الإســـلام الذي يراد لنا؟
بقلم أ. لخضر لقدي
في غفلة من المسلمين يحيك أعداء الإسلام الدسائس والمؤامرات ليلا ونهاراً، سراً وجهارا، غايتهم طمس معالم الدين، وإبقاء المسلمين يعيشون التبعية والتخلف جثثا هامدة لا هي ميتة تماما ولا هي متحركة تنبض بالحياة.
وحياة المسلمين بهذه الصورة تحقق مكاسب الأعداء الدنيئة، وأغراضهم المشبوهة، فيمتصون الدماء ويستغلون الخيرات تماما كما يُفْعَلُ بمن مات سريريا يبقيه الأطباء حيا تحت الأجهزة الاصطناعية ريثما تستأصل أعضاؤه ويستفاد منها.
ومن أجل نزع مقومات الحياة من الأمة الإسلامية، عمل الأعداء على إذكاء الصراعات، وتفجير التناقضات، وسلب الثروات.
واهتدوا أخيرا إلى محاولة تغيير العالم الإسلامي فكرياً عن طريق التأثير المباشر على الدين الإسلامي وبفعل أيدٍ إسلامية.
وقد نشطت مراكزهم البحثية ودراساتهم الاستراتيجية في رسم صورة الإسلام الذي يريدونه والذي يحقق مآربهم، ويؤكد ما ذكرنا التقارير المهمة التي تصدرتها مؤسسة: (راند للأبحاث والتنمية) والتي تعد من أشهر وأبرز المؤسسات البحثية في أمريكا، والتي تساهم في رسم السياسات الأمريكية في المنطقة الإسلامية.
وقد حمل تقرير مؤسسة راند RAND Corporation لعام 2007م والذي جاء عنوانه: «بناء شبكات مسلمة معتدلة Building Moderate Muslim Networks».
حمل هذا التقرير قضايا خطيرة جدا وجاء في ملخص التوصيات محاولة زرعِ إسلام جديد بتفاصيل أمريكية، وتغيير معتقدات وثقافات المسلمين من الداخل تحت دعاوى «الاعتدال».
وقد كان هذا التقرير جريئا وصريحا في تحديده للأهداف وطرق تطبيقها واقعيًّا.
ويحتاج كل مسلم صادق وكل وطني غيور إلى دراسة هذه التقارير قراءة واعية مستوعبة، ليكتشف المخططات ويحبط المؤامرات، ولا يكون كالذين يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ …وليعْتَبِر أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى والْأَبْصَارِ.
وهذه التقارير تكشف أن الولايات المتحدة والعالم الصناعي الحديث يفضل وبوضوح عالما إسلاميا متناسقا مع بقية المنظومة العالمية.
وتميز التقارير أربعة مواقف أساسية في العالم الإسلامي:
أصوليون وتقليديون يجب مواجهتهم ومعارضتهم، وحداثيون وعلمانيون يجب دعمهم وجعل آرائهم وأفكارهم في خصوص قضايا التأويل الأساسية للدين متيسرة لجمهور واسع، على حساب أفكار الأصوليين والتقليديين.
وتؤكد التقارير على أهمية الاعتناء الأمريكي بالتعاون مع المعتدلين، مع التركيز على المفكرين والأكاديميين من التحرريين والعَلْمانيين، والدعاة الجدد المعتدلين، والحركات النسائية المطالبة بالمساواة، والصحفيين والكُتّاب والمفكرين.
ومن العجيب أن هذه التقارير تؤكد على أمرين:
الأول: اعتبار الاتجاه الصوفي معتدلا ويقول بوضوح إن التيار المعتدل هم من يزورون الأضرحة والمتصوفون ومن لا يجتهدون، ويوصي بضرورة دعم الاتجاه الصوفي، واستعادة تفسيرات الإسلام من أيدي التيار الإسلامي، ويوصي التقرير أن يُستخدم التيار التقليدي والصوفي في مواجهة الإسلام السياسي.
الثاني: احتواء السلفية والسلفيين، وتبين التقارير أنه لا يمكن احتواء الفكر السلفي إلا بعد احتواء حامليه، أو على الأقل احتواء عدد مؤثر منهم، وهذا ما يحدث الآن في عدة بلدان إسلامية، إذ تجد بعضا من هذه التيارت السلفية نشأت وترعرت ونمت على أعين ضباط المخابرات، وهي تدعو صراحة إلى طاعة الحاكم مطلقا وتبرر له سياساته، ولا تخالفه في أمر ولا نهي.
ومن الظلم اعتبار الصوفية أو السلفية بكل رجالها ومدارسها وأطيافها منخرطة في هذا السعي وهذا المخطط فمن الصوفية كما من السلفية العلماء والمصلحون والمقاومون للظلم وهم يقومون على ثغر مهم من ثغور الإسلام.
ولا تهم الأسماء ولا العناوين ولا الألقاب، فالمسلمون يمرون بمرحلة تستوجب من كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أن يسعى جاهدا لتحقيق الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية، سواءً كان صوفيا أو سلفيا سواء كان حاكما أو محكوما، رجلا أو امرأة، كبيرا أو صغيرا .
وتستوجب من كل مسلم أن يسعى لخدمة أمته، وأن لا يكون جزءا من مخطط أعدائها، ولا معولا يسعى لهدمها.
والأمة على مدار تاريخها وجدت من علمائها على مختلف مشاربهم مقاومين لأعدائها، ساعين لوحدتها، عاملين على استقرارها.
المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية