مقالاتمقالات مختارة

الأصل والصورة في المشهد الثوري المصري

الأصل والصورة في المشهد الثوري المصري

بقلم أ. د. مجدي شلش


حقيقة الثورة مقاومة الظلم ودفعه بكل الوسائل المشروعة، نعم الوعي والحراك هما عنوان الثورة وروحها، لكن الاكتفاء بهما لا يمكن أن يشكل ثورة حقيقية موجعة وقالعة للاستبداد والفساد.

فقه الثورة ثري بالأفكار والأراء والتجارب والخبرات التي تجعل الثورة حقيقة على أرض الواقع، والحالة الثورية المصرية عندها من تراكم الخبرة والتجربة الكثير رغم الزمن القليل الذي عاشته.

البعض يسعى إلى إحداث حالة من العجز للثورة، لا يساعد في حركتها ولا ينمي من قوتها، بل يسلبها بعض حقوقها ومقوماتها.

حالة العجز مسوغها الوحيد أننا لم ولن نقدر على دحر الانقلاب، عسكر تمكن من الجيش والشرطة والقضاء والإعلام ومجلس الشعب وكل مؤسسات الدولة.

كما أنه مدعوم من كل ظلمة الكون كله، أروبا وآسيا وأمريكا، وقبل كل ذلك إسرائيل، ومعهم واقع إقليمي مساند ومساعد بكل قوة، على رأسهم السعودية والإمارات والأردن والبحرين والكويت وغير ذلك الكثير، من الدول العربية الداعمة للانقلاب وإن لم تظهر في الصورة.

واقع بالفعل أليم وصعب، لكن الكلام عن الداخل الانقلابي والخارج الإقليمي والعالمي بصورة الجملة والعمومية غير صحيح.

الواقع الداخلي يحتاج إلى تحليل وتفكيك للمركب، وفرز للعام، حتى يكون الحكم صواباً وصحيحاً وموافقاً للواقع.

المؤكد أن هناك تحديات جمة وكثيرة أمام الثورة المصرية، ليس أمامنا من حل، إما التخلي التام عن الثورة بمعناها الحقيقي لصعوبة الواقع الداخلي والخارجي ورفع الراية البيضاء أمام الانقلابيين ونعلن هزيمتنا بأيدينا، أو ممارسة الثورة بصورة حقيقية نجمع لها همتنا، ونستكمل لها عدتها، حتى لا تسقط رايتها.

أما الوقوف في الوسط بامتلاك صورة الثورة في المحافل والمجامع والمؤتمرات التي تنفض عن أصفار، صورة مقصودة ومتعمدة من كارهي الثورة وقاطعي رحمها.

ما نراه الآن على الساحة الثورية من البعض ما هو إلا إحداث نوع من الجبهات والهيئات الهشة التي تمتلك الصورة الإعلامية والمشهد الخارجي للثورة، بغرض تمزيق الصورة الحقيقة للثورة الكامنة في نفوس الشباب وأبناء الأمة.

حالة من السطو على حقيقة الثورة ووأدها بكل قوة، باسم الاصطفاف والتعايش الجمعي للمختلفين ثورياً وأخلاقياً وأيدلوجياً، وهن ما بعده وهن.

أناس مزقوا صفهم، وقتلوا معنويات شبابهم، خذلوا أمتهم، ووضعوا رأسها في التراب، يصطفون مع البعيد المناوئ، وبعضهم عدواً لدوداً، وأشكالاً قبيحة، فهل يرجى من تجمع كهذا الخير؟

لا رؤية لا خطة لا طريقة لدحر الانقلاب، وتنازل عن الشرعية “المهم نبقى كده” على رأي المجرم السيسي.

ألا يخجل الجبناء من مواقفهم وخيانتهم، يقيناً البعض من هؤلاء مرتزق، يمشي مع الدولار أينما سار، ويتحرك مع الليرة أينما كانت، لا يحسن إلا رفع الصوت على الثورة الحقيقية، واتهامها بالعنف والإرهاب.

يكرهون كل صورة ليسوا هم النيجاتف لها، ويحاربون كل تجمع ليسوا هم بناته وأربابه، حتى ولو كان مدرسة أو جامعة أو معهداً أو أكاديمية.

يخشون من كل تجمع يدافع عن حقيقة الثورة، ويتقدم بها للأمام رغم الآلام والتحديات.
أقرب الشبه لهؤلاء الجبناء هو قول الله تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}. [المنافقون:4]

وأقرب الشبه للحالة الثورية الحقيقية هم البكاؤن في غزوة تبوك الذين قال الله فيهم: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ}[التوبة:92]

نعم الواقع صعب ومركب وأليم قل ما شئت، لكن لا تقلب الحقيقة إلى صورة، ولا تحدث حالة من اليأس في نفوس الثوار حتى يدخلوا معك في الحظيرة.
الثوار الحقيقيون هم الذين يفككون المشهد، ويجمعون أوراق القوة، ويتحركون داخل مربع الأمل والعمل.

يعلمون قوة العدو وضعفه، ومرضه وصحته، وحزنه وفرحه، هم بشر مثلنا، يتألمون كما نتألم، ويحزنون كما نحزن، الفارق بيننا الدين والوطن والحرية والعزة والكرامة للأمة.

لست درويشاً ولا بعيداً عن الواقع، إنما أحسب الحساب المادي ثم أتوكل على الله خير الناصرين.

أحسب حساب ربي القادر المتكبر العزيز القهار الذي وعد بالنصر عباده الأخيار .

لن تدوم حالة الحزن والألم والقسوة والمرار، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا بأن مع العسر يسراً، ولن يغلب عسر يسرين، والمشقة تجلب التيسير، والحرج مرفوع، وأن الله مع المؤمنين المتقين.

لا عزاء لمن سموا الشجاعة تهوراً، والجبن سياسة وكياسة، والذلة فقهاً للواقع وإداركاً للمصلحة، فقديما قال قوم: {… إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا }.[الأحزاب:13]

الحقيقة الثورية لا تعني التهور والوقوع في المهالك، إنما ثورة تقوم على العلم والفقه وإدراك المشهد وحسن التعامل معه بكل أدواته.

الثورة تعني الخبرة والقوة والقدرة وامتلاك القرار الصحيح في الوقت المناسب.

ثورة تدرك حبيبها من عدوها، لا تختلط عليها الأمور، المقدم فيها أهل الخبرة والعلم والكفاءة، لا تتحرك إلا بشورى ومؤسسية، ولا تتحرف أو تتحيز لفئة إلا لمصلحة كلية.

قد يقول قائل: أين هم هؤلاء؟

نعم القوم عزوا بثورتهم، وقلوا بعددهم وعدتهم، موجودون في كل روح حرة، ونفس أبية، هم صفوة الناس وأوسطهم، لا يضرهم من خذلهم، هم أهل لتنزل النصر عليهم {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}. [البقرة:249].

 

[حمل العدد الجديد:http://bit.ly/2WDaNls حمل هدية العدد:http://bit.ly/2YHFQOT ].

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى