الإبراهيميَّة: أحدث حيل نشْر الدّين العالمي الجديد 3 من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
2.توظيف الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة في نشْر الدّيانة الإبراهيميَّة
بدأ الحديث عمَّا يُسمَّى “الدّين الإبراهيمي” في العقود الأخيرة، وقد صدرت عن معهد “كوفمن” للأديان بجامعة “جراند فالي” وثيقة تقول “فمن خلال الحوار الخدمي للأديان الإبراهيميَّة يمكننا خلْق مجتمع عالمي نابض بالحياة ومتنوع يحتوي جميع الأجيال” Kaufman Interfaith Institute)، 2017). ويدَّعي ناشرو مثل تلك المبادرات أنَّ الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة أصبحت الأقدر على إنهاء النزّاعات وإفشاء السَّلام وتهيئة المجال للتَّنمية، انطلاقًا من مفهوم الفعل السّياسي المستند إلى الإيمان (faith-based political action)، بعد أن أقرّ السّياسيون بدور الإيمان الدّيني في تأجيج النّزاعات وفضّها. باختصار، تقدّم الدكتورة هبة جمال الدّين (2018) رؤية الغرب لمفهوم الدّين الموحَّد، الَّذي طرحته مؤسَّسات بحثيَّة بهدف تحقيق تنمية اقتصاديَّة مستدامة من خلال (صـ15):
الدَّعوة إلى خلْق سلام ديني عالمي ينادي بحلّ النّزاعات والخلافات السّياسيَّة الدُّوليَّة والإقليميَّة، من خلال منهج قائم على توظيف القيم المشتركة بين الدّيانات السَّماويَّة في إطار طرْح جديد تحت مسمَّى “الدّيانات الإبراهيميَّة أو الدّين الإبراهيمي العالمي” بنهج مغاير عمَّا هو مألوف ومتعارَف عليه في القوانين والأعراف والمواثيق الدُّوليَّة، ومن خلال فاعلين جُدد ووسائل مستحدَثة.
وتتناول “جمال الدّين” (2018) مفهومًا جديدًا يجري تداوله في الأوساط العلميَّة العربيَّة يتعلَّق باستغلال العقائد الدّينيَّة في التَّقريب بين الشُّعوب وإنهاء النّزاعات السّياسيَّة، هو الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة (Spiritual Diplomacy)، أملًا في تحقيق “السَّلام الدّيني العالمي لحلّ الصّراعات”، وهو المصطلح الَّذي تفضّله في الإشارة إلى مخطَّط توحيد العقيدة الدّينيَّة للبشر جميعًا؛ حيث ترى أنَّ استخدام مصطلحات مثل الدّين العام أو الدّيانات الإبراهيميَّة أو الدّين الإبراهيمي العالمي قد يحمل مدلولًا إلحاديًّا (صـ13). وتعتبر “جمال الدّين” أنَّ جهود الدَّاعية الإماراتي، أردني الأصل، “وسيم يوسف” من صور دبلوماسيَّة المسار الثَّاني، أي الدّبلوماسيَّة غير الرَّسميَّة، بالاعتماد على قادة روحيين من أبناء الدّيانات الثَّلاث في تكوين بيئة للحوار البنَّاء عن السَّلام من خلال إزالة الفوارق العقائديَّة. ولعلَّ أهمَّ تساؤل تطرحه الباحثة في دراستها هو: هل حقًّا الهدف من نشْر الدّين العالمي الموحَّد هو إنهاء النّزاعات وتأسيس السَّلام؟ وهل فعًلا سيفضي نشْر تلك العقيدة إلى إفشاء السَّلام؟
وتتناول الباحثة مفهوم الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة من منظور اقتصادي بهدف معرفة إلى أيّ مدى يمكن أن يحقّق الدّين المشترك تنمية شاملة، في ظلّ حالة الرُّكود الاقتصادي العالمي. توضح الباحثة عدَّة مرتكزات يعتمد عليها مفهوم الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة في توظيفه لمبدأ توحيد الدّين العالمي، ويأتي على رأسها الوصول للسَّلام العالمي بعد إنهاء الصّراعات الدّينيَّة، والاستناد إلى القيم الدّينيَّة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين واليهود في المفاوضات السّياسيَّة. وكما يقول الموقع الرَّسمي لمعهد أبناء إبراهيم، فإنَّ الهدف من تأسيسه هو التَّركيز على اعتقاد أبناء الدّيانات الثَّلاث في ربّ واحد في فضّ النّزاعات الَّتي تفرّقهم. (The Children of Abraham Institute official website، 2021).
2.1 تعريف مفصَّل للدّيانات الإبراهيميَّة
تشير “هبة جمال الدّين” (2018) إلى إنَّ أدقَّ تعريف لمصطلح الدّيانات الإبراهيميَّة، الَّذي يستخدمه كثيرون، هو أن يكوّن رجال الدّين بمشاركة السّياسيين عقيدة دينيَّة تجمع بين التُّراث المشترك والتَّشابهات اللاهوتيَّة بين الإسلام والمسيحيَّة واليهوديَّة في سبيل “تحقيق سلام ديني عالمي قائم على الضَّمير الجمعي العالمي” (صـ43). وهناك مَن يطلق على الإبراهيميَّة التُّراث المسيحي-اليهودي؛ على اعتبار أنَّ ذلك المفهوم يعبّر عن التَّقارب العقائدي بين المسيحيَّة واليهوديَّة، واعتبار المسيحيَّة إتمامًا لرسالة اليهوديَّة. ويُعدُّ من أنصار فكرة الدّين العالمي الموحَّد، كما تشير جمال الدّين، القس “جايروك لي”، رئيس منظَّمة عالم الرَّوح المقدَّس الصَّليبي ورئيس مؤسَّسة الخلاص. أسَّس القس لي في كوريا الجنوبيَّة كنيسة تبشّر بذلك الدَّين العالمي، هي كنيسة مانمين المركزيَّة؛ وتعني مانمين كلَّ الأمم والشُّعوب والبشر. وبما أنَّ اليهوديَّة تؤمن بتفوُّقها على المسيحيَّة، الَّتي تعتبرها مجرَّد ملَّة باطلة انحرفت عن المعتقَد اليهودي، وعلى الإسلام، الَّذي تراه نسخة معرَّبة منها، فمن الطَّبيعي أن يدَّعي اليهود الأحقيَّة في الأراضي المشترَكة بين أبناء إبراهيم، على اعتبار إنَّهم السَّابقون في الوجود.
وتجد “بوعبيد” (2016) يؤيّد ما يتردَّد عن انبثاق الإسلام والمسيحيَّة واليهوديَّة من أصل واحد، معتبرًا أنَّ الإسلام يمدُّ بجذوره في الأصل الإبراهيمي، وواصفًا نزول الرّسالات على الأنبياء من بين بني إبراهيم بأنَّها “سلسلة تاريخيَّة من النَّسخ واللصق”، ومتسائلًا: “لو لم يختر الإمبراطور قسطنطين الأوَّل المسيحيَّة كديانة رسميَّة لدولته، ولو لم يقم قبل ذلك الملك البابلي العظيم نبوخذ نصر بسبي اليهود وأخذهم عبيدًا لبلاده، من أين كان سيجد الإسلام منابعه التي كُتب بها القرآن ووُضعت بها الأحكام والتَّشريعات الدّينيَّة؟!”. وتؤكّد جمال الدّين (2019) أنَّ مفهوم دمْج الدّيانات الثَّلاث قد اعتبره المفكّر جيمس روزينوه السَّبيل إلى إفشاء السَّلام العالمي، ليكون بديلًا لنظريَّة صراع الحضارات لـ “صامويل هنتنجتون”، ورؤية نهاية العالم لفرانسيس فوكوياما. ويتأثَّر ذلك المفهوم بما يُعرف بالنَّموذج العالمي للأديان (World Religions Paradigm)، وهو مصطلح صاغه “كوتر و “روبرتسون” (2016) للتَّعبير عن التَّقاليد المتمايزة ذات المضمون الشَّامل للأديان في العالم؛ بمعنى أنَّ الأديان تشترك في المضمون، وإن اختلفت في الشَّعائر والممارسات.
تُلقي “جمال الدّين” (2018) الضَّوء على مشروع دشَّنته جامعة هارفارد الأمريكيَّة أطلقت عليه The Abraham Path، أي: مسار إبراهيم، وهو المسار الثَّقافي الَّذي قطعه النَّبي إبراهيم من موطنه، مدينة أور الكلدانيين الَّتي تقع جنوب العراق، ويُقال تقع في مقاطعة أورفا في جنوب شرق تركيا، مرورًا بمصر والشَّام، حتَّى استقرَّ في صحراء النَّقب في فلسطين التَّاريخيَّة. ويُذكر أنَّ رحلة إبراهيم إلى شمال غرب شبه الجزيرة العربيَّة لم تُذكر في الكتاب المقدَّس، بينما ذُكرت في القرآن الكريم، بالإشارة إلى قصَّة نقْل إسماعيل وأمّه إلى جوار البيت المحرَّم [إبراهيم: الآية 37]، وقصَّة إعادة بناء الكعبة المشرَّفة [البقرة: آيات 125-127]. ويدخل ذلك المشروع ضمن أعمال برنامج التَّفاوض التَّابع لكليَّة الحقوق بالجامعة العريقة، الَّتي أسَّسها المهاجرون البروتستانت من أتباع مذهب التَّطهيريَّة (Puritanism) عام 1636م، بهدف إجراء مفاوضات طويلة الأمد بين بلدان تربطها علاقات عدائيَّة. إذا نجح ذلك المشروع، فسيكون لذلك نتائج إقليميَّة ستتجلَّى في التَّنمية الاقتصاديَّة والعمل المشترك وتوطيد السَّلام (Abraham’s Path، 2021).
2.2 صراعات دينيَّة ستفرض قبول المشترَك الإبراهيمي
تعتقد جمال الدّين (2018) أنَّ منطقة الشَّرق الأوسط ستشهد خلال السَّنوات المقبلة إشعال صراعات دينيَّة ستُجبر الجميع على قبول مفهوم الدّيانة الإبراهيميَّة المشترَكة، سعيًا إلى فضّ تلك الصّراعات. تنقل الباحثة عن “كيسويتر” و”شاين” (2013) افتراضهما أنَّ أهميَّة الصّراع السُّنّي-الشّيعي ستفوق الأهميَّة الَّتي يشكّلها الصّراع الفلسطيني-الإسرائيلي اليوم. وقد ورد في تقرير مؤسَّسة راند الأمريكيَّة لعام 2007م ما يتَّفق مع ذلك، بالإشارة إلى اشتعال حرب طائفيَّة بين التَّيَّار الوهَّابي المستند إلى صريح الإسلام والتَّيَّار الشّيعي المستند إلى العقائد الباطنيَّة. ومن بين ما يوصي به تقرير راند (2007) دعْم تيَّار محسوب على الإسلام، تعتبره المؤسَّسة معتدلًا، وهو الصُّوفيَّة، مع مواصلة دعْم العلمانيين، أملًا في حسْم الحرب على الإرهاب المزعوم لصالح الغرب؛ ولن يحدث ذلك، وفقًا للتَّقرير، إلَّا بهزيمة الفكر الإسلامي. وتستنتج جمال الدّين أن يفضي تأجيج الصّراع بين السُّنَّة والشّيعة إلى اقتناع العامَّة بضرورة قبول مفهوم المشترَك الدّيني، طالما أنَّه سيوفّر إمكانيَّة إنهاء الصّراع وإرساء السَّلام المجتمعي.
2.3 نشأة مبدأ استغلال الدّين في أغراض سياسيَّة
كانت مسألة التَّقريب بين جهود السّياسيين ورجال الدّين في إطار منظومة الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة من بين ما أثاره الباحث السّياسي “ألن كيسويتر” والأسقف البروتستانتي “جون شاين” في تقرير (2013) شاركا به في منتدى أمريكا والعالم الإسلامي، الَّذي ينظّمه معهد “بروكنجز” الأمريكي بالتَّعاون مع دولة قطر لتناوُل القضايا الملحَّة الَّتي تواجه أمريكا والدُّول المسلمة. ويُنسب إلى الأسقف “شاين” قوله: “يمكن للدّين في القرن الحادي والعشرين أن يكون قوَّة تمكّن المصالحة والاستقرار السّياسي أو إسفينًا يعزّز الانقسام…وقد حان الوقت الآن لاستخدامه في المصالحة وصُنْع السَّلام الدّبلوماسي” (صـ1). يوصي التَّقرير بضرورة التَّعاون بين المسلمين والمسيحيين في تعزيز مساعي نشْر السَّلام المتبادَل واحترام حقوق الإنسان، وكذلك بتشجيع اللعب على وتر اشتراك المسلمين والمسيحيين واليهود في الانتماء إلى “الدّيانات الإبراهيميَّة” في دعْم مفاوضات السَّلام في الشَّرق الأوسط وتكريس حلّ الدّولتين في فلسطين التَّاريخيَّة (صـ2). ويشير “كيسويتر” و “شاين” إلى أنَّه برغم سعي الدّبلوماسيين إلى عدم خلْط الدّين بالعمل السياسي، فقد نشأ اتّجاه جديد إلى استغلال الدّين في تشكيل الوعي الإنساني بما يخدم المصالح السّياسيَّة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، بعد أن ثبت للإدارة الأمريكيَّة أنَّ الدّين له عظيم التَّأثير في تحفيز الهمم.
وفي تحدٍّ كبير للنَّهج السَّابق، المتمثّل في إبعاد العمل الدّبلوماسي عن القضايا الدّينيَّة، نشأ تيَّار جديد يدعو إلى استغلال العقائد الدّينيَّة في إنهاء النّزاعات وتعزيز مساعي التَّعايش السّلمي. ولعلَّ في خطاب “باراك أوباما” إلى العالم الإسلامي في القاهرة عام 2009م ما يعبّر عن ذلك التَّيَّار، حيث قال: “ينبغي أن يكون الإيمان عاملًا للتَّقارب فيما بيننا…من حول العالم، يمكننا تحويل حوار الأديان إلى خدمات تقدّمها الأديان، يكون من شأنها بناء الجسور الَّتي تربط الشُّعوب”، مؤكّدًا أهميَّة مقاومة التَّيَّار الرَّافض لعقيدة الآخر، والحفاظ على التَّعدُّديَّة الدّينيَّة، بما يشمل الموارنة في لبنان و “الأقباط” في مصر؛ وداعيًا إلى إنهاء “الانقسام بين السُّنَّة والشّيعة” في العراق لما يتنج عنه من صراع دموي مأساوي (خطاب القاهرة، 4 يونيو 2009). وقد أقرَّت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجيَّة الأمريكيَّة في إدارة بيل كلينتون، في كتابها (2006، صـ78) بإنَّ الاتّجاه إلى الاعتماد على الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة من شأنه تعزيز التَّفاهم بين البشر، استنادًا إلى القيم الجوهريَّة المشترَكة الَّتي تشجّع المنتمين إلى مختلف الثَّقافات إلى العمل سويًّا من أجل السَّلام.
وكما يرصد “كيسويتر” و “شاين” (2013)، اتَّبع “جورج دبليو بوش” في نهاية عهده موقفًا مغايرًا لموقفه السَّابق من الإسلام، عند تدشينه حربًا صليبيَّة لتطهير العالم الإسلامي من بؤر الإرهاب، بأن “جمَع قادة من أديان مختلفة للصلاة، وأفصح عن إيمانه العميق الذي يرشده في اتّخاذ القرارات” (صـ4). هذا، وقد دشَّنت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجيَّة الأمريكيَّة في إدارة باراك أوباما، مبادرة للحوار الاستراتيجي مع المجتمع المدني، بهدف توفير قناة للتَّفاعل بين القادة الرَّوحيين ورجال السّياسة، وتكوين فريق عمَل مشترَك يقدّم النَّصيحة لوزارة الخارجيَّة، بعد إضفاء الطَّابع الرَّسمي على مبدأ الاستعانة برأي الدّين في الاستشارات السّياسيَّة. ويمكن الآن للقادة الرَّوحيين الانخراط فيما يُعرف بدبلوماسيّة المسار الثّاني، أي الدّبلوماسيَّة غير الرَّسميَّة، لتحقيق ما عجزت عنه الدّبلوماسيَّة التَّقليديَّة. وقد أثمر العمل المشترَك بين القادة الرَّوحيين والنُّشطاء الاجتماعيين عن رفْع مستوى الوعي بأهميَّة التَّسامح الدّيني واحترام حقوق الإنسان في المداس الدّينيَّة. ويُضيف “كيسويتر” و “شاين” (2013) إلى ذلك إطلاق مبادرات تستهدف استغلال المفاهيم الدّينيَّة المشترَكة في تكوين وعي ديني مشترَك، “أقلُّه بين الأديان الإبراهيميَّة” (صـ6).
2.4 قضايا ملحَّة تستوجب توظيف الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة
يحدّد تقرير “كيسويتر” و “شاين” (2013) ثلاثة قضايا محوريَّة استدعت استعانة الإدارة الأمريكيَّة بالدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة في التَّعامل معها، هي وصول التَّيَّار الإسلامي إلى السُّلطة في بعض الدُّول بعد ثورات الرَّبيع العربي، والمعضلة النَّوويَّة الإيرانيَّة، ومفاوضات السَّلام بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين. ولعلَّ أكثر تلك القضايا ارتباطًا بمفهوم المشترَك الإبراهيمي القضيَّة الثَّالثة؛ نظرًا لتبنّي إسرائيل خطابًا سياسيًّا جديدًا يلعب على وتر اشتراك أبناء إبراهيم في الأرض، ممَّا يفتح آفاقًا للتَّعايش السَّلمي مع بعضهم. يفترض سياسيون أنَّ فضَّ النّزاع بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين يكمن في تنفيذ حلّ الدّولتين، القائم على مبدأ “الأرض مقابل السَّلام”، ولكن لا تسمح الظُّروف الرَّاهنة لأيّ من الطَّرفين بتقديم تنازلات. وبما أنَّ الجهود الدّبلوماسيَّة التَّقليديَّة عجزت حتَّى الآن عن التَّوصُّل إلى حلّ جذري، فقد فضَّلت إدارة أوباما اللجوء إلى دبلوماسيَّة المسار الثَّاني في رأْب الصَّدع بين طرفي النّزاع. أمَّا عن السَّبيل إلى تنشيط التَّفاعل الدّيني-الدّبلوماسي في هذا الصَّدد، فيقترح “كيسويتر” و “شاين” (2013) تواصُل الحاخامات والأئمَّة “حول إمكانيَّة المصالحة الدّينيَّة والاجتماعيَّة”، مشدَّدين على إنَّ “على اسرائيل والقادة الفلسطينيّين والولايات المتَّحدة الالتزام بانخراط الدين في دبلوماسيَّة المسار الثَّاني لدعم الجهود الدّبلوماسيَّة المتجدّدة” (صـ13-14).
ينقل “كيسويتر” و “شاين” (2013) تجربة فريق العمل المختصّ بتوظيف الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة في إنهاء النّزاعات، الَّذي دعا بالإجماع إلى تعزيز التَّعاون الدّيني-الدّبلوماسي، فيما يُمكن تسميته “تديين السّياسة وتسييس الدّين” (صـ15). هذا، وقد اتَّخذ الإدارة الأمريكيَّة قرارات من شأنها تقنين الاستعانة بالدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة في مواجهة القضايا المُلحَّة، استجابةً لتوصية فريق العمل بعد اجتماعه في الدَّوحة في يونيو 2013م. ومن الملفت أنَّ “جون كيري”، وزير الخارجيَّة الثَّاني في عهْد أوباما، قد اعترف في خطابه لتدشين مكتب المبادرات المجتمعيَّة القائمة على الإيمان، بـ “الأرض المشتركة للدّيانات الإبراهيميَّة”، مشدّدًا على الدَّور المحوري للتَّقارب الدّيني في مواجهة الخطر المحدق بالبشر كافَّة (خطاب كيري، 7 أغسطس 2013). ودعا كيري في الخطاب ذاته الدّبلوماسيين إلى بناء علاقات فعَّالة مع القادة الرَّوحيين، اعترافًا منه بمحوريَّة دور الدّين في العمل السّياسي.
المصدر: رسالة بوست