هو محمد إبراهيم بن سعد الله بن عبد الرحيم بن عبد العليم الفضلي الختني المدني الحنفي، ولد الشيخ الختني عام 1314هـ في بلدة ختن من مدن تركستان الشرقية وفي بلدة قرة قاش.
وقد نشأ رحمه الله في أسرة عرفت بالعلم والدين والفضل أباً عن جد في تركستان فكانت بيئته دينية ومثقفة ولعلي أستطيع أن أصف الشيخ من خلال من عرفوه فقد كان غزير الشعر واسع العينين، أقنى الأنف، قمحي اللون، خفيف الشارب، كث اللحية، مربوع القامة، متوسط الطول، يرتدي الجبة والعمة وهو زي العلماء في ذلك العصر.
أما عن صفاته وأخلاقه فقد عرف عنه الزهد في دنياه والتقشف في ملابسه، أديب، راجح العقل، محافظ على قراءة القرآن، مواظب على أداء الصلوات الخمس، ملازم للمسجد النبوي، فيه وقار العلماء وهيبتهم، محبوباً لكل من عرفوه. وبعد هذه المقدمات عن الشيخ الختني يجدر بنا الحديث عن حياة الشيخ وأعماله.
تعلميــه
بدأ الشيخ محمد إبراهيم الختني حياته الدراسية كأقرانه في ذلك العصر بحفظ القرآن الكريم على والده أولاً ثم على يد أستاذه وابن عمه الملا محمد روزي الانديجاني حتى أتم حفظه ثم تجويده، وقرأ على والده مبادئ العلوم وعلى ابن عمته الشيخ العلامة الحبر محمد شريف ثم على ابن عمه القاضي الفاضل النزيه محمد عيسى الفضلي الختني ، ولقد تفرس فيه أهله وأقاربه الذكاء والإقبال على الدراسة فخصوه بشيءٍ من العناية، ولما ظهرت مخايل النجابة عليه وبدت ملكته أراد أن يرحل ليتلقى العلم عن أكابر علماء العالم الإسلامي فأراد السفر إلى بلدة “لكنو” بالهند ليدرس على يد علماء هذه المدينة المشهورة بالعلماء والمحدثين كما أراد الذهاب إلى بلاد العالم الإسلامية الأخرى مثل العراق والشام وتركيا وغير ذلك. ولكن مشايخه حببوا إليه السفر إلى البلدان المجاورة له فأشاروا إليه بالسفر إلى مدينة “كاشغر” وهي مدينة قريبة من بلدة ختن فعزم على السفر إليها في ذي القعدة من سنة 1321هـ وأقام بها ما يقارب ثمانية أشهر فأول ما نزل في مدرسة “تاج حاكم بيك” إحدى المدارس الكبيرة في تركستان ودرس وقرأ على مدرسها العلامة الشيخ محمد يعقوب وعلى يد الشيخ العالم الفاضل محمد بن عبد الباقي الأرتوجي، وكان في بلدة كاشغر عالم مشهور من طرابلس الشام هو الشيخ المفتي محمد سعيد العسلي والذي نفاه الكفار الروس فيما بعد إلى خوارزم فدرس عليه الشيخ الختني بعض كتب الحديث النبوي الشريف ثم قرأ على يد الشيخ محمد بن عبد الباقي الأرتوجي “تلخيص المفتاح ” مرة ثانية وذكرت آنفاً أنه بقي هناك ثمانية أشهر درس فيها واستفاد من علمائها وطالع مع زملائه من طلاب العلم العلوم.
واستكمالاً لطلب العلم ارتحل من كاشغر الى بلدة “سمرقند” عن طريق بلدي خوقند وترمذ فعندما وصل إليها نزل في مدرسة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه وكان ذلك في شعبان من سنة 1332هـ وكانت الرحلات في ذلك الوقت متعبة وشاقة ولكن تهون لدى الشيخ ابتغاء في التفقه في العلم والدين والدعوة إلى توحيد كلمة الله العليا ونصر هذا الدين العظيم فأقام عند إمام مسجد المدرسة الشيخ هادي بن فضل وكان رجلاً كريماً فأكرمه واستفاد منه في بعض المعلومات ثم رحل إلى “بخارى” وتلقى العلم على جملة من العلماء منهم عمدة الفتوى الشيخ محمد أكرم وقرأ الجزرية على الشيخ القارئ المجود برهان الدين ثم قرأ الشاطبية وأتمهما في علم القراءات.
وفي عام 1339هـ رحل إلى أنديجان وقرأ بها القرآن الكريم مرة أخرى لشيخه المقرئ الحافظ محمد روزى المذكور آنفاً وقرأ عليه الشاطبية مع شرحها وأجازه له في القراءات إجازة عامة، ثم رحل إلى نمنكان وقرأ بها بعض كتب الحديث وعلومه على الشيخ محمد ثابت، ولما انتهى من التحصيل العلمي نال إجازات مشايخه وأجازوه بعد دراسته عليهم وأغلبهم يروي عن علامة المدينة المنورة ومحدثها الأستاذ الناسك الثبت السيد علي بن ظاهر الوتري المدني المولود بالمدينة المنورة في عام 1261هـ وهو علامة جليل أمضى حياته كلها في طلب العلم إلى أن توفي في 29 جمادى الأولى سنة 1322هـ.
هجرته إلى الحرمين
في عام 1348هـ رحل الشيخ محمد إبراهيم الختني من بلاده حاجاً فمر في طريقه (بطشقند الشاش) ومنها رحل إلى الأستانة عن طريق “بالوباطوم” وصل إلى مكة المكرمة يوم 13 من ذي الحجة عام 1348هـ فذهب إلى المدينة النبوية يقصد الإستوطان فوصل إليها وأدى فريضة الحج عام 1349هـ وبالمدينة تعرف على العلامة الفهامة المتبحر في العلوم محمد عبد الباقي اللكنوي المدني والذي ترجمت له في مؤلفي هذا وتلقى عنه مجموعة من العلوم العقلية والنقلية فلما رأى فيه مخايل النجابة أجازه في العلوم ولازمه هو وعلماء كثيرين منهم العلامة الفقيه
الأصولي عبد القادر الشلبي المتوفى سنة 1369هـ
واستجاز جماعة آخرين من علماء الحرمين
منهم محدث الحرمين الشيخ عمر حمدان المحرسي المتوفي سنة 1368هـ
والشيخ محمد الخضر الشنقيطي المتوفى سنة 1353هـ
والشيخ علي بن حسين المالكي سيبويه عصره المتوفى سنة 1368هـ
والشيخ أحمد الفيض آبادي مؤسس مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة المتوفى سنة 1358هـ
والمفتي عمر باجنيد
والسيد عيدروس بن سالم البار وغيرهم من أهل الفضل.
أعماله في المدينة المنورة
وعندما استقر الشيخ الختني في المدينة وبدأ يعرف بين أهلها، عينه الشيخ محمد عبد الباقي اللكنوي عنده بالمدرسة النظامية مدرساً وكان ذلك في عام 1351هـ ومكث يدرس بها حتى عام 1354هـ حيث أغلقت المدرسة لظروف طارئة وهي مرض الشيخ اللكنوي، فانتقل مدرساً بمدرسة “تورة قل التركستاني ” وعندما علم الشيخ أحمد الفيض آبادي رحمه الله مؤسس ومدير مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة المنورة بمكانة الشيخ في العلم طلبه ليكون مدرساً بالقسم العالي مع جماعة من العلماء لتدريس بعض العلوم الدينية والعربية ومكث بالمدرسة ما يزيد عن خمس سنوات.
وفي عام 1382هـ انتقل إلى وظيفة حكومية في المكتبة المحمودية التابعة للمسجد النبوي الشريف معرفاً وخبيراً بالمخطوطات النادرة ومترجماً عن بعض اللغات التي كان يجيدها مثل التركية والأوردية والفارسية والأوزبكية، ثم عين مشرفاً أيضاً على المكتبة العامة التابعة للأوقاف العامة التي أسست سنة 1380هـ وقد أنشء المبنى ليضم جميع مكاتب المدينة.. والمدارس والأربطة وغيرها.
ومن أعماله أنه كان يلقي في بعض المدارس الصغيرة بالمدينة المنورة بعض الحصص مثل مدرسة “خوش بيكي” ودروساً أخرى في مكتبة الشيخ عبد القادر الشلبي وفي مدرسته أيضاً وغير تلك الدروس التي كان يلقيها في داره وفي الربطة لبعض الطلاب.
