ثلاثتهم على كتلة برلمانية من 15 نائبا.
لكن في 2019، حدثت مفاجأة، بعد أن تحولت حركة البناء من حزب يقاتل من أجل البقاء، إلى قوة سياسية تنافس الكبار.
حيث جرى تغيير على رأس قيادتها فاستبدل رئيسها التاريخي مصطفى بلمهدي، وعُيّن بدلا منه أحد صقورها وزير السياحة السابق عبد القادر بن قرينة.
وساعد الحظ بن قرينة، عندما ترشح لرئاسيات 2019 ممثلا وحيدا عن التيار الإسلامي، وأيضا عن كامل ولايات الجنوب الشرقي والغربي، وفرض نفسه بشخصيته المميزة وتصريحاته المثيرة للجدل، فحقق مفاجأة كبيرة عندما حصد مليون ونصف مليون صوت، وحلّ ثانيا بعد المرشح عبد المجيد تبون، الذي أصبح رئيسا.
واعتبر بن قرينة، هذه النتيجة دليلا على أن حزبه الصغير أصبح “القوة السياسية الثانية” في البلاد، وجاءت تشريعيات 2021، لتثبت عدم صحة ذلك حيث حلّ حزبه في المرتبة السادسة بين الكتل البرلمانية والخامس بين الأحزاب.
لكن حصول حركة البناء على 40 مقعدا كان مفاجأة حقيقية، خاصة عندما اكتسح جميع مقاعد ولاية مستغانم الساحلية والهامة بالغرب الجزائري، وأخذ جميع مقاعدها الثمانية.
وعلى عكس مقري الذي يفضل قيادة المعارضة، فإن المشاركة في الحكومة خيار استراتيجي لحركة البناء، ومن الأسباب التي أدت إلى انشقاق عدد من قادتها عن حركة مجتمع السلم.
لذلك ليس من المستبعد أن تشكل حركة البناء حزاما برلمانيا داعما لحكومة الرئيس المقبلة.
** اندثار التيار النهضوي
أسوأ نتيجة حققتها الأحزاب، التي ولدت من رحم حركة النهضة، كانت في هذه الانتخابات.
فبعد أن كان التيار النهضوي من بين الأحزاب الأربعة الكبار طيلة عشرية كاملة (1997-2007)، تراجعت نتائجه بشكل كارثي خلال السنوات الأخيرة.
وانشطر الحزب الواحد إلى أربعة أحزاب، وكان الصدام بينهم حادا ومدمرا للجميع، خاصة في 2007، عندما تشكلت حركة تقويمية أطاحت بجاب الله، من رئاسة حركة الإصلاح الوطني.
ومنذ ذلك التاريخ فقدَ التيار النهضوي ثقله وتأثيره، حتى في مناطق نفوذه التقليدية في الشرق الجزائري، مثل عنابة وقسنطينة وسكيكدة وسوق اهراس.
وبدأ نشاط التيار النهضوي، في سبعينيات القرن الماضي، بقيادة جاب الله، قبل أن يتحول إلى حزب سياسي في 1990 تحت اسم “حركة النهضة الإسلامية”، بعد سماح السلطة بتعدد الأحزاب إثر تعديل الدستور في 1989.
وخرج من رحم حركة النهضة (عقب حذف كلمة إسلامية)، كل من حركة الإصلاح، وجبهة العدالة والتنمية، وجبهة الجزائر الجديدة.
وفي برلمانيات 2021، لم يتحصل حزب جاب الله (العدالة والتنمية) سوى على مقعدين فقط، بالرغم من أنه كان قريبا من الحراك الشعبي، وداعما له، لكنه راح ضحية المقاطعة التي حذر منها خلال الحملة الانتخابية.
أما جبهة الجزائر الجديدة، التي يقودها الإسلامي الأمازيغي جمال بن عبد السلام، فلم تحقق سوى مقعد واحد فقط، وهي نفس نتيجة انتخابات 2017، رغم محاولتها الانفتاح على مثقفين وكوادر من خارج التيار الإسلامي.
لكن مصيبة حركتي النهضة والإصلاح، كانت أشد وقعا، بعدما لم يحصلا على أي مقعد، لأول مرة منذ تأسيسهما، ودخلا قاموس الأحزاب المجهرية، مما قد يؤدي إلى انحلالهما أو اندماجهما في أحزاب أخرى.
فتشريعيات 2021، لم تنقل الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة، لكنها صعدت عاليا بأسهم التيار المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، بينما تلقت أحزاب التيار النهضوي صدمة قاسية، ستدفعها إما للتوحد أو التبدد.
(المصدر: وكالة الأناضول)