الإبراهيميَّة: أحد حيل نشْر الدّين العالمي الجديد 1من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
مقدّمة
يبدو أنَّ من أبرز تداعيات إبرام “اتّفاق أبراهام” للسَّلام بين عدد من الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة وإسرائيل، بداية من دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة الَّتي دشَّنت إلى ذلك الاتّفاق في 13 أغسطس 2020م، إعادة تعريف العقيدة الإيمانيَّة للمسلمين لتتوافق مع ملَّة أهل الكتاب، بحجَّة إنهاء الخلافات الدّينيَّة وتجاوُز النّزاعات الطَّائفيَّة من خلال فرْض ديانة موحَّدة على أهل الأرض، يُفترض أنَّها الرّسالة الأصليَّة لنبي الله إبراهيم (عليه السَّلام). لعجز السّياسة التَّقليديَّة عن استقطاب العامَّة، يستعين القائمون على ذلك المشروع بالقوَّة النَّاعمة، من خلال وسائل التَّأثير المتاحة عبر وسائل الإعلام، لإقناع غير الواعين بالملَّة المنحرفة الجديدة. ومن الملفت المثير للدهشة أن تجد داعية إماراتيًّا يدَّعي إمكانيَّة دمْج الإسلام مع اليهوديَّة والمسيحيَّة في ديانة اشتُق اسمها من اسم نبيّ الله إبراهيم تُسمَّى “الإبراهيميَّة”!
تأييدًا لموقف الإمارات من الكيان الصُّهيوني، انضمَّت مملكة البحرين إلى “اتّفاق أبراهام” في 11 سبتمبر 2020م، وتمَّ التَّوقيع رسميًّا عليه في احتفال مشترَك في البيت الأبيض في 15 سبتمبر 2020م. وقد نصَّ اتّفاق السَّلام البحريني-الإسرائيلي، أو لتقل الاتفاق الثُّلاثي (البحريني-الإسرائيلي-الأمريكي)، على تعزيز الجهود المتبادَلة بين الطَّرفين في سبيل “التَّحوُّل إلى شرق أوسط أفضل وزيادة الاستقرار والأمن والرَّخاء في المنطقة” (ويكيبيديا، 2021). أصبحت دولة السُّودان في 23 أكتوبر 2020م خامس دولة عربيَّة تقيم علاقات دبلوماسيَّة كاملة مع دولة الاحتلال، لتتبعها المملكة المغربيَّة في 10 ديسمبر 2020م. ومن المفارقات أنَّ زعماء الدُّول المطبّعة مع إسرائيل أكَّدوا أنَّ تسوية النّزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتكريس حلّ الدَّولتين على رأس أولويَّاتهم بعد التَّقارب الرَّسمي مع إسرائيل، برغم أنَّ بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، قد صرَّح خلال مشاركته في مؤتمر “جمعيَّة مسيحيون موحَّدون من أجل إسرائيل” في 28 يونيو 2020م بأنَّ اتّفاقيَّة ترامب للسَّلام، أو صفقة القرن، المبرمة في 28 يناير 2020م قد قوَّضت ما أطلق عليه “أوهام حلّ الدَّولتين” (روسيا اليوم، 29 يونيو 2020). يُضاف إلى ذلك أنَّ وزير الخارجيَّة الأمريكي الجديد، يهودي الدّيانة، أنتوني بلينكن، قد ذكَر أمام مجلس الشُّيوخ الأمريكي أنَّ تأسيس دولة فلسطينيَّة إلى جانب الكيان الصُّهيوني غير محتمل على المدى القريب (فرانس 24، 20 يناير 2020). من ثمَّ، فإنَّ الحلَّ الأمثل للنّزاع هو التَّعايش السَّلمي وتماهي الطَّرفين مع بعضهما بعد إنهاء أسباب الخلاف، وعلى رأسها العقيدة الإيمانيَّة. والسُّؤال: هل يمكن اندماج عقيدة أهل الكتاب مع صحيح الإسلام، برغم كثرة الثَّوابت والمُحكمات الإسلاميَّة الَّتي يهدّدها ذلك الاندماج؟ وهل الهدف الحقيقي هو استئصال شأفة الإسلام، الَّذي يراه الغرب “سرطانًا”، على حدّ وصْف سياسيَّة فرنسيَّة (الجزيرة مباشر، 18 يناير 2021)؟
1.جذور الدّين العالمي الجديد: الفلسفات القديمة والعلوم الباطنيَّة
كان الفرنسي “لويس ماسينيون” هو مَن صاغ مصطلح Abrahamic religions، أو Abrahamism، في مقاله (1949)؛ و “ماسينيون” مستشرق عمل مستشارًا لوزارة المستعمرات الفرنسيَّة في شؤون شمال أفريقيا، وكان راعيًا روحيًّا للجمعيَّات التبشيريَّة الفرنسيَّة في مصر، وكان يقصد به الإسلام واليهوديَّة والمسيحيَّة، والَّتي رآها ديانات نابعة من أصل واحد (ويكيبيديا، 2021). وأكثر مَن يتبنَّى مفهوم توحيد حُكم العالم في هذه الآونة حركة دينيَّة روحانيَّة تقوم على العادات الميتافيزيقيَّة والروحانيَّة الشرقيَّة والغربيَّة، تُعرف باسم حركة العهد الجديد (New Age Movement)، وهي حركة حديثة ازدهرت خلال القرن العشرين، تدعو إلى الجمع بين العلوم المادّيَّة والرَّوحانيَّة، وتعمل على نشْر دين جديد له كتابها المتَّفق على محتواه، وله عقيدته وطقوسه الشَّعائريَّة، كما يورد “تيكس مارس” (1987م). وتعرّف “كامبي” في كتابها The hidden dangers of the rainbow: The New Age Movement and our coming age of barbarism (1983) تلك الحركة بقولها(صـ41):
حركة العهد الجديد تمثّل دينًا متكاملًا، له كتُبُه المقدَّسة؛ وله مصلُّوه وتمائمه؛ وله مدنه المقدَّسة المعادلة لمدينة الفاتيكان/أورشليم؛ وله كهنته ومعلّموه؛ وله تجارب الميلاد من جديد؛ كما له وصاياه وشرائعه الدّينيَّة؛ وله كذلك معالجوه وأنبياؤه وكلُّ أركان الدّين الأخرى تقريبًا.
وينقل “ايبرسون” (1990) عن كتابات أهمّ منظّري حركة العهد الجديد، أمثال “أليس بيلي” و”بنجامين كريم”، رأيهم الَّذي يفترض إنَّ الدّين الجديد سينتشر من خلال الأخويَّات والمحافل الماسونيَّة، معتبرًا أنَّ ذلك الدّين الغامض من بين الأسرار الَّتي تسترها أبواب المحافل والكُنُس الماسونيَّة. ويرى “ايبرسون” أنَّه برغم ما يحيط بتلك العقيدة الجديدة من غموض، فليس من المستبعَد أن تكون إعادة تقديم للعقائد والفلسفات الَّتي اعتنقتها الحضارات القديمة؛ حيث يدَّعي الماسونيون أنَّ عقائدهم الباطنيَّة ما هي إلَّا إصدار جديد للعلوم الرَّوحانيَّة للأمم السَّابقة. وإن كانت تلك العلوم السّرّيَّة غير متاحة للعامَّة اليوم، فمهمَّة الماسونيون وغيرهم من الباحثين عن الحقيقة، كما يدَّعون، هي إعادة اكتشاف تلك الأسرار لإفادة البشريَّة. يستشهد “ايبرسون” بمؤلَّفات “مانلي بي. هول”، الماسوني من الدَّرجة 33 وهي أعلى المراتب في المحافل الشَّيطانيَّة، في الفلسفة، ومحاولاته إحياء الفلسفات القديمة في إطار عصري، بزعم البحث عن الحكمة في مصادرها الأصليَّة. أشارت “هيلينا بتروفنا بلافاتسكي”، العالمة الرَّوحانيَّة والمنجّمة الرُّوسيَّة الَّتي تُعتبر المؤسّس الفعلي لحركة العهد الجديد أواخر القرن التَّاسع عشر للميلاد، كذلك إلى إنَّ أعضاء الماسونيَّة هم الأكثر قبولًا لأفكارها الدّينيَّة، الَّتي أسَّست لأجل التَّعريف بها والدَّعوة إلى اعتناقها الجمعيَّة الثّيوصوفيَّة، أو جمعيَّة الحكمة الإلهيَّة عام 1875م. وكما يشير اسمها، تستند عقيدة الثّيوصوفيَّة مبدأ الحكمة الأزليَّة، الَّتي يتلقَّها المرء من الإله مباشرةً خلال جلسات روحانيَّة (ويكيبيديا، 2021).
1.1 عقيدة “الثّيوصوفيَّة” ودورها في مخطَّط الدّين العالمي الموحَّد
تؤمن عقيدة الثّيوصوفيَّة بوحدة الدّيانات في جوهرها، وبإنَّ الدَّين الحقَّ هو دين الحكمة، وهي عبارة عن مزيج من عقائد الأفلاطونيَّة والبوذيَّة والهندوسيَّة والغنوصيَّة. وكان “ألبرت بايك” من أوائل أعضاء جمعيَّة الحكمة الإلهيَّة، الَّذي صار لاحقًا الأستاذ الأعظم للطَّقس الأسكتلندي بعد وصوله إلى الدَّرجة 33 في الماسونيَّة؛ ويُنسب له قوله إنَّ يومًا سيأتي سينقشع فيه الظَّلام، وسيرى النَّاس النَّور الحقيقي ليختفي الشَّر من العالم، وكان يقصد بالشَّر العقائد الدّينيَّة غير الرَّوحانيَّة. ويتنبَّأ “مانلي بي. هول” (1970) أن يبزغ النُّور في المشرق، حينما يبدأ عهد صفوة الحكماء وتُسند إليهم مهمَّة حُكم العالم، معتقدًا أنَّ ذلك اليوم ليس ببعيد. واختار هول المشْرق لأنَّه موقع أورشليم، المدينة السَّماويَّة الَّتي تضمُّ هيكل الرَّب وتمثّل عاصمة مملكة المخلّص في آخر الزَّمان. وكانت المنظّرة الثّيوصوفيَّة، “أليس بيلي” (1957)، إذ كانت تكتب في النّصف الأوَّل من القرن العشرين، تتوقَّع أن يبدأ العهد الجديد نهاية القرن الماضي، وأن يستمرَّ ألف سنة تشهد نهاية الصّراعات البشريَّة وتنعم بسلام دائم (صـ510).
1.2 ملامح دين العهد الجديد
اجتهدت “كامبي” (1983) في تحديد ملامح دين العهد الجديد، موضحةً أنَّ المخطَّط المرسوم سلفًا هو تنصيب مُخلّص، أو مشياح (Messiah)، على رأس حكومة عالميَّة، بعد نشْر دين جديد وتعميمه على يد زعيم ديني وقائد روحاني هو المايتريا (Maitreya). وينتمي مفهوم ظهور المايتريا إلى البوذيَّة، حيث تفترض تلك الدّيانة ظهور المعلّم بوذا من جديد في آخر الزَّمان لنشْر التَّنوير عبر تعاليم الدَّارما، وهي عقيدة روحانيَّة شبيهة بالثّيوصوفيَّة. وإلى جانب تعميم العقيدة الرَّوحانيَّة، تشير “كامبي” إلى حصْر التَّعاملات الماليَّة في نظام ائتماني عالمي، والتَّحكُّم في الموارد الغذائيَّة عبر سُلطة عالميَّة معنيَّة بذلك، ومحو المسيحيَّة بالكامل بعد تصفية كافَّة الملتزمين بتعاليمها. وتعتَبر حركة العهد الجديد الكاثوليكيَّة خصمها الألدَّ، وإن كانت تعادي المسيحيَّة بكافَّة مللها. وهناك مؤشّرات على تنامي الإقبال على اقتناء مؤلَّفات الحركة الرَّوحانيَّة، حيث تضاعَفت نسبة المبيعات 10 مرَّات خلال عقد كامل، كما ارتفع عدد المكتبات الَّتي تبيع كُتُب تلك الحركة إلى 2500 في زمن قياسي؛ ويعكس ذلك الإقبال المتزايد على الإلمام بتلك العقيدة. أمَّا عن سبب السَّعي إلى تأسيس نظام عالمي جديد، فهو استبدال النّظام الحالي المستند إلى المسيحيَّة في بعض ركائزه بآخر “يُخرج الرَّبَّ من المشهد ويؤلّه الشَّيطان”، كما تفترض “كامبي” (1983م، صـ17).
1.3 نشْر عبادة الشَّيطان تحت ستار عبادة إله النُّور
إذا كان الإنسان قديمًا قد عبَد الشَّمس، ثمَّ النُّجوم باعتبارها رمزًا للشَّمس، فمن الطَّبيعي أن يعبد النَّور ذاته الَّذي يصدر عن الشَّمس، كما يرى ماكي(1874م) “طالما كان النُّور من المعبودات الأساسيَّة، بوصفه المصدر البدائي للمعرفة” (صـ447). وينقل “ايبرسون” عن “جون وايت”، وهو أحد علماء دين العهد الجديد، رأيه أنَّ الإنسان أوَّلًا يتَّجه إلى النُّور، ثمَّ يصبح في النُّور، ثمَّ يصير تجسيدًا لذلك النُّور. وقد أسَّست “أليس بيلي” وزوجها عام 1923م منظَّمة غير هادفة للرّبح أطلقا عليها “Lucis Trust”، أو “اتّحاد النُّور”، بعد أن كان اسمها شركة “لوسيفر” للنَّشر، بهدف نشْر مؤلَّفات عن التَّعاليم الباطنيَّة. وكما تعلّق “كامبي” (1985، ص246)، لا علاقة بين لوسيفر في هذه الحالة وبين الشَّيطان؛ حيث يعتبر لوسيفر هنا بمثابة “كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِير”، متّخذًا الوصف الَّذي عرَّف به يسوع نفسه في العهد الجديد (أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ) (سفر رؤيا يوحنَّا اللاهوتي: إصحاح 2، آية 16). أمَّا عن سبب اختيار الاسم “لوسيفر” لعبادة حامل النُّور، فهو أنَّه اسم إبليس قبل أن يعصى ربَّه وحينما كان في مصافّ الملائكة؛ في حين أُطلق عليه الشَّيطان بعد خروجه من الجنَّة. ويستنتج “ايبرسون” أنَّ “أبناء العهد الجديد، وبعض الماسونيين، وأعضاء جمعيَّة المتنوّرين يعبدون الكائن الَّذي كان في السَّماء قبل أن يسقط، وليس الكائن المعروف باسم الشَّيطان” (ص80)!
ويؤكّد “ألبرت بايك” في (1871) على صحَّة عبادة لوسيفر في الماسونيَّة باعتباره “الرَّبّ (الكائن الأسمى)، الَّذي هو مصدر النُّور، الَّذي تعمُّ أشعَّته أو فيوضه الكون؛ هذا هو النُّور الَّذي تُقطع الرَّحلات الماسونيَّة التماسًا له، والَّذي تعدُّ الشَّمس والقمر في محافلنا مجرَّد رموزًا له” (صـ252). يُلاحَظ أنَّ بايك يستخدم مسمَّى “الكائن الأسمى” (Supreme Being) بنفس المسمَّى الَّذي يُطلق على الرَّب في المسيحيَّة، ممَّا يعكس موقع الشَّيطان في الماسونيَّة. يصرُّ بايك على أنَّ “النَّور” الَّذي يبحث عنه الماسونيون هو المعرفة الحقيقيَّة النَّابعة من الإله الحقيقي، الَّذي هو لوسيفر. ويصف كينيث مكنزي (1877) الماسونيين بـ “أبناء النُّور”، بينما يرى خصومهم بأنَّهم “أبناء الظَّلام”؛ وإذا ما أخذنا في الاعتبار أنَّ النَّور هو إله عند الماسونيين، يعني وصْف مكنزي أنَّ للكون إلهين، أحدهما للنُّور يعبده أصحاب الحكمة، والآخر للظَّلام يقدّسه أعداء العقل (صـ682). يُمنح الشَّيطان مُسمّى أطلقه يسوع على نفسه، بأن عرَّف نفسه بأنَّه “نُورُ الْعَالَمِ”، كما ورد في إنجيل يوحنَّا: (كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ») (إنجيل يوحنَّا: إصحاح 8، آية 12). ويعلّق “ايبرسون” بقوله: إنَّ الماسونيين وأبناء العهد الجديد والمتنوّرين، من أتباع “حامل النُّور” المخادع، إبليس، يعتقدون أنَّ إلههم سيقضي في النّهاية على إله النُّور الحقيقي، وهو يسوع. والسُّؤال: لماذا يستنكر “ايبرسون” عقيدة عبادة إله النُّور لدى الرَّوحانيين، إذا كان إله النُّور مقدَّسًا في المسيحيَّة؟
يشير “كارل إتش. كلاودي” في كتابه (1931م)، إلى اتّخاذ المصريين القدماء المسلَّات رمزًا لعبادة الإله غير المرئي، وأنَّ “المسلَّة في مصر كانت ترمز إلى وجود إله الشَّمس بذاته” (صـ78). ويؤكّد “ألبرت بايك” (1871) على ذلك، حيث يقول “المسلَّة…نُذرت لإله الشَّمس” (صـ460). ويذكر “مكنزي” (1877م) أنَّ “عبادة الشَّمس ارتبط بوضوح برفع المسلَّات…حيث كانت توضع أمام المعابد في مصر” (صـ521). ويؤيّد ماكي (1874) ذلك بقوله “كما يُفترَض، نُصبت المسلَّات في الأصل تبجيلًا لإله الشَّمس” (صـ525). وترتبط بنصب واشنطن التَّذكاري واقعة غامضة، حدثت أوَّل مرَّة عام 1981م، وتكرَّرت عام 1985م، في حفل التَّنصيب وأداء القَسَم الرّئاسي للرَّئيس “رونالد ريغان”، بنقل الحفل إلى الجبهة الغربيَّة لمبنى الكابيتول، بعد أن جرت العادة، منذ حفل تنصيب جورج واشنطن، أن يؤدّي الرَّئيس الجديد القَسَم في الجهة الشَّرقيَّة. أدَّى الرَّئيس ريغان القَسَم الرّئاسي وهو ينظر إلى رمز إله الشَّمس؛ ولم يصدر تبرير رسمي لهذه الخطوة، الَّتي أصبحت سُنَّة متَّبَعة في حفل تنصيب كلّ رئيس، وصولًا إلى الرَّئيس المنتخَب، جوزيف بايدن، الَّذي أدَّى القَسَم في نفس الموقع، أي “في الجهة الغربيَّة من مبنى الكابيتول” (الشَّرق الأوسط، 20 يناير 2021).
بايدن وقرينته وهاريس وزوجها أمام نصب واشنطن التَّذكاري
يُذكر في السّياق ذاته أنَّ السُّويدي “داغ همرشولد”، الأمين العام الثاني للأمم المتَّحدة، أسَّس داخل مبناها ما أطلق عليه غرفة التأمُّل-Meditation Room، وهي مكان مخصَّص لأداء العبادات للمنتمين إلى مختلف الدّيانات. تتميَّز تلك الغرفة بتصميمها الفريد؛ حيث تأخذ شكل هرم بلا قمَّة، ويميل على أحد الجوانب. لا يوجد في تلك الغرفة منفذٌ للنَّور سوى عدسة تلتقط أشعَّة الشَّمس وتُسقطها على كتلة من الحديد الممغنط تزن 6 أطنان، جلبها “همرشولد” من بلاده خصّيصًا.
غرفة التأمُّل في الأمم المتَّحدة
وممَّا يؤكّد سعي الغرب إلى فرْض عبادة النُّور، الَّذي يرمز إليه قرص الشَّمس، ما يذكره “روبرت مولر” (1982) عن رؤيته للأمم وهي ترسل “مبعوثيها…ومن كلِّ المِلل والديانات…إلى الصَّرح الزُّجاجي القائم على شاطئ نهر الشَّمس الصاعدة على جزيرة منهاتن، لكي يقفوا معًا، ويفكِّروا معًا، ويعتنوا معًا بالعالم وأهله”، معتبرًا أنَّ مستقبل السَّلام والتَّعايش بين أهل الأرض لن يتأتَّى إلَّا من خلال ” تطوير الشَّرائع التي جاءت في الدّيانات الكبرى، وسنِّ قوانين تحكم رحلتنا في الكون، وهذه هي مهمة المنظَّمات الدُّوليَّة” (صـ164). والمبعوثون هؤلاء هم المهيَّئون ذهنيًّا لقبول قيم الغرب، ولو على حساب الثَّوابت والمُحكمات الَّتي ينصُّ عليها الإسلام؛ ونلاحظ أنَّ مولر يشترط “تطوير الشَّرائع” من أجل الوصول إلى السَّلام العالمي، بعد أن يقف البشر على “شاطئ نهر الشَّمس الصاعدة” لتأمُّل المستقبل والقضاء على أسباب الفُرقة، وعلى رأسها الاختلاف العقائدي.
المصدر: رسالة بوست