الإبراهيمية.. أدين جديد ابتدعوه؟!
لم يكتف محمد بن زايد بالتطبيع المذل، بل ذهب إلى أبعد ما يمكن القيام به لإرضاء أسياده الذين تمكنوا منه وصمتوا عن تجاوزاته في مجال حقوق الإنسان، وتحركاته المشبوهة في بعض دول أفريقيا ومن ضمنها دول عربية؛ فقد أصبح محمد بن زايد الابن المراهق المدلل الجديد للولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، على الرغم من الانتقادات التي توجه له من منظمات حقوق الإنسان وبعض الجهات الرسمية في الغرب، لكننا نلاحظ أن كل ما يوجه لسياساته من انتقادات لا تعدو كونها بالونات سرعان ما تنفجر، وتذهب هباء؛ كيف لا وهو أكبر ضامن لتنفيذ المشروعات المشبوهة المتصلة بالجمعيات السرية والصهيونية العالمية..؟!
بدأ تداول مصطلح “الإبراهيمية” والحديث عنه تزامنا مع توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين وبين الكيان الصهيوني في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، وبعد أن تم الاتفاق على بنود الاتفاقية لم يبق إلا أن يجدوا عنوانا للاتفاق. وقبيل الإعلان عنه اقترح الجنرال ميغيل كوريا، أحد كبار المديرين في مجلس الأمن القومي الأمريكي، “اتفاق إبراهيم”، وتم الأخذ به، أو هكذا زعموا..!
وسيتم افتتاح ما يسمى “بيت العائلة الإبراهيمية” الذي يضم مسجدا وكنيسا وكنيسة، ويجري تشييده في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، ليتم افتتاحه العام الجاري (2022)، ولم يتم تحديد التاريخ بدقة، علما بأن اتفاق التطبيع، الذي رعته الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، يسمى “الاتفاق الإبراهيمي”، وفي نص الاتفاقية الذي نشر على صفحة وزارة الخارجية الأمريكية جاء في الديباجة ما يأتي: “نحن نشجع جهود دعم الحوار بين الثقافات والأديان للدفع بثقافة سلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والإنسانية جمعاء”. ولا يساورني أدنى شك بأن عنوان الاتفاق كان معروفا ومدبرا، واقتراح الجنرال الأمريكي ليس أكثر من مسرحية..
العملية مدبرة منذ وقت طويل، والحديث عن الديانة الإبراهيمية ليس وليد لحظة الاتفاق، فقد تم عبر تخطيط مسبق في الغرف المظلمة؛ مما يبعث على اليقين بأن دولة ابن زايد مشاركة في المؤامرات الصهيونية الكبرى، بوصفها جزءا لا يُجتزأ من منظومة التخطيط الاستراتيجي السري الذي يتم بتوجيه صهيوني وخضوع إماراتي لإرادة عابثة تعمل على تحطيم القيم والأخلاق وبلع الأرض وتهويد المقدسات والسيطرة على العالم العربي، وهو ما بدأنا نلاحظه من خلال التطبيع المجاني لبعض دول الإقليم، بما يبعث على القلق والحيرة، ويطرح الكثير من أسئلة النهضة وتحرير الوعي وأسئلة القومية والدين..!
إطلاق تسمية “الدين الجديد” تبعث على السخرية والاستهجان، فالحديث عن دين جديد من الغرابة بحيث يستوجب الاتهام وطرح أسئلة العقيدة، فالدين عند الله الإسلام، ولا مجال في عقيدة المسلم إلى أي نوع من التحول عن الأصل الأوحد، وإذا تقبل بعض اليهود أو المسيحيين هذا الهراء، فلا يمكن أن يتقبله المسلمون؛ علما بأن المسيحيين في الغرب غير مكترثين بالموضوع، ولا يسترعي انتباههم، فالأمر متعلق بالشرق الأوسط بالدرجة الأولى وأهدافه واضحة لا يختلف عليها اثنان..
أهداف ما يسمى الديانة الإبراهيمية:
– تثبيت دعائم الكيان الصهيوني في فلسطين انطلاقا من وعود التوراة المزعومة بأرض فلسطين؛ فحين تصبح التوراة جزءا من إيمان أتباع الديانات الثلاثة؛ فهو مما يجعل الوعود التوراتية حقيقة قائمة.
– اختراق المجتمع العربي سياسيا وثقافيا واجتماعيا من خلال اللقاءات المشتركة تحت قبة الصرح الإبراهيمي.
– تمييع ثوابت العقيدة الإسلامية باللعب على وتر الإنسانية وحرية الاعتقاد وبذل الإغراءات لطيف من أنصاف المثقفين وأنصاف الشيوخ من أمثال وسيم يوسف وغيره..
– تمهيد السبل التي من شأنها أن ترسخ حضور الكيان الصهيوني في دول الجوار اتكاء على زعم المشترك التاريخي الديني.
– العمل على ضرب صمود الفلسطيني وعقيدة شعبه النضالية العصية على الاختراق.
الموقف الرسمي العربي من “الإبراهيمية”:
لم يصدر عن قيادات عربية بارزة أية ردود فعل تجاه هذه الفرية المسماة “الدين الإبراهيمي”، فلم نسمع رأيا لجهة سياسية باستثناء إعلام الإمارات والبحرين المؤيد والمدافع، كيف لا وهو المشارك بقوة في هذا المشروع. لكننا نجد على الطرف الآخر رأيا مهما لشيخ الأزهر الذي يمثل، ولو اعتباريا، الرأي العربي وربما الإسلامي في كثير من القضايا الكبرى، فقد جاء في تصريحات شيخ الأزهر أحمد الطيب، في حضور البابا تواضروس ورؤساء الكنائس الأخرى في مصر: “إن اجتماع الناس على دين واحد أو رسالة سماوية واحدة أمر مستحيل”، مشيرا إلى “الفرق بين احترام عقيدة الآخر وبين الاعتراف بها، وأن ذلك لا يعني إذابة الفوارق بين العقائد والملل والأديان”.
وشارك بابا أقباط مصر شيخَ الأزهر الرأي فقال: “فكرة الدين الإبراهيمي سياسية ومرفوضة تماما”، واعتبر البابا أن فكرة “الدين الإبراهيمي” نتاج تفكير سياسي مصدره الغرب؛ الهدف منه كسر ثوابت الدين التي تحفظ كيان الإنسان وهويته، موضحا أن “الشرق معبد العالم والغرب مصنع العالم، وفكرة الدين الإبراهيمي مصدرها المصنع ولم تجد لها مكانا وسط المعبد”.
دور الفكر والعقيدة في التصدي للديانة الإبراهيمية:
الفكرة المطروحة هي في الأصل سياسية بامتياز، لكن ذلك لا يمنع أن تكون أيضا حافزا لخلق إشكالات فكرية وجدل حول الدين والمجتمع والحياة، بما يصب في خانة تعكير الأجواء وخلط المفاهيم وتغييب الأجيال عن الوعي، فالعملية ليست مجرد فكرة عابرة بقدر ما هي اختبار حقيقي لمستوى العمق الثقافي والفكري العربي وقدرته على مواجهة أعتى القوى التي تحاول طعن وعيه وثقافته وفكره الضارب في تاريخه وتراثه وعقيدته ووطنيته التي شربها مع حليب أمه..
ربما يكون الطرف الغربي متمثلا بالكنيسة الكاثوليكية أو الغربيين ذوي الخلفية اليهودية لديه الرغبة بالانفتاح على المسلمين، لكن أي محاولة لاختراق العقل العربي سيكون مصيرها الفشل المحتوم، وستبدو مزحة سمجة لا يستسيغها عقل الغالبية العظمى؛ لأنها تمثل هدما لبنيان الدين وفتحا لأبواب جهنم. لذلك فلن يكتب لهذه الفكرة الهجينة النجاح، وسيظل العربي متمسكا بثوابته مهما حاول ابن زايد ومن خلفه الصهيونية العالمية العبث بعقيدة الأمة الراسخة..
مسألة الرفض لهذه الديانة ليست مسألة عابرة قابلة للتغيير بناء على قرار سياسي يدعي الحاجة إليها، بقدر ما هي بناء فكري عقائدي ضارب الجذور في العقول والنفوس، يصعب تغييره أو الاعتداء عليه بصورة من الصور..
تحت ذريعة الأخوة الإنسانية والصلح بين ذرية إسحق وذرية إسماعيل، اندفع بعض المنتسبين إلى الإسلام من أصحاب العمائم الفسفورية لإظهار ولائهم للطغم الموقعة على معاهدة التطبيع والاستسلام؛ فقاموا بلي أعناق بعض الآيات القرآنية أو اجتزائها من سياقها، لتنسجم مع وعود سفر التكوين؛ فيصبح وجود اليهود في فلسطين أمرا إلهيا، ويصبح حق اليهود في أرض الميعاد واقعا لا يحتمل الجدل..!!
لكن الأمر لا يعدو كونه زوبعة في فنجان، سرعان ما سيكون أثرا بعد عين.