الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوجه خطابا إلى الشعوب الغربية وأحرار العالم بخصوص العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزّة والأراضي المحتلة في فلسطين
إلى الشعوب الغربية وأحرار العالم تحية سلام وخير
أتحدث في هذا الخطاب، بقلبٍ مليء بالتقدير والامتنان لكل إنسانٍ حرٍ وقف بجانب الشعب الفلسطيني في محنته، وما يتعرض له من قتل وتهجير وعدوان، ولكل من ساهم في التصدي للظلم الإسرائيلي؛ بالأقوال والبيانات، والمظاهرات والاعتصامات والأفعال، والمقاطعات. إذ أقف، وأتحدث عن قضية إنسانية تجمع بين قلوبنا، وتلمس وجداننا جميعاً؛ إنها قضية الشعب الفلسطيني الذي يواجه الموت ليل نهار، ويعيش أصعب ظروف حياته، في ظل احتلال غاشم تحت مرأى ومسمع الجميع.
أوجه لكم هذا الخطاب بعد تجاوز حرب العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزّة أكثر من 120 يوماً، انتهج خلالها هذا المعتدي الغاشم، سياسة إبادة جماعية ممنهجة، بحق المدنيين العُزّل من النساء والأطفال والشيوخ والرجال الأبرياء؛ حيث شنّت إسرائيل هذه الحرب الظالمة، وهي تعلن جهارًا أنها ترتكب جرائم ضد الإنسانية، وبأنها سوف تواصل ذلك بشدّة، وعلى نطاق أوسع. فالتعامل مع الفلسطينيين بوصفهم “حيوانات بشرية” على حد وصف وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، والتهديد بحرمانهم من أبسط حقوق الحياة “الغذاء والماء والدواء والنوم”، يَنُم على عنصرية مقيتة، وسادية متجذرة في عقل وسلوك هذا المحتل.
أوجّه هذا الخطاب المفتوح إلى عموم الشعوب الغربية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأحرار العالم في كل مكان، بشكل واضحٍ وموجهٍ، بصفتي إنساناً مسلماً، يَسير على نهج القرآن الكريم، وهو المصدر الموثوق الذي حفظ الله تعالى فيه تاريخ الإنسانية، وذَكر سير قادة الحضارة الإنسانية من أولهم أبو البشرية آدم (عليه السلام) حتى آخرهم خاتم النبيين والمرسلين ورسول العالمين محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومنطلقاً من مُثل وقيم روحية إنسانية وأخلاقية، أساسها الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وردّ الظلم، وتحقيق العدل والسلام، والمساواة والإنصاف بين الناس جميعاً.
1. ازدواجية صادمة: المعاني الإنسانية النبيلة لدى الشعوب الغربية ودعم حكوماتها للإبادة في غزّة وفلسطين
يا أبناء الشعوب الغربية، ويا أحرار العالم؛ إن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الحكومات الغربية، أسهموا في تمويل المجازر المروعة بحق الشعب الفلسطيني، بكل وسائل الدعم العسكري والأمني والمالي والدعائي للمحتل الإسرائيلي. وإنه ليس من المقبول منطقياً، استدعاء القيم والمبادئ والمواثيق أو تعطيلها بصفة انتقائية سافرة، حسب أولويات السياسة واتجاهات المصالح، وإن تناقض مواقف الحكومات الغربية حسب مصالحها، ينزع المصداقية عن مواقفها، ومن المخيب للآمال في سياسة عدد من الحكومات الغربية أن تبلغ الازدواجية في التعامل من خلال وضع بشر فوق بعض البشر في المرتبة والحقوق والاهتمام، فهل الدم الإسرائيلي أو الأوكراني أكثر قدسية أو نقاءً من الدم الفلسطيني؟ هذا ولا يمكن تبرير إبادة أو الاعتداء على شعب بأي شكل من الأشكال. ولذلك كانت صدمة الناس بوقوف القيادة الأمريكية وحُلفائها في أوروبا بجانب المعتدين في غزّة، فهم جانبوا الصواب والمنطق الأخلاقي في مواقفهم، وتصريحاتهم، وتعاطيهم مع هذا الحدث الإنساني الفاصل.
ولا يخفى على المجتمعات الغربية، بأن هناك أكثر من مليوني فلسطيني من أهل فلسطين “الأصليين”، يرزحون تحت وطأة حصارٍ خانقٍ، وغير إنساني، وغير قانوني مدة عقدين من الزمن، ومع أن حكومة تل أبيب اليمينية المتطرّفة عمّقت تواطؤها مع الاعتداءات على المسجد الأقصى، حتى افتضح أمر ضلوعها في عملية تقسيم زماني للصلاة فيه، وعلى الرغم من تصعيد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، ونوايا حكومتهم ضم أجزاء من الضفة الغربية من خلال التوسع في هدم بيوت الفلسطينيين، وترهيب الآمنين، وبناء المستوطنات العشوائية. وإن النية مُبيتة على مستوى الدوائر الصهيونية وحلفائها في طرد العرب من فلسطين كخطوة أولى ثم قيام كيانهم من الفرات إلى النيل.
يا أبناء الشعوب الغربية، ويا أحرار العالم؛ إنّ صمود الشعب الفلسطيني ضد محتل غازٍ وكيان مصطنع، هو نضال تحرر، وكفاح مشروع، استمده هؤلاء الناس من إيمانهم بالله العزيز الجبار، ومن تعاليم القرآن الكريم الذي يبيّن لهم في آياته المحكمات، بأن الموت في سبيل الله عزّ وجلّ، وردّ المعتدين، والغزاة الظالمين؛ من أعظم القربات التي يَتقرب بها مَن رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيّاً ورسولاً إلى خالقه العظيم. وهو لا يخشى في ذلك لومة لائم. قال الله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 40، 41].
2. اختراق الحضارة الغربية من اللوبيات والأجهزة الشيطانية “الصهيونية”
أيتها الشعوب الغربية: إن الحضارة الغربية حدث لها اختراق حقيقي من قبل اللوبيات والأجهزة الصهيونية المتخصصة بالقضايا الفكرية، والدعاية الدينية، وحرّفت الكثير من الحقائق التاريخية من قضية “أرض الميعاد” و”هيكل سليمان”، ونجحت بالدعم الغربي في اختراق وتشويه المنظومة الأخلاقية والقانونية الغربية. ولعبت تلك الأفكار دورها في تغييب القيم والمثل الإنسانية التي تخاطب الفطرة السليمة. وجعل كثير من القادة الغربيين على اختلاف مواقفهم يسقطون في مستنقع الظلم والتجبر والإجرام على حساب قِيم شعوبهم ودساتير دولهم، وشعاراتهم الإنسانية والحضارية، والتي نادوا بها طويلاً.
ولا بد في هذا الخطاب من الإشادة بموقف المسؤولين في دول إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا وجنوب إفريقيا، والتي تباينت مواقف حكوماتها، واختلفت وجهة نظر مسؤوليها عن مواقف الحكومات الغربية الأخرى، وتجلى الرأي العام الشعبي في تلك الدول (المذكورة) في أرقى صوره في مظاهرات واحتجاجات عارمة ليل نهار. ولا ينسى العالم موقف رئيس وزراء كل من إسبانيا وبلجيكا، حين اعتصما أمام معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزّة، وعقدوا مؤتمراً صحفياً أمامه مطالبين بوقف العدوان، وإدخال المساعدات، ولن ينسى أحرار وشعوب العالم، الشكوى والمرافعات القانونية التي تقدمت بها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة الجنايات الدولية، لوقف الحرب في غزة ومعاقبة المحتل الصهيوني. وكذلك الموقف الإنساني الكبير لمملكة بلجيكا التي زادت حصة مساعدتها للأونروا بعد إيقاف حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول أوروبية أخرى مساعدات منظمة الأونروا في غزّة.
3. القيم الدستورية والإنسانية الغربية في اختبار حقيقي
يا أبناء الشعوب الغربية؛ تحدث كتاب “مقابلة مع جورج واشنطن” عن الكيفية التي انجذب بها واشنطن إلى النضال من أجل استقلال بلاده، وهو كتاب ينقل القرّاء في جولة تطل على الرؤية الثورية لواشنطن، فهو بطل الحرب المحتفى به الذي حاز لقب “أبو البلاد”؛ حيث يستلهم القرّاء في هذه الرحلة معاني البطولة، والتي من خلالها جعل من أمريكا ذلك المكان الأفضل في العالم، بعد تخلصها من الاستعمار الإنجليزي.
وحين أعلن الرئيس الأمريكي ويلسون نقاطه الأربعة عشر في نهاية الحرب العالمية الأولى، وأهمها:”حق الشعوب في تقرير مصيرها”، ترجمته الأمة الإسلامية على أنه موقف عادل ضد حركة الاستعمار الأوروبي، والذي كان جاثماً على صدور شعوبها، نعم فرح المسلمين بصوت من الأمم الأمريكية والأوروبية، واستبشر بقوة صاعدة رافضة ظلم المستضعفين، والتمييز بين الشعوب، ومحاولات اضطهادهم. ولكن الثقة بأمريكا ومشروعها الحقوقي، سرعان ما اهتزت، ثم انحدرت إلى الحضيض، بسبب تصرفات أمريكا نفسها التي كانت تأتي في صورة براهين تُبعد حسن الظن.
وإنه على الرغم من كل ما حدث في فلسطين على أيدي الصهاينة الغاصبين، بعد تدنيس المسجد الأقصى عشرات المرات، فقد استمر الدعم والتحالف الأمريكي الإستراتيجي مع المحتل الإسرائيلي، وزاد التأكيد على اِنحراف الموقف الأمريكي والغربي عن بوصلة القيم، والوعود الرسمية التاريخية بالسلام والديموقراطية، مما جعل تلك الحكومات، وسمعتها الدولية في اختبار حقيقي، وعلى المحك أمام الشعوب جميعهم.
4. الظلم مؤذن بانهيار الدول والحضارات
أيتها الشعوب الغربية، ويا أحرار العالم؛ إن القول اللين والنصيحة في الإسلام لهما قيمة عظيمة، وواجبة على المسلم للمسلم وغير المسلم، فالعالم يركب في مركبٍ واحدٍ، وما يحدث في أي مكان من هذا العالم يَنعكس بكل ظروفه على أيّ مكان فيه.
تواجه الأمة الإسلامية في هذا الزمان، عدواناً وإرهاباً، كما كان الحال حين تعرض عيسى (عليه السلام) لعدوان الرومان، فالرومان اضطهدوا المسيح (عليه السلام). ولقد كانت روما تعتبر نفسها حينذاك، رمزاً للقيم الحضارية، والقوة الأولى في العالم، ووريثة الحضارة اليونانية آنذاك، ولها مجلس شيوخ، وديمقراطية بمفهوم ذلك العصر، وكان الفرد الروماني حراً في عقيدته وسلوكه الشخصي، وهذا ما يجعلها خيراً من الإمبراطوريات المستبدة في مناطق أخرى حينها. ولكن التاريخ الإنساني لا يَذكر تلك الدولة بخير؛ بسبب الجريمة البشعة التي تلطخت بها، وهي اضطهاد المسيحيين، وقد فقدت تلك القوة العظمى كل ميزة قيمة، حين استضعفت طائفة مؤمنة بالله، والذي له القوة المطلقة، والعزة المطلقة، والعدل المطلق، وهو شديد العقاب يملي للظالم، ولكنه ينتقم منه يوماً.
ولذلك سلّط الله تعالى على إمبراطورية روما، جحافل القبائل القوقازية الشمالية “الجرمان”، واجتاحوا روما، وأحرقوا معالمها الحضارية، وحطموا كبرياءها في أواخر القرن الخامس الميلادي (476م)، وبعد ذلك بقرنين، أورث الله الأرض المقدسة التي عاش فيها المسيح (عليه السلام) لأتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهنا انتصر المسيح انتصاراً كبيراً، فهذه الأمة الإسلامية التي فتحت الكثير من مناطق العالم وحررته من الاضطهاد والاستبداد، وملأته رحمة وعدلاً، أظهرت للناس عظمة المسيح (عليه السلام) وصدق رسالته، وفضل الحواريين، ومن اِتبعهم، وهو ما جاء مُفصلاً في القرآن الكريم، واعتبرت نفسها حلقة أخيرة في نفس السلسلة الطويلة من أتباع الأنبياء؛ ابتداءً من خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام)، ومروراً بموسى وعيسى (عليهما السلام)، وأظهرت للعالم كله أن أعداء المسيح (عليه السلام)، بأنهم كانوا أعداء الحرية والقيم الإنسانية، ومن كذب المسيح، وحرض عليه (الرومان) أو من انتسب إليه زوراً، وحرف رسالته مثل بولس وأتباعه.
أيتها الشعوب الغربية، ويا أحرار العالم: أسفي أن تكون دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الحكومات الغربية، وخصوصاً تلك الدول التي أسسها المهاجرون والهاربون من الظلم والاضطهاد، قد أحلوا أنفسهم محل الجبابرة الذين اضطَهدوا وعَذبوا واستكبروا. وهو ما ينذر بالعاقبة الوخيمة، وعقاب الله عاجلاً أو آجلاً في إهلاك تلك القوى التي ناصرت الظلم، قال تعالى: ﴿أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ﴾ [غافر: 21].
وقد حدَّثنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن حضارة قوم عاد، والذين بطشوا وتجبروا واستكبروا في هذه الأرض، وقالوا لنبيهم هوداً (عليه السلام): ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ﴾ [فصلت: 15 – 16].
أيتها الشعوب الغربية، ويا أحرار العالم: هذه القصة فيها دروس وعِبر للحضارات والممالك والحكومات التي تقوم على الاستكبار والظلم والبطش والغطرسة، ولا تأبه لحقوق الإنسان، ولا حياة النساء والأطفال والشيوخ العزل، ولسان حالهم بأدواتهم التدميرية: من أشد منا قوة، فهؤلاء تمضي فيهم سنة الله، وآجالها وأوقاتها عند الخالق العظيم، وتدخل في سنة تداول الحضارات وتبدلها في قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 140].
5. المسلمون في كل مكان رسالتهم: السلام والعدل والمحبة
يا أبناء الشعوب الغربية، ويا أحرار العالم؛ المسلمون أمة عدلٍ وسلامٍ وخيرٍ، وفي الوقت نفسه تأبى عليهم أخلاقهم الشماتة بمنكوب، ويتأملون في كل موقف أن تراجع الدوائر الغربية وقادتها، وعلى رأسهم أمريكا، من سياستها، ويكونوا أقرب إلى العدل والإنصاف، وبعض قادتهم لهم سوابق في ذلك، وتبين كيف أن كان أهل الإسلام يبادلون الخطوة الغربية بخطوات:
وقد رسم المسلمون في العالم الغربي، ومن بينها دول أمريكا وبريطانيا وكندا، أروع الصورة الأخلاقية في الامتثال للقوانين، والمشاركة الحرة في الانتخابات، وممارسة الديمقراطية، والمنافسة النزيهة، والتعايش مع الثقافات، والدعوة إلى الخير. ولدى المسلمين قناعة بأن للشعوب الغربية من صفات الخير والإنسانية الكثير، وفي مقدمتهم الشعب الأمريكي، فهو شعب يُؤمن غالبيته بوجود الله تعالى، وهو شعب ينفق على الأعمال الخيرية ما لا ينفقه شعب في العالم. وهو من أكثر شعوب العالم قبولاً للإسلام، وأسرعها اعتناقاً له، فضلاً عن انتشار الإسلام وقبوله في أوروبا الغربية بشكل مثير للدهشة.
والحمد لله، هناك يقظة بين الشعوب الغربية أكثر من حكامها إذا ما قارناها بالعقود السابقة، فهؤلاء بفطرتهم السليمة، ووعيهم، وإدراكهم كذب حكوماتهم، بدأت لديهم حالة من الانبعاث والتمرد على المنظومة السياسية والإعلامية التي تشوه الحقائق، وتسيطر على الإعلام، ويبذلون قصارى جهودهم للعمل على انتصار القيم المتعلقة بحقوق الإنسان والسلام في أي مكان بالعالم.
وكلنا نفخر من منطلق إنساني وقيمي، بحجم واتساع الاحتجاجات الغربية في عمق عواصم الكبرى، والرافضة للظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وفي رفضها لاصطفاف القيادات الغربية مع المحتل الإسرائيلي، وهو ما جعل الكثير من المواقف الرسمية الغربية، تتغير نسبياً، أو تضغط، أو تتخذ مواقف حيادية في تصريحاتها وسلوكها، خوفاً على مستقبلها السياسي داخل دولها. وهو ما جعلنا نشعر بأهمية وجود الخير والمعاني الإنسانية لديكم، وحتى اليهود الأمريكيين والغربيين كثير منهم شاركوا رافضين السياسية الصهيونية، وسلوكها الإجرامي والوحشي تجاه الأبرياء الآمنين. وإن هذا الحال، يبشر بصورة مشرقة، قد تسببها المواقف الإنسانية تلك، وتنعكس على تحقيق السلام والاستقرار والعدل والحرية لجميع الشعوب المظلومة في هذا العالم.
وإن التاريخ يشهد على القدرة الفائقة للشعوب على تغيير الأحداث، عندما تقف متحدة لصالح الإنسانية، ونصرة للمستضعفين. وفي هذا السياق، ندعوكم جميعاً إلى الوقوف متحدين في تعزيز السلام والعدالة، ونؤكد أهمية دور كل فرد منا في بناء عالم أكثر إنسانية وعطفاً ومحبة.
6. خلاصة القول.. إلى الشعوب الغربية وأحرار العالم
إلى الشعوب الغربية، وإلى أحرار العالم: نحن نواكب جميعاً بكل أسىً وحزن الفظائع الرهيبة والجرائم اللا إنسانية، من استهداف المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني في غزّة والمناطق المحتلة في فلسطين، والتي تتخذ طابع التطهير العرقي، والإبادة الممنهجة، وهذا يمثل تحدياً أخلاقياً للعالم بأسره، ويستدعي يقظة إنسانية عاجلة، ومراجعة صارمة للأسس والمفاهيم الدستورية التي قامت عليها الأمم المتحدة، والحكومات الغربية، والعالمية. وإن ما يجري في غزّة اليوم، يُعيد فصولاً مرعبة من ذاكرة العهد الاستعماري في الجزائر وأفغانستان والعراق وإفريقيا، وكما ذاق الشعب الأمريكي من كأسها، وكافح، وناضل حتى نال حريته، ومواطنته، وكرامته، وحقوقه الإنسانية.
أيتها الشعوب الغربية؛ لنتحد جميعاً، أمريكيين وأوروبيين، وفلسطينيون، والشعوب كلها في العالم، لأجل حياة الإنسان؛ كرامة وقيمة ومعنى، ولنصنع فرصةً للتغيير الإيجابي، ونرسم مستقبلًا يسوده السلام والعدالة، وإن الإنسانية تجمعنا، والعمل المشترك يمكننا من تحقيق الأماني المشتركة للعيش في عالم يسوده الحب والتسامح.
وأخيراً: أنصحكم وأخوفكم بالله الخالق العظيم، بأن تقفوا بجرأة وببسالة، وفي حشود غفيرة، ضد هذا العدوان والظلم، وأن تتعاملوا مع هذه القضية الإنسانية والأخلاقية “قضية غزّة وفلسطين”، بعدل ورحمة، وبضمير حي، فالبشر كما يُقرر القرآن، هم إخوة، وأبناء أبٍ واحدٍ وأمٍ واحدةٍ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. علي محمد محمد الصَّلابي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين