مقالاتمقالات مختارة

الأحكام الفقهية لشهر ذي الحجة

الأحكام الفقهية لشهر ذي الحجة

بقلم مسعود صبري

ميز الله تعالى بعض الأيام على بعض، كتفضيل يوم الجمعة، ويوم عرفة وغيرهما، كما ميز بعض الشهور على بعض، كشهر رمضان وشعبان والأشهر الحرم.

كما أن هذه الشهور وأيامها كان لبعضها أحكام خاصة في الإسلام تميزت بها عن غيرها، ومن ذلك شهر ذي الحجة؛ إذ اشتملت على جملة من الأحكام الفقهية.

وشهر ذي الحجة، هو الشهر الأخير من السنة القمرية، وهو ثاني الأشهر الحرم، وسمي بهذا الاسم منذ أيام الجاهلية، لأن العرب كانت تحج فيه، وتسميته بـ( ذي الحجة) هي التسمية الأخيرة، إذ كانت له أسماء قبلها، فقد كان يسمى ( مسبلا) عند ثمود،  وكانت يعرف عند العرب العاربة بـ ( نعس) وبـ( برك) لأن الإبل كانت تبرك فيه يوم النحر.

وكانت العرب تعظمه، فقد كانت تقعد سوق عكاظ في شهر ذي القعدة، ثم تعقد سوق ( ذي المجاز) في شهر ذي الحجة، كما أنهم كانوا يحرمون فيه القتال، فهو من الأشهر الحرم.

وقد أعطاه الإسلام ميزة، إذ جعله غاية زمن الحج، الذي يبدأ من شوال، وينتهي باليوم العاشر من ذي الحجة الذي هو يوم عيد الأضحى، ثم أيام التشريق منه ( الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر) ولها تعلق ببعض أحكام الحج أيضا، فذو الحجة هو شهر الحج في الإسلام، وقد قال الله فيها: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ } [البقرة: 197].

أحكام العشر ذي الحجة

– مضاعفة ثواب العمل فيها : تعد الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة من أشرف أيام الله، وأعلاها قدرا، فيستحب فيها الاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله تعالى، وكثرة العمل الصالح، لأنه يضاعف فيها العمل والأجر، ولهذا أقسم الله تعالى بها في قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ  وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر: 1، 2]، على ما اختاره جمهور المفسرين أن المقصود بها العشر الأوائل من ذي الحجة.

وهي من أفضل أيام السنة، وذلك لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ، يعني أيام العشر قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ” . . ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة ، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة ، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر”.

– صوم الثمانية من ذي الحجة :  اتفق الفقهاء على استحباب صوم الأيام الثمانية التي من أول ذي الحجة قبل يوم عرفة ، لحديث ابن عباس : رضي الله تعالى عنهما مرفوعا : ” ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء”.

قال الحنابلة : وآكده الثامن ، وهو يوم التروية . وصرح المالكية : بأن صوم يوم التروية يكفر سنة ماضية .

وصرح المالكية ، والشافعية : بأنه يسن صوم هذه الأيام للحاج أيضا . واستثنى المالكية من ذلك صيام يوم التروية للحاج . ونصوا على أنه يكره للحاج أن يصوم بمنى وعرفة تطوعا . قال الحطاب المالكي : بمنى يعني في يوم التروية ، يسمى عند المغاربة يوم منى.

– حكم صوم يوم عرفة لغير الحاج: أما صوم يوم عرفة، فقد اتفق الفقهاء على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج – وهو : اليوم التاسع من ذي الحجة – وصومه يكفر سنتين : سنة ماضية ، وسنة مستقبلة كما ورد في السنة المطهرة ، فقد روى أبو قتادة – رضي الله تعالى عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” صيام يوم عرفة ، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ، والسنة التي بعده ”  .

وفي معنى تكفير السنة الماضية والمستقبلة قال بعض الفقهاء : إن الله سبحانه يغفر للصائم ذنوب سنتين ، وقال آخرون : يغفر له ذنوب السنة الماضية ، ويعصمه عن الذنوب في السنة المستقبلة .

أما فيما يغفر من الذنوب بصيام يوم عرفة فقال جمهور الفقهاء : المراد صغائر الذنوب دون الكبائر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ” الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن من الذنوب إذا اجتنب الكبائر “.

وقال آخرون : إن هذا لفظ عام وفضل الله واسع لا يحجر ، فيرجى أن يغفر الله له ذنوبه صغيرها وكبيرها.

بل نص الشربيني الخطيب من فقهاء الشافعية على أنه أفضل الأيام على الإطلاق، فقال : وهو أفضل الأيام لحديث مسلم : ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة.

– صيام يوم عرفة للحاج: ذهب جمهور الفقهاء – المالكية والشافعية والحنابلة – إلى عدم استحبابه للحاج ، ولو كان قويا ، وصومه مكروه له عند المالكية والحنابلة ، وخلاف الأولى عند الشافعية ، لما روت  أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنهما أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن ، وهو واقف على بعيره بعرفة ، فشرب “، كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، فلم يصمه أحد منهم ” .

الحكمة في هذا أنه يضعف الحاج عن الوقوف و الدعاء والاجتهاد في العبادة،  فكان تركه أفضل ، وقيل : لأنهم أضياف الله وزواره، والضيف لا يصوم.

وقال الشافعية : ويسن فطره للمسافر والمريض مطلقا ، وقالوا : يسن صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلا ؛ لفقد العلة .

وذهب الحنفية إلى استحبابه للحاج – أيضا – إذا لم يضعفه عن الوقوف بعرفات ولا يخل بالدعوات ، فلو أضعفه كره له الصوم.

والراجح: رأي الجمهور من عدم استحباب صيامه للحاج، ولأنه مشغول بغيره من العبادات، ولكي يكون لغير الحاج نصيب من العبادة المخصوصة.

–  الورد بالقرآن العظيم : من المستحب قراءة القرآن دائما، لأن هذا الاستحباب يتأكد في الأيام الفاضلة، ومنها العشر الأوائل من ذي الحجة، خاصة يوم عرفة، ويختلف قدر القراءة حسب حال الإنسان، والأمر كما جاء في الموسوعة الفقهية:” والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص : فمن كان يظهر له لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل معه كمال فهم ما يقرأ ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو فصل الحكومات بين المسلمين أو غير ذلك من مهمات الدين ومصالح العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له ولا فوت كماله ، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل أو الهذرمة في القراءة “.

– إحياء ليالي العشر ذي الحجة: يستحب إحياء ليالي العشر من ذي الحجة، نص على ذلك الحنفية والحنابلة، واستدلوا بما رواه الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة ، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة ، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر ”

– الإكثار من الذكر فيها: يستحب  الإكثار من الذكر في عشر ذي الحجة. قال الإمام النووي – رحمه الله- : يستحب الإكثار من الذكر فيها زيادة على غيرها ، ويستحب من ذلك يوم عرفة ما لا يستحب في غيره. لقوله تعالى : {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]

– الأضحية: ومن الأحكام الفقهية التي تتعلق بشهر ذي الحجة؛ الأضحية، وهي ما يذبح شكرا لله وتقربا إليه  على نعمة الحياة إلى حلول أيام ذي الحجة.

وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب  فقوله تعالى : {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]. والمقصود – كما قال أهل التفسير-: فصل عيد الأضحى وانحر البدن بعدها.

ومن السنة ما صح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : ” ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما “. و منها قوله صلى الله عليه وسلم : ” من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا “.

– حكم الأضحية اختلف الفقهاء في حكم الأضحية على أقوال.

القول الأول أنها سنة مؤكدة: فذبح الأضحية سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، وهو قول عدد من فقهاء الصحابة والتابعين، منهم: أبو بكر وعمر وبلال وأبو مسعود البدري وسويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر .

واستدل الجمهور على السنية بأدلة كثير،  منها:

الديل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: ” إذا دخل العشر ، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا “، فدل قوله ” وأراد أحدكم” على الاستحباب والسنية وليس الوجوب. الدليل الثاني: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين ، مخافة أن يرى ذلك واجبا. وهما أفقه الصحابة والأمة، ولم يعرف لهما مخالف.

القول الثاني أنها واجبة:  فقد ذهب جمهور الحنفية إلى أن ذبح الأضحية واجبة . وبه قال ربيعة والليث بن سعد والأوزاعي والثوري ومالك في أحد قوليه . واستدلوا على ذلك بما يلي:

الدليل الأول:  قوله تعالى : { فصل لربك وانحر }. وقوله سبحانه ( فصل) فعل أمر، يدل على الوجوب.

الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا ” ، وهذه الصيغة فيها شبه وعيد، والوعيد على ترك شيء يدل على وجوب فعله.

الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: ” من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها ، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله ” . والأمر بالإعادة دليل الوجوب.

– إمساك المضحي عن قص أظفاره :  اختلف الفقهاء في حكم إمساك المضحي عن قص شعره وأظفاره، على النحو التالي:

المذهب الأول وجوب الإمساك: وإليه ذهب بعض الحنابلة وبعض الشافعية، وهو قول إسحاق وسعيد بن المسيب .

المذهب الثاني استحباب الإمساك: وهو قول الحنفية ، والمالكية ، و بعض الشافعية والحنابلة، مستدلين بما روت أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ، ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي “.

وفي رواية أخرى عن أم سلمة مرفوعا : ” من كان له ذبح يذبحه ، فإذا أهل هلال ذي الحجة ، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي ”  والحكمة في ذلك بقاؤه كامل الأجزاء ، لتشملها المغفرة والعتق من النار  .

ويحمل كلام الشافعية والحنابلة على مطلق ترك الحلق سواء ملك الأضحية أم لم يملكها مادام قد نوى.

– ذبح الهدي والأضحية في أيام التشريق : وقت ذبح الأضحية والهدي ثلاثة أيام : يوم الأضحى ، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة والحادي عشر والثاني عشر ، فيدخل اليوم الأول والثاني من أيام التشريق ، وهذا عند الحنفية والحنابلة وهو المعتمد عند المالكية ، وقد روي ذلك عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورواه الأثرم عن ابن عمر وابن عباس ، ولأن ” النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل من النسك فوق ثلاث ”  وغير جائز أن يكون الذبح مشروعا في وقت يحرم فيه الأكل ، ثم نسخ تحريم الأكل وبقي وقت الذبح بحاله .

وقد ورد عن بعض أهل المدينة إجازة الأضحية في اليوم الرابع .

وعند الشافعية يبقى وقت ذبح الأضحية والهدي إلى آخر أيام التشريق ، وهو الأصح ، كما قطع به العراقيون ، وقد روي عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كل أيام التشريق ذبح ” وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده وبه قال الحسن وعطاء والأوزاعي وابن المنذر  .

وقد ادعى قول أن الذبح حتى نهاية الشهر، وليس بصحيح، وليس فيه دليل معتبر.

– تأخير الصلاة و الجمع عند الحنفية: ومما يتعلق بأحكام شهر ذي الحجة أنه لا يجوز تأخير الصلاة ، ولا الجمع بين الصلوات عند الحنفية إلا في عرفة والمزدلفة، في اليوم التاسع من ذي الحجة ، فيجمع الإمام بين الظهر والعصر جمع تقديم ، بأن يصلي الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفات ، ويجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير بمزدلفة فيصلي المغرب والعشاء في وقت العشاء .

واشترط أبو حنيفة لجواز هذا الجمع : أن يكون محرما بحج لا عمرة ، وأن تكون هذه الصلاة بجماعة ، وأن يكون الإمام في جمع عرفة هو السلطان أو نائبه .

ولم يشترط أبو يوسف ومحمد أن تكون الصلاة بجماعة ، وأجازوا للمحرم بحج أن يصلي صلاة الجمع ولو كان منفردا ، أما الجمع في مزدلفة فلا يشترط فيه غير الإحرام والمكان ، وهو مزدلفة.

– الأيام البيض من ذي الحجة: يستحب صوم الأيام البيض من كل شهر ؛ لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك ، ومنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذاك صيام الدهر”.

وعن ملحان القيسي قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض : ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ، وقال : هو كهيئة الدهر ” . وهذا ينطبق على كل شهور العام عدا شهر ذي الحجة ، فلا يصام فيه اليوم الثالث عشر ؛ لأنه من أيام التشريق التي ورد النهي عن صومها .

والأوجه كما يقول الشافعية أن يصام السادس عشر من ذي الحجة .

– أعمال الحج: وكل أعمال الحج تكون في شهر ذي الحجة، إلا الإحرام، فيجوز أن يكون في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة، ومن أهم الأيام فيه يوم التروية ويوم عرفة ويوم العيد وثلاثة أيام هي أيام التشريق ( الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر)، وتفاصيل أيام الحج يرجع فيما كتبه الفقهاء في كتبهم عن الحج.

(المصدر: إسلام أونلاين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى