مقالاتمقالات مختارة

الإخوان فوبيا والوجه الآخر للإستبداد

الإخوان فوبيا والوجه الآخر للإستبداد

بقلم أ. عبد الرحمن بشير

تم إغلاق مركز تكوين العلماء فى موريتانيا بعد دخول حزب التواصل فى موريتانيا الإنتخابات التشريعية ، والجهوية ، وعرف النظام الحاكم قوة الحزب وحضوره فى مفاصل المجتمع ، وتم شيطنة الجمعيات العلمائية فى العالم الإسلامي ، وخاصة تلك المؤسسات الشعبية التى لها حضور فاعل فى الساحة الفكرية والدينية مثل الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقيادة العلامة القرضاوي ، وتم كذلك إعلان الحرب على الإسلام السياسي فى العالم الإسلامي ، وخاصة بعد نجاح الربيع العربي فى إسقاط بعض الرموز النظام العربي المتهالك ، ورأينا أيضا الخوف غير المبرر من بعض الأنظمة فى بعض الدول الوظيفية من التيار الإسلامي ، سواء كان التيار جزءا من المدرسة الفكرية الإخوانية ، أو من المدارس الأخرى ، كل ذلك يتم فى لحظة تتسم بالتأزم الشديد بين القيادات السياسية ، والقواعد الشعبية ، والسؤال المطروح هنا ، لماذا الخوف من الإخوان ؟

لقد تابعت منذ زمن طويل الصراع الفكري بين الأجنحة المتصارعة فى العالم الإسلامي ، فرأيت أنها أربعة أنواع :

أولا : يمثل الجناح الأول التيار الديني ، وهو ليس واقعا تحت عباءة واحدة ، فهو من مدارس فكرية ، ومناهج مختلفة ، ومن أهم المدارس ، المدرسة الشمولية ، والتى تؤمن بأن الإسلام منهج متكامل ، ولديها خطة فى الحكم ، وطموح للقيادة ، وتحاول أن تضع بدائل لكل مرحلة ، فهي مدرسة موجودة فى الخريطة الإسلامية بمسميات مختلفة ، ولكنها تعتقد بأن المستقبل مرتبط بالفكر الإسلامي ، وهذا يتطلب منها اجتهادا ، وتطويرا للخطاب ، وهناك تيارات كثيرة ، البعض منها منتم للسلفية ، والسلفية اليوم ألوان لا تكاد تحصى ، وفى الساحة كثير من التيارات الصوفية ، والفكرية .

ثانيا : التيار العلماني ، وهو أيضا ليس تيارا واحدا ، أو منضويا تحت مدرسة واحدة ، فهو علماني الفكر ، ولكن للبعض منه رؤية ليبرالية ، كما أن للبعض منه رؤية إشتراكية ، ووجدت أن البعض من هذا التيار قومي الهوى ، ولكنك تجد بعد الفحص بأن التيار العلماني ليس تيارا بسيطا ، بل هو تيار مركب ، ومتداخل ، العلماني القومي مع العلماني الليبرالي ، والعلماني الليبرالي مع العلماني القومي .

ثالثا : يمثل الجناح الثالث التيار المعد للبيع ، فهو تيار بلا لون ، ولكنه مستعد للتلون ، فهو إسلامي حين يرى نجاح المشروع الإسلامي ، وعلماني حين يلاحظ بأن المشروع الإسلامي مُحارب ، وقد يكون صهيونيا عربيا إذا ما لاحظ أن التجارة مع هذا رابح .
يسمى البعض هذا التيار بالمنافق ، والمصلحي ، وهذا صحيح إلى درجة بعيدة ، ذلك لأن هذا التيار موجود فى كل الجماعات ، وفى كل التيارات ، والغريب ، أنه يكون إسلاميا بلا سقف حين يجد الشارع ساخنا مع الإسلام السياسي ، وفجأة يتحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين إذا لاحظ تراجعا فى الشارع ، فهو بلا قيم سياسية ، ولديه حضور فى التيار العلماني ، فكان موجودا بقوة فى لحظة الإشتراكية ، وكان له خطاب إستراكي ، ولكن بلا مقدمات ، وبدون مراجعات تحول من الإشتراكية إلى الليبرالية بعد سقوط الإتحاد السوفيتي .

رابعا : يمثل الجناح الرابع ، سدنة النظام الرسمي ، ذلك التيار المسبّح بحمد الحاكم ، والذى يقدم كل التبريرات فى بقاء النظام السياسي العربي والإسلامي ، وهو من أسوأ الأنظمة فى العالم حيث يجمع فى داخله العمالة الخارجية بلا حدود ، والإستبداد فى الداخل بلا سقف ، فهذا النوع من الحكم له سدنة من المتعلمين والمثقفين .

لاحظ النظام السياسي الدولي الذى لا يريد أن يتحرر العالم العربي من التبعية بأن القوة الرئيسيّة فى العالم العربي والإسلامي ، والتى تملك مشروعا فكريا من شأنه إقناع الجمهور والنخب معا تتمثل فى التيار الإسلامي ، وخاصة ذلك التيار الذى يُؤْمِّن فى مساره ثلاثة أمور :

١ – فى خطاب هذا التيار الجمع بين الأصالة والمعاصرة ، فليس لديه عقدة مع الديمقراطية ، والحريات ، ومراعاة حقوق الإنسان ، وحقوق المرأة ، وحقوق الأقليات ، والغريب أن هذا التيار يملك الجرأة فى التنقيب ، والقوة فى الطرح ، وحسن الإختيار فى أقوال التراث ، وفقه التعامل مع المتغيرات دون أن يفقد البوصلة ، والخصوصية .

٢ – يملك هذا التيار شعبية جارفة فى كل الخريطة الإسلامية ، فهو ليس تيارا جامدا ، ولا نخبويا ، كما أنه ليس من التيارات التى شاخت ، وتجاوزها الزمن ، فهو تيار حركي ، ومتفاعل مع كل الأجيال .

٣ – يملك التيار الإسلامي جملة من الشروط التى تجعله ناجحا ، ومن هذه الشروط وجود فكرة التنظيم ، والتخطيط عنده ، والإنفتاح المشروط مع ثقافات الآخرين ، وعدم الخوف من التجديد ، والعمل السياسي بالشروط الموضوعية ، والذهاب إلى السوق بدون خوف ، كل ذلك جعل مشروع الحركة الإسلامية ناجحا فى كل الإنتخابات ، فهذا التيار يسجل حضورا متباينا ، فقد حقق الفوز فى تركيا وحيدا فى الإنتخابات التشريعية والرئاسية ، كما حقق نجاحا ملحوظا فى المغرب ، وفى تونس ، وماليزيا ، وأندونسيا ، ومصر ، والأردن .

من يخاف من التيار الإسلامي ؟
……………………………………
إن الخوف حالة طبيعية ، ولكن المشكلة هنا فى العالم الإسلامي ليست محصورة فى الخوف فقط ، بل الهلع من الإسلام السياسي ، ومرة أخرى ، المشكلة ليست فى الإخوان ، ولا فى الحركة الإسلامية المعاصرة ، بل الخوف هو التغيير ، والتغيير هنا مرتبط بالحالة الثقافية والسياسية فى العالم الإسلامي ، لأن كل المؤشرات تؤكد بأن لا ثبات فى المنطقة ، وأن القوة الوحيدة المؤهلة لملء أي فراغ محتمل تتمثل بالتيار الإسلامي الوسطي والمعتدل ، ومن هنا فلا بد من إعلان حرب شاملة على المنطقة .

كتب الدكتور مراد هوفمان كتابه المثير ( الإسلام فى القرن الواحد والعشرين ) وبيّن فيه أن النظام الوحيد الذى يملك استجابة حقيقية لمشكلات العصر هو الإسلام ، ذلك لأن الأنظمة السياسية الأخرى استنفذت أغراضها ، ولا تملك فى جعبتها حلولا واقعية ، وليس وحده هو من قام بتبشير الإسلام كمرجعية فكرية ، بل هناك أكثر من دراسة ، وتحليل ، ولكن الخائفين من التغيير صنعوا لإيقاف تقدم المشروع الإسلامي حالتين خطيرتين :

أولا : تم صناعة التيار المتشدد ، والذى يقوم بتشويه صورة الإسلام الحضارية فى التطبيق الأسوأ فى التاريخ ، ورأينا نماذج من هذا التشويه فى حركات العنف فى اليمن ، وليبيا ، وسوريا والعراق ، وأفغانستان ، والصومال ، وهذا يدل على أن تلك الأعمال فى ظهورها المفاجئ حينا ، وانتشار تلك الحركات بقوة وسرعة بالغتين حينا آخر وجود تخطيط وراءها .

ثانيا : الربط المتعمد بين هذه التيارات ، والتيار الوسطي ، وإعلان الحرب على الجميع بدون تفرقة ، يدل أيضا على أن النظام العربي الرسمي المتهالك ، والخائف ، ومن وراءه يخاف من الديمقراطية ، والتغيير ، واليوم قلّ نصير الشعوب والتغيير ، ولَم يبق فى الساحة كقوة تأثير إلا التيار الإسلامي .

هناك ثلاثة جهات تخاف من التيار الإسلامي ، وهي مترابطة فيما بينها لمحاربة الديمقراطية من خلال التيار الإسلامي وهي ، الأنظمة الرسمية ، والتى تعيش فى الخوف من ارتدادات الربيع العربي مرة أخرى ، وقد لاحظوا كيف تهاوت أصنام العصر أمام عدسات الكاميرات فى لحظة واحدة ، والقوى الدولية ( الإستعمار ) ، والتى تستخدم بعض الدول فى المنطقة كوقود ( الدول الوظيفية ) ، أما الجهة الثالثة فهي المتنفعة بوجود هذه الأنظمة ، وهي خليط من رجال الحكم ، والمال ، وسدنة العلمانية بلا فقه والذين لا يستطيعون العيش فى المناخ الصحي ، والديمقراطي .

لا حل فى الخوف ، ولا مستقبل للخائفين من التغيير ، لأن الحياة لا تتوقف لأحد ، قد تتعثر قليلا ، وقد تنجح بعض المحاولات مؤقتا ، ولكن لا نجاح لقوة قاهرة فارغة من الفكر ، فالفكر لا ينهزم أمام جحافل القوة ، ولكنه يعدّل سلوكه بمواجهة الفكر ، وصناعة المناخ الصحي ، وما يكون ناجحا فى بلد نفظي ، قليل السكان ، مكتظ بالأجانب ( أبوظبي ) نموذجا ، لن يكون ناجحا فى بلاد ذات رسوخ فى الحضارة ، فيها سكان بدو ، وحضر ( موريتانيا ) نموذجا .

إن الخلط فى مواجهة التيار الإسلامي بين الفكر والسياسة فشل منهجي ، ولهذا يجب أن يعرف الناس أن الناس ليسوا سواء فى التجاوز والإستيعاب ، فَلَو نجح المال الخليجي استيعاب بعض الرموز الدينية مع جلالة مواقعهم الدينية ، فإن ثمة رموز دينية ليسوا محل بيع ، أو شراء ، فإن الدكتور الشيخ محمد الحسن الددو بما يملك من سعة علم ، وثقافة ، ورؤية ، وبما حباه الله من حضور غير عادي فى قلوب المحبين فى العالم كله ، وبما حقق فى السابق من تأصيل للأراء الفقهية التى تبنتها مدارس المدخلية بما يتفق مع أهواء الحكام ،كل ذلك يجعل هذا العالم وأمثاله جبالا راسيات أمام الزحف العبثي فى زمن الغربة .

وفى مقال قادم ، سنقف مع العلامة الددو وفقهه ، وأفكاره حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفكر والسياسة ، فهذا درس لا بد منه ، ذلك لأن البعض لا يعرف خيوط الفصل والوصل ما بين الفكر والسياسة .

(المصدر: صفحة أ. عبد الرحمن بشير على الفيسبوك)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى