تلك الليلة القاسية البرودة، صلّينا معا في مسجد الحيّ، وقعت عيناي عليه، وقد كان يرمقني في تأمل، انتهت صلاتي وتهيأتُ للخروج لكني فوجئت بأحدهم يمسك بي بلطف، التفتُّ إليه فوجدته يبَشّ في وجهي سائلا بلطفٍ جمّ _وهو الأعجميّ_، هل أنت عربيّ؟، أجبته: نعم، قال من أين؟ قلت: من مصر، فتهلّلت أساريرُه، ثم أردف سائلا: هل درستَ في الأزهر؟ قلت: نعم، وهنا أقبَل عليّ يضمّني بحرارة شديدة ويقول أنا درست في الأزهر، أُحبُّه كثيرا وأحب مصر جدا، وأصرّ أن يصطحبني إلى بيته ويُعرِّفني بأهله ويتحدث عني بعزّة وفخار وكأني ملاك مُنزّل!
الموقف الثاني: شاءت الأقدار أن أجتمع في محضِنٍ علميٍّ مع طلاب من دول شتى، لن أنسى تلك اللحظة التي وجدت فيها صديقي السوريّ يدخل عليَّ الغرفة منتفخ الأوداج، مُحمرّ العينين، أرى الغضب في صفحات وجهه مكشّرا عن أنيابه منتظراً لحظة الانقضاض على من بفتح الباب له! بعد حين قال: كيف تقبل الإدارة أن يدرُس معنا طلاب إيرانيّون، أليست ميليشيات هذه الدولة هي التي قتلت أخي؟ ألا يرَون فِعالهم في بلاد المسلمين ليل نهار؟! ثار صديقي هذا لمجرد علمه أن إيرانيّا سيشاركه المكان مع العلم أن الإيرانيّ هذا سنِّيّ مضطهد مثله!
لكن ما علاقة هذا بالأزهر؟! أقول: إن مصر حازت مكانا ومكانة في قلوب أبناء العالمين الإسلاميّ والعربيّ بسبب “الأزهر”، الأزهر الذي كان منارة يهتدي بها الحيران ويلجأ إليها ذو الحاجة ليجد فيه المنهل العذب الصافي الذي يروِيه! الأزهر هو ذاتُه الآن يحطّم هذه الصورة التي بناها أبناؤه المخلصون لأجيال وعقود، وأخشى أن يأتي اليوم الذي يتنكّر فيه أبناء الأزهر لتخرّجهم من مثل هذا المكان!
حادثة اعتقال الطلاب التركستانيين حادثة مريرة، أحسبها أحرقت فؤاد كلّ أزهري مخلص، وكلّ محبّ للأزهر، وبينما يُعتقل سفراء الأزهر الذين يسيرون برسالته الخالدة يطوفون بها الدنيا، ويرفعوا لواء الإسلام في كل مكان، يعتلي هامةَ الأزهر أساتذة برتبة “مخبرين”! لا يألون جهدا في الوشاية عن الطلاب الملتزمين، ولا يتورّعون عن إيذائهم فضلا عن تحريك ساكنٍ لما يرونه من ظلم وفسادٍ في كل مكان! ووالله إنها الحسرة، أن ترى الأزهر الذي عِشتَ فيه وعاش فيك هذا حاله، لكن عزاؤنا أن بعضاً من أبنائه ما زالوا على العهد؛ ثبتهم الله! والله حسبنا، وهو نعم الوكيل.