بشكل ما، تبادل الإسلاميون والحكومة المنافع، خلال الانتخابات البلدية، التي شهدتها الأردن، الثلاثاء الماضي، لكن لا يمكن الجزم إن كانت الخطوة تمهد لمصالحة، ولو نسبية، أم يرتد الطرفان إلى سنواتهما المضطربة؟
واليوم، تتباهى الدوائر الرسمية، بـ”الشفافية” التي لازمت هذه الانتخابات، بعدما كانت سابقاتها عرضة لمزاعم التزوير، وسط إشادة نادرة من الإسلاميين أيضا، بـ”نزاهتها”.
فالسلاسة التي لازمت الاقتراع المحلي، تمهد، على الأرجح، لإعادة الثقة في العملية الانتخابية برمتها، لا سيما مع الديناميكية النسبية، التي لازمت الانتخابات النيابية، في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وإن كانت الحكومة الرابح الأكبر في الانتخابات، فإن الإسلاميين، الذين يقودون التحالف الوطني للإصلاح، يأتون بعدها مباشرة، في قائمة المكاسب، إذ فاز نصف مرشحيهم، وفقا لأرقام أولية.
** المنقذ الجماهيري
التيار الإسلامي، بحسب مراقبين، بدا كمنقذ للعملية الانتخابية، بمشاركته الفاعلة، والتي بدونه، كانت ستفقد الانتخابات الزخم الجماهيري، من واقع مستويات الاقتراع المنخفضة، سابقا.
وحتى مع مشاركة الإسلاميين، بعد مقاطعة امتدت لـ 14 عاما، لم تتعد نسبة المشاركة في انتخابات المجالس البلدية واللامركزية 31.71 %، طبقا لأرقام الهيئة المستقلة للانتخابات.
وسجلت محافظة عجلون (شمال) النسبة الأعلى، بواقع 62.81 %، في حين سجلت العاصمة عمّان النسبة الأقل، بواقع 16.8 %.
وبغض النظر عن نتائج الاقتراع، توضح الأرقام الكلية أن ثلثي من يحق لهم التصويت، لم يشاركوا في العملية، وإن تفاوتت أسبابها، من مقاطعة متعمدة إلى عدم اكتراث.
وتعد هذه الانتخابات، الأولى من نوعها، بعد إقرار قانون “اللامركزية”، في 2015، والذي أُوجدت بموجبه، إدارات محلية للمحافظات.
ووفق القانون، سيكون في كل محافظة من المحافظات الـ 12 مجلسان، “المجلس التنفيذي”، الذي تعينه الحكومة ويرأسه المحافظ، ومجلس المحافظة، الذي يختار الناخبون 75% من أعضائه، وتُعين الحكومة البقية.
ويتولى المجلس التنفيذي، إعداد مشاريع الخطط الاستراتيجية ومشروع موازنة المحافظة، علاوة على أسس عمل الأجهزة الإدارية والتنفيذية، في المحافظة.
وبالمقابل، فإن هذا المجلس ملزم بتقديم خطته وتوصياته إلى مجلس المحافظة، كجهة تشريعية، لإقرارها ومراقبة تنفيذها.
وكان 6 آلاف و622 مرشحا، قد تنافسوا على ألفين و109 مقاعد في المجالس البلدية، و350 في مجالس المحافظات.
** ولاءات عشائرية
وإن كان فوز أغلب المرشحين يعود لولاءات عشائرية، وليس سياسية، نجح الإسلاميون في حصد 76 مقعدا، أي نحو نصف مرشحيهم، البالغين 154 مرشحا، بينهم 11 سيدة.
والأربعاء الماضي، قال مراد العضايلة، رئيس لجنة الانتخابات في حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، للأناضول، إن تحالفهم فاز برئاسة 3 بلديات من أصل 6 نافسوا عليها.
ومن بين هذه المناصب الثلاثة، رئاسة بلدية “الزرقاء”، ثاني أكبر المدن الأردنية، بعد العاصمة عمان.
كما دعم التحالف فوز ثلاثة رؤساء بلديات، لم يكونوا على قوائم مرشحيهم، وفقا لما أورده بيان “النصر”، الذي أذاعه “التحالف الوطني للإصلاح”، الاسم الجديد المتداول، عوضا عن “جماعة الإخوان المسلمين”.
واستحوذ التحالف كذلك، على 25 مقعدا في مجالس المحافظات اللامركزية، من 48 مرشحا قدمهم للمنافسة، وخمسة مقاعد في مجلس عمّان الكبرى، من أصل 12 مرشحا إسلاميا.
وعلى مستوى المجالس البلدية، فاز الإسلاميون بـ 41 مقعدا من أصل 88 مقعدا ترشحوا لها.
وكان تحالف الإسلاميين قد فاز بـ 15 مقعدا، من أصل 130، في الانتخابات النيابية، التي أجريت العام الماضي، بعد مقاطعتها في 2010، و2013، احتجاجا على نظام “الصوت الواحد”، ومؤشرات “التزوير”.
** براغماتية الرسائل
وفي حين أتاحت الانتخابات فرصة للتحالف كيما يختبر شعبيته، وفاعليته التنظيمية، وسط ما يقول إنها محاولات لـ”إقصائه” من العملية السياسية، غابت بقية الفصائل الإسلامية، بما في ذلك المنشقة عن الجماعة الرئيسة.
وبهذه المعطيات، بدت الحكومة والإسلاميون، وكأنهما يتبادلان المنافع، على نحو ما، إذ سمحت الأولى لخصومها بالعودة التدريجية للمشهد السياسي.
وبالمقابل، امتدح التحالف، في خطوة نادرة، الحكومة، من خلال بيانه الذي أعلن فيه فوز مرشحيه، حيث وصف يوم الاقتراع بأنه “يوم وطني مشهود، رسم فيه الأردنيون لوحة ديمقراطية مشرقة”.
لكن السؤال إن كان هذا التبادل البراغماتي، نهاية حقبة عدائية، أو على الأقل مضطربة، لصالح حقبة تصالحية؟
وفي معرض إجابته على السؤال الذي طرحته عليه الأناضول، قال، “بدر الماضي”، أستاذ العلوم السياسية، في الجامعة الأردنية، إن الطرفين “يمرران رسائل إيجابية، دون تحول إستراتيجي في العلاقة التي تحكمهما”.
لكنه استدرك “هناك تطورات داخلية وإقليمية ودولية، تستدعي من الأردن العمل على توحيد الجبهة الداخلية، لاستقرار البلد، إذا ما تبدلت تحالفات المنطقة، التي تحكم سلوك الدول، منذ سنوات”.
ويعتقد الأكاديمي الأردني أن الحكومة تريد من الحركة الإسلامية عكس وجهة نظر الدولة “المتوازنة” تجاه كثير من القضايا.
وبالمقابل، تريد الحكومة أن تقول للحركة الاسلامية إن “النموذج الأردني في التعامل معها، تحكمه ظروف خاصة، ولا يمكن سحب النماذج الأخرى، في المنطقة، عليه”.
وبالنسبة إلى خبير الجماعات الإسلامية، حسن هنية، فإن فوز تحالف الإسلاميين يعد “شهادة على قوة وتماسك المنظومة الإخوانية”.
وفي تعليقه للأناضول، جزم هنية بأن “الكل يعرف أن الإخوان هم القوة السياسية الأكبر في البلاد، حتى لو كانوا مختلفين معهم ، فهم الأكثر تنظيما والأكثر حشدا”.
لكنه استبعد سعي الدولة الأردنية إلى إدماج الإخوان في العملية السياسية، وإنما “نوع من شرعنة هذه الانتخابات، بمشاركتهم”.
(المصدر: وكالة الأناضول)