الإبهاج بمختصر ترجمة الشيخ محمَّد أمين سراج (1)
كاتب الترجمة: محمد أيوب العلي
كبير علماء إصطنبول(1) وشيخ جامع الفاتح (2) فيها ومُدرِّسه
اسمه ونسبه:
العلامة المسْنِد المعمَّر المنَوَّر الزاهد العارف بالله محمَّد أمين بن الشيخ المقرئ العابد الزاهد مصطفى بن أسعد بن يوسف بن القاضي علي سراج الباطومي أصلاً، التوقادي ولادةً، الإصطنبولي نشأةَ وَتَعَلُّماً وإقامةً، الأزهري دراسة وتخرجاً، مستشار البروفسور نجم الدِّين أربكان (رئيس وزراء تركيا الأسبق).
مولده ونشأته:
ولد الشيخ محمَّد أمين عام 1929م – 1930م (3) في شمال تركيا ببلد العلماء تَوْقَاد (في منطقة البحر الأسود) من تركيا (4)، وتربى في حجر والدَيْن صالحين؛ فأبوه المعلِّم المقرئ الصالح الذي حَفَّظَه القرآن الكريم صغيراً، حيث كان تعليم القرآن والعلوم الشرعية ممنوعاً في وقت حكومة الكماليين (أيام النكبة) سنة 1943م، ويعاقب أشد العقوبات من يمشي في هذا المسلك، لكن أباه لم يكن يترك ولده لظلم الطغاة، فكان يوقظه بالليل حتى لا يراه أحد، ويبدأ معه الدرس ليلاً ويخفي المصحف عن الجنود، لكن اكتشف أمره وأخذه الظلمة وسجنوه وأُوذي في الله، و ولده الشيخ محمَّد أمين مازال في صباه، حتى إذا ما أُفرج عن أبيه، هاجر إلى العلماء في إصطنبول.
يقول شيخنا سراج إصطنبول: « سجن أبي وجدّي بسبب قراءتهم القرآن الكريم وقال سراج: عندما كنا صغارا، كانت قراءة القرآن ممنوعة، أبي وجدي دخلا السجن بسبب قراءتهما القرآن الكريم، فقد مررنا بامتحانات صعبة، ولكن الآن أخرجنا الله إلى النور، فالآن في بلادنا يوجد رئيس جمهورية قارئ للقرآن الكريم ». (5)
ثم بعد وصوله إلى إصطنبول دخل جامع الفاتح والتقى بشيوخ الجامع وعلمائه، والذي كان يُعَدُّ كالجامعات في زمن الدولة العثمانية؛ وذلك لتواجد كبار علماء المشيخة الإسلامية في هيئة التدريس فيه، ناهيك عن المشايخ وطلاب العلم الشريف.
فتلقى العلم على يد بعض المشايخ والعلماء في هذا الصرح العظيم، كالشيخ محمَّد خسرو أفندي(6) (وهو من كبار مشايخ مسجد الفاتح)، ورئيس القيمين الشيخ سليمان أفندي، والعلامة الشيخ علي حيدر أفندي (من كبار المشايخ في المشيخة الإسلامية في هيئة التدريس والإفتاء)، والشيخ مصطفى لطفي أفندي، وغيرهم من داخل وخارج جامع الفاتح، وقد تلقى منهم وعليهم علوم الآلة من العلوم الشرعية والعربية، كالفقه (الحنفي): مراقي الفلاح، ومتن القدوري والهداية، وتفسير البيضاوي، وإحياء علوم الدِّين، والشفا للقاضي عياض، وصحيح البخاري والترمذي.
وأخبرني شيخنا أنه في سنة 1950 رحل إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف، فالتقى ببعض العلماء المهاجرين بدينهم من تركيا إلى مصر؛ كشيخه العلامة الناقد البصير شيخ الإسلام مصطفى صبري أفندي، عندما كان يزور الشيخ الكوثري، فخصص له بعض الدروس في يوم الخميس، ووكيلة مشيخة الإسلام العلَّامة الشيخ
محمَّد زاهد الكوثري أفندي، والذي خصص له – أيضاً – بعض الدروس يوم الجمعة؛ لحبه له (7).
وقبيل وفاة شيخه الإمام الكوثري بعشرين يوماً أجازه بما في ثبته «التحرير الوجيز فيما يبتغيه المستجيز» خاصة، وبما يجوز له عامة.
كما حضر عند جملة من كبار علماء مصر في الأزهر يومئذٍ، منهم: الشيخ حسنين محمد مخلوف، وعيسى منون، والشيخ أحمد فهمي أبوسنة، وعبد الوهاب البحيري، وغيرهم من العلماء.
ثم بعد أن سعد بالعِلْم وتحمَّله عن أهله وتخرج في كلية الشريعة بالأزهر الشريف.. رجع قافلاً إلى إصطنبول عام 1958م، رجع وقد حمل في جنباته العلم النافع والسر الرافع، وذلك بعد صحبة للأخيار الربانيين دامت ثماني سنين.
ومما يجدر ذكره: أن الشيخ دَرَسَ سنة كاملة في القضاء الشرعي، لكنه لم يكمل إلى نيل درجة العالمية فيه، إنما بقي على تخصصه العام.
(1) إصطنبول: بصاد بعد همزة، هذا الذي وصلت إليه من ضبط لهذه الكلمة – بعد الرجوع إلى المراجع-، وممن وجدته كتبها بالصاد: الإمام الكوثري وتلميذه العلامة عبد الفتاح أبي غدة، وتلميذ الأخير العلامة محمَّد عوامة… وغيرهم. وكتبها بعض المشايخ بسين بعد همزة، وفي الأمرة سعة.
(2) جامع الفاتح: أحد أشهر جوامع إصطنبول (قديماً وحديثاً)، بناه المهندسُ المعماريُ الشهير سنان باشا أو ما يسمى عند الأتراك عتيق سنان (Atik Sinan) بأمر من السلطان محمَّد الفاتح، في موقع كنيسة بيزنطية قديمة (كانت قد خُرِّبت بالحملة الصليبية الرابعة على تلك المدينة)، ضمن جامعة تمّ إنشاؤها في إصطنبول، وكان تاريخ بنائها: 1463 م، وبقي العمل في بنائها سبع سنوات، أي حتى عام 1470 م. فَضَمَّت الجامعة – إضافةً إلى لجامع – ستّ عشرة كلّيّة مع دار الشفاء، ودار الضيافة، والمكتبة، وتقع كلّها ضمن ما يُعرف اليوم بمنطقة الفاتح، لكنّ بسبب الزلزال الكبير الذي ضرب إصطنبول عام 1766م تهدَّم بشكل شبه كامل، فأعاد بناءه المعماريّ محمَّد طاهر آغا بأمر من السلطان مصطفى الثالث عام 1767م، فتمّ بناؤه بشكل مختلف كلّيّاً عمّا كان عليه، وكان الشيء الوحيد الذي بقي من الجامع القديم هو الفناء الداخليّ.
(3) أفاد تلميذه الشيخ خليل إبراهيم: المكتوب في جواز سفره 1930م، وغالباً هو تولد 1929م.
(4) محافظة توقاد Tokat Province (بالتركية: Tokat ili)، هي إحدى محافظات تركيا، وتقع في منطقة البحر الأسود عاصمتها توقاد، وتقع في الأراضي الداخلية وسط منطقة البحر الأسود، على بعد 422 كم من أنقرة.
(5) نقلته الصفحة الرسمية لأخبار
الأتراك، والمسماة: ترك بوست.
وقال أيضاً: «توصيتي للطلاب أن يتعلموا العربية وكتابتها، في الماضي جلبوا لبلادنا نظاما حرمنا من قراءة الكتب المتواجدة في مكتباتنا منذ مئات السنين، لا أعرف ماذا أقول! الناس عاجزون عن القراءة، انظروا إلى قبور أجدادهم، لا يستطيعون قراءة ما كتب على باب مسجد الفاتح».
(6)أفندي (Efendi): كلمة تُرْكيَّة كانت تُسْتعمَل كلَقَب اعتباري لموظفي الدولة والعُلَماء، أما اليوم؛ فيُخاطِب النَّاسُ بها أصحاب الفضل. قال في قاموس المعاني: أفندي: سَيِّد، وهي كلمةٌ تركيَّة أصلها يوناني، كانت تُستعمل لقبَ اعتبارٍ لأصحاب الوظائف المدنيّة والدِّينيَّة ورجال الشريعة والعلماء.
(7) ذَكر هذا الكلام الشيخ محمَّد أمين سراج في مقطع فيديو عند إجازته السيد قصي أبو السعد الرفاعي الحسيني.
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)