بقلم إبراهيم أبو عواد – مدونات الجزيرة
وُلد الأديب الروسي إيفان بونين (1870_ 1953) بمدينة فورونيج في عائلة نبلاء. قضى طفولته في القُرى المجاورة لبيت العائلة، يرعى الماشية مع الصبيان من أبناء الفلاحين، وربطته علاقات الصداقة مع بعضهم. وهذه العلاقة مع الطبيعة صارت الموضوع الرئيسي لإبداعه الأدبي شِعراً ونثراً.
تعثَّرَ بونين في حياته الدراسية، واضطر لإعادة أحد الصفوف، وواصلَ التعليم لاحقاً بصورة مستقلة تحت إشراف شقيقه. وفي خريف 1889 بدأ العمل في إحدى الصحف المحلية، ونشر فيها قصصه وأشعاره، وخُصِّصَ له عمود دائم في الصحيفة، وكان يكسب رزقه من الكتابة الأدبية. تلقَّى أُولَى الصدمات في حياته في عام 1893، حيث أفلسَ والده، وباع ممتلكاته. ووجد الأديبُ الشابُّ نَفْسَه وحيداً في هذا العالَم، بلا دعمٍ مالي ولا عائلي.
تَعَرَّفَ بونين أثناء عمله في الصحيفة على ابنة طبيب في المدينة، كانت تعمل في مراجعة النصوص قبل طبعها. وقرَّر الارتباطَ بها، لكنَّ عائلتها عارضت زواجها من كاتب فقير. وكانت هذه الصدمة الثانية في حياته. وقد أثَّرت عليه سلباً فابتعد عن الناس، حتى اعتبروه شخصاً جافاً وبارد الأحاسيس. والحقيقة أنه كان من الأشخاص الذين يُخفون مشاعرهم، ولا يَكشفون خفايا نفوسهم. أبدى بونين اهتماماً خاصاً بأفكار الروائي الشهير تولستوي الذي كان يُوصي بالعَودة إلى الطبيعة، واتباع أسلوب حياة بسيط. وفي يناير عام 1894 زار تولستوي في ضَيعته، وأقنعه بالعُدول عن الغُلُوِّ في حياة البساطة التي كان يدعو إليها أتباعَه.
وفي عام 1901، نشر ديوانه “سقوط أوراق الشجر”، الذي اعتبره النُّقاد عملاً شِعرياً مُتميِّزاً. وهذا النجاح الباهر كان سبباً في حصوله على جائزة بوشكين (1903) التي تُقَدِّمها أكاديمية العلوم الروسية إلى الأدباء سنوياً. وقد فاز بهذه الجائزة للمرة الثانية عام 1909 عن قصته “ظِل الطَّير” وترجمته لقصائد الشاعر الإنجليزي بايرون إلى اللغة الروسية.
كانت روايته القصيرة “القرية” (1910) هي الانطلاقة الحقيقية نحو العالمية، فقد أحدثت ضجةً كبيرة في الأوساط الأدبية، حيث صَوَّرت الرُّوحَ الروسية وأُسسها المضيئة والقاتمة والمأساوية.
أصبحَ بونين ظاهرة أدبية مُتميِّزة بروسيا في النصف الأول من القرن العشرين، رغم اضطراره للهجرة من وطنه إلى فرنسا عام 1918 بعد قيام الثورة البُلشفية (1917). وفي الفترة بين 1927_ 1930، كتب مجموعةً من القصص القصيرة مِثْل “الفيل” ، و”الشمس فوق الدار” وغَيرها. وحاولَ إيجاد تقنيات جديدة في الألفاظ والمعاني، وتَوليد أشكال جديدة للكتابة الموجَزة التي أرسى دعائمها تولستوي وتشيخوف.
درس بونين القُرآنَ الكريم، واشْتُهِرَ بِشَغفه بالشرق. ومعَ أنَّه قد سافرَ إلى بلاد كثيرة، إلا أنَّه كان يعود إلى البلاد الإسلامية، وكأنه يُلَبِّي نِداءً ساكناً في أعماقه. لقد شاهدَ جوانب كثيرة من الحياة الإسلامية، وصارَ يَشعر أنَّه صُوفي مُتحمِّس، وكتب قصائد عن ليلة القَدْر، والحجَر الأسود، والحجيج، ويَوم الحساب. وتُعتبَر قصيدة “السِّر” من أبرز قصائد بونين، وهذه القصيدة مُرفَقة باقتباس مِنَ القُرآن.
وكان يَحمل القُرآن في حقيبة سَفره طوال حياته، حتى إِنَّ أُسلوبه في الكتابة _ في بعض الأحيان _ كان يَتبع القُرآنَ بشكل مباشر، وأحياناً كان يُكرِّر الآياتِ القُرآنية. لقد شَعَرَ أنَّه الوارث الشرعي لبوشكين (الشاعر الروسي الكبير) في “مُحاكاة القُرآن” وكتابةِ القصائد المستوحاة من المعاني القُرآنية. مِن أبرز أعماله: تحت السماوات المفتوحة (1898) ، القرية (1910)، كأس الحياة (1915)، معبد الشمس (1917)، ضربة شمس (1927).