الإسلاميون بين الثوابت والمتغيرات.. التطبيع نموذجا!!
أثار مشهد توقيع رئيس وزراء المغرب الدكتور سعد الدين العثماني لوثيقة الاتفاق على التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني، نقاشا وجدلا، منذ ظهور العثماني منذ أيام يبرر موقف المغرب، ثم بعدها يظهر في حفل التوقيع، واختلف الإسلاميون وغيرهم حول ما قام به العثماني وحزبه، ما بين مبرر ومدافع، وبين معارض ومهاجم. وهو ما يطرح تساؤلات ووقفات عدة، حول الثوابت والمتغيرات عند الإسلاميين.
التطبيع الذي كتب العثماني نفسه يهاجمه ويرفضه، ويعتبر رفضه ثابتا لا يتغير، وموقفا صلبا لن يلين، وكان معه إسلاميو المغرب المؤيدون للعثماني أو المبررون له الآن. وما يأسف له الإنسان في النقاشات الدائرة أن نجد من بين المدافعين من يدافع من باب الحرص على دولته، أو فصيله، متناسيا أن الأمر يتعلق بالأمة، وبمقدساتها، ولا يتعلق بالدولة القومية فقط.
وهو ما يوقع الناس في حيرة من موقف الإسلاميين المدافعين عن خطورة التطبيع في المغرب أو غيره، ما معيار الثبات والتغير، وكيف تحول ما كان ثابتا لسنوات طويلة، بل لعقود في أدبيات الإسلاميين، إلى متغير، وللقابلية للتفاهم والتفاوض والنقاش.
باعتقادي أن هناك أسبابا وراء هذا الاهتزاز الكبير في الطرح والأداء لدى الكثير من الإسلاميين بوجه عام، في مثل هذه المسائل، ولعل أهم سبب: هو خلو أدبيات الإسلاميين ـ وبخاصة التنظيميين ـ من التمييز الدقيق بين ما هو ثابت، وما هو متغير، ومعايير الثبات والتغير، سواء في السياسة أو في العمل الدعوي.
والخطأ الثاني من الأخطاء التي أدت إلى هذا التخبط في الأداء في مسألة التطبيع وغيرها من السياسات: أن مكتبة الإسلاميين السياسية في هذه الجوانب فقيرة، إن لم تكن معدمة، فلا نكاد نعثر على كتاب نظر وأصل للفكر السياسي، والدولة التي يدعو إليها الإخوان، أو الإسلاميون، اللهم إلا كلاما عاما وعظيا، عن حكم إقامة الدولة، لكن ما معالم هذه الدولة، ما حدودها، ما علاقتها بمن حولها، ما موقفها من القضايا الحرجة الداخلية والخارجية؟ لا نجد إجابة.
تخلو مكتبة الإسلاميين من مراجع، أو كتابات، ونعني هنا بالإسلاميين أي التنظيميين أو الحزبيين، وبخاصة في المشرق، فلا تكاد تظفر بكتابة منهجية، أو واضحة للمواقف التي هي مثار جدل ونقاش، فمثلا كان كل المرشحين المصريين من الإسلاميين يتم سؤالهم بعد ثورة يناير عند الترشح للرئاسة، سؤالين مهمين: الأول: ما الموقف من معاهدة كامب ديفيد والعلاقة مع إسرائيل؟ والثاني: كيف ستتعامل مع الجيش وهو يمتلك القرار واقتصاد الدولة المصرية؟
التطبيع الذي كتب العثماني نفسه يهاجمه ويرفضه، ويعتبر رفضه ثابتا لا يتغير، وموقفا صلبا لن يلين، وكان معه إسلاميو المغرب المؤيدين للعثماني أو المبررين له الآن. وما يأسف له الإنسان في النقاشات الدائرة أن نجد من بين المدافعين من يدافع من باب الحرص على دولته، أو فصيله، متناسيا أن الأمر يتعلق بالأمة، وبمقدساتها، ولا يتعلق بالدولة القومية فقط.
للأسف كانت معظم الإجابات ربما تقبل من مرشح رئاسي، يغازل الصناديق الانتخابية، ولكنها إجابات لا تصمد أمام واقع موجود، وقد وجه هذا السؤال للشيخ حازم أبو إسماعيل فك الله أسره، فأراد الهروب بذكاء من السؤال فقال: لكل حادثة حديث!! وهي إجابة تصلح في درس مسجدي، لكنها لا تصلح لمن يدخل السياسة، فإذا لم يكن هذا هو وقت الحديث، فمتى؟!
قد يرد علي أحد فيقول: يوجد كتابات سياسية في الفقه السياسي للإسلاميين، وهو كلام صحيح، لكنه للإسلاميين المستقلين، الذين ليسوا محسوبين على الفصيل الذي يسعى للحكم، ويعد العدة له، وكتاباتهم غير معتبرة ولا معترف بها في التنظيمات الإسلامية، إلا من باب القراءات الحرة، التي أحيانا ينظر لقارئها ومتبنيها بريبة داخل التنظيمات.
وما يقال عن الأدبيات عند الإسلاميين، يقال عن التجارب السياسية، فليس لديهم أدبيات، وليس لديهم تجربة للحكم، ولا دراية بمسالكه، وهو ما لاحظه الأستاذ محب الدين الخطيب، عندما مارس الإمام الشهيد حسن البنا السياسة في أربعينيات القرن العشرين، ودخل الانتخابات البرلمانية في مصر وسوريا، وفوجئ بإحجام الخطيب عن مشروع الإخوان السياسي، وقد كان مقداما في دعم مشروعهم الدعوي، والتقى به البنا، وسأله، فبين له الخطأ الكبير الذي وقع فيه، وهو أنه دخل السياسة الحزبية والعملية دون تدريب، ودون دخول لها من باب الممارسة المتئدة، وهو حوار ثري نشرته من قبل في سلسلة مقالات كتبتها على عربي21 بعنوان: الإخوان والنقد، فليرجع إليه.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه الأخطاء إن لم تكن خطايا سياسية (التطبيع وغيره)، هو وجود أدبيات تتحدث عن مصطلحات كبيرة، ولكن لا وجود لها إلا في رؤوس الناس، تقال داخل اللقاءات التنظيمية، وفي النشرات العامة، بينما في الواقع التطبيقي لا وجود لها، مثل مصطلح: الأمة، وأستاذية العالم، بينما في الحقيقة التنظيمات تعمل بطريقة قطرية محلية فقط، فلا يهتمون إلا ببلدهم، ولا يفكرون إلا في حدوده.
بل تحاسب الحركة الإسلامية على كيانات وهمية لا وجود لها، مثل: التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهو لا وجود له حقيقة، سوى على الورق، وحتى وقت عمله، فقد كان نموذجا سيئا لعمل إسلامي، فيكفي أن نعرف طبيعة تكوينه لنحكم بأنه لن يأتي من ورائه أي تكوين سياسي ولا دعوي رشيد، فهو مكون من (13) عضوا، يتم انتخاب خمسة أعضاء من جميع الدول من الإخوان المسلمين، وبقية الأعضاء (8) يتم تعيينهم من المرشد، وأن يكونوا من بلد المرشد!! فهل مثل هذا التكوين سيتربى على الاختيار والشورى، والتربية السياسية السوية؟!
ومن أخطر الأسباب التي نراها وراء هذا التخبط والاهتزاز في الأداء السياسي للإسلاميين: شبح إنقلاب مصر على الإخوان، فقد أصبح فزاعة تأتي لإسلاميي بقية الدول في يقظتهم ومنامهم، وكأنه قدر لازب لا فكاك منه، وهو وهم للأسف، فحدثوني أين نجحت الإمارات والسعودية في مكان آخر غير مصر مع عسكرها في الانقلاب على التجربة الديمقراطية؟ لم تنجح، لا في اليمن، ولا سوريا، ولا ليبيا، ولا غيرها، فشل يتبعه فشل، وخيبة أمل تتبعها خيبات أمل، وقد كان من أهم أسباب نجاحها: أخطاء القائمين على التجربة، وأخطاء آخرين معهم من الثوار.
ربما خرجت عن إطار الحديث الأصلي، وهو الحديث عن التطبيع، والموقف منه، لكن الردود التي تمت من مفكرين وكتاب على قضية التطبيع سواء في المغرب أو غيرها، تكفي في هذا الجانب، ونرى أن البحث عن الأسباب التي أدت لهذا المشهد المهترئ والأداء المهزوز من الإسلاميين، هو ما كان يحتاج منا لحديث، وهو حديث مختصر، يمكن شرح كل فقرة فيه في مساحة أكبر، لكن الإشارة تكفي، وربما وجدنا أسبابا أخرى، من المهم أن نقف عليها، وهذا الطرح مهم حتى نقف على أرض صلبة، نميز فيها بين الثابت الذي نتمسك به مهما كلفنا، والمتغير الذي يقبل النقاش والحوار والتفاوض، وفق معايير واضحة ومنهجية، وليست متروكة لسياسي هنا، أو هناك، كل حسب موقفه وتوجهه، وحسب تبريره.
(المصدر: عربي21)