كتب وبحوث

الإبراهيميَّة: أحدث حيل نشْر الدّين العالمي الجديد 4 من 7

الإبراهيميَّة: أحدث حيل نشْر الدّين العالمي الجديد 4 من 7

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

3.الإسلام وملَّة أهل الكتاب: قواسم مشتركة واختلافات جذريَّة

كان موقف علماء المسلمين من أهل السُّنَّة من الدَّعوة إلى توحيد العقيدة الإيمانيَّة للمسلمين وأهل الكتاب هو المعارضة التَّامة. وقد أصدر عددٌ من الهيئات والرَّوابط الإسلاميَّة بتاريخ 27 جمادى الآخرة 1442ه، الموافق 9 فبراير 2021م، بيانًا عن حُكم الدُّخول فيما يُسمَّى “الدّين الإبراهيمي”، جاء فيه “إنَّ العلماء يعلنون للحكام وعموم المسلمين أنَّ الدَّخول في هذا الدّين، والتَّرويج له، ‏والسَّير في ‏مساراته المتعددة ردَّةٌ عن الإسلام، وكُفر بجميع المرسلين، وخيانة لأمانة هذا الدّين. والله ‏تعالى يقول:﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ‌لَا ‌تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وتَخُونُوا أَمَنَٰتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ ﴾[الأنفال: ‏‏27] (منتدى العلماء، 11 فبراير 2021). أمَّا عن مبرّر المعارضة، فالله الله تعالى يخبرنا أنَّه أرسل نبيَّه مُحمَّدًا (ﷺ) برسالة خاتمة وعامَّة للبشر أجمعين، بعد انحراف أهل الكتاب عن جادَّة الصَّواب؛ لإعادتهم إلى سبيل الرَّشاد، فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التَّوبة: الآية 33]. وقد أخبر النَّبيُّ (ﷺ) في حديث ورد في صحيح مسلم(153) أنَّ دعوته إلى الإسلام تشمل أهل الكتاب: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ). وما يثبت ذكْر النَّبي(ﷺ) في الكتب السَّماويَّة المنزَّلة على أهل الكتاب ما جاء في صحيح البخاري(6982) عن رأي ورقة بن نوفل، ابن عم أم المؤمنين خديجة بن خويلد الَّذي كان قد تنصَّر في الجاهليَّة، في نزول الوحي على النَّبي(ﷺ) لأوَّل مرَّة في غار حراء، بأن قال بن نوفل: “هَذَا النَّامُوسُ الذي أُنْزِلَ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، أكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقالَ رَسولُ اللَّهِ (ﷺ): أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ فَقالَ ورَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا). ومع ذلك، لم يدخل أهل الكتاب في الإسلام، الَّذي جاء ليكشف ما أخفوه من صحيح الكتاب. وبرغم الاختلافات العقائديَّة الجذريَّة بين صحيح الإسلام وملَّة اليهود والنَّصارى، وجدنا مَن يزعم إمكانيَّة التَّوفيق بين الإسلام والملَّة المحرفة الَّتي جاء الإسلام لينسخها. وفيما يلي استعراض للرَّأيين الدَّارجين بشأن دمْج ما يُسمَّى “المشترَك الإبراهيمي”، ما بين التَّأييد والرَّفض.

3.1 دعوة إلى رفْع الوعي بالقواسم المشترَكة بين الدّيانات الثَّلاث

يرى “يوسف عليّ” (2011) أنَّ “العقائد الإبراهيميَّة السَّماويَّة الثَّلاثة” بدلًا من أن تحفّز على التعايش السَّلمي والوحدة والمؤاخاة، انخرط معتنقوها في أعمال عُنف وتدمير، بدافع من المشاعر السَّلبيَّة تجاه أبناء العقيدة الأخرى، خاصَّة إذا ما وضعنا في الاعتبار انتشار مفهوم إرهاب الإسلام، أو إسلاموفوبيا (صـ187). وفي ظلّ ما تشهده علاقات المسلمين بغيرهم من فُرقة وانعدام للثّقة واضطراب، من الممكن أن يُسهم الحوار بين أبناء الدّيانات الثَّلاث في فضّ النّزاعات والقضاء على أسباب الفُرقة وتكوين عالم جديد من الأمن والرَّغد. وتتمحور دراسة “عليّ” حول أهميَّة إيجاد قنوات للاتّصال بين أبناء المجتمع الواحد في سبيل إدراك القيم الدّينيَّة والالتزامات الأخلاقيَّة والمسؤوليَّات الجماعيَّة المشترَكة؛ وكذلك حول فهْم أسباب تباعُد أتباع الدّيانات الإبراهيميَّة، مع اقتراح وسائل لرأْب الصَّدع والحدّ من التَّوتُّر بين الغرب والمجتمع الإسلامي.

يلفت “يوسف عليّ” النَّظر إلى وجود إرث وعقائد دينيَّة مشترَكة بين أبناء الدّيانات الإبراهيميَّة من الواجب التَّنبيه إليها من أجل التَّوعية بالمسؤوليَّات المشترَكة بين أبناء الدّيانات الثَّلاثة تجاه الخالق والبشر الآخرين، ويشمل ذلك الاشتراك في “المنظومة الإيمانيَّة والمسؤوليَّة الإنسانيَّة” (صـ189). أمَّا عن الاشتراك في منظومة إيمانيَّة واحدة، فأبناء الدّيانات الثَّلاثة يشتركون في عقيدة الإيمان بربّ واحد، وهو ما يتجلَّى في العهد القديم في: (اُذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلهُ وَلَيْسَ مِثْلِي) (سفر اشعياء: إصحاح 46، آية 9)؛ ويُذكر في العهد الجديد: (رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ. إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ) (رسالة بولس الرَّسول لأهل أفسس: إصحاح 4، آيتان 5-6). ويعتقد الباحث أنَّ في ذلك ما يتَّفق مع مفهوم التَّوحيد في الإسلام الَّذي ينصُّ عليه الإسلام في عدَّة آيات، منها: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة: الآية 255]. تؤمن الدّيانات الثَّلاث كذلك بربّ هو الَّذي خلَق السَّماوات والأرض، كما ورد في العهد القديم في: (فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) (سفر التَّكوين: إصحاح 1، آية 1)، وفي ذلك ما يتطابق مع قوله تعالى:﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾[السَّجدة: الآية 4].

ومن أركان المشترَك الإبراهيمي كذلك الإيمان بإله غفور رحيم يحبُّ عباده يرشد إلى سبيل النَّجاة، كما ورد في العهد القديم في: (ذَابحُ الْحَمْدِ يُمَجِّدُنِي، وَالْمُقَوِّمُ طَرِيقَهُ أُرِيهِ خَلاَصَ اللهِ) (سفر المزامير: مزمور 50، آية 23)؛ أمَّا في القرآن الكريم، فقد قال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾[النّساء: الآية 48]. ومن العقائد المشترَكة الإيمان بأنَّ الرَّبَّ يستحق الثَّناء والتَّمجيد، كما جاء في العهد القديم في: (حَسَنٌ هُوَ الْحَمْدُ لِلرَّبِّ وَالتَّرَنُّمُ لاسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ) (سفر المزامير: مزمور 92، آية 1)؛ ويتَّفق ذلك مع قوله تعالى:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾[الأنعام: الآية 1]؛ وقوله:﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[المُلك: الآية 1]. وهناك إيمان مشترّك كذلك بأنَّ الرَّبَّ أرسل الأنبياء بالوحي لهداية النَّاس، كما يرد في العهد الجديد في (اَلله، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ. كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ) (رسالة بولس الرَّسول إلى العبرانيين: إصحاح 1، آية 1)؛ وفي القرآن الكريم ما يتَّفق مع ذلك﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ﴾[الشُّورى: الآية 51].

    وبحسب “يوسف عليّ” يتّضح ممَّا سبق أنَّ الدّيانات الثَّلاث تشترك في تحميل معتنقيها مسؤوليَّة عبادة ربّ واحد، والالتزام بتعاليمه، وإرشاد الآخرين إلى الطَّريق القويم. تُلزم الدّيانات الثَّلاثة معتنقيها بإحسان القول والفعل مع الآخرين، وبخدمة أهداف الاستقرار والوحدة والتَّعايش في المجتمع، وبتعزيز مفهوم الأخوَّة البشريَّة وانتماء أبناء المجتمع العالمي إلى أصل واحد. ويعتقد “عليّ” (2011) أنَّ أبناء الدّيانات الإبراهيميَّة من واجبهم مقاومة مظاهر عدم الإيمان الدّيني والانحراف الأخلاقي ومهدّدات الاستقرار الاجتماعي، معتبرًا أنَّ الله تعالى يدعو النَّاس جميعًا إلى التَّقارب والوحدة، ومحذّرًا من التَّأثير السَّلبي لجماعات متشدّدة، مسلمة وغير مسلمة، على مساعي إنهاء الفُرقة وتوطيد الأواصر البشريَّة. ينقلنا ذلك الرَّأي إلى أهميَّة التَّسامح الدّيني، الَّذي من شأنه أن ينهي النّزاعات والانقسامات في البلد الواحد؛ ويستشهد الباحث بالصّراع العربي-الإسرائيلي، الَّذي يجد أنَّ أساسه هو الاختلاف العقائدي. ويستنتج “عليٌّ” أنَّ بين الإسلام والمسيحيَّة واليهوديَّة “تشابهات مذهلة، سواءً في المُثُل العليا أو في التَّجربة التَّاريخيَّة، فيما يتعلَّق بالجوانب الثَّقافيَّة، الأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، والدّينيَّة” (صـ193). من هنا، يرى الباحث يوسف عليّ أنَّ العقائد الثَّلاث تشترك في ترقية البشر من الأنانيَّة إلى الإيثار، وتدعم قيم العدالة والتَّسامح والإخاء. ويمثّل النَّبي إبراهيم (عليه السَّلام) أصلًا واحدًا، يصدر عنه ويرتبط به كافَّة المؤمنين برسالته، والدَّليل على ذلك قول الله تعالى:﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[إبراهيم: الآية 68]. ويعزّز مبدأ الأخوَّة الإنسانيَّة سُبُل التَّقارب ويفتح المجال للحوار البنَّاء.

وقد أصدرت الكنيسة اللوثريَّة-المجمع الكنسي لولاية ميزوري بأمريكا عام 2014م تقييمًا لمفهوم الدّيانات الإبراهيميَّة من منظورها الدّيني، الَّذي اعتبر أنَّ أوَّل استخدم لهذا المفهوم كان في القرآن الكريم، في قول الله تعالى:﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[البقرة: الآية 135]. وبدأ السَّعي إلى تقريب وجهات النَّظر بين أبناء الدّيانات الثَّلاث بدأ منذ فترة الحرب العالميَّة الثَّانية (1939-1945م)، حينما أراد السّياسيون تحريك الوازع الدّيني لدى الشُّعوب لإنهاء الصّراعات الدّامية، وبخاصَّة بعد الهولوكوست اليهودي. وبرغم اعتراف تقرير المجمع الكنسي لولاية ميزوري بوجود اختلافات جذريَّة بين الدّيانات الثَّلاث، فهو يعتبر إنَّ هناك جوانب مشتركة يمكن استغلالها في إقناع العامَّة بحلّ ديني الطَّابع للنّزاعات السّياسيَّة. وقد تضمَّنت وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965م) الإرث الدّيني المشترَك بين الدّيانات الثَّلاث، مع اعتبار إبراهيم محور التَّركيز في الحوار المشترَك بين مختلف الأديان (Icms، 2021). وقد دفعت هجمات 11 سبتمبر 2001م السّياسيين إلى إعادة الدَّعوة إلى الوحدة والسَّلام، أملًا في إيجاد أرضيَّة مشتركة بين الدّيانات الثَّلاث.

يشير تقرير المجمع الكنسي لولاية ميزوري (2014) إلى أنَّ 138 من علماء المسلمين أرسلوا في 13 أكتوبر 2007م خطابًا مفتوحًا إلى رؤساء كنائس العالم، يحمل عنوان “كلمة سواء بيننا وبينكم”، وهو مقتبس من الآية 64 في سورة آل عمران. يدعو ذلك الخطاب إلى السَّلام والتَّسامح بين المسلمين والمسيحيين، على أساس اشتراك الدّيانتين في حبّ إله واحد وحبّ الجار. من الملفت أنَّ “روان وليامز”، كبير أساقفة كانتربري وزعيم الكنيسة الأنغليكانيَّة البروتستانتيَّة قد صرَّح عام 2010م بأنَّ ذلك الخطاب يشكّل علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين المسلمين والمسيحيين؛ لتحفيزه الحوار بين الطَّرفين في أعمق المستويات؛ وقد أدلى “بندكت” السَّادس العشر، بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة (19 أبريل 2005– 28 فبراير 2013م) بتصريح مشابه، مفاده أنَّ ذلك الخطاب يعبّر عن قوَّة الرَّابطة بين المسلمين والمسيحيين، في مقابل العنف والإقصاء باسم الرَّب (common word، 2021). لا يغفل التَّقرير عن وجود اختلافات عقائديَّة جذريَّة بين الدّيانات الثَّلاث ترجع إلى اختلاف الفرَق المنبثقة عن كلّ منها. مع ذلك، فهناك عنصر مشترّك بين تلك الدّيانات، هو اعتبار إبراهيم الأب المؤسّس.

فمن مظاهر تمجيد اليهوديَّة لإبراهيم: (وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ) (سفر التكوين: إصحاح 12، آيات 1-3). وقد ورد ذكْر مكانة إبراهيم في المسيحيَّة في: (لِهذَا هُوَ مِنَ الإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيدًا لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ») (رسالة بولس الرَّسول لأهل روميَّة: إصحاح 4، آيتان 16-17). أمَّا في الإسلام، فالقرآن الكريم يزخر بآيات تبجيل إبراهيم (عليه السَّلام)، ومنها:﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ﴾[النَّحل: آيات 120-122]. ومن القواسم المشترَكة كذلك الإيمان بوحدانيَّة الرَّب، الَّذي يُفترض أنَّه ربٌّ واحد يعبده أبناء الدّيانات الثَّلاث. أضف إلى ذلك الإيمان بالإحسان إلى القربى؛ فقد ورد في أسفار موسى: (لاَ تَنْتَقِمْ وَلاَ تَحْقِدْ عَلَى أَبْنَاءِ شَعْبِكَ، بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ) (سفر اللاويين: إصحاح 19، آية 18)؛ وجاء في القرآن الكريم: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النّساء: الآية 36]؛ ويأتي ما يماثل ذلك في العهد الجديد (قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ) (إنجيل متَّى: إصحاح 22، آيات 37-39).

ويعترف التَّقرير بأنَّ الإيمان بطبيعة المسيح تختلف من ديانة إلى أخرى؛ حيث لا يؤمن اليهود بأنَّ يسوع المسيح ابنٌ للرَّب، أو أنَّه هو المخلّص المبشَّر به العهد القديم. وكذلك، لا يؤمن المسلمون بألوهيَّة المسيح عيسى بن مريم [المائدة: آيتان 72-73]؛ ولا يؤمنون كذلك بأنَّه قُتل وصُلب [النّساء: الآية 157]. غير أنَّ هويَّة يسوع تختلف في المسيحيَّة؛ فهو ابن الرَّبّ: (فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!») (إنجيل متَّى: إصحاح 16، آية 16)؛ وقد صُلب للتَّكفير عن خطايا البشر: (الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا) (رسالة بولس الرَّسول لأهل روميَّة: إصحاح 4، الآية 25)؛ وهو الَّذي يحاسب النَّاس يوم الدَّينونة (فَالله الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ، بِرَجُل قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّمًا لِلْجَمِيعِ إِيمَانًا إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ) (سفر أعمال الرُّسل: إصحاح 17، آيتان 30-31). وفي ردّه على خطاب “كلمة سواء”، أقرَّ المجمع الكنسي باختلاف اعتقاد المسلمين والمسيحيين في المسيح، آملًا ألَّا يفضي ذلك الاختلاف إلى العداوة والنّزاع بين الطَّرفين (Icms، 2021).

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى