الأقليات الهندية بين الوطنية الزائفة والشعارات الفارغة
بقلم برهان أحمد الصديقي
قال الشاعر الهندي أنيل جوشي -الفائز بجائزة ساهتي أكاديمي في الفن والأدب- مُعبرًا عن غضبه العميق على أوضاع الكراهية المتزايدة ضد الأقليات وخاصة ضد المسلمين في البلاد، “لقد أصبح الجو ممتلأً بالبغض. ولا توجد مساحة مفتوحة للتنفس ولا حرية تعبير للكُتاب الأدباء. وإنه مثل فقدان الأكسجين لأننا كُتاب نرغب في مساحة مفتوحة للتنفس أحرارا وأنا لست بحاجة إلى أسطوانة أكسجين في شكل جوائز للعيش.
إن الهند أرض تضم ثقافات عديدة، وديانات كثيرة وأشخاص ذوي هويات متعددة وألسنة مختلفة وولاءات متنوعة التي تجتمع جميعها في ولاء الأمة وبأنهم مواطن أحرار في بلاد واحد ذات دستور واحد وعليهم واجبات ومتطلبات ولهم حقوق ليس لأحد أن يحرمهم منها أو يجبرهم على خلافها. فهذه هي الفكرة التي أُسست عليها البلاد يومَ استقلالها ويومَ تدوينِ دستورها فكيف امتدد الاشمئزاز والاستياء أجنحتها على أرض الهند وسكانها التي جعلت الشاعر أنيل جوشي محزونا مكتئبا وشارك في حزنه وأساه كثير من الشعراء والأدباء والمثقفين والصحفيين من أنحاء البلاد مع اختلاف دياناتهم وأفكارهم لأنهم يحسون بأن بلادهم يتم الآن اختطافها من قبل أيدولوجية خاصة تمتلكها المتطرفون حيث تسود حوادث العنف الطائفي التي يقودها الغوغاء.
كما قال الكاتب الشهير ششي تهرور: ” في هذه الهند الحديثة التي يقودها المتعصبون الهندوس، أصبح شعار ” بهارت ماتا كي جاي” (يحيا الهند الأم) و” شري رام” (يحيا الإله رام) صرخات حاشدة للتعصب أكثر من الشعارات الجميلة التي يمكن للهنود استخدامها بحرية أو عدم استخدامها كما يحلو لهم. لقد تم الاعتداء على الإنسان وقتل الأبرياء باسم حماية البقر وخاصة يهدفون المسلمين والأقليات الأخرى”.
كما أعلن الأمين العام المشترك لمنظمة “آر ايس ايس” داتاريا هوسابال في ١٧مارس ٢٠١٦:” إذا يرفض أحد هتف “بهارت ماتا كي جاي”(يحيا الهند الأم) فنعتبره معاند للوطنية. وزادت الطين بلة عندما شارك أميت شاه الوزير الداخلي الهندي قائلا” إن حزب “بهارتيا جانتا” لن تسامح انتقاد البلاد أبدا. فأتباعهم العمياء يجبرون الأقليات والمسلمين خاصة، على منادي هذه الشعارات التي تمثل الديانة الهندوسية بعيدا عن الوطنية الواعية لأنهم يقرؤونها في عباداتهم ولذا لا يقبل المسلم هتافها لأنه يؤمن بأن لا إله إلا الله. فهنا يقوم الوطنية الزائفة أمام حرية الديانة وهذه ليست في مصالحة البلاد.
فهذا العنف يحرم البلاد الأمن الداخلي وسلامتها وهذه الإجراءات الشنيعة ليست من مصائب ضحايا فحسب بل تجعل المتعصبين لعبة في الأيادي السوداء للسياسيين وتدفع البلاد إلى ظروف قاسية وأحوال مدهشة بعد حِرمانها من الأمن الداخلي.
كشف الغمام:
1. السيادة تكون للأمة ليس للحكومة في بلد حر، ولذا لا يعتبر نقد الحكومة عملاً من أعمال الفتنة أو التمرد ولا يمكن اعتباره مناهضًا للوطنية.
2. الوطنية لها علاقة كبيرة بفهم المجتمع وبقبول هوية الفرد كعضو في ذلك المجتمع ولا يمكن اختزالها في مجرد تلويح بالأعلام وترديد الشعارات ومعاقبة الناس لعدم فعلها.
3. الهندوس (Hindu) هي ديانة يتبعها غالبية الهنود ويحتفل بها، والهندوتفا (Hindutva)هي أيديولوجية للتعبئة السياسية بين أغلبية البلاد. وحتى بين الهندوس هم _هندوتفا_ مؤيدون لنظام الطبقي فيفرقون الهندوس في طبقة الأعلى والأسفل وغيرهما وقالت المؤرخة روميلا تابر: “مصطلح هندوتفا اخترعه “وي دي ساوركر” في هذا المعنى في عام ١٩٢٣ واختارها حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) كأيديولوجيته في عام ١٩٨٩. ولو رفضها معظم كبار السياسيين الهندوسيين وقت الاستقلال ولايزال يخالفها وينتقدها عدد كبير من المثقفين الهندوسيين لذلك ليس كل الهندوس مؤيديها أو بحاجة إلى أن يكونوا من أنصار الهندوتفا “.
4. في نصوص الديانات الهندوسية القديمة لا يوجد إله “بهارات ماتا” ولم يكن لها صنم، ولم يوجد لبلاد الهند صنم في تاريخها القديم يعبد باسمها بل كان الروائي “بانيكم” رفع الوطنية إلى منزلة الدين في روايته الشهيرة “أناندامات”. وبدأت عبادة الخريطة الهندية مع صورة إله “كالي ديوي”. وتمت تسميتها ب “بهارت ماتا” يعني “الهند الأم”. فعندما يهتفون باسمها فلا يهتفون البلاد بل ذلك الصنم الذي صنع بمركب الإله وخريطة الهند.
5. وشعارهم “” شري رام” (يحيا الإله رام) يهتفه متبعو الإله “رام” وبدأ المتطرفون يجبرون المسلمين على هتافها بعد هدم المسجد “بابري” يزعمون بأنه كان بُني على مكان ولادة رام بعد هدم معبده وفي الحقيقة ملك “بابر” ورجاله أبرياء من هذه الأكذوبة والتهمة كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام فهدموه زورا وبهتانا في ٦ ديسمبر ١٩٩٢ وبعد معركة طويلة في المحاكم، أعطت المحكمة العليا أراضي المسجد الشهيد للهندوس لبناء معبد رام ولكن أيضا اعترفت بكلمات جلية في حكمها بأننا لم نجد دليلا على هدم معبد “رام” قبل بناء المسجد “بابري” ومنحت أراضي للمسلمين في مكان آخر فزادت الغوغاء بعد حكمها من جديد على اسم “رام” والسياسيون لا يتركون فرصة إلا ويستخدمونها في الحصول على مصالحهم السياسية.
ولعبة السياسيين لا ينتهي هنا كما وضّح الكاتب سدانند مينن ” يكمن أحد المكونات الرئيسية لسياسات القومية الثقافية في قدرتها على اختراع “عدو” وهذا الاختراع يمهد الطريق لبيع الفكرة ولقبولها من قبل عدد كبير من الأشخاص ولتصنيع التهديدات والأزمات حسب الرغبة، ولتغير “فكرة العدو” من وقت لآخر ولكن في الهند كان مشروع القومية الثقافية الهندوسية طويل الأمد قد جعل المسلم “عدوًا” و”آخرا” فأصبحت ولاءاتهم موضع التساؤل ودوافعهم مشبوهة إلى الأبد”.
بحثا عن ثقافة متكاملة:
ولبناء مجتمع وأمة ذات ثقافات عديدة، وديانات كثيرة وأشخاص ذوي هويات متعددة وألسنة مختلفة وولاءات متنوعة يجب أن يفهم المجتمعُ الحقيقةَ القومية الثقافية ويمتنع نفسه من الغل لمن معهم يعيش ويشارك ممتلكات الكون ويُدرك صلب أفكار القومية بأن القومية الثقافية لا تعني فرض ثقافة الأغلبية على المجتمع وإنما البحث عن ثقافة متكاملة يتمتع فيها الجميع وتمارس الأقليات أفكارهم أحرارا ولا تشعر أنفسهم أجانب في تلك الثقافة المتكاملة. ولو كانت الأنشطة والاحتفالات التي تحتفل بها الأغلبية تؤثر بشكل أكبر على المجتمع وتتلقي المزيد من التغطية فهذا أمر طبيعي ولكن لن يُجبَر أحدٌ على مشاركة أنشطتهم واحتفالاتهم وتقاليدهم ضد إرادته ورغبته.
وعندما يفقد المجتمع هذه الأسس في بناءه ينهدم بموجة أيدولوجيات غير متوازنة ويتعفن من أفكار متعصبة مشؤومة لأن المتطرفين الذين يرغبون في تسويغ سائر البشر في لون واحد بالعنف لا يتركون خطة كان من شأنها أن تشفي صدورهم وتذهب غيظ قلوبهم إلا ونفذوها بكل مكر ودهاء ولو لا يمنعهم أحد أن يدعوا إلى أفكارهم وتعليماتهم مع إعطاء حق قبولها وإنكارها لسامعهم ولكن التعصب الذي يمكّن في قلوبهم لا يسمح لهم اعناق المحبة والأخوة.
ولذا لا يمكن أن تكون “القومية” و”الوطنية” بلا حدود ويجب وضع حدودها بعناية كاملة لضمان الكرامة والحرية والنمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية لكل مواطن. لعل الخليفة الأول أبا بكر رضي الله عنه كان يدرك هذه القيم حق إدراكه لبناء مجتمع الأحرار ولحفظه من الأشرار فقام قائلا في أول خطبته: “الضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى أرجع إليه حقه إن شاء الله، والقويّ فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه”.
المصدر: مجلة المجتمع