مقالاتمقالات مختارة

الأضحى مظهر حضاري لا يفقهه كُتّاب الأحداث المغربية .. بقلم حماد القباج

أشفقت على الكاتب يونس دافقير رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية لما رأيته يقتات على شعيرة عيد الأضحى ويجتر طعونات المستشرقين في هذه الشعيرة؛ موهما قُرّاءه أنه مفكر ينتقد الظواهر المتخلفة في مجتمعه ..
والحق يقال أن مهاجمة عيد الأضحى ليس له أي مسوغ معقول أو منطقي؛ بل المنطق يقتضي اعتباره مظهرا من مظاهر تكريم الخالق للإنسان ورمزا على طاعة الإنسان لربه الكريم ..
ويتجلى لنا البعد الحضاري والتكريم الإلهي في هذه الشعيرة؛ حين نستحضر بأن الناس في جميع الأمم والحضارات لم تزل تقتل الحيوانات لأكلها والانتفاع بها؛ وطبعا هذا هو حال الدول الحديثة أيضا التي تمتلأ أسواقها بأنواع اللحوم التي تقتل حيواناتها للاستهلاك التجاري والغذائي ..

أما ذبح اللحوم في الشرع الإلهي، وفي أحكام وآداب عيد الأضحى المبارك؛ فهو سمو بالإنسان إلى مدارج راقية من خلال ما يلي:
1 جعلت تلك الأحكامُ هذا الفعل: عبادة يترتب عليها الثواب والأجر من الله تعالى؛ وليست مجرد شهوة مال أو بطن ..

قال الله تعالى: {فصل لربك وانحر}

2 جعلته رمزا يُذكّرُ على الدوام بسلوك طاعة الإنسان لربه وخالقه؛ من خلال قصة النبيين الكريمين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ..

قال الله تعالى بعد بيان امتثالهما لأمر يشق على الإنسان: {وفديناه بذبح عظيم}
3 شرعت الشريعة الإسلامية تسمية الله قبل الذبح لاستحضار نعمة الله؛ وأن هذا الطعام من تلك النعم التي لا تعد ولا تحصى

{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}
4 شرعت الرحمة بالحيوان والرفق به؛ وجعلت إنهار الدم شرطا لصحة التقرب، بل شرطا لكون الذبح حلالا في العيد وغيره:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ولْيُحـدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته“. متفق عليه

وقال عليه السلام: “ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل“. رواه مسلم
ومعلوم أن إنهار الدم يستلزم قطع الأوداج؛ وقطعها يجعل الحيوان يفقد الوعي فورا كما يجعل أعصاب الجثة تضخ الدماء بأمر من الدماغ الذي لم يعد يتوصل بالدم؛ وهذا الضخ يطهر الجثة من الدماء التي هي مادة دسمة للميكروبات الضارة ..

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الذابح أن يُظهر السكين للخروف؛ وقال له: “أتريد أن تميتها موتتين“.
5 كما شرعت أحكام الأضحى للمسلم أن يتصدق بثلث هذا اللحم على الفقراء والمساكين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “كلوا وتصدقوا وادخروا“

وهذا الحكم يبرز البعد الاجتماعي في شعيرة الأضحية ..

6 وشرعت في حال المجاعة والضيق الاقتصادي النهي عن الادخار؛

وتصير الأضحية بهذا الحكم إحدى وسائل مقاومة الفقر والمجاعة؛ بحيث يوفر القادرون ثروة معتبرة من اللحوم للفقراء والمنكوبين ..
7 ومعلوم أن عيد الأضحى يخلق رواجا تجاريا هاما يستفيد منه كثير من المتدخلين وليس فقط بائعوا الحيوانات ..
هذه إشارات سريعة في الموضوع؛ تكفي لإدراك سمو هذا التشريع الرباني، كما تؤكد أزمة الفهم وحدة الاستلاب الذي يعاني منه أفراد من كتابنا الذين يعتقدون أنهم تقدميون وحضاريون أكثر من غيرهم ..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى