الأقصى يستباح بعد انفضاض القادة العرب من مكة
بقلم عائد عميرة
اقتحم مئات المستوطنين، أمس الأحد، بحماية قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى، في إطار احتفال المتطرفين اليهود بذكرى احتلال القدس، حيث استفزوا المصلين والمعتكفين، مما تسبب في اندلاع مواجهات بين الطرفين.
اقتحام يأتي بعد يوم فقط من انفضاض الزعماء العرب من مكة، وانتهائهم من قراءة بيانات الشجب والاستنكار لعمليات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة بحق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين في فلسطين المحتلة على رأسها المسجد الأقصى.
9 اقتحامات في يوم
عاد الهدوء الحذر إلى باحات الأقصى وفي الأزقة والشوارع القريبة منه، وكذلك في محيط البلدة القديمة بالقدس، بعد يوم شهد مواجهات عنيفة بين فلسطينيين ومتطرفين اقتحموا المسجد الأقصى صباح أمس الأحد بمساعدة قوات الاحتلال.
وجاءت هذه الاقتحامات، استجابة لدعوات جماعات “الهيكل” المزعوم، للاحتفال بما يسمونه يوم “توحيد القدس” الذي يعتبرونه عيدًا وطنيًا لإحياء ذكرى استكمال سيطرة الاحتلال على المدينة المقدسة واحتلال الجزء الشرقي منها، وعلى وجه الخصوص البلدة القديمة خلال حرب عام 1967.
وسمحت شرطة الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى تسع مرات خلال ساعة واحدة، وأفادت دائرة الأوقاف الإسلامية أن عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد المبارك وصل 1176، وتصدى لهم المصلون وعملوا على منع الاقتحامات.
يعلم الفلسطينيون يقينًا أن بيانات القمم العربية والخليجية، لن تجد عادة طريقها للتطبيق، بسبب الانقسام الحاد بين الدول العربية
قبيل السماح للمستوطنين باقتحام الأقصى، اقتحمت القوات الخاصة المصلى القبلي وأغلقت أبوابه بالسلاسل بعد محاصرة المعتكفين داخله، واعتدت على المصلين بإطلاق الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية، وسط تكبيرات المعتكفين، ما أدى إلى تحويل ساحات المسجد إلى ثكنة عسكرية تعج بمختلف وحداتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية التي زادت على 400 عنصر.
وأوضحت دائرة الأوقاف أن قوات الشرطة الإسرائيلية اعتدت على المُعتكفين بالضرب خلال وجودهم في الباحات وتصديهم للاقتحامات، مشيرة في بيان لها، إلى أن قوات الاحتلال اعتدت على حارس المسجد الأقصى خليل الترهوني بالضرب المُبرح على رأسه، ولم تسمح للطواقم الطبية بإسعافه.
في قمم العرب غابت فلسطين وحضرت إيران
هذه الاقتحامات تمت بعد يوم فقط من عقد القادة العرب والمسلمين ثلاث قمم “استثنائية” بمكة المكرمة، لبحث قضايا الأمة، إلا أن قمتين من القمم الثلاثة تجاهلت القضية المركزية في الصراع الإقليمي وهي فلسطين، وغابت القدس الشريف عنهما أيضًا.
غياب شبه تام إلا في سطر يتيم في ذيل بيان القمة العربية ذكر قضية فلسطين همسًا، وهي القضية التي كانت حاضرة بشكل دائم في اجتماعات القمم العربية، فلم تخل مقررات القمم العربية منذ بدئها عام 1946 من قرارات تدعم فلسطين وتدافع عنها، في مواجهة أي اعتداء.
غاب الاثنان، القدس وفلسطين، ليحل محلهما قضية أخطر، وفق القادة العرب لا سيما الخليجيين منهم، وهي قضية إيران – التي حلت على مائدة القمة العربية لأول مرة عام 1980 في أثناء اندلاع الحرب الإيرانية العراقية – والتحشييد ضدها استباقًا لإمكانية استهدافها، “لما تمثله من خطر كبير على الدول العربية والإسلامية في المنطقة يفوق الخطر الإسرائيلي”، وفق قادة عرب.
غُيب الاثنان بكل ما يحملانه من حضور وجداني وديني وسياسي أيضًا في ضمير شعوب الأمة العربية، فلا مكان لهما في أجندة العرب الممتلئة بقضايا أهم ولو على الورق، فالجميع صوب نظره واهتمامه نحو “الخطر الإيراني المحدق بالأمة العربية”، استجابة لطلب الولايات المتحدة الأمريكية.
عُقدت أول قمة عربية عام 1946 في “زهراء أنشاص” المصرية، بدعوة من ملك مصر فاروق الأول، وتم تأكيد أن مصير فلسطين هو مصير كل الدول العربية، غير أن القمة العربية الأخيرة، أشارت إلى قضية فلسطين على خجل ومرت عليها مرور الكرام.
انتظر الفلسطينيون انتهاء القمة العربية والخليجية وبداية القمة الإسلامية، حتى يسمعوا اسم بلادهم وقضيتهم المنسية، وجاءت قمة مكة “الإسلامية” لتنصر فلسطين ولو على الورق كما جرت العادة، فقد أكد البيان الختامي للقمة الدورية لمنظمة التعاون الإسلامي، على مركزية القضية الفلسطينية والقدس الشريف وحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة.
وأدان البيان أي قرار “غير قانوني وغير مسؤول” بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، داعيًا الدول الأعضاء إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الدول التي نقلت سفاراتها أو فتحت مكاتب تجارية لها في القدس المحتلة.
عدم مبالاة فلسطينية بالقمم العربية
“اقتحام الأقصى والاعتداءات قلل من قيمة قمة مكة،” يقول الصحفي الفلسطيني محمد كحلوت لنون بوست، وأضاف “ليس هناك أي رئيس عربي تكلم بكلمة واحدة عما حدث في الأقصى، وفي المقابل الكيان الإسرائيلي يحاول تثبيت حق اليهود في الصلاة في المسجد الأقصى، وإلزام المسلمين بقبول مبدأ التقاسم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود”.
وأوضح كحلوت أن الشعب الفلسطيني أصبح يسمع عن القمم العربية المتكررة دون أن يهتم بها، لأن جميعها يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي المدعوم من ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان وحلفائه في المنطقة وفق قوله.
يرى الفلسطينيون أن قضيتهم تم تجاهلها في أثناء قمة العرب والخليج، كونها لم تعد تهم القادة العرب الذين باعوا هذه القضية ووافقوا على صفقة القرن
يعلم الفلسطينيون يقينًا أن بيانات القمم العربية والخليجية، لن تجد عادة طريقها للتطبيق، بسبب الانقسام الحاد وتباين وجهات النظر بين الدول العربية، ما يجعل هذه القرارات “مجرد حبر على ورق”، وفق قول الناشط الفلسطيني محمود بامية.
بخلاف قمة مكة المكرمة التي عقدت قبل يومين، عقد القادة العرب 30 قمة عربية عادية و13 قمة طارئة أخرى بينها قمتا أنشاص (أول قمة) وبيروت (ردًا على العدوان الثلاثي على مصر) وثلاث قمم اقتصادية وقمة سداسية خاصة.
ويقول محمود بامية في تصريح لنون بوست: “الشعب الفلسطيني تعود على الشجب والاستنكار من العرب، لذلك هو لا ينتظر الخير والأمل من هذه الوعود والقرارات”، فهي مجرد قرارات يعاد صياغتها في كل قمة حفظًا لماء الوجه ليس أكثر.
وفي 18 من مايو/أيار الماضي، وجه ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز دعوة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي وقادة الدول العربية والإسلامية لعقد 3 قمم خليجية وعربية وإسلامية طارئة بمكة المكرمة، في ظل تعرض سفن تجارية بالمياه الإقليمية للإمارات ومحطتين لضخ النفط بالسعودية لهجمات، وتزايد التوتر بين أمريكا وإيران.
“كنا ننتظر قرارات تتحدى صفقة القرن وتدعم الوجود الفلسطيني على أرضه، لكن لم نر شيئًا”، يقول محمود بامية، ويرى في ذلك خيبة أمل للفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون دعمًا عربيًا قويًا لهم لمواجهة المخططات الإسرائيلية.
بدوره يقول الصحفي الفلسطيني أحمد علوان لنون بوست: “القدس لم تعد من أولويات العرب إطلاقًا، فأولويات العرب الآن المحافظة على العروش فقط لا أكثر”، وأضاف “الشعب الفلسطيني لا ينظر لأي قمة ولا ينتظر شيئًا منهم”.
القرارات العربية لم تجد طريقًا لتنفيذها بعد
يرى الفلسطينيون أن قضيتهم تم تجاهلها في أثناء قمة العرب والخليج، كونها لم تعد تهم القادة العرب الذين باعوا هذه القضية ووافقوا على صفقة القرن التي تروج لها الولايات المتحدة الأمريكية وتعمل على فرضها على الفلسطينيين.
على مدار أكثر من 70 عامًا، خرجت القمم العربية بقرارات متشابهة لا جديد فيها، بدأت بالتأكيد على عروبة كل أرض فلسطين، وانتقلت إلى تطبيع عربي إسلامي مشروط مع “إسرائيل”، ووصلت مؤخرًا إلى تطبيع عربي إسلامي معها دون شروط، ما جعل الفلسطينيين ينفضون يدهم عن العرب.
يوضح هذا التجاهل العربي للقضية الفلسطينية، تراجع اهتمامهم بهذه القضية التي بقيت لعقود طويلة قضية العرب المركزية، ومدى ضعف التأثير الفلسطيني على مسار الرسمية العربية في ظل الانقسام الحاصل بين مختلف الأطراف الفلسطينية، وهو ما يبعث رسائل إلى الداخل الفلسطيني لتجاوز الانقسام الحاصل.
(المصدر: نون بوست)