دروسه بالمسجد النبوي الشريف
ورغم الأعمال التي تحملها شيخنا فقد كان يدرس بالمسجد النبوي الشريف حيث تصدر للتدريس وعقد سوقاً رائجة للعلم يدرس أفضل العلوم ومن الكتب التي درسها “موطأ الإمام مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني”، ودرس أيضاً في النحو كتاب ابن عقيل في شرح ألفية ابن مالك والكواكب الدرية والمتممة وشرح القصر وتفسير الجلالين وربما درس مشكاة المصابيح وغيرها من العلوم النافعة فقد كانت حلقته تمتئ بكثير من طلاب العلم ومريديه فقد أجاز كثيراً من العلماء فكان يفيد الكثير، واستمر مدرساً بالمسجد النبوي الشريف حتى آخر حياته، ويعتبر أكثر طلابه من المجاورين من الأقطار الإسلامية وبعض من أهل الحرمين الشريفين، فالرجل كان لا يحب الشهرة وإنما يريد الأجر والثواب من عند الله تعالى.
رحلاته واتصاله بالعلماء
رحل الشيخ الختني إلى بلاد شتى لأسباب علمية وحصل على فوائد عديدة ونال مزايا فريدة وقابل أئمة أعلاماً يشهد لهم في أقطارهم وكان مفيداً مستفيداً لا يتعب من الإطلاع والأخذ عن المشايخ والتدريس فكان كثير العناية بالعلماء الواردين إلى الحرمين فاجتمع بجملة منهم واستجازهم،
ومنهم الشيخ الفاضل عبد الحي الكتاني المغربي صاحب كتاب فهرس الفهارس
والسيد المفتي علوي بن طاهر الحداد
والشيخ محمد بن عوض التريمي
ومفتي زنجبار عمر بن سميط وغيرهم،
وكانت رحلاته في طلب العلم كثيرة فقد ارتحل إلى البلاد العربية كمصر وسورية ولبنان والعراق والأردن وتركيا وفي هذه البلاد اتصل بعلمائها مثل الشيخ محمد زاهد الكوثري والشيخ مصطفى صبري والشيخ مصطفى الحماصي والشيخ محمد جميل بن عمر الشطي مفتي الحنابلة وخلائق كثيرين وهذا يدل على مبلغ عنايته واستفادته من وقته في رحلاته المتعددة.
وأما عن رحلاته في آخر حياته فقد ارتحل عن طريق البر إلى الأردن وسورية ولبنان والعراق والكويت ونجد ومنها عاد إلى المدينة المنورة.
رحلته إلى سوريا
في عام 1379 هـ زار دمشق ونزل ضيفاً على الشيخ أبي الخير الميداني رئيس رابطة العلماء واحتفل به علماء الشام وأكرموه وتلقوا عنه العلم رواياته في الحديث النبوي.
لقد عاش الشيخ الختني جل حياته يبحث عن العلم ويطرق أبوابه في كل مكان فقد كان العالم المعلم، وكان الشيخ الختني محباً للحج فقد حج ما يقرب من أربعين حجة فلم تفته سنة إلا وحج فيها وكان الحج آنذاك مشياً على الأقدام أو على دابة إن وجدت.
أصدقــاؤه
عرف الشيخ بطيب القلب والتواضع وحبه للغير يصحب الأفاضل من الرجال ويساعد الفقراء والضعفاء وهذا جعل الناس يلتفون حوله فكان له أصدقاء كثيرون نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر.
الشيـــخ المحــدث أحمــد بســــاطي المــــدرس بالمسجــــد النبـــوي الشريـف
الشيــخ العــالم الشاعــر عمـر بــري شــاعـــر المدينـــة المنـورة وأحــد علمـائها
الشيــخ المحـدث عبد الـرحمـن الإفريقــي المـــدرس بــالمسجـــد النبـــوي الشريــف
الشيــخ محمـــــد الأمين الشنقيطــي المـــدرس بــالمسجـــد النبـــوي الشريــف
الشيـــخ العلامـــة أحمــد الخيـاري المـــدرس بــالمسجـــد النبــــوي الشريــف
الشيـــخ المقـــرئ حسن الشاعـــر شيــخ القــراء بـالمسجــد النبـــوي الشريــف
الشيــخ محمــد العلـــي التـــركي المـــدرس بــالمسجـــد النبــــوي الشريــف
الشيــــخ عمــــار الهــــلالي المــــدرس بــالمســـجد النبـــوي الشريــف
الشيـــخ عبـــد القـــادر الشلبي المــــدرس بـالمسجـــد النبـــوي الشريـــف
الشيـــخ محمـــد الطيب الأنصـاري المـــدرس بــالمسجــــد النبـــوي الشريــف
تلاميـذ الشيخ الختني
كان عطوفاً على الطلاب يشجعهم ويحثهم على التزود بالعلوم ويساعدهم بوقته النفيس وأحياناً يعبر كتبه لطلابه وإذا رأى نبوغاً في طالب قربه ووجهه حتى يصبح عالماً فكم من الأفذاذ تخرجوا على يده ولكني لم أجد أسماء كثيرة لطلاب الشيخ فمن الذين استفادوا منه الشيخ محمد سعيد دفتردار والشيخ ياسين الفاداني والشيخ حامد مرزا خان والشيخ الحافظ محمد يحيى وهو ابنه واعرف منهم حضرة العلامة المحدث الشيخ عمر محمد فلاته المدرس في المسجد النبوي الشريف.
مؤلفات الختني
ليس غريباً على هذا العالم الجليل أن يؤلف فقد صنف كتباً كثيرة وألف وهو دون العشرين من العمر والله أعلم أنها لم تطبع ولا أعلم هل هي موجودة أم فقدت لذلك أرى من يعرف عنها شيء أن يقوم بتقديمها إلى بعض المحسنين بطبعها حتى ترى النور فمن مؤلفاته.
1- له كتاب ذكر فيه نفائس المخطوطات التي اطلع عليها. وقد بحثت عن هذا المؤلف في مكتبته الخاصة لم أجد عنه شيئاً.
2- تنقيح النحو.
3- مجموعة الفتاوى “جمع فيه فتاوى شيوخه”.
4- تحفة المستجزين بأسانيد أعلام المجيزين.
5- الرسالة الفضلية في ثبوت الطوافين للقاران بالأدلة القطعية.
6- فتح الرؤوف ذي المنن في تراجم علماء ختن.
7- كتاب في الكفاءة بين الزوجين.
8- مسائل الجمعة والعيدين والجنازة باللغة التركية.
9- ضرورة الحجاج في المناسك.
10- ترجمة خلاصة الكيداني.
11- رسالة الإعلالات الياركيدية على الرسالة المعزية.
مكتبته العلمية
عرف الشيخ بحبه للإطلاع فكان مولعاً بجمع الكتب فقد جمع مكتبة ضخمة تزخر بكثير من الكتب القيمة والمخطوطات النادرة المنسوخة بخطه الجميل.
وقد اطلعت على المكتبة وعلى فهارسها الخاصة وهو تحتوي على 435 كتاباً و 52 مخطوطة وهي موجودة باسمه في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة ضمن المكتبات الخاصة.
وفاة الختني
وفي عام 1389 هـ مرض الشيخ محمد إبراهيم الختني مرضاً دام ستة أشهر فتوفي في يوم الأربعاء السادس من شهر رجب من نفس السنة المذكورة فكانت لوفاته رنة حزن في المدينة المنورة وقد صلي عليه بالمسجد النبوي الشريف وشيعت جنازته في جمع كثير من الناس ودفن في بقيع الغرقد. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
أعلام من أرض النبوة
أنـس يعقـوب كتـبي ج1 ص 20-27
ط1-1414هـ
الأعلام
قاموس تراجم
لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين
خير الدين الزركلي / ج5 ص307
دار العلم للملايين / ط7 – 1986م
الختني
(1314 ــ 1389هـ = 1896 ــ 1969م)
محمد إبراهيم بن سعد الله بن عبد الرحيم الفضيلي الختني ثم المدني: مدرس، من علماء تركستان. ولد في بلدة “قره قاش” من أعمال “ختن” بتركستان.
وتعلم بها وبمدينة “كاشغر” ورحل إلى الأستانة ومنها إلى مكة حاجا (1348) واستقر في المدينة فقام بالتدريس في مدرستها النظامية إلى (1354) ثم بمدرسة العلوم الشرعية نحو خمس سنوات. وعينته الحكومة (1382) في مكتبات المدينة، وآخرها المكتبة العامة. وكان له اطلاع على نوادر المخطوطات يجيد مع العربية التركية والأردية والفارسية والبخارية. ودرس في المسجد النبوي وصنف كتباً بالعربية وغيرها منها ” مجموعة الفتوى” وتنقيح النحو” و ” تحفة المستجيزين بأسانيد أعلام المجيزين” في الحديث، و”فتح الرؤوف ذي المنن في تراجم علماء ختن” وقام برحلات إلى بلاد الشام والعراق وتركيا وغيرها وحج ما يقرب من أربعين حجة. وتوفي بالمدينة
بقلم: محمد سعيد دفتردار
المنهل: صفر 1391هـ
(المصدر: تركستان تايمز)