إعداد هاني صلاح
بالرغم من كون الأقليات المسلمة حول العالم (المسلمون في الدول الغير إسلامية) تتراوح نسبتهم حول 30% من اجمالي تعداد مسلمي العالم (حوالي 500 مليون نسمة)؛ إلا أنهم لا يحظون بتغطية إعلامية إحترافية متخصصة ترفع واقعهم وتلقي الضوء على جهودهم في دولهم وتتطرق للتحديات التي تواجههم بشكل إيجابي يهدف لخلق الوعي ودعم جسور التواصل بين الشعوب المسلمة حول العالم الإسلامي سواء في دولها ذات الغلبية المسلمة أو في تلك الدول التي تعيش بها أقليات عددية مسلمة.
وبلا أي تردد أستطيع تأكيد أنه لا توجد مؤسسة إعلامية احترافية متخصصة واحدة تعمل في مساحة الأقليات المسلمة على امتداد الرقعة العربية أي في نحو 22 دولة عربية، وذلك بالرغم من مئات بل آلاف المؤسسات الإعلامية العربية بمختلف وسائلها ما بين قنوات فضائية ومواقع إعلامية أو صحف ومجلات مطبوعة.
وحتى لا يكون هذا الكلام مجرد تكهنات أو إنشائي؛ فسوف أتطرق كصحفي أعد الأول في المنطقة العربية ـ على الأقل ـ في مساحة التغطية لشئون الأقليات المسلمة حول العالم إلى تجربتي الخاصة منذ أن بدأت الكتابة بشكل دائم بأكبر موقع إسلامي في المحتوى العربي حيث كنت مراسلهم لشئون الأقليات المسلمة على مدار سنوات قبل أن يتوقف لظروف خاصة مما دفعني للتوجه للعمل في نفس المساحة مع مواقع أخرى إسلامية ترأست فيها أقسام خاصة بالأقليات المسلمة أو ترأست فيها رئاسة التحرير في مواقع أخرى لم يكتب لها الاستمرار نظراُ لغياب التمويل، كما تواصلت مع تجارب إعلامية أخرى قبل انطلاقها وقدمت لها نصائح خاصة بما لم يتم الاستفادة منها.. وهو ما جعل هذه النتيجة هى التي تهيمن على الإعلام الإسلامي ومفادها “غياب مؤسسة إعلامية احترافية متخصصة في مساحة الأقليات المسلمة حول العالم”..
وسعياً لرفع الواقع بل المعاناة التي يجدها المهتمون بالدور الإعلامي لشئون الأقليات المسلمة والتي مازالت حاضرة وبقوة إلى اليوم ولا تجد من يتقدم لانهائها وسد ثغرة من ثغور الأمة الإسلامية والتي لن يكتب لها أي نهضة أو تقدم إلا بملء هذا الفراغ الإعلامي الذي يغيب عن وجدان المسلمين حول العالم شعورهم بأنهم أمة واحدة ويرسخ مشاعر سلبية أخرى بأن كل شعب أو أقلية إنما تعيش في جزر منفصلة عن الأخرى لاتعرف عن باقي إخوانهم شىء سوى أسماء بلدانهم وفقط..
فسوف أوجز في سطور “تجربتي الإعلامية الخاصة” سواء مع المواقع الإعلامية المختلفة أو من خلال أنشطتي الإعلامية الخاصة، ومن خلالها وعبرها ألقي الضوء على بعض الأمور الهامة والمتعلقة بالدور الإعلامي بشكل عام والتحديات التي تواجهه في هذا الصدد:
1 ـ تجربة موقع (إسلام أون لاين.نت) ـ خلال الفترة: (2004 ـ 2010):
ـ الفكرة: (غياب لقسم خاص بالأقليات المسلمة في أكبر موقع إسلامي بالمنطقة العربية)…
ـ إثر عودتي لمصر وبعد غياب لأكثر من عقد بدأتي تجربتي الإعلامية مع أكبر المواقع الإسلامية حيث تخصصت بدايةً في الكتابة عن مسلمي البلقان وكانت كافة المواقع الإسلامية الأخرى وعلى امتداد دول العالم بما فيها المواقع الإسلامية بالدول الغير إسلامية تنشر بعض من هذه التقارير الحصرية..
ـ ثم بناءاً على طلب إدارة الموقع تم التوسع لتغطية شئون الأقليات المسلمة حول العالم في الـ(6) قارات وتم تخصيص هاتف لي للتواصل مع كافة المؤسسات والدعاة والنشطاء وإجراء الحوارات معهم وأخذت التصريحات الصحفية بشأن الأخبار والأحداث الجارية. ونجحت هذه التجربة وكانت (إسلام أون لاين.نت) مصدر موثوق حصري متفردة بتقارير خاصة بالأقليات المسلمة تنقل عنها كافة المواقع الأخرى.
ـ خلال هذه السنوات كان اعتمادي في رصد الأخبار وكتابة التقارير وإجراء الحوارات في موضوعات الساعة بناءاً على التواصل الوثيق مع مصادر الأقليات المسلمة مباشرة ثم من خلال متابعة ما ينشر على مواقعهم الاعلامية ثانيا.. ولم أعتمد على المواقع الإعلامية أو الوكالات إلا في حالات نادرة فيما يتعلق بالمسلمين حول العالم ـ كما حدث لاحقاً مع جريدة الأمة الالكترونية في عام 2014م ـ إلا باستثناء المناطق الألبانية التي كنت أطالع المواقع الاخبارية والإسلامية للتعرف على آخر الأخبار وذلك باللغة الألبانية التي أتقنها.
ـ وبالرغم من هذا النجاح لم يتحقق أمل أن يتم إنشاء قسم إعلامي ـ على الأقل ـ بأكبر المواقع الإسلامية (إسلام أون لاين.نت) تتاح له مساحة أكبر في التغطية وتحقيق تطلعات كثير من المؤسسات والدعاة في أوساط الأقليات المسلمة حول العالم في نشر المزيد من أخبار أنشطتهم وفعالياتهم التي لا تتوقف؛ وإنما كانت التقارير تنشر من آن لآخر ضمن مساحة إخبارية عامة تابعة لقسم الأخبار وكان هذا أكبر ما هو كان متاح في هذه المساحة ومما يعني أقل بكثير من الدور الإعلامي المطلوب تجاه الـ(ثلث) الأمة الإسلامية حول العالم.
2 ـ تجربة (حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك) خلال الفترة (2013):
ـ الفكرة: (حل مشكلة غياب معلومات عن الأقليات المسلمة باستضافة رموزهم والتحدث عن واقعهم للجمهور مباشرة دون أي تدخل منا بأي شكل أو صورة سواء في الأسئلة المطروحة أو الاجابات)..
ـ في هذه الأثناء لم ألتزم بموقع إعلامي للكتابة فيه عن الأقليات المسلمة، وهو ما دفعني لعدم التوقف والبدء بإجراء حوارات مع رموز الأقليات المسلمة حول العالم مباشرة على موقع الفيسبوك وتم إجراء خمسة حوارات في هذا العام شارك فيها صحفيين في مواقع إعلامية أخرى وتم نشرها ـ بجانب نشري لها على الفيسبوك ـ على مواقعهم الإعلامية الأخرى..
ـ هذه التجربة في حقيقة الأمر بداتها في عام 2010، حيث أجريت حواراين ثم توقفت عنها حتى عام 2013، ثم أعدت تكرارها في أعوام تالية خلال 2014 مع جريدة الأمة، ثم 2015 مع موقع مرصد الأقليات المسلمة، ثم في عام 2017 الحالي مع الموقع الإعلامي لمجلة المجتمع الكويتية.
ـ هدفت هذه الحوارات ـ وهى الوحيدة التي تجري بهذا الشكل على موقع الفيسبوك ـ إثارة الاهتمام بقضايا الأقليات المسلمة على أكبر موقع للتواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، والاستفادة من المساحة المجانية المتاحة للمستخدمين في المشاركة في هذه الحوارات والاطلاع عليها من مختلف دول العالم؛ وبجانب توفير المعلومات الأساسية عن التواجد الإسلامية في دول العالم من خلال استضافة رموز الأقليات المسلمة في هذه الدول والتحديث بأنفسهم للجمهور من مختلف دول العالم والرد على أسئلتهم واستفساراتهم ومن ثم نشر كل هذا على عدة مواقع إعلامية تشارك بطرح أسئلتهم على هؤلاء الضيوف بجانب نشرها على صفحة عامة بعنوان: (الإسلام والمسلمون في العالم) على موقع الفيسبوك.
ـ وهنا لابد من الإشارة وبأسف بان المواقع الإسلامية الإعلامية لا ترحب بهذه النوعية من الحوارات (العامة والغير محدد موضوعات مسبقاً) وتفضل التركيز على حوارات تتعلق بحدث ما أو قضية واحدة، وربما يكون مرجع ذلك بأن القائمين على هذه المواقع غير متخصصين في ملف الأقليات المسلمة ولا يدركون التحديات الهائلة والصعوبات الجمة التي يبذلها الصحفي للتعرف على معلومات ومعطيات حول واقع أي أقلية مسلمة وجاءة فكرة هذه الحوارات لحل مشكلة غياب المعلومات من خلال تحدث رموز الأقليات المسلمة عو واقعهم دون أي تدخل منا في تحجيم كلامهم أو تحديد الموضوع.. وهى حوارات نوعية وتمثل شهادات موثقة من فاعلين على الأرض وفي مرحلة تاريخية محددة حول التواجد الإسلامية في دولهم.
3 ـ تجربة جريدة (الأمة) الالكترونية خلال الفترة (2013 ـ 2014):
(الفكرة: نجاح ثم فشل بسبب غياب التخصص والتميز وتفضيل الكم على الكيف)
ـ حيث توليت مسئولية قسم الشئون الدولية أو تحديدا الأقليات المسلمة حول العالم وكتبت عن المجالين معا..
ـ وحقيقة كانت تجربة مميزة.. لها سلبياتها وإيجابياتها؛ فمن ناحية الامكانيات لم يكن متاحاً لي أي هاتف دولي للتواصل المباشر مع رموز الأقليات المسلمة، وكان تطور وسائل الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي ودخول كثير من رموز الأقليات المسلمة على هذه المواقع سهل بعض من مهمتنا الإعلامية.
ـ ومن إيجابيات هذه التجربة أمرين:
أ ـ ترك الحرية التامة لي للكتابة والنشر كما أريد وبشكل مكثف وهذا لم يكن متاحاً من قبل مع موقع إسلام أون لاين فعلى سبيل المثال كان انتاجي لموقع إسلام أون يتراوح ما بين أربعة إلى ثمانية تقارير قوية ومميزة خلال الشهر.. بينما في جريدة الأمة كانوا يطلبون هذا العدد للنشر في اليوم الواحد وبالتأكيد كان هذا الأمر مستحيل ولكن حققنا لنا طفرة قوية في تسريع الرصد والتواصل والكتابة والنشر بشكل لم يكن متاح من قبل حتى من ناحية استعدادنا الخاص.
ب ـ الأمر الايجابي الثاني هو قيامنا برصد الأخبار العالمية سواء السياسية أو الاقتصادية حول العالم والكتابة عنها بجانب الكتابة عن المسلمين في هذه الدول وهو ما أسهم بشكل كبير في تحقيق وعي ومحاولة تصديره للقارىء بالواقع السياسي والاقتصادي العالمي بجانب دورنا في التعريف بواقع الأقليات المسلمة حول العالم.
ـ إلا أن هذه التجربة لم تراعي التخصص أو التميز وسلكت طريقة الكم على الكيف والعمومية على الخصوصية وهو ما دفع بالجريدة بالتراجع في محركات البحث وعدم دخول جمهور عريض على موقعها الالكتروني وبالرغم من نصائحنا المتكررة بضرورة التركيز على الكيف وليس الكم فلن يستمع لنا أحد مما اضطررنا لتقديم الاستقالة والاعتذار عن الاستمرار وما هى إلا أشهر إلا وتوقفت الجريدة عن العمل سوى بشكل روتيني شبع تطوعي من موظف أو اثنين بعد الاعتذار لجميع الصحفيين عن الاستمرار والأسباب واضحة.
ـ والمهم هنا بجانب التوسع في رصد الأخبار الدولية والكتابة عنها بشقيها السياسي والاقتصادي، هو البحث عن أخبار المسلمين في المواقع الغربية الإعلامية والوكالات والمنظمات والجمعيات ولكن الصادرة باللغة العربية وكانت تمثل مصدر من مصادر الأخبار والتي ربما لا نجدها في مواقع إسلامية بالعربية على الرغم من عدم حيادتها في كثير من الأمور ولكن كنا نستثمر المعلومات والحقائق وعيد صياغتها في إطار الحقائق التاريخية وتحليل التطورات التي طرأت على واقع هذه الأقليات وتقديم الخلاصات للقارىء كما خدث في قضيتين مهمتين وهما مسألة مسلمي بورما ومسلمي جمهورية إفريقيا الوسطى خلال هذه الفترة (20113-2014).
4 ـ تجربة موقع (مرصد الأقليات المسلمة) خلال عامي (2015-2016):
الفكرة: أول موقع إعلامي متخصص فعلاً ولكن دون أي امكانيات مادية× وبالفعل نجح الموقع من خلال أجور بسيطة في ظل إدارة متطوعة ووصلت للمراتب الأولى في محركات البحث ولكن توقف بعدها لاستحالة استمرار تسيره فقط عبر التطوع).
ـ تجربة مميزة لزميل صحفي أنشأئه من خلال دعم اقارب له وعرض علي إدارته وتولية مسئولية تحرير الموقع وتعهد بترك الحرية التامة لي في النشر؛ ولكنني اعتذرت في بداية الأمر خشية من انطلاقه ثم توقفه لاحقاً بسبب انتهاء الدعم المالي. وذلك في عام 2013م.
ـ ثم لاحقاً خلال عام 2015 والتالي 2016 وافقت على إدارة الموقع بهدف إنجاحه وهو ما يسهل تسويقه من قبل مؤسسه وبالفعل قمت بإدارته بشكل منفرد دون أن يكون معنا أي زميل أو موظف بالموقع سوى الأشهر الثلاثة الأولى فقط.
ـ وحدث أن واصلت إدارة الموقع منفردا وتحقق بالفعل نجاح كبير للموقع ووصل للنتائج الأولى في محرك البحث جوجل وذلك بسبب أننا لم ننشر عليه إلا أخبار ومحتوى متخصص وحصري فقط.
ـ وقد أجريت خلال عام 2015 فقط (14) حوار من حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك ـ ضمن برنامج التعريف بالمسلمين حول العالم ـ من (13) دولة حول العالم حيث كان حوار آخر حول المصادر عن تاريخ الشعوب المسلمة.
ـ ومع فترات انقطاع واصلت إدارة الموقع في نهاية عام 2015 وبدايات عام 2016 وأجريت أفكار جديدة للحوارات ك(حوارات الملف) وهى فكرة حصرية قمت بتنفيذها فقط على موقع المرصد وتواصل هذا النجاح ولكن مع عجز الإدارة عن توفير دعم مالي للموقع قمت بالاعتذار عن الاستمرار في إدارة الموقع.
ـ الخلاصة أن هذه التجربة الأولى المتخصصة التي نجحت بالفعل فشلت مرة أخرى بسس غياب الدعم المالي..
5 ـ تجربة (زاوية/باب الأقليات المسلمة) بمجلة المجتمع الكويتية الشهرية ـ خلال عامي 2016/2017:
(الفكرة: نجاح أول تجربة لقسم خاص عن الأقليات المسلمة بمجلة مطبوعة دورية):
ـ مع تغير إدارة موقع مجلة المجتمع؛ أتيح لي إعادة التواصل معهم من جديد بعد توقف لأكثر من عشرة سنوات بسبب اعتراضي على سياسة المجلة في الفترات السابقة مع مراسليها.
ـ وحدث أن قدمت مقترحات تجمعها زاوية عن الأقليات المسلمة وهى باب شهرية نغطي خلالها أهم وأبرز المستجدات على الساحات المحلية والإقليمية للأقليات المسلمة حول العالم، وقبلت كلها وتم التعاون بشكل كبير من الثقة وحسن التفاهم وهو ما انعكس على نجاح هذه التجربة تمثل في حرص كثير من رموز ودعاة الأقليات المسلمة على توثيق تواصلها معهم ونشر أخبارهم في هذه المساحة التي تترامح ما بين 6 صفحات إلى 8 أو حتى 10 صفحات شهرية.
ـ إلا أن ما أصاب مواقع إسلامية سابقة بدأ يصيب حاليا المجتمع الكويتية وهو ما يهدد بقاء تميز المجلة بسبب انخفاض الدعم المالي وتخفيض عدد الصفحات وتقليص عدد من الموظفين وهو ما يعندي بدء تراجع لنجاح المجلة ومن ضمنها زاوية الأقليات المسلمة الشهرية.
في ضوء هذه التجارب الخمسة السابقة، على مدار نحو 13 عاماً من الكتابة منذ عام 2004م وحتى العام الحالي 2017م.. يتضح لنا الآتي:
ـ هناك أزمة واشكالية لدى إدارات المواقع الإسلامية تتمثل في عدم إدراكم لأهمية تخصيص مساحات وأقسام وامكانيات في مؤسساتهم الإعلامية تتخصص فقط في مساحة الأقليات المسلمة وتركز محتواها فقط على هذه المساحة.
ـ التجارب التي نجحت في بدء تخصص إعلامي في هذا الجانب “كانت فردية أو شبه فردية” نظراً لاقتناع أصحابها باهمية هذه المساحة ولكنا لم تستطع مواجهه أعاصير الأزمات المالية أو غيرها وهو ما أوقفها أو أفشلها.
ويبقى السؤال الذي لا توجد عليه إجابة حتى اليوم:
متى يقتنع أصحاب القرار والمال بأهمية الدور الإعلامية لثلث الأمة الإسلامية وتأثيره في إحياء روح الأمة في وجدان الأجيال الناشئة على الأقل؟
(المصدر: مدونة الإسلام والمسلمون في العالم)