الإبهاج بمختصر ترجمة الشيخ محمَّد أمين سراج (2)
كاتب الترجمة: محمد أيوب العلي
رحلاته وتطوافه في البلاد:
كانت أول رحلاته خارج تركيا إلى الأزهر الشريف، وكانت 1950م؛ والشيخ بعمر العشرين (تقريباً)، ودامت نحواً من ثماني سنوات، ثم توالت الرحلات إلى البلدان العربية والإسلامية، وخاصة للحج والعمرة وحضور المؤتمرات فيها، كمؤتمرات رابطة
علماء العالم الإسلامي والمجامع الفقهية.. فزار خلالها: بلاد الحرمين الشريفين والشام الشريف والهند وغيرها.
أما دمشق: فقد زارها أكثر من مرة، بدعوة من صديقه محدِّث الشام العلامة الشيخ نورالدِّين عتر، والتقى بعدد من علمائها، منهم: علامة الشام الشيخ عبد الرزاق الحلبي والعلامة الشيخ وهبي سليمان غاوجي الألباني والعلامة الشيخ محمَّد ديب الكلاس وغيرهم.
ومن هذه الزيارات زيارة حدثني عنها العالم الفاضل الشيخ محمَّد فاتح قايا: قال فيها: كنا مع شيخنا قرابة خمسة من المشايخ الكرام، منهم: حمدي أرسلان، ومحمَّد فاتح قايا، ومحمَّد بيلار، وعلي يوركون، ومحمود آي.. وغيرهم.
ثم قال: وبقينا في دمشق نحو خمس ليال، ذهبنا فيها إلى نوى (بلدة الإمام النووي) لزيارة الإمام النووي، وبعد الرجوع من الزيارة دعانا الشيخ محمِّد كريم راجح (شيخ قرَّاء الشام) -حفظه الله- لتناول الطعام في مزرعة أحد طلابه المحبين، واسمه محمَّد، وكانت على طريق نوى دمشق، فاستقبلونا أكرم استقبال، وأضافونا خير ضيافة، وبقينا فيها نحواً من ثلاث ساعات.. حتى قال الشيخ فاتح: كان يوماً مشهوداً (1).
ثم زاروا مسجد سيدنا زيد بن ثابت، حيث الشيخ سارية بن الشيخ عبد الكريم الرفاعي – حفظه الله وشفاه- وبقوا في ضيافته في المسجد المذكور مدة.
ثم زاروا في هذه الرحلة أيضاً: العلامة الشيخ محمَّد ديب بن أحمد الكلاس، وحصل فيها من السرور والبركة الكثير الطيب، واستجاز الشيخ السراج والشيخ حمدي الشيخ أديباً، فأجاز الجميع وكتب بذلك.
ثم زاروا العلامة الشيخ وهبي سليمان غاوجي الألباني، وبقوا في ضيافته مدة.
ثم زاروا – ليلاً – العلامة الشيخ نور الدِّين عتر، وأُقيم في هذه الليلة قراءة للمولد النبوي الشريف، حضره الجميع إلا الشيخ فاتح قايا؛ فقد حصل عذر منعه من تلك الزيارة.
ثم دعاهم الشيخ حسام الدِّين بن الشيخ محمَّد صالح الفرفور، فذهب الشيخ محمَّد أمين سراج فقط. (2)
أعماله وتدريسه:
تصدَّر للتَّدريس في جامع الفاتح، حيث كانت دراسته ودراسة شيوخ الإسلام مِن قبل وتدريسهم، وكان أيضاً مرتع طلاب العِلْم وموئلهم، بل كان إحدى الجامعات التي تفخر الدولة العثمانية بتخريج طلابه..
فكان مدرساً فيه لعلوم الشرع الشريف، كالقرآن الكريم وتفسيره، والحديث الشريف وأصوله، والسيرة والشمائل، والفقه الحنفي، والأخلاق والرقائق، وبعض الكتب العلمية القديمة، وغيرها.. وبقي على هذه الحالة نحواً من ستين سنة، وذلك من عام 1958م حتى سنة 2018م / 1440هـ، ولم يتوقف درسه في الأحداث التركية المتتالية – من قبل الكماليين – التي مرت على البلاد عامة وإصطنبول خاصة، رغم محاربتهم للإسلام بكل وسائل السطوة والتشويه والتعذيب!
فدرَّس أول أمره في سُدَّة المُؤَذِّن، وبقي يدرِّس فيها سنوات متطاولات، ثم انتقل درسه إلى غرفة الإمام، وبقي الدَّرس فيها إلى أن أقعده كبر العُمُر مصحوباً بالمرض عن
همة التدريس ونشاطه، فلله درُّهم من رجال تَعلَّقت قلوبهم بالمساجد.
وكان مما درَّسه: رواية حفص عن عاصم وعلومها (من تجويد و وقف وابتداء ووجوه اللغة فيها)، والتفسير: تفسير القاضي البيضاوي وغيره، والحديث: الكتب الستة والموطأ، وفي الشمائل: درَّس سبع مرات كتاب الشفا للقاضي عياض، وفي الفقه: متن نور الإيضاح للشرنبلالي ومتن الإمام القدوري وملتقى الأبحر للبرهان الحلبي والهداية للإمام المرغيناني(3)، والأخلاق والتزكية: إحياء علوم الدِّين وبعض كتب الشيخ عبد الله سراج الدِّين (4).
مؤلفاته: لم يهتم الشيخ بتأليف الكتب اهتمامه بتأليف طلاب علم وعلماء وتأليف القلوب على الله، وذلك للحالة التي العصيبة التي كانت تمر بها تركيا؛ من انحلال الفكر والأخلاق وبُغضٍ للإسلام وأهله، بل وحتى مظهره، فوجب هنا على الداعية الحكيم أن يعمل على إصلاح القلوب والعقول بحنكته وحكمته، فبدأ الشيخ بالشباب من الأقارب والأحباب والجوار، فجمع الكثير ممن كاد أن يكون لقمة سائغة للكمالين من العلمانيين، وألف قلوبهم بحول الله تعالى وقوته وصيَّرهم بين طالب علم وشيخ حافظ وعالم جليل، ومن عرفه أو زاه رأى بعض آثاره.
نعم ترجم مع بعض إخوانه المشايخ الأتراك بعضاً من الكتب الإسلامية إلى اللغة التركية، وخاصة بعد استشهاد الشيخ سيد قطب، حيث ترجموا كتابه في التفسير: « في ظلال القرآن » في ستة عشر مجلداً، واستغرق هذا العمل مدة سبع سنوات(5)، كما اشتغل بعض تلاميذه بكتابة ما يقرره في دروسه ويذكره من فوائد ومسائل، جُعِلَت على شكل كناش أو مذكرة.
من مواقفه الصادعة بالحق:
في عام 1989 أصدرت مجموعة من صفوة علماء العالم الإسلامي فتوى بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين، وكان من بينهم: الشيخ محمد أمين سراج.
(1) قال الشيخ محمَّد فاتح قايا ملاطفاً: كان صاحب المزرعة لطيفاً ذا دعابة، فطلبتُ منه منشفةً، فأحضرها لي، فسبحت في حوض السباحة أمام الشيخين (محمَّد كريم راجح ومحمَّد أمين سراج).
(2) ذكرها الشيخ فياض عبسو في ترجمته المختصرة.
(3) أفادني بهذه فضيلة الشيخ خليل إبراهيم.
(4) يقول شيخنا السراج عن كتب الشيخ عبد الله سراج الدِّين: وأُدَرِّس بعض كتب العلامة الشيخ عبد الله سراج الدِّين الحلبي، ككتاب الدعاء، أدرسه لطلابي لكي يتذوقوا طعم الإيمان؛ لأنه رجل مبارك، وفي كتبه روحانية.
(5) يقول شيخنا السراج في لقاء فيديو: « حمدت ربي أكرمني أن أشرِف في ترجمة « في ظلال القرآن الكريم » في تركيا لمَّا هو استشهد هناك، نحن هنا بدأنا بترجمة استمر سبع سنين، ترجمناه ستة عشر مجلد هذا الكتاب باللغة التركية، فالحمد لله أستفيد به استفادة عظيمة » انتهى كلامه بحروفه.
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)