الأقليات المسلمة في 2018.. إنجازات على استحياء وتضييق يتزايد
إعداد محمد سرحان
شهد عام 2018 عدداً من الفعاليات التي تخص الأقليات المسلمة، حيث استضافت مدينة إسطنبول في تركيا، في منتصف أبريل، أعمال مؤتمر “القمة العالمية للأقليات المسلمة” بمشاركة 250 من رؤساء أو ممثلين عن الإدارات الدينية ورموز من الأقليات المسلمة بجانب أكاديميين ونشطاء وصحفيين من 100 دولة حول العالم، نظمته رئاسة الشؤون الدينية التركية.
وفي مايو استضافت العاصمة الإماراتية أبوظبي يومي 8 و9 مايو مؤتمراً تحت عنوان “المؤتمر العالمي للأقليات المسلمة: الفرص والتحديات”، بمشاركة العديد من رموز الأقليات المسلمة حول العالم من نحو 130 دولة، وتم الإعلان عن إنشاء منظمة دولية باسم “المجلس العالمي للأقليات المسلمة”.
وفي جولة حول حصاد أبرز الأحداث على مشهد الأقليات المسلمة حول العالم، رصدت “المجتمع” بعض الإنجازات التي تحققت وإن كانت على استحياء، إلى جانب تزايد التضييق في دول أخرى أو صعود لخطاب الكراهية.
الفلبين.. إقرار الحكم الذاتي الجديد لمسلمي الجنوب
أقرت اللجنة المشتركة من الكونجرس ومجلس الشيوخ الفلبيني، بشكل نهائي قانون بانجسامورو، الأربعاء 18 يوليو، قبل أسبوع من إقرار الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي للقانون، الذي يمنح الحكم الذاتي الجديد لمسلمي إقليم منداناو، الذي يأتي بعد حوالي 42 سنة من أول اتفاق سلام تم توقيعه في 23 ديسمبر 1976 بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الوطنية، كان يقضي بإقامة حكم ذاتي في إقليم منداناو لكن تقلصت المساحة المخصصة لهذا الحكم إلى حوالي 30% من مساحة منداناو البالغة 117 ألف كم.
وجاء إقرار القانون بعد سنوات من التفاوض أسفرت عن توقيع الاتفاق الإطاري في أكتوبر 2012 بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية، ثم الاتفاق الشامل في 27 مارس 2014، وهذه الاتفاقات تقضي بإقامة “كيان بانجسامورو السياسي” الجديد، على أنقاض “الحكم الذاتي” لإقليم منداناو السابق.
ومن المقرر أن يتم إجراء استفتاء في يناير من العام الجديد في المناطق ذات الأغلبية المسلمة جنوبي الفلبين بشأن موافقتهم على أمرين، وهما اعتبار ما جاء في القانون التأسيسي الجديد دستوراً لمناطقهم، وضم مناطقهم للنظام السياسي الجديد الذي سيحل محل الحكم الذاتي الحالي المعروف بمنطقة الحكم الذاتي في مينداناو المسلمة القائم منذ العام 1990.
الولايات المتحدة.. مسلمتان في الكونجرس
إلى جانب العديد من الفعاليات والمؤتمرات الداخلية التي نظمها مسلمو الولايات المتحدة، كان الحدث الأبرز فوز مسلمتين في انتخابات التجديد النصفي، هما إلهان عمر، لاجئة من أصول صومالية، بمقعد في مجلس النواب عن إحدى مناطق ولاية مينيسوتا، بالإضافة إلى رشيدة طليب، وهي من أصول فلسطينية فازت بالتزكية.
شهدت هذه الانتخابات مشاركة ملحوظة من قبل المسلمين، وفق ما ذكره مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) في تقرير له مؤخراً، أن 95% من الناخبين المسلمين في الولايات المتحدة شاركوا بالتصويت في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
روسيا.. المصارع المسلم حبيب نور محمدوف بطلاً للعالم
يعتبر الحدث الأبرز لدى مسلمي روسيا هو تربع المصارع الداغستاني المسلم حبيب نور محمدوف على عرش بطولة العالم للوزن الخفيف بالفنون القتالية بعد تغلبه على الإيرلندي كونور ماكجريجور في أوائل أكتوبر الماضي، ورفع عدد انتصاراته إلى27 خلال مسيرته الاحترافية من دون تعرضه لأي خسارة.
كما ودع مسلمو روسيا مترجم القرآن إلى اللغة الأوارية في داغستان بمنطقة القوقاز الشمالي في روسيا الشيخ عبدالرحيم عمر، الذي وافته المنية في 5 نوفمبر 2018، عن عمر 76 عاماً، بعد مسيرة عامرة بالعطاء العلمي وترجمة العديد من كتب التراث الإسلامي.
فنزويلا.. جهود دعوية متواصلة
يقول د. أحمد عبده، مركز تواصل فنزويلا: إن 42 شخصاً أسلموا بفضل الأنشطة الدعوية لمركز تواصل فنزويلا، الذي أقام حوالي 100 محاضرة للمسلمين الجدد، فضلاً عن نحو 60 نشاطاً دعوياً لغير المسلمين، وكان هناك جهد مميز لمركز تواصل فنزويلا خلال هذا العام، إذ تشهد فنزويلا أزمة اقتصادية طاحنة، فكان من نشاطات المركز زيارة المستشفيات وتقديم مساعدات للمرضى أو للفقراء والمشردين في الشوارع، وتوزيع أكثر من 10 آلاف مطوية للتعرف بالإسلام، كما دشن المركز مشروعاً دعوياً تحت عنوان “ضع بصمتك في أمريكا اللاتينية”، ويشمل أعمالاً وأنشطة دعوية للتعريف بالإسلام ونشره في هذه البلاد.
أوروبا.. صعود للكراهية
يقول حسام شاكر، خبير استشارات إعلامي وناشط مسلم في أوروبا: في أوروبا وفيما يتعلق بالمسلمين، كان هناك صعود للنزعة اليمينية والشعبوية بشكل متزايد، وأصبح ذلك ملحوظاً في نتائج المواسم الانتخابية التي شهدتها بعض الدول، لكن لاحظنا أن الحملات الانتخابية غلب عليها صعود النبرة الشعبوية والقلق من التعدد والتنوع، وهذا المناخ يضع مسلمي أوروبا ولا سيما اللاجئين في صميم إثارة النقاش، إلى جانب استمرار حمى “الإسلاموفوبيا”، وهذا للأسف نتج عن تطبع عام مع “الإسلاموفوبيا” في الساحة الإعلامية والسياسية، وللأسف هذا ينبئ بزيادة ثقافة الحظر والمنع ضد مسلمي أوروبا، ومن الممكن سن قوانين من شأنها أن تمثل تضييقاً على مكتسبات وحقوق المسلمين في المجتمع الأوروبي.
ويضيف شاكر: لعل هذا المناخ الذي وفر هذه البيئة الخصبة لصعود خطاب الكراهية وصعود الأحزاب اليمينية هو المناخ العالمي الذي وجد بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وتصريحاته الاستفزازية وسياساته المتعلقة بالمسلمين.
في إيطاليا، التي شهدت تشكل أول حكومة من أقصى اليمين واليمين الشعبوي، يقول الشيخ وجيه، رئيس الجمعية الإيطالية للأئمة والمرشدين: إن الانتخابات التي جرت في بداية العام أفرزت صعود حركة “خمس نجوم” إلى صدارة المشهد، ومشاركة ماتيو سالفيني، وزير الداخلية، وهو زعيم حزب الرابطة اليميني القومي، وهو معروف عنه عداؤه للمهاجرين والمسلمين، وسعيه إلى إصدار قانون يسمى “المجموعة الأمنية” يتضمن إجراءات من شأنها أن تصعب أوراق وتنظيم أوضاع المهاجرين.
كما تم إغلاق عدد من المساجد في سياق القانون لوجود بعض المخالفات السابقة، لكن سالفيني بعد مجيئه فتح هذه الملفات وتم إغلاق هذه المساجد التي حرى إعادة فتح بعضها مؤخراً بعد استيفاء الإجراءات القانونية.
واختتم مسلمو إيطاليا العام بمسابقة كبرى للقرآن الكريم وهي تتم كل سنتين، تنظمها الهيئة الإيطالية للقرآن الكريم، بمشاركة 400 متسابق، وصل إلى التصفيات النهائية 180 متسابقاً، فاز منهم 36 متسابقاً في 6 مستويات، تم تكريمهم في المركز الإسلامي في مدينة سارونو.
في بريطانيا، كشف تقرير حقوقي صدر مؤخراً أن النصف الأول من عام 2018 شهد وقوع نحو 608 حوادث مرتبطة بظاهرة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا) من أصل 685 حادثة مرتبطة بالعنصرية بالبلاد، أغلبها استهدف النساء منها اعتداءات بشكل مباشر ومنها عبر الإنترنت.
الهند.. تضييق مضاعف
يقول د. محمد نوشاد القاسمي، أستاذ بالجامعة الإسلامية دار العلوم وقف ديوبند: إن أهم الأحداث التي تخص مسلمي الهند خلال عام 2018، أولها كان أزمة مسلمي ولاية آسام (أقصى شمال شرق الهند) قرب حدود دولتي بوتان وبنجلاديش، وهي ولاية متعددة القوميات والمعتقدات مثل البودو (منهم هندوس ومسيحيون) والهندوس والمسلمين، عدد سكان الولاية حوالي 35 مليون، نسبة المسلمين فيها حوالي 10 ملايين، وقد شهدت خلال السنوات السابقة مجازر متقطعة من قبل البودو والهندوس استهدفت المسلمين بدعوى أنهم وافدون وليسوا من مواطني الهند، فنشرت السلطات آلافاً من عناصر الشرطة أواخر عام 2017، ثم أجرت في النصف الأول من عام 2018 ما يسمى “السجل القومي للمواطنين” وهو يشبه التعداد، وفي البداية خرج التعداد معتبراً أن نحو 7 ملايين مسلم من إجمالي 10 ملايين مسلم بالولاية وافدون بزعم أنهم لا يمتلكون وثائق تثبت مواطنتهم، وبعد سجال قضائي، بقي حتى الآن مصير نحو 3 ملايين مسلم معلقاً وتم رد الأمر إلى المحكمة العليا، وكانت الحكومة قالت في وقت سابق: إنها لكي تعترف بالمسلمين في ولاية آسام كمواطنين هنود، لا بد أن تكون بحوزتهم وثائق من وثائق تثبت أنهم هم أو عائلاتهم عاشوا في الهند قبل 24 مارس 1971، وهو وقت تقسيم باكستان إلى باكستان وبنجلاديش.
كما شهد العام استمرار وارتفاع وتيرة الانتهاكات والاعتداءات الهندية بحق مسلمي كشمير.
ويأبى عام 2018 أن يلملم أوراقه إلا أن تبقى معاناة مسلمي الهند من تضييق عليهم، فمؤخراً تسعى الحكومة إلى استصدار قانون تحت اسم “حماية حقوق الزواج”، وهو يستهدف المسلمين، إذ يعتبر أن إيقاع الطلقات الثلاث جريمة يُعاقب عليها الأزواج المسلمون بالسجن ثلاث سنوات مع غرامة مالية، بالإضافة إلى عدم وقوع الطلاق تحت دعوات أنه حماية لحياة آلاف النساء المسلمات من الطلاق.
في 28 ديسمبر 2018، تم إقرار القانون في مجلس الشعب، وسط اعتراض من قبل المعارضة، ومن المقرر أن يتم اليوم تقديم القانون إلى مجلس الشيوخ راجيا سابها.
من جانبها، رفضت “هيئة الأحوال الشخصية الإسلامية” بالهند هذا القانون ونظمت عشرات الاحتجاجات خرجت فيها ملايين النساء رفضاً لهذا القانون باعتباره انتهاكاً لحقوق المسلمين ومخالفاً لتعاليم الإسلام.
ويقول القاسمي: إن الحزب الحاكم في الهند (BJP) منذ توليه الحكم لا يدع فرصة للتضييق على المسلمين، إلا واستغلها في إطار مخططه الاستفزازي لملايين المسلمين بالهند.
الصين.. تضييق يتسع
في الصين شهد العام الكشف عن معسكرات اعتقال تقيمها الصين لمئات الآلاف من مسلمي تركستان الشرقية التي ضمتها إليها الصين في عام 1949 وتسميها “شينجيانج” وتعرف هذه المعسكرات بمدارس إعادة التأهيل، كشف تقرير للجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة عن وجود هذه المعسكرات.
لاحقاً أعلنت السلطات الصينية إجراء تعديلات قانونية في عدد من الأقاليم منها شينجيانج لشرعنة هذه المعسكرات، حيث تحتجز على الأقل مليون شخص من مسلمي تركستان داخلها لسلخهم من هويتهم الإسلامية وزرع الثقافة الشيوعية، ثم يتم اقتيادهم إلى مصانع لتدريبهم على حرف مختلفة لاستخدامهم كعمالة رخيصة لصالح هذه الشركات.
في بقية الأقاليم التي فيها قوميات مسلمة، بدأ التضييق الصيني يزحف عليها بالتضييق على الأطعمة الحلال والحرب على اللافتات العربية بشوارع بعض المدن.
(المصدر: مجلة المجتمع)